خصومات الميديا.. هل نحن فاشلون؟
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
محمد ضياء الدين
إطلعت قبل أيام قليلة فى الميديا، على ملخص كتاب صادر عن المركز القومى للترجمة بعنوان (القسوة وشرور الإنسان والعقل البشرى) من تأليف كاثرين تايلور، يقدم الكتاب مقاربة علمية لظاهرة القسوة فى محاولة لإكتشاف آلية إتخاذ القرار، ومسببات إستخدام مرحبا عبارات القسوة فى الحوار بين الأفراد والجماعات، خاصة عند الإختلافات (أيا كانت طبيعتها ودرجتها).
يخلص الكتاب إلى أن (القسوة أدعى أن ترتبط بالفشل وليس بالحقد والكراهية كما نظن).
هذه الخلاصة هى ما
ما دفعتنى لتناول هذا الموضوع بإيجاز ، مقروءا بظاهرةإستخدام الردود والعبارات القاسية فى حوارات الميديا، خاصة بعد تعقيدات المشهد السياسي فى بلادنا بعد الحرب.
الملاحظ أن (أغلب) الذين يختلفون حول أى موضوع أصبحوا يتعمدون القسوة والإساءات الشخصية في الرد على بعضهم البعض. وتحولت قروبات الواتساب والفيسبوك إلى منصة للرمى والقصف بأقسي العبارات التى تعمل على التقليل من الطرف الآخر. بل والتلزز بجرح (الخصم) ووضعه فى خانة العدو الذى يجب سحقه حد الموت ، والأنكى من ذلك يجد هؤلاء القساة دعم مناصريهم بالتعقيب مؤيدين بذات اللغة وأقسى، وبتناغم يبدو واضحا بالمشاركة باللايكات والقلوب الحمراء كمان.
إن من الدروس القاسية في الحياة. عليك أن تتعلم أن ليس كل الناس تتمنى لك الخير، خاصة فى بلادنا عندما تتولى المسؤلية فى العمل العام بل وحتى الخاص (تنفيذي/سياسي/مهني/ رياضى.. فنى.. الخ ) فإن كنت ناجحا ستنتاشك سهام الفاشلين ، والعكس صحيح.
السؤال الذى يطرح نفسه لماذا كل هذه القسوة والحقد والكراهية والتشفى، التى نستخدمها ولا نوفرها فى الردود على بعضنا البعض فى الميديا؟
هذا ما أريد أن أذهب اليه ( خصومات الميديا) ، التى وصلت حد إنتهاكات الخصوصية والتشهير والتلميح، التى لا تستثنى أحد رجل أو إمرأة،كبير أو صغير، ما دفع أغلبية أعضاء القروبات ليصبحوا مجرد قراء فى أفضل الأحوال، يلتزمون الصمت ويبتعدون عن المشاركة والتعليق، حتى لا يصابون بشظايا القصف والإنتهاكات، ويكتفون فقط بالعزاء وتمنى الشفاء.
لقد تطور العداء والقسوة لإستخدام الفوتوشوب والذكاء الصناعي، وغيرها من وسائل التقنية الحديثة إمعانا ليس فى تشوية صورة البعض فحسب، بل لحرقها سياسيا وإجتماعيا (لا يهم) ، فى ظاهرة غريبة على مجتمعنا.
شجع على ذلك غياب الدولة والقانون والحرب بالطبع .
بالتأكيد يجب أن ندرك بأننا لسنا ملائكة، وكلنا يحمل جينات الحماقة السودانية التى نعرف مدى حدودها التى لا تتجاوز (الشكلة.. والحجاز ثم الأجاويد والعفو والعافية) ..
ولكن لماذا هذه القسوة واللعن والإساءات والدعوة للموت ..
يقال..
أن من أسباب القسوة هي حب الدنيا وتفضيلها على الآخرة. والأنانية وتفضيل الذات على الآخرين.
والتصرف وفق الأهواء الشخصية.
وأخيرا علمنا أن من أسبابها هو الفشل كما ذهبت اليها كاثرين تايلور فى كتابها المشار إليه أعلاه.
عليه ووفقا للحال والوصف الذي نشاهده ونعايشه يوميا في الميديا فإن هذا السؤال يطرح نفسه (هل نحن فاشلون فعلا )!!
بعد وصف الكاتبة أن القسوة أدعى للفشل وليس للحقد والكراهية كما نظن (هل تتفق مع هذا المنطق) عزيزى القارئ.
شخصياً هذا الوصف لم يخطر على بالى من قبل.. إلا أننى أصبحت أقرب إلى القناعة به . فقط أؤمن بأننا حتما ستنجاوز الفشل والفاشلين.
الإجابة على السؤال أعلاه تقود لسؤال آخر هل الفشل هو السبب فى عجزنا عن الحوار الموضوعى القائم على الإحترام وتقدير الرأى الآخر !.
هل خلاصة الإجابات تعزز نظرية الفشل؟
أم أن هناك أسباب أخرى.
بالمناسبة ..
الله يلعن شيطانا، ويفك عارضنا.
خاتمة
أخاف أن يأتى علينا زمان وصفه سيدنا على
بن أبى طالب بقوله ..
(يأتى عليك زمان لا تجد فيه سرور نفسك إلا فى إعتزال الناس).
١٢ أكتوبر ٢٠٢٣
الوسوممحمد ضياء الدينالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
اللغة العربية هوية
فى 18 ديسمبر 1973 قررت الأمم المتحدة إدراج اللغة العربية لغة رسمية فى أروقتها وقراراتها ومؤتمراتها، وبعدها بعام أعلنت منظمة اليونسكو يوم 18 ديسمبر من كل عام يومًا عالميًا للاحتفال والاحتفاء باللغة العربية التى يتحدث بها قرابة 400 مليون فى البلدان العربية والأفريقية ولأنها لغة القرآن الكريم كما أنها تلك اللغة التى أسهمت فى نقل الحضارات القديمة من يونانية ورومانية وفارسية إلى الغرب من خلال ترجمات أهل العلم والفكر فى الدولة الإسلامية، خاصة دولة الأندلس حين كانت هناك حضارة عربية غربية على أرض شبه جزيرة إيبيريا على مدى 800 عام حتى سقطت آخر معاقل تلك الدولة فى عام 1492 وهو ذات العام الذى اكتشف فيه كريستوفر كولومبس البرتغالى قارة أمريكا أغسطس 1492 وهى إشارة وإذان بسقوط حضارة وبداية أخرى.
اللغة العربية الآن على المحك ليس فقط للحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى يمر بها الوطن العربى والمنطقة التى يصرون الآن على تسميتها الشرق الأوسط الكبير لإدراج الكيان الصهيونى ودولته الغاشمة ضمن المنطقة العربية وحتى يمكنوا أيضًا من طمس أولى وأهم مفردات وأركان الثقافة ألا وهى "العربية" مفردًا وصفة ومعنى وفكرًا؛ ولكن لأن اللغة العربية تواجه أكبر التحديات ألا وهو التكنولوجيا الحديثة وما يسمى «الذكاء الاصطناعى» وتداعياته من المحتوى الرقمى الذى ما زلنا فى واد بعيد عن الدخول إلى عوالمه الغريبة والمخيفة... الأطفال والشباب يتعاملون اليوم مع التطبيقات الحديثة والألعاب والترفيه والعلم عن طريق التليفونات المتاحة للجميع وهى مؤثرة على الأجيال الجديدة بصورة مرعبة سواء فى مجال الإعلام أو الفن أو الثقافة والتواصل والتكوين الفكرى والسلوكى ولكن الأخطر والأهم الآن هو العلم والتعليم...
يستخدم الصغار والشباب تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى الوصول السهل السريع للمعلومات وليس البحث الدقيق من أجل المعرفة والعلم وأيضًا القيام بالواجبات والتكليفات والابحاث والرسائل العلمية الأكاديمية دون معرفة وتعلم...
فى المدارس لا توجد وحدات لقياس الاقتباس والنسخ من تطبيقات الذكاء. الاصطناعى وكم المعلومات المغلوطة التى يبثها، بينما الجامعات كذلك لا تهتم بالدرجة العلمية المطلوبة لهذا الأمر الخطير، وإن كانت الرسائل العلمية فى بعض الجامعات العريقة والراسخة تخضع لهذه الاختبارات لقياس مدى ونسبة الاقتباس من تلك التطبيقات فيما يخص الرسائل الأكاديمية إلا أن المشكلة الكبرى الآن فى المدارس وفى طلاب مراحل الليسانس والبكالوريوس وفى المعاهد والمراكز التى تمنح درجات وشهادات قد لا تكون مدققة بشكل كاف علميًا.
اللغة العربية بعيدة عن التكنولوجيا وعن تلك التطبيقات وعن المحتوى لأنها غير معترف بها ضمنيًا فى المدارس والجامعات وحسنًا فعل وزير التعليم السابق د. طارق شوقى فى محاولة تطوير كتب ومناهج اللغة العربية على النظام الغربى مع التعريب فى طريقة التعلم والتدريبات والأسئلة... أيضًا وزير التعليم الحالى أصدر أهم قرار فى إدراج اللغة العربية مادة أساسية ليس فقط للنجاح والرسوب ولكن ضمن الدرجات والمجموع فى جميع المدارس الأجنبية والدولية وهى خطوة تأخرت أكثر من ربع قرن وهى مهمة وضرورية ومحمودة على أية حال...
اللغة العربية يجب أن تكون مادة أساسية فى جميع الكليات والمقررات حتى كليات الطب والعلوم والهندسة والحاسبات... أما كليات الإعلام فإن اللغة العربية مفروض أن تطرح فى عدة مقررات بداية من الكتابة إلى النطق والأداء مرورًا بالترجمة ودراسة الأسلوب حتى دراسة تاريخ الثقافة والفكر العربى... أما الوزارات والهيئات فإن وحدة اللغة العربية واجبة فى التصحيح اللغوى وفى النشر وتصحيح اللغة ومفرداتها... أما فيما يتعلق بالإعلام والفضائيات والإعلانات فهى معضلة كبرى تم تناولها لعشرات المرات من قبل الكثيرين... نبدأ من التعليم والمدرسة والجامعة حتى نصل إلى الإذاعة والتليفزيون والصحافة ووسائل التواصل...
القضية أننا لم نبدأ بعد ولم نحتفل ولم نحتف علميًا ونريد مبادرة وخطة على مستوى الدولة ووزارة الثقافة والتعليم والإعلام ليس للحوار ولا إلقاء الأبحاث وإقامة الندوات، ولكن لجمع المعلومات والأبحاث والرؤى ومعرفة الداء ووصف الدواء، وإطلاق التوصيات وتنفيذ القرارات ومتابعتها... اللغة العربية هويتنا والهوية هى الوجود قبل الاختفاء والضياع.