"إسرائيل - فلسطين" والتحرك الدولي
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
آن الآوان أن تعلن الأمم المتحدة عن موقفها تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن تتذكر معاناة شعب وأمة عانت ويلات العدوان على أراضيها واغتصاب مقدراتها، وفي كل مرة كان يتعرض هذا الشعب لأي انتهاك أو اغتصاب أو تجاوز من قبل سلطات الإحتلال كنا نجد الامم المتحدة تغض البصر عن كل هذه الإنتهاكات، وأن وضعت في موقف متأزم نجدها تطلب فقط "ضبط النفس"، بل أنها دوما ما كانت توجه الانتقادات للسلطة الفلسطينية وتقف ضد مآربها الساعية إلى الإعمار، وتتناسى أن الفلسطينيين منذ أكثر من 70 عامًا وهم ضحايا للانتهاكات التي ترتكبها دولة إسرائيل، وهنا إعلان الموقف ليس فقط مطلوب من الامم المتحدة ولكن أيضا مطلوب من كافة المؤسسات الدولية الأخرى التي كشفت عن سياستها في الكيل بمكيالين تجاه التعامل مع الامور، وهنا اتحدث عن الاتحاد الأوروبي الذي أعلن على لسان أوليفر فارهيلي، تعليق جميع مدفوعات مساعداته التنموية للفلسطينيين، وقرر إعادة تقييم كافة برامجه الحالية التي تبلغ قيمتها الإجمالية 691 مليون يورو، وتبعه في ذلك كلا من ألمانيا والنمسا التي أعلنتا عن تعليق المساعدات للأراضي الفلسطينية، وذلك عقب "طوفان الأقصى" الذي شنته حركة حماس على إسرائيل.
كما وصفت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية ما حدث بأنه إرهاب في أبشع صوره، ولإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة مثل هذه الهجمات الشنيعة.
وقال ديلان وايت، المتحدث باسم التكتل العسكري بالحلف الأطلسي، ندين بشدة الهجمات الإرهابية التي نفذتها حماس على إسرائيل شريكة الحلف الأطلسي.
ووسط كل هذا نجد إعلان الإدارة الأمريكية على لسان الرئيس الأمريكي، جو بادين، تأكيده بأن الولايات المتحدة ستقدم لإسرائيل ما ستحتاجه للدفاع عن نفسها، ونقلت مواقع أمريكية اخبارية ان بنيامين نتانياهو طلب من بايدن دعما أمريكيا طارئا لشراء المزيد من الصواريخ لنظام القبة الحديدية الدفاعي.
اللافت للنظر وسط كل هذا هو قيام سكان أكبر مدينة تضم يهود في العالم في نيويورك بالتظاهر لدعم فلسطين وتأييد هجوم حماس على إسرائيل وتجمع المتظاهرون فيها بمكبرات الصوت ولافتات صفراء كتبوا عليها "المقاومة ضد الاحتلال حق من حقوق الإنسان" و "أوقفوا جميع المساعدات الأمريكية لإسرائيل العنصرية"
وعلى مستوى السياق العربي قدم السفير مهند العكلوك مندوب فلسطين الدائم لدى الجامعة العربية مذكرة للجامعة العربية تضمنت طلب عقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب في دورة غير عادية في أقرب موعد ممكن لبحث سبل التحرك السياسي على المستوى العربى والدولى لوقف العدوان الإسرائيلى وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وتحقيق السلام والأمن المرتكز على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وبعد عقد الاجتماع خرج بيان الجامعة بصيغة هشة كعادتها لم تخرج عن فكرة الإدانة حيث ادانت ما قالت عنه "قتل المدنيين" من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي واستهدافهم والتأكيد على ضرورة حمايتهم وأيضا على ضرورة إطلاق سراح المدنيين وجميع الأسرى والمعتقلين، ودعوة كافة الأطراف إلى ضبط النفس والتحذير من التداعيات الإنسانية والأمنية الكارثية لاستمرار التصعيد وتمدّده.
ورغم أن الكثيرون في الأوساط الدولية والعالمية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان أدانت تأخر تحرك الجامعة العربية بل انها لم تقم بعقد اجتماع طارئ غير عادي من تلقاء نفسها لكنها انتظرت لحين تقديم طلب رسمي ومذكرة من مندوب فلسطين الدائم لديها، لكنهم توقعوا أن يخرج بيان الجامعة مثل البيانات السابقة التي كانت تطالب بضبط النفس والشجب والاستنكار، وكان الغريب الذي وضع الجامعة في حرج هو تصريح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الذي خرج به بعد المباحثات التي أجراها مع الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد أبو الغيط، في موسكو، باستعداد كل من روسيا وجامعة الدول العربية، للمساهمة في فض النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين وقال نصا "يتوجب على روسيا وجميع أعضاء جامعة الدول العربية، المساهمة في وقف إراقة الدماء، وإنهاء معاناة المدنيين في إسرائيل وفلسطين، ومن الممكن تحقيق ذلك"، ولم يخرج هذا التصريح عن الجامعة نفسها مثلا، وقال لافروف في تصريحاته نحن على استعداد للمساهمة في فض النزاع بالتعاون مع الدول العربية، وجميع الدول الأخرى المهتمة بنشر السلام المستدام بالشرق الأوسط، وضمان أمن جميع دول المنطقة دون استثناء، بما في ذلك دولة فلسطين، ويتطلب ذلك قرارا من قبل مجلس الأمن".
ولم يكن موقف مجلس الأمن ايضاً يحمل جانب إنساني بل أنه ارتكن إلى مبدأ ( لا أسمع لا أرى لا أتكلم) بل أدان عدد من أعضاء مجلس الأمن الدولي الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل، ليس هذا فقط بل أن الولايات المتحدة دعت جميع أعضاء مجلس الأمن إلى إدانة "حازمة" لهجوم حماس على إسرائيل قبل انعقاد جلستها الطارئة وبعد الاجتماع الطارئ والمغلق أبدت الولايات المتحدة أسفها لغياب الإجماع في هذا الاجتماع.
كما أن التصريحات التي خرجت عن بعض ممن حضروا الاجتماع أكدوا على انه لم تقدم أي دولة اقتراحا لإصدار إعلان مشترك، وآراء أخرى رأت أن المجلس أظهر انقساما حيال القضية الإسرائيلية الفلسطينية
وكان الغريب في الأمر قبل انعقاد هذا الاجتماع تصريحات روبرت وود، مساعد السفير الأميركي لدى مجلس الأمن للصحفيين والتي قال فيها "نأمل أن يدين جميع أعضاء مجلس الأمن بحزم ما حدث في إسرائيل و نأمل بأن نسمع من الأعضاء الآخرين في المجلس إدانة شديدة لهذه الأفعال الإرهابية المشينة، التي ارتكبت بحق الشعب الإسرائيلي وحكومته" الأمر الذي لم يتحقق من الأعضاء بعد الانقسام الداخلي بينهم.
وخلال هذه الجلسة كان حديث السفير الإسرائيلي، جلعاد إردان، إلى وجود طلب وحيد لإسرائيل من مجلس الأمن يتمثل في إدانة جرائم الحرب التي ترتكبها حماس على حد قوله بأنها جرائم حرب ويجب أن تتلقى إسرائيل دعما قويا للدفاع عن نفسها، وفي المقابل خرج تصريح ورد المندوب الفلسطيني الدائم لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، الذي يمثل السلطة الفلسطينية وليس حركة حماس وقال حان الوقت لإبلاغ إسرائيل بوجوب أن تغير مسارها بوجود طريق للسلام لا يقتل فيه الفلسطينيون ولا الإسرائيليون.
وبعيدا عن كل هذا لابد أن نرتكن إلى جانب مهم لوسائل الإعلام العبرية عندما قالت أن إسرائيل لا تفهم حماس، وشبهت "طوفان الأقصى" بهجمات 11 سبتمبر، وما قاله أيضاً تور وينيسلاند، مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط، بأن ما حدث "هاوية خطيرة" وناشد الجميع "التراجع عن حافة الهاوية" وفي رايي المتواضع هو ما لابد أن يحدث وبشكل سريع وعاجل التراجع عن "حافة الهاوية" بعد التخوف من خروج الوضع عن السيطرة، لذا بات على الجميع ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأمم المتحدة الاراضي الفلسطينية إسرائيل الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين المفوضية الاوروبية الإدارة الأمريكية الولايات المتحدة نيويورك فلسطين وزراء الخارجية العرب مبادرة السلام العربية موسكو حماس على إسرائیل الدول العربیة مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
ما قصة ساحة فلسطين التي أصبحت أزمة وصراعا سياسيا بالدانمارك؟
يقول ناشطون دانماركيون إن تسمية الطرق والميادين في كوبنهاغن تتم عادة من دون الكثير من الضجة أو حتى جذب انتباه الجمهور، ولن يكتشف معظم المواطنين أن طريقا أو ساحة تمت إعادة تسميتها إلا عندما تظهر علامة جديدة على زاوية الشارع.
لكن ما حدث مع منطقة نوربرو (شمال غربي العاصمة كوبنهاغن) كان مختلفا تماما، وشهدت بلدية المنطقة فصولا من الجدل والإثارة التي استمرت على مدى أكثر من عام ونصف العام حتى حانت ساحة الحسم وصدر قرار بتسمية المنطقة "ساحة فلسطين".
بدأت القصة في المجلس البلدي لمدينة كوبنهاغن عندما تقدمت 4 أحزاب (القائمة الموحدة، والشعب الاشتراكي، والبديل، والراديكالي اليساري) وكلها داعمة للقضية الفلسطينية بطلب، من أجل تسمية ساحة في منطقة نوربرو باسم "ساحة فلسطين"، وكان ذلك في أغسطس/آب 2023.
لكن قبل مناقشة الطلب بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فطلبت أحزاب المعارضة تأجيل البت في المقترح، بحجة أن ذلك قد يثير جدلا وأزمات سياسية في ظل "الصراع المستمر بين إسرائيل وفلسطين".
ولم يتوقف الجدل هنا، إذ تقدمت أحزاب اليسار بشكوى للهيئة العليا للمراقبة بشأن القضية، واستندت هذه الأحزاب إلى أن صراعات السياسة الخارجية لا يمكن للمجالس المحلية التعامل معها، ولذلك قررت الهيئة المضي قدما في مشروع تسمية الساحة.
إعلانوتصاعدت القضية أكثر عندما تحول الملف إلى بلدية كوبنهاغن من أجل الاستشارة الفنية في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وتلقت البلدية 162 استفسارا حول التسمية، وكانت أغلبها (153) إيجابية، ولم تتلق إلا 9 اعتراضات فقط لتسمية المنطقة المعنية، ولذلك قررت لجنة التكنولوجيا والبيئة الموافقة على مقترح "ساحة فلسطين".
والخميس الماضي، صوتت الأغلبية في مجلس بلدية كوبنهاغن لصالح تسمية "ساحة فلسطين" بموافقة 29 صوتا من أصل 55 عضوا، وصدر القرار بالموافقة على التسمية التي ستدخل حيز التنفيذ في الأول من أبريل/نيسان القادم.
خلافات سياسية
وقد يمثل الجدل المصاحب لمقترح التسمية هذا انعكاسا لطبيعة الصراع بين الأحزاب المحلية في كوبنهاغن، وكذلك الحساسية السياسية المحيطة بالقضية الفلسطينية.
لذلك يقول كاشف أحمد العضو في الحزب الراديكالي اليساري، وهو أحد الأحزاب التي قدمت مقترح التسمية، "إننا واجهنا عدة أطراف حاولت تعطيل عملية التسمية، أو تدفعنا للتراجع عن قرارنا"، متذرعة بأن التسمية تتعلق بالسياسة الخارجية وستثير الجدل ويجب رفضها.
وأضاف أحمد -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن منطقة الساحة يسكنها أفراد متعددو الثقافات والعرقيات، وبعضهم من خلفيات شرق أوسطية، و"ساحة فلسطين" ستوفر حضورا واعترافا بهذه المجتمعات وإسهاماتها في الحياة الثقافية في كوبنهاغن، كما "ستعزز الحوار ومناقشة المواضيع الشائكة بدل تجاهلها وصولا لمصالحة مجتمعية وفهم مشترك".
وأشار عضو الحزب الراديكالي إلى أن "ساحة فلسطين" ستكون رمزا للسلام والاعتراف بالفلسطينيين في كوبنهاغن، و"ستشجع على النقاشات والحوار بشأن السلام والعدالة والتعايش، حيث يمكن للهويات المختلفة أن تتفاعل معا وتحترم التاريخ المغاير لدى كل منها".
رمزية سياسية
ربما لا تشغل الساحة التي يدور الحديث عنها مساحة كبيرة من الأرض، أو قد تكون مجرد ساحة مثل غيرها من الساحات ضمن بلدية المدينة الكبيرة، لكنها لدى الناشطين في الدانمارك تمثل رمزية سياسية ذات دلالات مؤثرة، خاصة في هذا التوقيت.
إعلانولهذا يقول عيسى طه نائب رئيس المنتدى الفلسطيني في الدانمارك إن هناك صراعا حقيقيا حول من يتصدر المشهد ويمثل الرأي العام هنا في كوبنهاغن، وذلك عبر ما تسمى "حرب السرديات"، لا سيما أن الدعم المقدم للقضية الفلسطينية بعد الإبادة الجماعية على قطاع غزة وفلسطين في ازدياد، وشمل جوانب عدة مثل العمل القضائي والحقوقي والإغاثي والنقابي والطبي والشعبي والسياسي.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أضاف طه أن القرار في حد ذاته له دلالات رمزية سياسية، ويمثل صفعة لكل من يناصر الاحتلال ويدعي أن الدانمارك ومؤسساتها الحكومية وغير الحكومية تدعم الاحتلال الإسرائيلي، "بينما الواقع يقول عكس ذلك ولدينا 3 منظمات غير حكومية (أمنستي وأوكسفام وأكشن إيد) رفعت قضية على الحكومة الدانماركية لتصديرها السلاح لإسرائيل.
ويشرح نائب رئيس المنتدى الفلسطيني التركيبة السياسية في الدانمارك بأن الأحزاب التي تبنت مشروع "ساحة فلسطين" تمثل أغلبية في بلدية مدينة كوبنهاغن، وهي كلها داعمة للحق الفلسطيني. بينما الحكومة الدانماركية تتألف من أحزاب اليمين والوسط واليسار، وهي أحزاب مناصرة للاحتلال الإسرائيلي.
ولعل هذا ما يفسر العديد من المبادرات التي تثبت أن الشارع الدانماركي له رأي مختلف عما يقوله السياسيون، ومشروع التسمية هذا يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، ولعله جزء من الدور التراكمي الذي يصب في خدمة القضية الفلسطينية، حسب ما قاله عيسى طه.
الدعم الشعبي
والاختلاف السياسي الذي أشار إليه عيسى طه سابقا، يضرب عليه مثالا الناشط والإعلامي الدانماركي نيلز بريك بأنهم قدموا العام الماضي مقترحا شعبيًا للاعتراف بخطر الإبادة الجماعية في غزة، ولكن أقل من 7% فقط من أعضاء البرلمان صوّتوا لصالحه. مؤكدا "أن هناك دعمًا أكبر في كوبنهاغن لحقوق الإنسان والحرية والعدالة لجميع الناس، بما في ذلك الفلسطينيون، ولهذا السبب لدينا ساحة فلسطين في كوبنهاغن اليوم".
إعلانوأضاف بريك -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن الحركة المؤيدة لفلسطين في كوبنهاغن "شاركت في مظاهرات كل أسبوع تقريبا على مدى أكثر من عام في جميع أنواع الطقس". مبينا أن هذا الحراك الشعبي أسهم في تهيئة المناخ السياسي الذي وافق على أن تكون هناك ساحة في كوبنهاغن تسمى ساحة فلسطين.
وأشار بريك إلى أن الحركة المؤيدة لفلسطين بذلت جهدًا كبيرًا في انتقاد الإعلام عندما كان يحرّف الأحداث أو يعتمد فقط على الرواية الإسرائيلية ودعايتها ونشرها الأكاذيب. قائلا "إننا فعلنا ما بوسعنا لضمان وصول أكبر قدر ممكن من الحقيقة إلى عامة الناس، وبالطبع الحقيقة التي تخدم القضية الفلسطينية".