تتفاعل قضيّةُ النزوح السوري، وتأخذ منحًى أمنيًا خطيرًا، بدأت مؤشّراته تظهر في التوترات المتنقّلة التي شهدها عدد من المناطق اللبنانية، ما ينذر بانفجار اجتماعي وأمني وشيك. لبنان الرسمي يرفع الصوت ويُطلع دول القرار على خطورة تداعيات النزوح، وما يشكّله من أزمة وجوديّة، آخرها التحذير الذي أطلقه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، خلال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، مكررًا دعوته لوضع خارطة طريق، بغية إيجاد حلول مستدامة لأزمة النزوح السوري، قبل أن تتفاقم تداعياتها بشكلٍ يخرج عن السيطرة.

 

مؤخرّا برزت دعوة الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله لتسهيل هجرة النازحين إلى أوروبا، معتبرًا أنّ فتح البحر أمامهم يجعل الدول الأوروبية "تأتي خاضعة إلى بيروت، لتقول ماذا تريدون لإيقاف هجرة النازحين". 

من الناحية القانونية، هل يمكن للبنان فتح البحر أمام سفن النازحين باتجاه أوروبا؟ وما هي الإجراءات القانونية التي تتيح للبنان ترحيل النازحين وإعادتهم إلى بلدهم؟ 

يقرأ الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة (JUSTICIA) الحقوقيّة، موضحًا أنّ مقترح فتح المجال البحري للمهاجرين عبر البحار يتيح لأوروبا أن تواجهه بثلاثة خيارات: الأول أن تتعامل الدول الأوروبيّة وتحديدًا المتوسطية مع لبنان تعاملًا دبلوماسيًّا وسياسيًّا، من دون أن تتخذ إجراءات بحقّه. ثانيًّا أن تتشدد في تعاملها، فتطال الإجراءات التعاملات التجارية مع لبنان والتحويلات المالية، وصولًا إلى اتخاذ تدابير دبلوماسية تجيزها اتفاقيّة فيينا للعلاقات الدبلوماسية، من استدعاء السفراء وصولًا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وهذا يؤدي إلى شبه حصار. والمستوى الثالث يتمثّل في رفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي، بهدف اتخاذ قرار تحت الفصل السابع، وما يليه من تدابير، كفرض حصار اقتصادي أو اتخاذ تدابير عسكرية بحق لبنان.  

يضيف مرقص "من المرجّح أن تقتصر الإجراءات الأوروبية على المستوى الأول، بحيث يكون تأثيرها محدودًا، لا يصل إلى قطع العلاقات مع لبنان، وفي هذه الحالة، ربّ ضارة نافعة، بحيث يفرض لبنان تحت وطأة الهواجس الأوروبية ما يناسب مصلحته، لجهة إعادة النازحين إلى بلادهم". 

امكانات الترحيل 

بعيدًا عن مقترح تسهيل قوارب النزوح إلى أوروبا، يلفت الخبير الدستوري الدكتور انطوان صفير في اتصال مع "لبنان 24" إلى أطر ثلاثة تتيح التحرك بموجبها في معالجة أزمة النزوح، أولا إمكانيّة ترحيل من دخلوا خلسة، ولا يمتلكون إقامات شرعيّة فيه، وهؤلاء أعدادهم كبيرة، وهم أيضا مستمرّون في التسلل، في وقت يحاول الجيش اللبناني الحدّ من موجات النزوح المتجدّدة قدر الإمكان. ثانيًا عدم السماح للذين يزورون سوريا بدخول لبنان مجددًا، لأنه عندها تنتفي الأسباب المتعلقة بالمخاطر حيال هؤلاء. والإطار الثالث متعلّق بالمجتمع الدولي ووجوب تحميله مسؤوليته "كون لبنان لا يمكن له أن يستضيف أكثر من 5% من عدد سكانه، في حين أن عدد هؤلاء قد يصل إلى 50%، خلافًا لكل المعاهدات المتعلّقة باللاجئين. خصوصًا أنّ الموضوع بات ينذر بحرب، وبدأنا نشهد عينة من التوترات الأمنية، وقد يتفاقم الوضع في ساعات وأيام ويخرج عن السيطرة".  

صفير يطرح علامة استفهام حيال عمل مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويسأل: هل دورها يكمن في توطين النازحين في لبنان وتأمين إقامة جيدة لهم؟ 

دراسة قانونية  

وكان مرقص قدّ أنجز دراسة قانونيّة مفصّلة، ضمّنها الإجراءات القانونيّة التي يمكن للبنان القيام بها لترحيل النازحين، استناداً إلى قوانينه الداخلية وإلى الاتفاقيات والمعاهدات الدوليّة، منها: قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في 10 تموز 1962، والذي ينصّ في المادة 17 على "صلاحية المدير العام للأمن العام بإصدار قرارات بترحيل الأجانب في حالات استثنائيّة، حيث يشكّل الأجنبي خطراً على السلامة والأمن العام". والمادة 32 منه التي نصّت على "معاقبة الأجانب الذين يدخلون الأراضي اللبنانية بطرق غير قانونيّة، بعقوبة الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات والغرامة والإخراج من لبنان، فمن يدخل إلى لبنان بصفة غير قانونيّة سعياً للجوء من الاضطهاد أو بصفة غير قانونية للغرض ذاته، ويبقى في البلاد لفترات أطول من المسموح بها في تأشيرات الدخول، تتم معاملتهم على أنّهم مهاجرون غير شرعيين، ويتعرّضون للاعتقال والسجن والغرامات والإخراج أي الترحيل". 

من ضمن الإجراءات القانونية المتاحة أيضًا، قرار المجلس الأعلى للدفاع في 15 نيسان 2019 الذي قضى بترحيل المواطنين السوريين الداخلين إلى لبنان من دون المرور بالمعابر الرسمية. كما يشير مرقص في دراسته إلى أنّ لبنان لم يوقّع على اتفاقية اللاجئين الصادرة عام 1951، وليس هناك من قانون داخلي مطبّق للاجئين، الأمر الذي يحرّره من أي التزامات لمعاملتهم كلاجئين، مع إلتزامه الحفاظ على حقوقهم الإنسانية. يضاف إلى ذلك مذكّرة التفاهم التي أبرمها لبنان مع مفوضيّة الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين عام 2003، وما تضمّنته لجهة التأكيد أنّ لبنان ليس بلد لجوء، والفقرة "ط" من مقدّمة الدستور التي نصّت على رفض التوطين. في الإطار نفسه يمكن للبنان أن يستعين بما أكدّت عليه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لجهة حقّ الدول بموجب القانون الدولي، بطرد الأشخاص الذين يتبيّن أنّهم ليسوا بحاجة إلى حماية دوليّة، وأن من واجب بلدان الأصل أن تسترد مواطنيها بطريقة إنسانيّة تراعي كامل حقوقهم. 

بالمقابل يلفت مرقص في دراسته، إلى أنّ السلطات اللبنانية ملزمة قانونًا بمنح أي مواطن سوري ترغب بترحيله الوقت الكافي للإعتراض على قرار ترحيله، وتوضيح أسباب عدم رغبته بالعودة إلى سوريا ومراجعة القضاء أو البحث عن بلد آخر للانتقال إليه. فضلًا عن وجوب الإلتزام باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1948، والتي تنصّ على عدم جواز طرد أيّ شخص إذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الإعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب. 

يدرك المجتمع الدولي أنّ ملف النازحين السوريين وأعدادهم المليونيّة ومخاطر بقائهم ديمغرافيًا واجتماعيًا وأمنيًا، أكبر من قدرة لبنان على تحمّله، رغم ذلك يوصي ممثلو المجتمع الدولي بوجوب بقائهم ودمجهم في المجتمعات المضيفة، إلى حين تبلور حلّ شامل في سوريا، قد تنقضي عقود من الزمن قبل تحقيقه. بالمقابل تفعل دول القرار ما بوسعها لإبقاء النازحين بعيدًا عن حدودها، مقاربة كافية ليدرك اللبنانيون وجوب وضع خلافاتهم جانبًا والتوحّد لمواجهة خطر النزوح، لا مطالبة الحكومة بمعالجة ملف النازحين ومقاطعة أيّ جلسة تدعو إليها لهذا الغرض. 

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: قانونی ة

إقرأ أيضاً:

كمائن بقنابل إسرائيلية.. هكذا تعيد المقاومة تدوير الذخائر غير المنفجرة (شاهد)

لا تدخر المقاومة في قطاع غزة جهدا لاستغلال كل ما يقع بين يديها من إمكانيات، لصالح دعم مجهودها العسكري في مواجهة قوات الاحتلال التي تشن تواصل التوغل والعدوان في عدد من مناطق القطاع.

في هذا السياق، تعيد المقاومة تدوير القنابل والقذائف التي ألقاها الاحتلال على رؤوس المدنيين في عموم قطاع غزة، ولم تنفجر، رغم انطواء هذه الخطوة على مخاطر كبيرة، إذ إن جزءا منها مخصص أساسا لنصب أفخاخ، بحيث تنفجر عقب ساعات أو أيام من إطلاقها.

كمائن بقنابل إسرائيلية
استخدمت المقاومة قنابل إسرائيلية غير منفجرة مرات عديدة في نصب كمائن لجنود وأرتال قوات الاحتلال في قطاع غزة، وقبل يومين أعلنت سرايا القدس الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، نصب كمين محكم لقوات الاحتلال في شارع بغداد بحي الشجاعية، باستخدام صاروخ كبير لم ينفجر، أطلقته طائرة "أف 16".



كما استخدمت كتائب القسام هذه الطريقة مرارا في عدد من الكمائن، كان آخرها نصب كمين لدبابة إسرائيلية في حي تل السلطان برفح، بواسطة ألغام أرضية لم تنفجر، يستخدمها الاحتلال عادة في نسف المباني والمنشآت السكنية.

لا يمكن لنا إلا أن نقف إجلالاً وتعظيماً لهؤلاء الشباب الذين يحفرون بأيديهم الأرض ليقاتلوا شرذمة البغي والعدوان.

إنه أمرٌ عظيم أن يحفروا أياماً وسط المعارك وقرب الدبابات والمدرعات والجنود وتحت أزيز الطائرات بمختلف أنواعها، بينما الاحتلال يبحث عنهم وعن أنفاقهم؛ نجحوا في حفر نفق… pic.twitter.com/nc5dLaacpD — رضوان الأخرس (@rdooan) June 26, 2024
حجم القنابل التي ألقيت على غزة
ألقى جيش الاحتلال 79 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، الذي تبلغ مساحته 360 كيلو متراً مربعاً، بما يعادل تقريباً 220 ألف كيلو من المتفجرات لكل كيلو متر مربع، وهو ما يعادل تقريباً 5 أضعاف القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما باليابان، إبان الحرب العالمية الثانية في السادس من أغسطس 1945. وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة.


ما نسبة القنابل التي لم تنفجر؟
كشفت تقرير للأمم الأمم المتحدة، عن وجود ما يقرب من 7500 طن من الذخائر غير المنفجرة في جميع أنحاء قطاع غزة بسبب العدوان المتواصل، مطالبة المجتمع الدولي بالتحرك لإزالتها لما تمثله من خطر على المدنيين.

وقالت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، إن "هناك نحو 7500 طن من الذخائر غير المنفجرة المتناثرة في جميع أنحاء غزة، الأمر الذي قد يستغرق ما يصل إلى 14 عاما لإزالتها".

بدورها، ذكرت إذاعة جيش الاحتلال مؤخرا أن غزة تلقت منذ بدء الحرب أكثر من 50 ألف قنبلة، 5% منها لم تنفجر، لكن تقديرات عسكرية دولية تشير إلى ما بين 10 إلى 15% من القنابل لا تنفجر عادة خلال الحروب.

وحذرت الإذاعة من أنه "يمكن لحركة حماس استخدام القنابل التي لم تنفجر لبناء صواريخ جديدة"، مشيرة إلى أنه في حال التوصّل إلى تهدئة طويلة في إطار صفقة تبادل ستنجح حركة حماس في بناء قدرات صاروخية كبيرة".

ماهي أنواع القنابل التي ألقيت على غزة؟
يشير رصد أجرته "عربي21" أن قوات الاحتلال استخدمت نوعيات عديدة من القنابل الفتاكة في قصف قطاع غزة، معظمها أمريكية الصنع غالبيتها من طراز "MK" الأمريكية، وهي تحتوي على مواد شديدة الانفجار، ومنها أنواع متعددة الأحجام والأوزان، وهي "MK82" ويبلغ وزنها 500 كيلوغرام، و"MK83" ووزنها 750 كيلوغرامًا، و"MK84" بوزن طن، وهي الأكثر فتكا وتدميرا.

هذه الأنواع الثلاثة، ألقتها مقاتلات جيش الاحتلال بغزارة على غزة، ما أدى إلى تدمير أحياء وتغيير معالم مناطق مدنية بأكملها.

كما استخدم جيش "الاحتلال" قنابل مجنحة من نوع "GPU31"، و"GPU38"، و"GPU10"، في قصف بعض الأحياء المدنية أيضا.

وإلى جانب هذه القنابل، تستخدم قوات الاحتلال بكثافة قذائف المدفعية الثقيلة من عيار "155 ملم"، والتي تضرب فيها الأحياء السكنية، وتشكل عبرها حزاما ناريا لعزل بعض المناطق.

ويضاف إلى هذه القنابل؛ الألغام المتنوعة التي تستخدم من قبل قوات الهندسة التابعة للاحتلال في نسف وتدمير المنشآت والمنازل في قطاع غزة.


كيف تعيد المقاومة استخدام هذه القنابل؟
ليس من السهل التعامل مع الذخائر الإسرائيلية غير المنفجرة، خصوصا أنها قنابل متطورة، وبعضها معد سلفا لنصب أفخاخ وكمائن، فمنها ما يمكن تفجيره عن بعد عقب إطلاقه بوقت طويل، ومنها ما يمكن أن ينفجر بمجرد محاوله نقله أو التعامل معه، وقنابل أخرى "توقيتية"  تنفجر بعد وقت محدد من إطلاقها.

ورغم ذلك أصبحت المقاومة في غزة تمتلك خبرة واسعة في التعامل مع هذه الذخائر، بل وتتمكن من الاستفادة منها، بحيث يجري إدخالها في تصنيع العبوات الناسفة، والقذائف الصاروخية مجددا.

وقال مصدر ميداني مطلع، إن المقاومة في غزة جمعت الكثير من هذه القنابل فعليا، وتتعامل معها بكفاءة عالية، حيث تستخلص المواد المتفجرة من داخل هذه القنابل، وتعيد حشوها في الرؤوس المتفجرة للصواريخ التي تصنعا، وقذائف الهاون، وتطلقها مجددا صوب قوات الاحتلال، أو تستخدم تلك المواد في صناعة العبوات الناسفة التي تستخدم ضد آليات الاحتلال العسكرية.

وأكد المصدر لـ"عربي21" أن قنابل الاحتلال تمتلك ميزة فريدة كونها تحتوي على متفجرات عالية الجودة، وذات تأثير كبير، مثل مواد "C4" المخصصة في عمليات النسف والتعامل مع المعادن والفولاذ، و"إف إكس-757"، و"بي بي إكس إن-114" شديدتا الانفجار.

ولفت إلى أن المعادن وحديد الفولاذ الخاص بهذه القنابل والقذائف يعاد صهرها أيضا وسكبها لصناعة الرؤوس المتفجرة، للصواريخ خصوصا قذائف الهاون.

وبثت كتائب القسام الأحد تسجيلا مصورا لعمليات تصنيع عبوات "العمل الفدائي" المضادة للمدرعات، وكان لافتا أن هذه العبوات صنعت من قذائف مدفعية عيار 105ملم إسرائيلية، جرى تدويرها وإعادة استخدامها مرة أخرى.
"من يرنو فنائي، يبحث عن سراب"..
رُفعت الأقلام وجفت الصحف

ألا بوركت سواعد رجال الإعداد والإمداد #كتائب_القسام pic.twitter.com/HyCjxe66Ts — أدهم أبو سلمية ???????? Adham Abu Selmiya (@adham922) June 30, 2024

مقالات مشابهة

  • السفير آلا: تعزيز الدعم الدولي لبرامج التعافي المبكر وإعادة الإعمار في سورية لتأمين عودة النازحين
  • اجتماع في مكتب قائمقام زغرتا تابع موضوع النزوح السوري في القضاء
  • قبلان: من يقاتل من أجل لبنان والسيادة لن يقبل إلا بالشراكة الوطنية
  • السعودية تقدم دعما ماليا للبنان بقيمة 10 ملايين دولار
  • ميقاتي: السعودية كانت وستبقى الشقيق الأكبر للبنان ونتطلع الى رعايتها ليتمكن من النهوض من جديد
  • هكذا تعيد المقاومة تدوير الذخائر غير المنفجرة (شاهد)
  • صيدلية الشفاء .. دكتور نازح يداوي المصابين على الرصيف في خانيونس - فيديو
  • تجدد القصف عبر الحدود الجنوبية للبنان، ومصر تنفي موافقتها على "نقل معبر رفح"
  • المفتي قبلان: لا قوة في هذا العالم تستطيع أن تحمي لبنان مثل المقاومة
  • كمائن بقنابل إسرائيلية.. هكذا تعيد المقاومة تدوير الذخائر غير المنفجرة (شاهد)