بيئة عسير .. تنوّع فطري قاوم مهددات الانقراض عبر الزمن
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
المناطق_واس
من على ارتفاع 3000 متر وحتى أعماق المياه الإقليمية للبحر الأحمر، تتدرج التضاريس الطبيعية في منطقة عسير، وتتباين بشكل كبير لتشكل لوحة جميلة من الحيوانات والطيور النادرة التي قاومت التغيرات المناخية والطبوغرافية التي تشكلت منذ آلاف السنين.
وعلى الرغم من التماسك البيئي الذي صمد لعدة قرون إلا أن الكثير من العوامل التي تسبب فيها التغير المناخي وبعض الممارسات البشرية الخاطئة، أسهمت في اختلال التوازن في أجزاء كثيرة من طبيعة المملكة ومنها منطقة عسير، مما جعل الجهات الرسمية تتدخل وتسن قوانين صارمة للحفاظ على هذه الميزة النسبية والتنوع الإحيائي الكبير، حيث تعاقبت الجهات الحكومية المسؤولة عن حماية الحياة الفطرية، وتطورت مهامها منذ إنشاء الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها عام 1986 م، وحتى وقتنا الحاضر الذي شهد إنشاء “المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية” إلى جانب “المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر”.
ويأتي الأمر السامي بإنشاء “محمية الإمام فيصل بن تركي الملكية” التي تمتد على ثلاث مناطق إدارية اشتملت عسير، وجازان، ومكة المكرمة، لتطوير آليات الحفاظ على التنوع البيئي والأحيائي للوصول إلى استدامة النظم البيئية، وتحسين إنتاجية النباتات، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض.
واشتهرت منطقة عسير التي تضم الجزء الأكبر من المحمية بتنوعها الحيوي الفريد، حيث رصد المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية 332 نوعاً من الطيور، و27 نوعاً من الحيوانات الثدية البرية، و51 نوعاً من الزواحف والبرمائيات معظمها يصنف ضمن المهددة بالانقراض.
ومن أشهر الطيور المهددة بالانقراض “طائر العقق العسيري” النادر من الطيور حيث لم يتبقَّ منه سوى أعداد قليلة جداً تعيش في أعالي السروات، ومن أشهر الطيور الأخرى التي تستوطن منطقة عسير “الحمامة الخضراء” التي تسكن عادة في الأودية والمزارع والغابات الكثيفة دائمة الخضرة، وتتواجد إلى جانب طائر” الأكوع” في تهامة عسير، و”الأكوع” نوع من البلابل المحلية كثير التغريد رمادي اللون مع مسحة من السواد في رأسه وفي عنقه، وبقعة صفراء تحت ذيله.
وإلى جانب طائر “السنونو” الذي يطلق عليه محلياً “الوغا” وهو طائر سريع الحركة يبني عشه من الوحل في مغارات الجبال وفي شرفات المنازل، يعيش وسط غابات عسير طائر ” القمري” مغرداً معظم وقته وخاصة في أوقات الأمطار ، وهو من الطيور التي يطرب الإنسان لسماعها ويتغنى به الشعراء كثيراً .
ومن الطيور النادرة والفريدة في منطقة عسير “الأهيم” ويعرف في بعض دول العالم بـ “أبومعول” ويتواجد في بعض دول العالم، ويتميز بعنق ومنقار طويلين ويصدح في النهار بصوت عالٍ، ومن الطيور اللاحمة والمهددة بالانقراض، اشتهر النسر الأذون والمعروف محليًا بـ”العيزاء” وهو طائر بني اللون ضخم الجثة، حيث يشير الباحث في مجال البيئة محمد حسن غريب إلى أن هذا الطائر “يعمد إلى تخزين طعامه داخل كيس أسفل عنقه ثم يبلعه بعد ذلك، وإذا شعر بالخطر أطلق رائحة منتنة لعلها آلة دفاعه”، ويشتهر كذلك من الطيور اللاحمة ” الحدأة” وهو طائرٌ بني اللون من الجوارح له ذنب مشقوق ومنقار حاد، ويصدر صوتاً يشبه الصرير، ويسكن أعالي الأشجار.
وعلى الرغم من ندرته إلا أن “نقار الخشب” والمعروف محليًا بـ”صانع الطير” يتواجد في الأحراش الكثيفة التي تتميز بها منطقة عسير، ويصفه الباحث غريب بأنه” طائر له ظهر رمادي وأجنحة تراوح بين السواد والبياض، وتعلو رأسه حمرة، وله منقار حاد يستطيع أن يحفر به أصلب جذوع الشجر التي يعيش فيها، ويظهر عادة في الخريف.
وتزخر البيئة البحرية التابعة لمنطقة عسير على سواحل البحر الأحمر والتي تشملها “محمية الإمام فيصل بن تركي الملكية” بالكثير من الطيور النادرة وبعضها مهدد بالانقراض مثل “نورس أبيض العين” والذي يُعرف علمياً بـ” Larus leucophthalmus” حيث يعتبر البحر الأحمر موطنه الأصلي ويتكاثر على الجزر ذات الصخور والشواطئ الرملية، ويقيم أعشاشه في الأرض المكشوفة القريبة من الشاطئ، وكذلك يتواجد الطائر المعروف باسم”الأبله البني” والذي يحمل الاسم العلمي Anous stolidus ويمتاز بلونه البني الكامل ما عدا منطقة الجبهة فهي بيضاء ويتواجد في معظم جزر البحر الأحمر ذات الغطاء النباتي الكثيف أو الصخرية غالباً ما تضع الأنثى بيضها بين أغصان الأشجار والشجيرات وأحياناً على الأرض، وإلى جانبه يتواجد “البلشون الرمادي” ويتميز هذا الطائر برقبته ومنقاره الأصفر الضخم ويتواجد بالقرب من المياه الضحلة خاصة عند الشواطيء والمستنقعات.
ويمثل التنوع الحيوي و البيولوجي لمنطقة عسير وخاصة موقع المحمية الملكية مكانًا مميزًا لمشاهدة الحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض مثل ” الوعل الجبلي” الذي يعيش في أعالي الجبال ويحظى باهتمام كبير من الجهات المعنية، حيث أطلقت شركة “السودة للتطوير” قبل عامين مبادرة بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية لإعادته إلى بيئته الأصلية ضمن قائمة أخرى من الحيوانات المهددة بالانقراض، وكانت أولى نتائج المبادرة إطلاق 15 وعلًا جبليًا في جبال السودة بدأت في التكاثر في جبال السودة التي تعد موطنًا للعديد من الكائنات الحية بما فيها “الوعل الجبلي”.
وعرفت أجزاء كبيرة من منطقة عسير ضمن المواطن الأصلية لـ “النمر العربي” حيث يعتبر من الحيوانات الأكثر تهديداً بالانقراض، وعادة يعيش في الجبال والمنحدرات وفي الأحراش الشجرية التي تمثل البيئة الأهم له للتخفي والصيد وتحظى جهود إعادته إلى بيئاته الأصلية في المملكة باهتمام كبير على المستوى الرسمي والشعبي، حيث صدر قرار من مجلس الوزراء في 18 يناير 2022م بتحديد العاشر من شهر فبراير من كل عام يوماً للنمر العربي، إضافة إلى إنشاء “الصندوق العالمي لحماية النمر العربي”.
كما يوجد حيوان “الوشق” الذي يعرف محليًا بـ” المخنق” وهو من أنواع القطط البرية الشرسة التي تتغذى على صغار الحيوانات الأخرى، ومن الحيوانات المهددة بالانقراض والتي كانت معروفة في منطقة عسير حيوان ” التفث” وهو المعروف بـ” غرير العسل” ومن أفضل مصادر الغذاء له خلايا النحل التي يهاجمها ليلاً، ويليه في الندرة “الظربان” وهو حيوان ليلي من اللواحم طويل الذنب أصلم الأذنين، قصير القوائم، كذلك كان حيوان “الضبع” أو ما يعرف محليًا بـ”جعار” يجوب الأودية والجبال في منطقة عسير ولكن أعداده تقلصت بشكل كبير، وهو حيوان ليلي من آكلات اللحوم.
وتأتي محمية الإمام فيصل بن تركي الملكية ضمن الجهود السعودية الرامية إلى حماية البيئة الطبيعية وتعزيزها، من خلال تبني رؤية شمولية للنظم البيئية الثمينة و الحفاظ على المكونات البيئية والطبيعية، وإعادة توطين الحياة الفطرية في كل منطقة، وضمان التوازن المائي والتنوع البيولوجي والتصدي لظاهرة التصحر واستدامة الحياة البرية.أخبار قد تهمك “الأرصاد”.. ينبه من هطول أمطار غزيرة على منطقة عسير 10 أكتوبر 2023 - 8:07 صباحًا آل مجثل: 13 مدير إدارة للثروة الحيوانية من أفرع وزارة البيئة بالمملكة ناقشوا الدليل الإجرائي في عسير 1 أكتوبر 2023 - 7:21 مساءً
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: عسير المرکز الوطنی لتنمیة المهددة بالانقراض الحیاة الفطریة فی منطقة عسیر من الحیوانات من الطیور محلی ا بـ
إقرأ أيضاً:
بائع السميت.. قصة تركية تتحدى الزمن
إسطنبول ـ هذه المدينة التاريخية التي تجمع بين حضارات الشرق والغرب، تعيش كل يوم على إيقاع حياة مليئة بالحركة والجمال، في خضم هذا الحراك، يظهر بائع السميت، المعروف باسم "فارس الشارع"، الذي يجوب شوارع المدينة حاملا معه عبق الماضي العريق ونكهة الحاضر المفعم بالحياة، فالسميت بالنسبة للأتراك ليس مجرد خبز، بل هو أحد أبرز رموز الحياة اليومية.
قديما، كان بائع السميت يبدأ يومه مع الفجر، حيث يُحضّر العجين بحبٍ وإتقان، ويزين عربته بألوان زاهية، ويرتدي طاقيته التقليدية، وبحلول الصباح الباكر، تنتشر رائحة السميط الطازج في الهواء، لتصبح دعوة لا تُقاوم للمارة، ومع نغمة صوته المميزة حين ينادي "سميت! سميت!" يصبح البائع جزءًا لا يتجزأ من الموسيقى اليومية في شوارع إسطنبول الصاخبة.
أما حاليا، ونظرا للطلب الكبير والصعوبة في الإنتاج، لا يقوم معظم بائعي السميت في إسطنبول بتحضيره بأنفسهم، بل يحصلون عليه من المخابز التي تقوم بإنتاجه بكميات كبيرة خلال ساعات الصباح الباكر.
عربة بائع السميت تجذب السياح الراغبين في تذوق نكهته الإسطنبولية المميزة (الجزيرة) عبق العثمانيين في كل لقمةيعود تاريخ السميت إلى زمن الإمبراطورية العثمانية، فقد كان جزءا من المأكولات الشعبية التي تتزين بها الأسواق القديمة، ويتميز بشكله الدائري المغطى بالسمسم المحمص، ويُحضّر من دقيق القمح والدبس، ليحصل على لونه الذهبي المميز.
وقد وثق الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي (1611-1682م) ذكر السميت وباعته الجائلين في كتابه الشهير "سياحت نامه" أو "كتاب الرحلات" خلال تجوله في إسطنبول في القرن السابع عشر الميلادي.
وأشار جلبي إلى وجود 70 مخبزًا متخصصًا في إنتاج السميت في المدينة، وكان هؤلاء الباعة جزءا أصيلا من مشهد الشارع اليومي، إذ يتنقلون بين الأحياء حاملين صواني السميت على رؤوسهم، يغطونها بمفارش ذي ألوان مبهجة للحفاظ على نظافته، وحمايته من أتربة الطرقات.
اشتهر باعة السميت بقدرتهم على تلبية حاجات العامة في وقت كانت الظروف الاقتصادية تتطلب توفير مأكولات سريعة وفي متناول الأيدي، ولا يزال السميط يحتفظ بمكانته كرمزٍ للأصالة والذكريات لدى الأتراك إلى يومنا هذا.
ومع مرور الزمن، تطورت طرق تحضير السميت، فظهرت نكهات جديدة كإضافة الجبن أو الزيتون، أو حتى الشوكولاتة. ورغم انتشار المحال المتخصصة في بيع أنواع السميت المختلفة، ظل البائع المتجول يحمل نكهة الماضي ويقدمها بحب للزبائن الذين يبحثون عن الأصالة في كل قطمة.
معدل التضخم أثر على سعر السميط (غيتي إيميجز) الأتراك والسميت.. عشقٌ لا ينتهييستهلك الأتراك ما يزيد عن 2.5 مليون قطعة سميت يوميًا في مدينة إسطنبول وحدها، مما يجعله أكثر المأكولات شعبية في البلاد. وينتشر آلاف الباعة الجائلين في عموم المدينة وأحيائها وأزقتها الضيقة، فهذا الخبز بالنسبة للأتراك أكثر من مجرد طعام.
كما أن باعته الجائلين يشكلون جزءًا من تاريخ المدينة العتيق، ونسيج الحياة الاجتماعية والاقتصادية بها، في رمزية بسيطة تصل الماضي بالحاضر في سيمفونية تعزف على طرقاتها بصورة يومية، حينما يتجمع المارة عند عربات السميت، الذي يتناولونه في الغالب مع كوب من الشاي الساخن، كأحد الطقوس اليومية التي لا غنى لهم عنها.
بائع السميط.. حنين إلى الماضي بكل تفاصيله (الجزيرة) عقبات وهمومووفقا لآخر الإحصاءات، فهناك نحو مليون بائع متجول في شوارع مدينة إسطنبول وحدها، من بينهم نحو 8 آلاف يعملون في بيع السميت، إلا أن هناك من أشار إلى أن العدد المذكور يعود إلى المسجلين قانونا لدى البلدية، وأن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.
ورغم بساطته، إلا أن هذا الخبز التركي الدائري يعد من بين السلع التي أثرت عليها زيادة معدلات التضخم، وباتت القطعة التي كانت تباع إلى وقت قريب بنحو ليرة تركية واحدة، يتراوح سعرها اليوم بين 10 إلى 15 ليرة، ويختلف السعر حسب المنطقة وطريقة البيع.
وقفت إلى جانب أحد باعة السميت الذي يضع عربته المميزة بلونها الأحمر في ميدان إسكودار العتيق، عرفني على اسمه على أنه محمد أو "ميهمت" كما يلفظها الأتراك، قال إن هناك العديد من المشاكل التي تواجه الباعة الجائلين، ومن بينهم باعة السميت، أقلها صعوبة الطقس خاصة في فصل الشتاء، حيث يعملون في طقس مكشوف لساعات طويلة تصل أحيانا إلى 12 ساعة يومية، في ظروف جوية بالغة البرودة.
وعندما أشرت إلى الزيادة الملحوظة في سعر القطعة الواحدة، تكلم عن الزيادة في تكلفة المكونات الأساسية مثل الطحين والسمسم، الأمر الذي زاد من الضغوط على بائعي السميت المستقلين بالتبعية.
ورغم ما سبق، إلا أن المرونة التي يعمل بها بائع هذا الخبز الشهير، حيث يتنقل بعربته المميزة بين المناطق المزدحمة، جعلته يضمن أكبر قدر من المبيعات، كما أن الدولة أتاحت لهم استخدام المساحات العامة في الميادين والأسواق والشوارع الحيوية، كأحد المشاهد التراثية التي تجذب أنظار السائحين وزوار المدينة.
السميت موجدود بشوارع إسطنبول في كل الأوقات والظروف (رويترز-أرشيف) تجربة لا تنسىومهما ذكرنا من هموم ومشاكل، يبقى تناول السميت من بائع الشارع تجربة فريدة، تحمل نكهة الأصالة والتاريخ في كل لقمة، وقد بلغ من عشق الأتراك لهذا الخبز أن خلدوا بائعه فصنعوا له تمثالا شهيرا، يتمركز في أحد ميادين المنطقة التاريخية في حي إمينونو، بالقرب من السوق المصري، في ملمح جلي على أن بائع السميت، يحمل في جعبته حنينا إلى الماضي وذكرياته الخالدة.