تحليل: هل يكون حزب الله هو التالي بعد انتهاء العدوان على غزة؟
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الجاري، كانت مشاركة "حزب الله" في الحرب في مركز النقاش الإقليمي والعالمي. فقد طالب القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف في خطاب إعلان العملية قوى المقاومة المختلفة وأهمها حزب الله "بالالتحام مع المقاومة في فلسطين"، في حين أكد الحزب أنه "على اتصال مباشر مع قيادة المقاومة.
من جهته، حذر الاحتلال حزب الله من الدخول للمعركة، فيما أرسلت الولايات المتحدة حاملة طائراتها "جيرالد آر فورد" بهدف "منع توسع الصراع" بحسب تصريحات رسمية، وهو مصطلح دبلوماسي يعبر عن الهدف الحقيقي لتحريك حاملة الطائرات، وهو ردع حزب الله وإيران وحلفائها في المنطقة من المشاركة في الحرب.
ما هي الأسباب التي قد تدفع حزب الله للمشاركة في الحرب؟
أشارت تسريبات إعلامية إلى أن حزب الله سيدخل الحرب بكامل قوته إذا بدأ الاحتلال بغزو بري ضد قطاع غزة. ومن المحتمل أن تكون هذه التسريبات صحيحة لعدة أسباب:
أولا: سيضع الغزو البري حزب الله في موقف سياسي محرج، لأنه سيمثل اختبارا لسياسة "وحدة الساحات" التي يتحدث عنها قادة القوى التي تنتمي لـ"محور المقاومة"، فإذا لم تكن الحرب الشرسة والعدوان الكبير على قطاع غزة بهذا الشكل دافعا لمشاركة حلفاء المقاومة الفلسطينية، فما الذي سيدفعها للمشاركة؟
ثانيا: إن طبيعة الحرب العدوانية ضد قطاع غزة وشدتها تمثل تحديا لمحور "وحدة الساحات"، إذ أن تحقيق جيش الاحتلال أهدافا كبيرة ضد المقاومة الفلسطينية، يمثل خسارة للمحور المتحالف معها ككل.
ثالثا: إن انتصار الاحتلال في هذه الحرب، وتحقيقها لنتائج سياسية وعسكرية تفوق ما حصل في الحروب السابقة ضد قطاع غزة، يمكن أن يمثل دافعا للاحتلال ليوسع حربه تجاه لبنان بعد توجيه ضربة قوية غزة، وهو ما يعني انفراد الاحتلال بحزب الله، بعد انفراده بحركة حماس وفصائل المقاومة في غزة.
ولكن هل يمكن فعلا أن يكون حزب الله هو التالي في العدوان الإسرائيلي؟
كشفت عدة وثائق ودراسات أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وإدارته كانوا يخططون لحرب شاملة وتغيير النظام في كل من سوريا وإيران بعد الانتهاء من أفغانستان والعراق. لقد كانت الخطة هي أن تستمر الولايات المتحدة بالقضاء على الأنظمة المناهضة لها في منطقة الشرق الأوسط وتغيير أنظمتها، ولكن فشل واشنطن في السيطرة على عراق ما بعد صدام حسين، وتحول البلاد إلى دولة ينخرها الفساد والطائفية والعنف وتسيطر عليها إيران والميليشيات المسلحة، أوقف الخطة الأمريكية.
وإذا كانت احتلال أفغانستان والعراق قد انطلق من أحداث جذرية تاريخية في ذلك الوقت، فإن عملية "طوفان الأقصى" هي من نوع الأحداث الجذرية التي تقلب طبيعة العلاقات الدولية، وقد تقلب معادلة الصراعات في المنطقة كليا، وبالتالي فإن الاحتلال قد يستغلها لتغيير قواعد اللعبة، لعدة اعتبارات:
أولا: لم تحصل دولة الاحتلال على مثل هذا الدعم العالمي منذ حرب أكتوبر/ رمضان 1973، وهي قد تستغل هذا الدعم -الذي تعدى الدبلوماسية والسياسة ليصل إلى تحريك "حاملات طائرات"- لتوجيه ضربة لحزب الله، باعتبار أن هذه الفرصة من الدعم العالمي لن تتكرر كثيرا.
ثانيا: يحاول رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو جر الولايات المتحدة لحرب مع إيران منذ سنوات، وقد فشل في ذلك بسبب رغبة واشنطن بتنظيم العلاقة مع طهران بطريقة تمنع الحرب وفي نفس الوقت تكبح مشروع النووي الإيراني. إن الأوضاع الحالية تمثل فرصة نادرة لنتنياهو لجر أمريكا لحرب -ولو محدودة- ضد إيران، عبر توسيع الحرب ضد حزب الله بعد الانتهاء من العدوان على غزة.
ثالثا: أثبتت عملية "طوفان الأقصى" أن المقاربة الإسرائيلية التي تعتمد على وضع قواعد اشتباك محددة -غير مكتوبة- بين الاحتلال وحماس لم تفلح في منع هجوم الأخيرة على مستوطنات غلاف غزة. يتبع الاحتلال نفس المقاربة مع حزب الله، ومن الممكن أن تدفعه العملية التي أثبتت فشل "قواعد الاشتباك" هذه إلى حرب كبيرة ضد حزب الله ولبنان لوضع قواعد اشتباك جديدة تضمن عدم تعرض الاحتلال لعملية أكبر من "طوفان الأقصى" من قبل حزب الله.
رابعا: ساعدت التغطيات الإعلامية العالمية لعملية "طوفان الأقصى" على تهيئة الرأي العام الغربي لتقبل أي جرائم حرب قد ترتكبها "إسرائيل" أثناء العدوان على غزة، وهي فرصة قد يستغلها الاحتلال لتوسيع العدوان إلى الأراضي اللبنانية.
خامسا: تسببت عملية "طوفان الأقصى" بفضيحة لحكومة الاحتلال. وحملت أطراف معارضة ووسائل إعلامية نتنياهو المسؤولية عن الفشل الأمني والاستخباري. من غير المستبعد أن يلجأ نتنياهو -الذي يعرف بتردده في الحروب- إلى توسيع عدوانه ليشمل لبنان، لإثبات "قوته" وتجنب الفشل في الانتخابات، وهو الفشل الذي قد يقوده للسجن بسبب اتهامات الفساد التي تلاحقه منذ سنوات.
ما معنى دخول حزب الله للحرب؟
يشكل توقيت توسيع الحرب فارقا مهما في تداعياته العسكرية. فإذا هاجم الاحتلال حزب الله بعد انتهاء الحرب في غزة، فإن ذلك يعني حربا مماثلة لحرب تموز 2006، مع فارق في قدرات حزب الله، بسبب ما يمكن أن يكون قد راكمه من خبرات وعتاد خلال السنوات الماضية.
أما إذا وسع الاحتلال الحرب أثناء العدوان على غزة، فإن قدرته على القتال في عدة جبهات في نفس الوقت ستتأثر.
فقد سجلت بداية معركة "طوفان القدس" عدة دلالات استراتيجية، كان أحدها ضعف منظومة دفاعات "القبة الحديدية" الإسرائيلية في مواجهة الصواريخ التي أطلقتها المقاومة من قطاع غزة في الساعة الأولى.
وبحسب خبراء فإن ما يفسر فشل القبة الحديدية في مواجهة الدفعات الأولى من الصواريخ يدل على احتمال تمكن المقاومة الفلسطينية من تفكيك "شيفرا" عمل القبة، بمعنى أن البطارية الواحدة تحتوي على 20 صاروخا بينما تعمدت المقاومة إلى إطلاق دفعات كبيرة مرة واحدة، ما سبب خللا في عمل "القبة الحديدية".
ويرى خبراء عسكريون أن دخول حزب الله في المواجهة سيؤدي إلى كبح قدرة القبة الحديدية، لأنها ستكون مضطرة لمواجهة الصواريخ من جبهتي غزة ولبنان في وقت واحد، وهو ما يفسر الطلب الإسرائيلي من الولايات المتحدة لاعتماد مساعدات جديدة لتطوير عمل القبة.
وقال الخبير العسكري واصف عريقات لـ"عربي21" إن مستوى تدخل حزب الله "يعتمد على مستقبل الإجراءات الإسرائيلية. إذا ما استمرت إسرائيل في اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني ونفذت تهديداتها بأنها ستستهدف البنية التحتية في القطاع وأنها ستعيد غزة إلى العصر الحجري، هناك سيكون هناك موقف وتدخل لمحور المقاومة بكل تأكيد".
من جهته، يرى فايز أبو شمالة أن تدخل حزب الله يعني أن "الأمور قد انقلبت بالكامل لصالح القضية الفلسطيني، بمعنى؛ تدخل حزب الله سيساهم في كسر العنجهية الإسرائيلية ويخلق معادلة جديدة، فإذا كانت غزة المحاصرة بقدراتها المحدودة استطاعت أن تهزم إسرائيل وأن تشتت شمل جيش الاحتلال وأن تجعل القيادة السياسية والعسكرية والأمنية تدخل في حالة تخبط وتيه، ولا تعرف إلا قصف المدنيين في غزة، فكيف إذا دخلت قوة حزب الله بثقلها في المعركة؟، نحن أمام واقع جديد ومعطيات ليست على مستوى الساحة الفلسطينية وإنما على المستوى الشرق الأوسط".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية حزب الله فلسطين الاحتلال غزة الإسرائيلية إسرائيل فلسطين غزة حزب الله الاحتلال سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة العدوان على غزة القبة الحدیدیة طوفان الأقصى قطاع غزة حزب الله
إقرأ أيضاً:
العدوان الأمريكي على اليمن وإفشاله
ارتكب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عدّو العالم كله، خطيئته العسكرية، أو خطأه العسكري الأوّل، بشنّ حرب عدوانية على اليمن. فقد أخطأ ترامب، من حيث لا يدري، أنه ذهب إلى الحرب ضد شعب اليمن، الذي طالما هزم دولاً كبرى، معتمداً على عدالة قضيته (تعرّضه للعدوان العسكري)، ومستنداً إلى مناعة جباله، وشدة شكيمة شعبه وإيمانه، وحساسية موقعه الاستراتيجي، ولا سيما سيطرته على باب المندب، من جهة، ووجوده الخليجي، في العصر الراهن، المؤثّر في الاقتصاد العالمي، في حالة تهديده لإنتاج النفط، أو خطوط نقله، من جهة أخرى.
فإلى جانب دروس التاريخ المتعدّدة، في مناعة اليمن على السيطرة العسكرية والاحتلال، ثمة تجربة الحرب الأخيرة، التي لم تحقّق انتصاراً، من خلال القصف الكثيف، لسنوات كذلك. أي إن تهديد ترامب، بالتدخل العسكري البرّي، سيواجَه، يقيناً بالصمود، وبمقاومة قاسية، تنتظره حيثما حلّ أو تحرّك.
إذا كان العدوان العسكري الذي شنّه ترامب في 15 /3 /2025، مصيره الفشل، ما لم يتدحرج إلى حرب إقليمية أوسع (هذه لها حساب آخر) في احتمالات الفشل أيضاً، فإن ترامب يكون قد ذهب إلى الاختبار الأقسى لاستراتيجيته التي لم تترك دولة، أو قوّة، في العالم، إلّا عادتها، بشكل أو بآخر، ولا سيما بالتهديد والوعيد، أو بالحرب الاقتصادية، من خلال العقوبات، أو رفع الجمارك، كجزء من الحرب الاقتصادية، والضغوط، بما هو دون استخدام القوّة العسكرية، التي تبقى كمسدس، تحت طاولة المفاوضات.
في الواقع، إن ما يُهدّد به ترامب، في شنّه الحرب على اليمن، لا يمكن اعتباره جديداً، لأن إدارة بايدن وبريطانيا، مارستا القصف الجوّي، والتهديد، من قبل، ولكن من دون نجاح، أو تحقيق هدف العدوان العسكري الجويّ، في التأثير على قدرات اليمن الصاروخية، أو استراتيجيته، المساندة، حتى المشاركة، للمقاومة في قطاع غزة. بل وصل الأمر، بعد كل ذلك، وبعد تهديدات ترامب، إلى توسّع اليمن في دعم المقاومة والشعب في قطاع غزة، ردّاً على سياسات التجويع، ووقف المساعدات الإنسانية. أي الانتقال إلى درجة أعلى وأقوى، في الوقوف اليمنيّ، إلى جانب المقاومة والشعب في قطاع غزة.
على أن التأكيد أعلاه، على فشل ترامب، في مغامرته العسكرية العدوانية ضد اليمن، لا يعني أن أحداً في اليمن، يمكنه أن يقف متفرجاً، أو شامتاً، وإنما يجب أن يتّحد اليمن كلّه خلف قيادة أنصار الله. بل يجب على الدول العربية، والشعوب العربية، والدول الإسلامية، والشعوب الإسلامية، وكل أحرار العالم، أن يرفعوا الصوت عالياً، ضدّ ترامب وعدوانه، وأن يقفوا، وفي المقدّمة الشعب الفلسطيني وفي طليعته المقاومة والشعب في غزة، إلى جانب اليمن الفلسطيني العربي المسلم، الحرّ الشجاع، القدوة والنموذج.
* كاتب وسياسي فلسطيني