زنقة 20. الرباط

أكد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، يوم الأربعاء بنيويورك، أن المغرب، وعلى عكس الجزائر، ملتزم بحزم بالتسوية النهائية للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية.

وأكد السيد هلال، أمام أعضاء اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، أن “المغرب، وعلى عكس الجزائر، ملتزم بحزم بالتسوية النهائية لهذا النزاع الإقليمي المفتعل، من أجل الحفاظ على استقرار، وأمن، وازدهار منطقته المغاربية وخارجها”.

وأشار إلى أن المغرب يظل متشبثا، بشكل وفي، بالعملية السياسية الجارية تحت الإشراف الحصري للأمم المتحدة من أجل التسوية النهائية لهذا النزاع، على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية، وهو ما يتجلى، يوضح المتحدث، من خلال تعاونها المثمر مع المبعوث الشخصي، ستافان دي ميستورا، في تنفيذ مهامه لتيسير هذه العملية.

وفي هذا السياق، قال إن السيد دي ميستورا قام بزيارة المغرب ثلاث مرات، مذكرا بأنه توجه خلال زيارته الأخيرة، من 4 إلى 8 شتنبر 2023، إلى مدينتي العيون والداخلة حيث التقى برئيسي جهتي الصحراء المغربية، وممثلي السكان المنتخبين ديمقراطيا، والممثلين الشرعيين، والسلطات المحلية، والشيوخ، والفاعلين الاقتصاديين والمجتمع المدني، بما في ذلك النساء والشباب، فضلا عن العائدين الذين فروا من مخيمات تندوف من أجل الالتحاق بالوطن الأم.

وسجل السيد هلال أن المبعوث الشخصي تمكن من الاطلاع، عن كثب، على التقدم المحرز في مجال التمكين السياسي، والتنمية السوسيو-اقتصادية في الصحراء المغربية، بفضل المشاريع والبنيات التحتية المنجزة في إطار النموذج الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية، بميزانية تفوق 10 ملايير دولار. كما التقى برؤساء البعثات القنصلية الـ30 التي تم فتحها في مدينتي العيون والداخلة.

وأوضح أن الأمر يتعلق بدينامية تنموية تجعل من الصحراء المغربية قطبا قاريا حقيقيا، ملاحظا أن حوالي 30 دولة ومنظمة إقليمي فتحت قنصليات عامة في العيون والداخلة إدراكا منها للإمكانات الهائلة التي تزخر بها الأقاليم الجنوبية للمملكة.

وأضاف السيد هلال أن هذه الدينامية الدبلوماسية تجسد إرادة هذه البلدان الاستثمار في ازدهار الأقاليم الجنوبية، ولكن أيضا، وقبل كل شيء، دعمها الصريح، والذي لا يكتنفه غموض، لمغربية الصحراء.

وقام السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، اليوم الأربعاء أمام أعضاء اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، بتفكيك الأكاذيب السبع التي تستند إليها أجندة الجزائر الانفصالية بشأن الصحراء المغربية.

وذكر السيد هلال بالقول “منذ 60 سنة، وفي هذا المبنى ذاته، طلب المغرب، في عام 1963، إدراج مسألة ما كان يعرف آنذاك بالصحراء الإسبانية، ضمن جدول أعمال اللجنة الخاصة المعنية بإنهاء الاستعمار، من أجل استرجاع أقاليمه الصحراوية بشكل نهائي”.

وأبرز أن هذا المطلب تعزز بالقرار الأول الصادر عن لجنة الـ24 في أكتوبر من العام 1964، والذي أعقبه قرار الجمعية العامة الذي تم اعتماده في دجنبر 1965، والذي طلب من إسبانيا اتخاذ تدابير فورية لإنهاء استعمار “الصحراء الإسبانية” وثغر إفني، من خلال المفاوضات مع المغرب.

وبفضل التفاوض الذي أوصت به هذه القرارات، يتابع السيد هلال، تم استرجاع إفني إلى حوزة الوطن الأم في عام 1969 فيما تم استكمال تصفية استعمار الصحراء في عام 1975، بعودة هذه الأراضي إلى الوطن الأم، المغرب، وذلك بفضل المسيرة الخضراء التاريخية في 6 نونبر 1975، وتوقيع اتفاقية مدريد في 14 نونبر من العام ذاته، مسجلا أنه تم إيداع هذه الاتفاقية لدى الأمين العام، ثم صدقت عليها الجمعية العامة في قرارها “3458 ب” بتاريخ 10 دجنبر 1975.

ولاحظ السيد هلال أنه “كان من الممكن أن ينتهي تاريخ قضية الصحراء المغربية داخل الأمم المتحدة عند هذا الحد، لولا عداء الجزائر التي أنشأت واحتضنت وقامت بتسليح وتمويل جماعة +البوليساريو+ الانفصالية المسلحة”، مؤكدا أن هذا البلد الجار، في سياق الترويج لوكيلته دوليا، تفوق في ما وصفه الفيلسوف اليوناني سقراط، قبل 25 قرنا، بالأسطورة التأسيسية.

وتطرق السفير، إثر ذلك، إلى الأكاذيب السبع المؤسسة لأجندة الجزائر الانفصالية حول الصحراء المغربية، وإلى وابل الحقائق التاريخية المزيفة ومحاولات تشويه القانون الدولي التي جاءت على لسان ممثل الجزائر في مداخلته أمام اللجنة.

ففي ما يتعلق بالادعاء الأول، الذي تدافع الجزائر بموجبه عن حق تقرير المصير، أبرز الدبلوماسي أن هذا المبدأ يعد مجرد ستار يستغله هذا البلد لتحقيق أطماع الهيمنة.

ولاحظ أن “الجزائر تستخدم هذا المبدأ بشكل حصري بالنسبة للصحراء المغربية. وتعد هذه القضية الوحيدة التي تثيرها، منذ سنوات، دون أن تجرؤ على أن تنبس بكلمة واحدة بخصوص باقي القضايا التي تدرسها هذه اللجنة”.

وذكر بأن الجزائر تجاهلت هذا المبدأ عندما قدمت، على لسان رئيسها السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، في 2 نونبر 2001 بهيوستن، إلى المبعوث الشخصي للأمين العام آنذاك، جيمس بيكر، مقترحا لتقسيم الصحراء، كما هو وارد في تقرير الأمين العام S/2002/178 بتاريخ 19 فبراير 2002، الفقرة 2.

بل إن السفير الجزائري الأسبق، عبد الله بعلي، بعث في 22 يوليوز 2002، رسالة أكثر وضوحا إلى رئيس مجلس الأمن قال فيها إن الجزائر تظل مستعدة لدراسة الاقتراح المتعلق بتقسيم محتمل لتراب “الصحراء الغربية”، يضيف السيد هلال، مؤكدا أن المغرب رفض بشكل فوري وقاطع هذا الموقف.

وأشار إلى أن الجزائر أبقت مبدأ تقرير المصير في طي الكتمان، بإعلانها في الجزائر العاصمة عن جمهورية وهمية، الأمر الذي يتعارض مع مبدإ تقرير المصير بحد ذاته.

وسجل السفير أن الجزائر ترفض هذا المبدأ بالنسبة لشعب كان يطالب به حتى قبل إنشاء الدولة الجزائرية في العام 1962، موضحا أن الأمر يتعلق ب”شعب القبايل الشجاع”.

وتطرق الدبلوماسي المغربي إلى الادعاء الثاني، الذي تطالب الجزائر بموجبه باحترام الشرعية الدولية، مبرزا أن هذا البلد “ينتهك باستمرار الشرعية الدولية ويزدري ميثاق الأمم المتحدة عندما يتعلق الأمر بمبادئ احترام الوحدة الترابية، وعدم اللجوء إلى العنف وسمو التسوية السلمية للنزاعات”.

وأوضح أن الجزائر بدأت تعير الاهتمام لقرارات مجلس الأمن في 2001 فقط، عندما أعلن الأمين العام عدم قابلية تطبيق خطة التسوية وبالتالي تقادم الاستفتاء، مذكرا بأن الجزائر تتجاهل، ومنذ 2002، قرارات مجلس الأمن لسبب وحيد يتمثل في كونها توصي بحل سياسي ودائم ومقبول لدى الأطراف لتسوية هذا النزاع.

وقال إن المفارقة تكمن في أنه تم اعتماد بعض هذه القرارات بموافقة ومساهمة الجزائر، عندما كانت عضوا في المجلس بين عامي 2004 و2005، مشيرا إلى أن الجزائر ستعمد إلى رفض بعض قرارات مجلس الأمن بشكل رسمي، كما كان الحال في عامي 2021 و2022 بشأن القرارين 2602 و2654.

واعتبر السيد هلال أن رفض الجزائر العودة إلى اجتماعات الموائد المستديرة يشكل انتهاكا صارخا لقرارات مجلس الأمن والقانون الدولي وشرعية الأمم المتحدة، مضيفا أن الجزائر تنتهك القانون الدولي بتفويض سيادتها، على جزء من أراضيها: مخيمات تندوف، لجماعة انفصالية مسلحة، “البوليساريو”، مما أثار استنكار اللجنة المعنية بحقوق الإنسان وفريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي.

أما بالنسبة للادعاء الثالث، الذي تعيد الدبلوماسية الجزائرية طرحه والذي يصف الجزائر بكونها “مجرد مراقب” في ملف الصحراء، فقد أشار السفير إلى أن الجزائر تعد، ورغم نفيها، الطرف الرئيسي في هذا النزاع الإقليمي منذ اندلاعه.

وذكر بأن الجزائر كانت هي المطالبة بهذا الوضع في الرسالة الرسمية التي وجهها سفيرها الأسبق لدى الأمم المتحدة، إلى الأمين العام الأممي، في 19 نونبر 1975، حين أكد أنه “بالإضافة إلى إسبانيا بصفتها سلطة إدارية، فإن الأطراف المعنية والمهتمة بقضية الصحراء الغربية هي الجزائر والمغرب وموريتانيا”.

ولاحظ السيد هلال أن الجزائر تقدم نفسها قبل المغرب، مبرزا أن هذه الوثيقة الرسمية لا تتضمن أي إشارة إلى “البوليساريو” رغم أن الجزائر كانت تأويها على أراضيها.

كما ذكر بأن الأمم المتحدة اعتادت على رد الجزائر على كافة مقترحات الأمين العام ومبعوثيه الشخصيين. فقد رفضت الجزائر الاتفاق الإطاري الذي اقترحه المبعوث الشخصي الأسبق، جيمس بيكر، في بيان صدر عن مجلس وزراء الجزائر بتاريخ 25 فبراير 2002.

وقال الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة إن الجزائر تتخذ إجراءات اقتصادية انتقامية في حق أي دولة تدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وتحتج لدى عواصم جميع الدول الأعضاء في اللجنة الرابعة التي تدعم المغرب.

وتابع بالقول إن القرار 2654، الذي كرس بشكل نهائي اجتماعات الموائد المستديرة باعتبارها الإطار الحصري لتسيير العملية السياسية للأمم المتحدة، يعترف بالجزائر كواحدة من الأطراف الأربعة المعنية التي يتعين عليها المشاركة، وذلك بالصيغة ذاتها للاجتماعين الأولين للموائد المستديرة في جنيف.

ويتمثل الادعاء المؤسس الرابع، ضمن الأجندة الانفصالية الجزائرية، في تقديم الصحراء على أنها “أرض محتلة”. وأشار السيد هلال إلى أن الجزائر تسيء فهم القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن.

وذكر بأن “مفهوم الاحتلال ينطبق، وفقا لقواعد لاهاي لسنة 1907 واتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12 غشت 1949، على أراضي دولة كانت موجودة بالفعل خلال نزاع دولي مسلح”، مشيرا إلى أن الصحراء لم تكن قط دولة -ولن تكون كذلك-.

وأكد “لقد كانت دائما، ومنذ قرون، جزءا لا يتجزأ من المغرب، بحكم روابط البيعة القانونية التب تربط بين الساكنة وسلاطين المغرب، كما أقرت بذلك محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 16 أكتوبر 1975″. وأضاف السفير أنه لا يوجد تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أو قرار لمجلس الأمن يصف المغرب بـ”قوة محتلة”.

وتطرق السفير إلى الأكذوبة الجزائرية الخامسة، ومفادها أن الاستفتاء يعد “الحل” لهذا النزاع الإقليمي، مذكرا بأنه تم إقبار هذا الاستفتاء المزعوم، رغم محاولات الجزائر الفاشلة. وأكد أمام أعضاء اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة: “لا يمكننا إحياء الموتى”.

وأشار إلى أن “الأمين العام للأمم المتحدة خلص في تقريره بتاريخ 23 فبراير 2000 (الفقرة 32)، إلى أن خطة التسوية غير قابلة للتطبيق وبالتالي فإن الاستفتاء أصبح متجاوزا”، لافتا إلى أن مجلس الأمن لم يتطرق قط إلى الاستفتاء في أي من قراراته الـ36 التي تم اعتمادها على مدى 22 عاما.

كما أن الجمعية العامة، يتابع السفير، لم تتطرق إليه منذ حوالي 20 عاما، موضحا أن القرار الجزائري الذي ستعتمده اللجنة في ختام المناقشة، وعلى غرار كافة القرارات التي سبقته منذ ما يناهز عقدين من الزمن، لم يأت قط على ذكر الاستفتاء.

وفي ما يتعلق بالأكذوبة السادسة من الأسطورة المؤسسة للموقف الجزائري بشأن الصحراء المغربية، الذي يصف الجزائر بالبلد المضيف لمخيمات “لاجئين صحراويين” بتندوف، أكد السيد هلال أن “الجزائر ليست البلد المضيف للاجئي تندوف، بل بالأحرى سجان السكان المحتجزين هناك”.

وندد بكون “هذه المخيمات هي في الواقع منطقة خارجة عن القانون ومسرحا لانتهاكات خطيرة وواسعة النطاق للقانون الدولي، ترتكبها الجماعة المسلحة الانفصالية +البوليساريو+، التي تربطها صلات مثبتة بالتنظيم الإرهابي في منطقة الساحل”، مشددا على أن الجزائر تستغل، سياسيا، هذه المخيمات التي تقدمها كرمز لوجود ما يسمى بمشكل “الصحراء الغربية”.

واحتج السفير على تجنيد الأطفال في هذه المعسكرات وإجبارهم على الانضمام إلى ميليشيات “البوليساريو” كجنود، منددا بما وصفه بـ”جريمة حرب” وفقا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وبخصوص الأكذوبة السابعة، ومفادها أن الجزائر “تتحمل” العبء الإنساني لمخيمات تندوف، أشار السيد هلال إلى أن المساعدات الإنسانية التي تقدمها الجزائر لمخيمات تندوف ضئيلة للغاية.

وأوضح أن “المجتمع الدولي هو الذي يقدم الجزء الأكبر من المساعدات الإنسانية والمالية لهذه المخيمات”، مسجلا أن الجزائر تخصص ملايير الدولارات لتسليح جماعة “البوليساريو” الانفصالية وتعمل على ضمان الدعم الدبلوماسي لها في جميع أنحاء العالم، خاصة من خلال تسخير مجموعات للضغط.

وأشار السفير إلى أن “الجزائر تغض الطرف عن اختلاس المساعدات الإنسانية الدولية من قبل المسؤولين عن الهلال الأحمر الجزائري وجماعة +البوليساريو+ الانفصالية المسلحة”.

وخلص الدبلوماسي إلى التأكيد على أنه يتم توثيق هذه الاختلاسات الممنهجة وواسعة النطاق من قبل المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومؤخرا من طرف برنامج الأغذية العالمي في تقريره الصادر في يناير 2023 تحت عنوان “تقييم البرنامج الإستراتيجي الق ط ري للجزائر 2019-2022”.

المصدر: زنقة 20

كلمات دلالية: لدى الأمم المتحدة الصحراء المغربیة المبعوث الشخصی اللجنة الرابعة القانون الدولی إلى أن الجزائر للأمم المتحدة الأمین العام مجلس الأمن هذا النزاع فی تقریر على أن أن هذا من أجل

إقرأ أيضاً:

(نص + فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات

كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات 16 رمضان 1446هـ 16 مارس 2025م

???? كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات 16 رمضان 1446هـ 16 مارس 2025م#سيد_القول_والفعل#التصعيد_بالتصعيد#لن_نترك_غزة pic.twitter.com/DEynApQ6XS

— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) March 16, 2025

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

بالأمس أعلن العدو الأمريكي عن جولةٍ جديدةٍ من العدوان على بلدنا، ونَفَّذ عِدَّة غارات، وكذلك عمليات بالقصف البحري، استهدف بها المنازل والأحياء السكنية في العاصمة صنعاء، وفي عددٍ من المحافظات اليمنية، وأسفرت تلك الاعتداءات عن ارتقاء العشرات من الشهداء والجرحى، في تلك المحافظات التي استهدفها العدو الأمريكي، وهناك عددٌ من الشهداء والجرحى من الأطفال والنساء.

هذا العدوان هو عدوانٌ غاشمٌ ظالمٌ، في إطار الطغيان الأمريكي والعربدة الأمريكية تجاه أُمَّتنا، والهدف منه واضحٌ، وهو: الإسناد للعدو الإسرائيلي، بعد أن أعلن بلدنا موقفاً واضحاً، في الإسناد للشعب الفلسطيني، تجاه ما يقوم به العدو الإسرائيلي من تجويعٍ لأهل غزَّة، ومنعٍ لدخول المساعدات الإنسانيَّة، ومنعٍ تامٍ لدخول البضائع إلى قطاع غزَّة.

جريمة التجويع لاثني مليون فلسطيني جريمة كبيرة جدًّا، بكل ما توصَّف به كبار الجرائم، جريمة ضد الإنسانيَّة بكل ما تعنيه الكلمة؛ ولـذلك فكل من له ضميرٌ إنسانيٌ، وكل من له انتماءٌ صادقٌ إسلامي، لا يمكنه أن يسكت تجاه ذلك، ومن المؤسف أن يكون الموقف العام للأنظمة في العالم الإسلامي- في أغلبها- وفي العالم العربي، موقفاً بارداً تجاه ذلك، ليس هناك أي تَحَرُّك جادّ، لمنع ما يقوم به العدو الإسرائيلي من تجويع تام لأهل غزَّة، بل وصل الحال به الآن إلى السعي لتعطيشهم، والسعي لمنع الماء عنهم.

وما يعيشه الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة هو مأساة كبيرة، يتجاهلها الكثير من الناس، ولا يتفاعلون معها؛ لأن السقف لدى الكثير من الناس- بحسب الترويض الإسرائيلي حتى يتفاعل- أن يكون هناك إبادة شاملة، بالقتل بالقنابل والسلاح، فقد يتابع؛ وإلَّا فقد تضعف حتى مسألة المتابعة للأحداث، حينما يكون الوضع هناك دون ذلك، في مستوى أقل، لكن مسألة التجويع لأهل غزَّة، ومنع الغذاء عنهم، لا بدخول المساعدات الإنسانيَّة، ولا بحركة البضائع، ليست قضيةً سهلة، هي توجُّهٌ نحو الإبادة لهم، بوسيلة من وسائل الإبادة، وهي: التجويع ومنع الغذاء عنهم.

الآن خمسة عشر يوماً والعدو الإسرائيلي مغلقٌ للمعابر إلى القطاع، مانعٌ لدخول المساعدات والبضائع، ومعنى ذلك: أن المعاناة قد زادت لدى الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، ومن يتابع ما يجري هناك، ويلحظ حجم المعاناة الكبيرة، يدرك أنها مأساة كبيرة.

وهناك في المقابل مسؤولية، مسؤولية على أُمَّتِنَا قبل غيرها، على المسلمين جميعاً، على كل شعوبنا وبلدان أُمَّتِنا، أين هو التحرك الجاد لمنع ذلك، وللضغط بإدخال المساعدات إلى الشعب الفلسطيني؟ ليس هناك أي تَحرُّك جاد، أين هو على المستوى السياسي، أكثر من مسألة بيانات؟ أين هو على المستوى الاقتصادي؟ ليس هناك أي موقف يرقى إلى مستوى الموقف بما تعنيه الكلمة، في أي مجالٍ من المجالات من جانب معظم الأنظمة، وهي مؤثِّرة على مواقف شعوبها، التي تَجْمُد وتبقى متفرِّجة.

معنى ذلك: أن هناك خطر كبير على هذه الأُمَّة، عندما يكون هناك إخلال كبير بالتزاماتها الإنسانيَّة، والدينيَّة، والإيمانيَّة، والأخلاقيَّة، وتفريط في واجباتها الكبرى؛ خشيةً من أمريكا، هذه هي الحقيقة، وخوفاً من أمريكا؛ لأن الأمريكي يتدخل مع الإسرائيلي كشريك في كل جرائمه، وكحامٍ له؛ لينفِّذ ما يشاء ويريد من الجرائم، ثم يتولى الأمريكي دور الحماية له، هذه هي المشكلة التي أوصلت هذه الأُمَّة، في معظم بلدانها وشعوبها، رسمياً وشعبياً، إلى هذا المستوى من التفريط، والتقصير في التزاماتها الإيمانيَّة، والإنسانيَّة، والأخلاقيَّة.

وكان الواجب، وأُمَّتِنا هي في شهر رمضان، والعادة أن يُقْبِل الناس أكثر على تلاوة كتاب الله، أن يتذكَّر الجميع هذه المسؤولية الإنسانيَّة، والأخلاقيَّة، والدينيَّة، والإيمانيَّة، وأن يدركوا- في نفس الوقت- الخطأ والخطر الكبير، عندما يصل واقع الناس إلى أن تكون خشيتهم من أمريكا، وخوفهم من أمريكا، أكثر من خوفهم من العقوبة الإلهية، والعذاب الإلهي، حينما يُفرِّطون في مسؤوليات كبيرة، وعظيمة، ومُقَدَّسة، ومهمة، وضرورية لهذه الأُمَّة، ضرورية لهذه الأُمَّة؛ لأن ما تقبل به هذه الأُمَّة على الشعب الفلسطيني من إبادة، من تجويع، من قتل، من تهجير، من ظلم، دون ردة فعل، دون موقفٍ جادّ؛ هي بذلك تفتح الأبواب للشرِّ على نفسها، والحال نفسه سيكون تجاه أي بلد عربي آخر، أي بلد مسلم آخر، أينما اتَّجه الأمريكي والإسرائيلي لفعل ما فعلوه في فلسطين، سواءً في البلدان المحيطة بفلسطين، أو بغيرها؛ ستكون النتيجة هي النتيجة: يتفرَّج الباقون، يكونون مُكَبَّلين بالخوف والرعب والذُّلّ، وهذا ما يُجَرِّئُ الأمريكي أكثر.

هذا له مخاطر كبيرة على هذه الأُمَّة؛ لأنه- بالفعل- يُشَجِّع الأمريكي، ويُشَجِّع الإسرائيلي، وكلاهما ليس عنده أي وازع من ضمير، أو أي مراعاة لاعتبارات أخرى، يعني: هم لا يُقَدِّرون لأي شعب، أو بلد، أنه تفرَّج عليهم، وهم يفعلون ما يفعلونه في بلدٍ عربيٍ أو مسلمٍ آخر، فَيُقَدِّرون لذلك البلد العربي والإسلامي أنه تَفرَّج، ولم يتدخل، هذا لا يفيده شيئاً بالنسبة لهم؛ هُمْ أصحاب أطماع كبيرة، ومشاريع عدوانية إجرامية يستهدفون بها أُمَّتنا، ولديهم منطلقات عقائدية، ومنطلقات أيضاً تعود إلى نزعتهم الاستعمارية، وسلوكهم الطغياني والإجرامي.

لذلك كان موقف بلدنا اليمن، وقراره في الإسناد للشعب الفلسطيني، واتِّخاذ قرار بحظر الملاحة الإسرائيلية، وبشكلٍ واضح أن هذا القرار يَخُصُّ العدو الإسرائيلي فقط، وبهدف الضغط عليه؛ من أجل السماح، ومن أجل فتح المعابر، لدخول المساعدات الإنسانيَّة إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وإنهاء التجويع.

ما يجري هناك هو تجويع بالفعل، ويضاف معه التعطيش، في ظل نكبة كبيرة يعيشها الشعب الفلسطيني في القطاع، بعد الإبادة لخمسة عشر شهراً، والدمار الشامل للقطاع، وتدمير كل مقومات الحياة فيه، يعني: ليست الظروف التي يعيش فيها الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة ظروفاً عادية، يكون تأثير مثل هذا القرار بمنع دخول المساعدات، ودخول البضائع، قراراً لا تأثير له بشكلٍ كبيرٍ عليه، التأثير كبير؛ لأن الوضعية صعبة من أساسها، ليس هناك لا مخزون غذائي، الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة لا يمتلك أي مخزون من الغذاء، ليس هناك نشاط زراعي، ليس هناك أي مقومات باقية للحياة، القطاع بكله مُدَمَّر بشكلٍ كامل، مقومات الحياة فيه مُدَمَّرة بشكلٍ كامل، والمشاهد واضحة لمن يتابع، فالظروف هناك هي صعبة للغاية؛ ولـذلك عندما أقدم العدو الإسرائيلي على هذه الخطوة، هو من اللحظة الأولى ألحق ضرراً بالغاً، ومعاناة حقيقية للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، والآن تزايدت المعاناة على مدى خمسة عشر يوماً، لم يحصل هناك منذ اللحظة الأولى أي تَحَرُّك جاد- كما قلنا- للأنظمة العربية، وللأنظمة في العالم الإسلامي، تَحَرُّك جاد بما تعنيه الكلمة.

ولـذلك نحن- وبحكم انتمائنا الإيماني، نحن شعبٌ قال عنه رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((الْإِيْمَانُ يَمَان، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، هذا الانتماء الإيماني، وبضميرنا الإنسانيّ- لا يمكننا أبداً أن نتفرَّج تجاه ما يجري، بلدنا وقف مع الشعب الفلسطيني على مدى خمسة عشر شهراً، في إسناد طوفان الأقصى، في معركة طوفان الأقصى، في مواجهة الإبادة الجماعية، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي بشراكةٍ أمريكيةٍ ضده، وشعبنا صمد، وتصدى أيضاً للعدوان الأمريكي، الذي كان في تلك المرحلة بكلها، على مدى خمسة عشر شهراً؛ إسناداً للعدو الإسرائيلي، كما هي الحالة الآن، صمد شعبنا في مواجهة العدوان الأمريكي، بكل ثبات، بكل فاعلية.

فشعبنا هو مستمرٌ في موقفه المساند للشعب الفلسطيني، وهناك خطوط حمراء في الوضع الفلسطيني، عندما يتَّجه العدو الإسرائيلي، وبشراكة أمريكية وحماية أمريكية، لارتكاب الإبادة الجماعية، هذا خطٌ أحمر، المسألة لا يمكن التَّفَرُّج عليها، هناك التزامات قانونية وإنسانيَّة حتى على غير المسلمين تجاه ذلك، في القانون الدولي، في مواثيق الأمم المتحدة، لكن الكل يفرِّطون بالتزاماتهم، في المجتمع الدولي، في البلدان الأخرى، يفرِّطون في التزاماتهم الإنسانيَّة تلك، وفي عالمنا الإسلامي يفرِّطون في التزاماتهم الإنسانيَّة، والدينيَّة، والأخلاقيَّة، والمرتبطة حتى بأمنهم القومي، وبمصالحهم كأمة مستهدفة، يفرِّطون في كل شيء تفرِّيطاً شاملاً، وهذا- كما قلنا- يشجِّع العدو الإسرائيلي، ويشجِّع معه الأمريكي شريكه وحاميه، يعني: لا يمثِّل حلاً للأُمَّة، لا يدفع الخطر عنها، ولا يمثِّل حلاً تجاه ما يجري؛ فقرار بلدنا لإسناد الشعب الفلسطيني، وقراره في منع حظر الملاحة فيما يخص العدو الإسرائيلي نفسه، هو في إطار هذا الالتزام الإنساني، والأخلاقي، والديني، والإيماني؛ للضغط بإدخال المساعدات، وإنهاء التجويع لاثنين مليون فلسطيني في قطاع غزَّة، ليست المسألة مسألة عادية يمكن التجاهل لها، أو التغاضي عنها، المسألة خطيرة، جريمة كبرى، ضد فئة واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني، الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني.

ولـذلك فالعدو الأمريكي عندما ينفِّذ هذا العدوان، وهذه الغارات، فهو لن يحقق هدفه في الضغط علينا بالتراجع عن موقفنا، الحل الوحيد هو:

دخول المساعدات الإنسانيَّة إلى قطاع غزَّة.
إنهاء التجويع للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة.
إنهاء التعطيش للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة.
ما يجري هو أمرٌ فظيعٌ جدًّا، عندما يُقْدِم العدو الإسرائيلي على مثل هذه الخطوات، أو على خطوة الاستهداف للمسجد الأقصى، والسعي لمصادرته أو تدميره، أو للسعي للتهجير للشعب الفلسطيني، هذه يجب أن تكون لدى كل أُمَّتنا خطوطاً حمراء، لا تسمح بها الأُمَّة؛ لأن العدو عندما يدرك أن الأُمَّة مهما فعل، لا تتَّخذ أي خطوات عملية، ولا قرارات حقيقية، ولا مواقف جادّة؛ يُشَجِّعه ذلك على ما هو أسوأ؛ لأن سقفه في مشروع الصهيوني معروف، فكل خطوة تصعيدية كبيرة جدًّا، يُقْدِم عليها دون رد فعلٍ ولا موقف، ستشجعه للانتقال فيما بعدها إلى خطوة أكبر منها، وهو يريد- بالفعل- أن يسيطر بشكلٍ تامٍ على الشعب الفلسطيني، أن ينهي الوجود الفلسطيني، أن يُصَفِّي القضية الفلسطينية، هذا ما يريده العدو الإسرائيلي، ومعه العدو الأمريكي، كلاهما يعتنقان المعتقد الصهيوني، ويتبنيان المشروع الصهيوني، ويتحركان على أساسه، فالمسألة مسألة مهمة.

ولـذلك هذه الخطوط الحمراء، لا يمكن أبداً أن نُفرِّط نحن في التزامنا، ولو فرَّط الآخرون، أن نسكت نحن، ولو سكت الآخرون، فلن نسكت أبداً، هذا موقفنا بكل ما نستطيع، في مستوى قدراتنا وإمكاناتنا، وخياراتنا المتاحة؛ لأن هذه مسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتفريط فيها عليه عقوبة من الله، عليه جزاءٌ كبير في الدنيا والآخرة، ونحن من السهل بالنسبة لنا أن تكون مشكلتنا مع طغاة عصرنا، وأن يكون الخطر علينا من جهتهم، أن نضحِّي في سبيل الله تعالى، ولا أن يكون لنا مشكلة مع الله، أو نجلب على أنفسنا سخط الله، وغضب الله، وعذاب الله في الدنيا والآخرة؛ لأننا نطمئن أننا عندما نتَّخذ الموقف الصحيح، الذي يتطابق تماماً- كما قلنا- مع الالتزامات الإنسانيَّة، والأخلاقيَّة، والدينيَّة، وحتى مع مصالح الأمن القومي لأُمَّتنا بكل الاعتبارات، ونتَّجه هذا التَّوجُّه من أجل الله تعالى، واستجابةً له؛ فإن الله هُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ، {هُوَ مَوْلَانَا}[التوبة:51]، {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الأنفال:40]، نحن نثق بالله، نحن نثق بوعده الصادق، نحن نتوكل على الله، نحن نعتمد على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}[آل عمران:150]، {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}.

الأمريكي أيضاً في تصريحاته، وفي بياناته، يقول أيضاً: أن من أسباب هذه الجولة من عدوانه الجديد على بلدنا، هذا العدوان الغاشم، الظالم، الإجرامي، هو أيضاً بسبب وقوف شعبنا خلال الخمسة عشر شهراً مع الشعب الفلسطيني، في مواجهة عدوان الإبادة الجماعية، الذي نفَّذه العدو الإسرائيلي، بشراكة أمريكية، وحماية أمريكية، ضد الشعب الفلسطيني، فهو أيضاً يُقَدِّم عدوانه هذا أنه يحاسب فيه شعبنا على وقفته المُشَرِّفة، الشجاعة، الكاملة، إلى جانب الشعب الفلسطيني، في مواجهة عدوان الإبادة الجماعية.

نحن نقول أيضاً: تلك الوقفة المشرِّفة، التي هي من أجل الله تعالى، وفي سياق هذه الالتزامات الإيمانيَّة، والإنسانيَّة، والأخلاقيَّة، والدينيَّة، هي أيضاً موقفٌ لن يندم عليه شعبنا، موقفٌ مشرِّف، موقفٌ عظيم، موقفٌ يُمَثِّل قُربةً إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وموقفٌ زاد شعبنا قوةً، زاده قوةً على كل المستويات، بما في ذلك على المستوى العسكري، والقدرات العسكرية، وموقفٌ يُبَيِّض الوجه، وشعبنا العزيز انطلق فيه من منطلقٍ إيماني، ببصيرة عالية، بثباتٍ إيماني، بِعزَّةٍ إيمانيَّة؛ ولـذلك فشعبنا لن يتزحزح عن تَوَجُّهِه الإيماني، القرآني، الإنساني، الأخلاقي، مهما كان الطغيان الأمريكي والإسرائيلي، نحن سنقف ضد هذا الطغيان الأمريكي والإسرائيلي.

العدوان الأمريكي فاشل، وسيفشل بإذن الله تعالى، ولن يحقق أهدافه:

لن يحقق أهدافه في الضغط على شعبنا وبلدنا في التراجع عن موقفه، ولا عن قراره؛ لأنه موقفٌ أساسيٌ، موقفٌ مهمٌ، موقفٌ ضمن التزامات إيمانيَّة، وإنسانيَّة، وأخلاقيَّة، ودينيَّة، وضرورة، ضرورة فعلاً بكل ما تعنيه الكلمة، ضرورة كما سنشرح أيضاً حول هذه النقطة.
لن يحقق العدوان الأمريكي أهدافه في تقويض القدرات العسكرية لبلدنا بإذن الله تعالى؛ لأننا نحن نعيش تجربة جهادية، وتصدٍ للعدوان الأمريكي على مدى سنوات طويلة؛ وإنما هذه جولة من جولات العدوان الأمريكي، بل كما في المراحل الماضية، الأمريكي سيسهم بهذا العدوان الجديد، بهذه الجولة الجديدة من عدوانه، في تطوير قدراتنا العسكرية أكثر فأكثر بإذن الله تعالى.
سنواجه التصعيد بالتصعيد، هذا هو توجُّهنا، والبارحة قامت قواتنا المسلحة- وعلى الفور- بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيَّرة؛ للتصدي لتلك الاعتداءات، والغارات، والقصف الأمريكي على بلدنا؛ ولـذلك فهذا خيارنا، وهذا قرارنا، وهذا توجُّهنا، طالما استمر العدو الأمريكي في عدوانه على بلدنا، فبارجاته، وحاملة طائراته، وقطعه البحرية، ستكون مستهدفة بالطائرات المسيَّرة، وبالصواريخ، وأيضاً- مع ذلك- سيشمله قرار الحظر في الملاحة البحرية، طالما استمر في عدوانه، وهو الذي يسعى هو إلى التأثير على الملاحة البحرية، حينما يحوِّل البحر إلى ساحة حرب، هو الذي يؤثِّر هو بذلك على الملاحة البحرية؛ أمَّا قرارنا فكان واضحاً، كان يَخصُّ العدو الإسرائيلي فقط، والأمريكي الآن سيشمله الحظر، لكن تحويل الأمريكي للبحر إلى ميدان حرب، وساحة حرب، هذا يؤثِّر- بالفعل- على الملاحة الدولية.

ولـذلك من واجب كل الدول أن تعرف من الذي يُشكِّل خطورة على الملاحة، مَنِ الذي يُشكِّل تهديداً على الملاحة البحرية، وعلى حركة السفن؟ هو الأمريكي، الأمريكي والإسرائيلي هما مصدر شرّ، وخطر على مستوى العالم، وعلى مستوى المنطقة بكلها، الشَّرُّ منهم، الإجرام منهم، العدوان منهم، التوتير للوضع العام في هذه المنطقة منهم، هم مصدر الشَّرّ والخطر، وهم من يعتدون، من يرتكبون الجرائم، من ينفِّذون الاعتداءات، هم من يُضِيعُون السلام بكل ما تعنيه الكلمة، ويحوِّلون الأجواء بكلها، الأجواء العالمية، إلى أجواء متوترة في الشرق والغرب، وأجواء مأزومة؛ لأنهم عدوانيون، وظالمون، ومتكبرون.

لدينا أيضاً خيارات تصعيدية، يعني: الآن نحن سنواجه التصعيد بالتصعيد، سَنَرُدّ على العدو الأمريكي في غاراته، في اعتداءاته، بالقصف الصاروخي، بالاستهداف لحاملة طائراته، لبوارجه، لسفنه، سيشمله قرار الحظر، ومع ذلك أيضاً لا يزال لدينا خيارات تصعيدية، فإذا استمر في عدوانه، ننتقل إلى خيارات تصعيدية إضافية بإذن الله تعالى.

شعبنا العزيز أيضاً سيتحرَّك تَحَرُّكاً شاملاً، على مستوى التعبئة العامة، على مستوى كل المجالات، كما كان ذلك التَّحَرُّك العظيم، والمشرِّف، والقوي، على مدى خمسة عشر شهراً، ضد عدوان الإبادة الجماعية، التي ارتكبها العدو الإسرائيلي بشراكة أمريكية، وحماية أمريكية، ضد الشعب الفلسطيني، الآن في مواجهة هذا العدوان على بلدنا، والتجويع للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، والتعطيش، شعبنا العزيز سيتحرَّك تحرُّكاً شاملاً وواسعاً للتصدي للطغيان.

نحن لسنا في موقفٍ عبثي، نفتعل المشاكل لأنفسنا، نحن في موقفٍ إيماني، أخلاقي، إنساني، جهادي في سبيل الله تعالى، نتصدى للطغيان، للظلم، للإجرام، للعربدة الأمريكية والإسرائيلية.

ما يسعى له الأمريكي هو: إخضاع هذه المنطقة بكلها للإسرائيلي، وهذا شيءٌ واضح، بالرغم من أن الأمريكي شريكٌ في الاتفاق المتعلق بوقف العدوان على قطاع غزَّة، وإدخال المساعدات، وإنهاء التجويع للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وعليه التزامات بذلك، التزامات، مما هي التزامات بين الدول، بين الناس، اتِّفاقات تُوَقَّع، فيها التزامات واضحة، لكن الأمريكي لا يكترث بالتَّنكُّر لالتزاماته، بعدم الوفاء بالتزاماته، بالنَّكْثِ بالاتِّفاقات.

والإسرائيلي كذلك، يَنْكُث أي عهد، أي ميثاق، يتنكَّر لأي اتِّفاق، ما يفعله العدو الإسرائيلي في فلسطين نفسها:

في الضفة الغربية: جرائم مستمرة.
في مخيم جنين: لا يتوقف يومياً عن القتل، عن التهجير، عن التدمير…
وفي مخيمات أخرى: في طولكرم، وغيرها.
ما يفعله أيضاً في ما يتعلق بالاقتحامات للمسجد الأقصى: بشكلٍ متكرر.
وهذه خطوات- كما قلنا- ليست هي النهاية، ليست هي السقف الأخير فيما يفعله العدو الإسرائيلي، هي خطوات ضمن برنامج للعدو الإسرائيلي، وكلما سكتت الأُمَّة؛ تجرَّأ على ما هو أكثر.

ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة: استمرار بالقتل اليومي، وإن لم يكن بالوتيرة التي كان عليها في الإبادة الجماعية اليومية، لكن هذه جرائم، جرائم لا يجوز أن تسكت الأُمَّة عنها.
والأمريكي يشجِّعه على ذلك، يقتل الصحفيين، يقتل المواطنين، يقتل العاملين في المجال الإنساني، وكأن الموضوع طبيعي! جرائم واضحة، اعتداءات واضحة، انتهاكات لكل شيء: للمواثيق، والقوانين، والأخلاق، والقيم… ولكل شيء.

عربدته ضد الشعب اللبناني مستمرة، لم يفِ بالاتِّفاق، الذي عليه أيضاً ضمين هو الأمريكي من الضمناء عليه في تنفيذه، لم ينسحب كُلِّيّاً من جنوب لبنان، يستمر في الاعتداءات بالقتل لأبناء الشعب اللبناني، والانتهاكات المتنوعة.

يفعل ما يفعله في سوريا: يجتاح، يتوسَّع، يُنَفِّذ الغارات، أحياناً بشكل مُكثَّف، قبل أيام (أربعين غارة) في ليلة واحدة، غارات كثيرة، يُدَمِّر، يقتل، يحتل، يتوسَّع، عربدة واضحة.

وكل هذه الجرائم هي جرائم واضحة، اعتداءات واضحة، ليس لها أبداً ما يُبرِّرها، ومع ذلك الغالب تجاه ذلك هو السكوت، معنى ذلك: أن الأمريكي- وكما قلنا أكثر من مرَّة- يسعى مع الإسرائيلي، لفرض معادلة الاستباحة في أوساط أُمَّتنا، على شعوب أُمَّتنا وبلدانها كافَّة، هذا والله ما يسعى له الأمريكي والإسرائيلي! يريدان أن تكون أيديهما مطلقة بالعدوان والإجرام، بالقتل، بالتدمير، بالاحتلال، بفعل ما يشاؤون ويريدون، دون رد فعل، ودون موقفٍ جادّ في مقابل ذلك، هذه مسألة خطيرة جدًّا، القبول بها له تداعيات كثيرة.

لو كان السكوت سيجدي، لو كانت التَّوَجُّهات الأخرى التي لا تتبنى أي موقف ضد الطغيان والعدوان الأمريكي والإسرائيلي ستجدي، لكان ذلك مجدياً في سوريا، التَّوجُّه واضح من الجماعات التي في سوريا، هي تؤكِّد بكل وضوح أنَّها لا تعادي الإسرائيلي، وأنَّها لن تتحرك ضده بأي شيء، هي لا ترد عليه بأي رد تجاه ما يفعل، هي عمَّمت في الأوساط الإعلامية، ألَّا يكون هناك حتى في التعبير الإعلامي كلمة (العدو الإسرائيلي)، ومع ذلك لم ينفع، لم ينفع كل ذلك، أن يقولون له: [نحن لا نُعاديك، نحن لن نرد عليك، نحن لا نستهدفك].

وفعلاً الواقع يُثْبِت ذلك، أنَّهم جادُّون في ذلك، لا يريدون أن يتَّخذوا أي موقفٍ ضده، لديهم توجُّه جادّ، نحن نشهد لهم في ذلك: أنَّهم لا يريدون أن يردوا عليه أي رد، ولا يريدون أن يعادوه، ولا يريدون أن يمثِّلوا أي إشكالية معه، أو أن يكون لهم أي صراع معه، يريدون منه فقط أن يَكُفّ عن احتلال سوريا فقط، يعني كمطلب وليس في إطار موقف، كمطلب عادي، يَتَوَدَّدُون، يَتَوَسَّلُون، يطلبون من الدول الأخرى، يطلبون من الأمريكي؛ لكن لم يُفِد ذلك، الإسرائيلي يحتل المزيد والمزيد، ويتوسَّع، ويُثَبِّت احتلاله، يستمر في تدمير القدرات، التي هي ملكٌ للشعب السوري، ويستمر في تثبيت سيطرته على ما قد قام باحتلاله في جنوب سوريا، في ثلاث محافظات يطمع بها: (القنيطرة)، والمساحة الواسعة من (درعا)، وايضاً (السويداء)، ويصل إلى (أطراف ريف دمشق)، ومناطق محسوبة من (ريف دمشق)، وعلى مقربة من (دمشق) نفسها، على مقربة من العاصمة السُّوريَّة نفسها.

فليس هناك في سوريا ما يمكن أن يتذرَّع به، لا علاقة مع إيران، الموقف في سوريا من تلك الجماعات من إيران موقف واضح، هم يعلنون أنَّها هي عدوهم، أنَّها العدو وليس إسرائيل، واضح أنَّهم سيقبلون بالتطبيع، وليس عندهم إشكالية في ذلك، لكن كل هذه الخيارات لن تنفع.

السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية خياراتها واضحة، الاتِّفاقات التي وقعها العدو الإسرائيلي معها فيما مضى واضحة، ومع ذلك العدو الإسرائيلي لا يلتفت إلى تلك الاتِّفاقات إطلاقاً، لا يفي بشيءٍ منها، يُعَبِّر عن أطماعه بوضوح، عن أهدافه العدوانية بوضوح، يرتكب الجرائم اليومية ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية.

معنى ذلك: حتمية الموقف الذي يردع العدو، يردع العدو الإسرائيلي.

فنحن لسنا في موقفٍ عبثي، نحن في موقفٍ ضروري، موقفٍ إنساني، أخلاقي، ديني، أمام ما يريد الأمريكي تثبيته على مستوى المنطقة بكلها، في إخضاعها للعدو الإسرائيلي، هذا هو الهدف الأمريكي: الإخضاع لهذه المنطقة بكلها للعدو الإسرائيلي، وفرض معادلة الاستباحة، وكلاهما لا يمكن أن نقبل به أبداً: لن نقبل بإخضاع هذه المنطقة للعدو الإسرائيلي، لن نقبل أبداً بتثبيت معادلة الاستباحة لأُمَّتنا، لا في بلدنا ولا في غيره، هذا غير مقبول إطلاقاً؛ القبول به تنكُّر لمبادئ الإسلام، القبول بذلك ذِلَّة، والله يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:8]، القبول بذلك لا يُمَثِّل حمايةً للأُمَّة، لا من القتل، ولا من الاحتلال، ولا من الشَّرّ، ولا من الخطر الأمريكي والإسرائيلي، القبول بذلك تمكين للعدو الإسرائيلي، وللعدو الأمريكي معه، تمكين لهما مما يشاءان أن يفعلاه في هذه الأُمَّة، من تنفيذ أهدافهما، ومخططاتهما، ومؤامراتهما، العدوانية التدميرية ضد هذه الأُمَّة.

نحن في موقفنا العظيم المشرِّف، الذي هو استجابةٍ لله تعالى، وفي إطار التزاماتنا الإيمانيَّة، الإنسانيَّة، والأخلاقيَّة، والدينيَّة، في موقفٍ أصيل، ليس إملاءً علينا من أي جهة، وليس من أجل امتداداً لجهة هنا أو هناك، تحالفنا، وتعاوننا، وتنسيقنا، مع أخوتنا من أحرار أُمَّتنا في محور المقاومة، هو في إطار موقف ضمن التزاماتنا جميعاً، كأُمَّة، واجب الأُمَّة بكلها، إذا تَحَرَّك فيه البعض ضمن التزاماتهم، لا يعني ذلك أنها مسألة عمالة من بلد لبلد، أو من فئة لفئة، هذا موقف ضمن التزامات الجميع، ومسؤولية الجميع، فمن يفرِّطون في هذا الالتزام هذه مشكلتهم؛ أمَّا موقفنا فهو في أشرف قضية، في موقفٍ عظيم، يُبَيِّض الوجه أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفي موقف ضروري.

نحن في هذا التَّوجُّه، ضد الطغيان الأمريكي والإسرائيلي، ضد الإجرام الأمريكي والإسرائيلي، ضد العدوان الأمريكي والإسرائيلي، نحن امتدادٌ لمسيرة الإسلام، المسيرة العظيمة، التي على رأسها رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، ونحن نعيش ذكرى غزوة بدرٍ الكبرى، التي هي في السابع عشر من شهر رمضان المبارك، حينما تحرَّك رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، بعد الإذن من الله، والتوجيه من الله، كما قال الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج:39]، وكما قال تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ}[الأنفال:5-6]، تحرَّك رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” في غزوة بدرٍ الكبرى ضد الطغيان، ضد جبهة الطغيان.

جبهة الطغيان آنذاك، التي تمثَّلت بدءاً بجبهة قريش، في محاربتها، في عدوانيتها، في جاهليتها، في ظلمها، في عدائها للإسلام والمسلمين؛ جبهة الطغيان في هذا العصر هي أمريكا وإسرائيل، جبهة الشَّرّ، جبهة الكفر، جبهة الظلم، جبهة الإجرام، جبهة العداء للإسلام والمسلمين: أمريكا وإسرائيل، هل هناك شَكٌّ في ذلك؟ هل هناك أحدٌ يفعل بالأُمَّة كما يفعلون؟ أهدافهم واضحة، جرائمهم واضحة، أطماعهم واضحة، أحقادهم واضحة، مشروعهم الصهيوني، العدواني، الإجرامي، التدميري، واضح، هم جبهة الكفر في هذا العصر، فنحن نتحرك ضد ذلك الطغيان، العدوان، الإجرام، المُسْتَهدِف أصلاً في حالة عدوانية لنا ولأُمَّتنا، نتحرَّك امتداداً لمسيرة الإسلام، بموقفه الحقّ، اقتداءً برسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”.

رسول الله تحرَّك في قِلَّة من العدد والعُدَّة، لكنه تحرَّك متوكلاً على الله، تحرَّك بإيمانه، وتحرَّك من تحرَّك معه من المسلمين بالدافع الإيماني، بالاستجابة الإيمانية، بالثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بالثقة بوعده الحق، وحقَّق الله لهم في غزوة بدرٍ الكبرى الانتصار العظيم، الذي جعل من تلك الغزوة غزوةً فارقة عمَّا قبلها وعمَّا بعدها، وأسَّست لمرحلةٍ جديدة، مرحلةٍ للعزِّ والنصر والقوة للإسلام والمسلمين، لإحقاق الحق، بالنصر، بالموقف في الميدان.

فنحن امتدادٌ لذلك التحرُّك، وكما كان موقف الأنصار مع رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، بدءاً حينما استشارهم، كانت تعبيرات أولئك المؤمنين تعبيرات تُعَبِّر عن الثبات، عن الوفاء، عن الشجاعة، عن العِزَّة الإيمانية، عن الصمود، عن الاستجابة لله تعالى، ثم كان الموقف كذلك في الجهاد في سبيل الله، شعبنا العزيز هو يحذو حذو أولئك الأسلاف من الآباء والأجداد المجاهدين، الذين حملوا راية الإسلام، في مواجهة الطغيان، بدءاً بطغيان قريش، وغير قريش، وصولاً إلى طغيان القوى العالمية آنذاك، المستكبرة، الظالمة: (إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الحَربِ، صُدُقٌ عِنْدَ اللِقَاء، وَاللَّهِ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ لَنْ نَقُولَ لَكَ كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيْل لِمُوسَى: اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنْ اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعْكُم مُقَاتِلُون).

أسوتنا هو رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، لم يسكت في مواجهة الطغيان، لم يخنع، كيف يمكن أن يكون مقبولاً عند الله لِأُمَّة الإسلام، لِأُمَّة الملياري مسلم، للعالم العربي (أكثر من ثلاثمائة مليون إنسان)، أن يكون خيار أُمَّة هو الاستسلام، هو السكوت، هو الجمود، شعوبٌ بأكملها، بلدانٌ وأوطانٌ بأكملها، يتحوَّل هذا إلى خيار جماعي؟! هذا خيار انتحاري للأمة، يسبب لها سخط الله، وتمكين عدوها منها، خيار الاستسلام لِأُمَّة كبيرة، لا يجوز ذلك في دين الله.

رسول الله، الذي قال عنه الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21]، تَحَرَّك بثلاثمائة إنسان، ثلاثمائة مجاهد، يزيدون قليلاً بالعشرات، أو بأقل من العشرات، على هذا الرقم: ما بين أربعة عشر، أو أكثر، أو أقل، بحسب اختلاف الروايات، بهذا العدد حمل راية الإسلام، وتحرَّك في سبيل الله تعالى.

مخاطر الخنوع كبيرة جدًّا، هذه التحديات وهذه الأخطار التي تستهدف أُمَّتنا، لابدَّ فيها من التحرُّك الجاد، بالاعتماد على الله، والثقة به، والتوكل عليه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ونحن كشعبٍ يمني لن نقبل بالاستسلام للعدو، ولن نتيح له الفرصة لتحقيق أهدافه العدوانية؛ لأننا نتحرَّك معتمدين على الله، لدينا هذا السند العظيم: هو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نثق به، نتوكل عليه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، خيارنا وقرارنا هو من إيماننا، من كرأمتنا الإنسانيَّة والإسلامية، في الثبات على الموقف، في التصدي للعدوان والطغيان، بتحرُّكٍ واسعٍ وشامل.

ولـذلك أطلب من شعبنا العزيز، وأتوجَّه إلى شعبنا العزيز، أن يخرج في يوم الغد، في ذكرى غزوة بدرٍ الكبرى، أن يخرج خروجاً مليونياً، في العاصمة صنعاء، وفي بقيَّة المحافظات؛ لِيُعَبِّر، وليعلن، وليؤكِّد عن ثباته، وعلى ثباته على موقفه الحق، موقفه الإيماني، موقفه الجهادي، في دعم الشعب الفلسطيني، وفي التصدي للعدوان الأمريكي، وبحسب الوقت والإجراءات المحددة من اللجنة المنظمة وفروعها، مسألة تحديد الوقت، وتحديد الأماكن، هذا متروكٌ إلى اللجنة إن شاء الله.

ولكن من المهم أن يكون الخروج الشعبي واسعاً جدًّا، يُعَبِّر عن هذا الثبات، عن هذا الانتماء العظيم، في هذه الذكرى المهمة؛ لأن موقفنا هو امتداد لذلك الموقف، قدوتنا هو رسول الله، كما خرج الآباء والأجداد بوفاء، وإيمان، وثبات، وعِزَّة إيمانية، وصدق مع رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، في غزوة بدرٍ الكبرى، وفي غيرها من معارك الإسلام ضد طغيان الجاهلية الأولى، سنتحرك امتداداً لذلك، امتداداً لرسول الله، لراية الإسلام، لمسيرة الإسلام، لموقف الإسلام، للجهاد في سبيل الله، في هذا العصر، في هذه المرحلة، لن نقبل مطلقاً بالاستباحة، بإخضاع هذه الأُمَّة، وإخضاع بلدنا وغيره، للإسرائيلي في هذه المنطقة، لن نسكت تجاه العربدة، والطغيان، والعدوان، والإجرام، من قبل العدو الإسرائيلي، والعدو الأمريكي.

آمَل يا شعبنا العزيز- وأنتم شعب الوفاء، الشعب الذي خرج على مدى خمسة عشر شهراً، خروجاً مُشرِّفاً عظيماً، لا مثيل له في كل الدنيا- آمُل أن يكون الخروج يوم الغد كبيراً وعظيماً، مُعبِّراً عن إيمانكم، عن وفائكم، عن عِزَّتِكُم الإيمانية، عن صمودكم، عن ثباتكم العظيم الذي هو من إيمانكم، عن استجابتكم لله تعالى، عن أنكم الامتداد في هذه الأُمَّة، بين كل ذلك المحيط من التخاذل والخنوع والاستسلام، أنتم الامتداد لنهج الإسلام الأصيل، لحمل راية الإسلام، للموقف الحقّ، الذي يريده الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفيه الخير، وفيه الشرف.

اُطَمْئِن شعبنا العزيز، أنه مهما كانت التطورات، وضعنا- بحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- قوي، متماسك؛ باعتمادنا على الله، بتوكلنا على الله، بتجربتنا أيضاً في المواجهة لهذا العدو، لاعتداءاته، لتكتيكاته العسكرية، ونحن معتمدون كل الاعتماد على الله تعالى، وواثقون كل الثقة به، هو القائل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ}[آل عمران:160]، هو القائل: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]، فنحن نثق به، هو لا يُخلِفُ وعده، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {خَيْرُ النَّاصِرِينَ}[آل عمران:150]، {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الأنفال:40].

وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيّ العَظِيْم.

أَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، فِي مُوَاجَهَة طُغْيَانِ طُغَاةِ العَصْر الظَّالِمِين، المُسْتَكْبِرِين، المُجْرِمِين، أَمَرِيكَا وَإِسْرَائِيل وَمَن يَدُورُ فِي فَلَكِهِم، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • (نص + فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات
  • الجزائر تطالب فرنسا بمراجعة سعر كراء إقامة السفير بـ”فرنك رمزي” منذ 1962
  • شيخ الأزهر في خطاب بالأمم المتحدة: الإسلاموفوبيا نتاج للجهل بحقيقة الإسلام
  • شيخ الأزهر يدعو في خطاب بالأمم المتحدة إلى إنشاء قواعد بيانات توثق الجرائم ضد المسلمين
  • شيخ الأزهر في خطاب بالأمم المتحدة: التاريخ يشهد أن الإسلام دين سلام بامتياز
  • حمادة هلال: بعتبر مسلسل المداح زي ألف ليلة وليلة .. فيديو
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يشارك في جلسة رفيعة المستوى بالأمم المتحدة ضمن الدورة الـ 69 للجنة وضع المرأة
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يشارك في جلسة رفيعة المستوى بالأمم المتحدة
  • في إنتظار السفير الجزائري…ترامب يطرد سفير جنوب أفريقيا من الولايات المتحدة الأمريكية
  • المكسيك تُؤكد موقفها الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير