سودانايل:
2025-03-12@06:29:15 GMT

رمزية البيوت

تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT

تنقل والدنا له الرحمة و المغفرة في عدة منازل و جميعها كانت بمارنجان بحكم عمله بالمشروع ، الا ان منزلة الأخير بمارنجان ضاحية حلة حسن هو المنزل الوحيد الذي امتلكه عدا ذلك كانت جميعها تتبع ملكيتها لمشروع الجزيرة . هذا المنزل يشدني خيط روحي و وجداني عميق اليه ، مثلما لسابقاته الاتي حضن طفولتي و صباي لكن هذا يتميز بانه مملوك للاسرة .



البيوت لها روح و الفة و تراث وخيوط تربطك بالجزور و ذكري حية نجترها من حين لاخر . لقد وثق لها تراثنا العربي و السوداني . في عهد الجاهلية كتب الشعراء ابيات من الشعر عن المنازل ضمنتها بعض قصائدهم يبكون فيها علي الاطلال ، علقت علي استار الكعبة تجسد شعورهم العميق بالحزن علي المنزل بالرغم من طبيعة حياة التنقل والترحال كرعاة .
عندنا في السودان يصفون الشخص الخلوق حسن السيرة و السلوك بقولهم ان - فلان من بيت - كناية علي ان البيوت تشكل وجدان و شخصية الفرد و تحسن تربيته .

مازلت الذاكرة تحتفظ بصور من كل ركن في البيت الي يومنا هذا ! ، الاثاث ، السكان ، الضيوف ، صينية الطعام محتوياتها ، فطور الجمعة و طقوس الوالد للتحضير لصلاة الجمعة و اصطحابه لضيوف من الجامع علي الغداء طقوس رمضان و الاعياد و الافراح و الاتراح … الخ التفاصيل التي لا نستطيع ان نتذكرها الان خلال مشاهداتنا اليومية حتي الامس القريب .

من سنن الله أن هذا المنزل هجره اخر سكانه منذ اكثر من عقدين من الزمان ، رحل عنه كل السكان الذين فرقتهم الحياة في مضارب ارض الله الواسعة ! عندما قرر اخوتي بيع المنزل الذي ظل شاغرا و اتت عليه كل عوامل التعرية ، انتابني شعور بفقد شي عزيز ، و شعور بالحزن كأنما للبيوت انفس و ارواح نحزن لفقدها . يبدوا ان البيوت ليست مباني كما يتظني لنا و انما هي كيان معنوي حي نخاطبه بمشاعرنا .

للاسف هذا الشعور اصبح يخالج الملاين من ابناء الوطن الذين فقدوا بيوتهم نتيجة للحرب اللعينة . لقد استمعت للكثيرين الذي يعبرون عن حزنهم الذي زاد بسبب فقدهم بالاضافة للمنزل، فقدهم لمقتنياتهم من صور لمناسبات مهمة توثق لاحداث سعيدة و اعياد ميلاد لاطفالهم و شهادات و تحف و هدايا مهمة ، فقدانهم لها احزنهم اكثر من فقدهم لممتلكاتهم المادية .

معظمنا الان يسكن مع اسرته في منزل و قد يكون قد تنقل في اكثر من منزل ، كل هذه المنازل تشكل ماضي وحاضر لنا ، و لكن يظل منزل الاسرة الكبير الذي ترعرعنا في كنفه يستحوذ القدر الاكبر من هذا الحنين برمزية البيت الكبير والحوش الكبير .

لذلك علينا ان نقدر احساس الاطفال و الصبايا الذين غادروا منازلهم مع ذويهم بسبب الحرب . هؤلاء الأطفال يعيشون كنازحين داخل و خارج الوطن . لا يستوعبوا لماذا اندلعت هذه الحرب فوق رؤوسهم لتجعلهم يغادروا منازلهم ؟ رحلوا علي عجل، تركوا مقتنياتهم خلفهم دون ان يتمكنوا من اخذها ، العابهم ، صورهم ، غرف نومهم ،مدارسهم و اصدقائهم .. . بالتاكيد هذه واحدة من ماسي الحرب العديدة فهي تمس فئة الاطفال ، بالتأكيد لها تاثيرها النفسي الذي قد ينعكس علي مستقبلهم ومستقبل الوطن الذي مستقبله بيد هذا الجيل .
نسال الله ان يرد الجميع الي بيوتهم سالمين في القريب العاجل .

جعفر فضل  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

غربال الثورة الناعم

 

غربال الثورة الناعم

حيدر المكاشفي

لفت انتباهي مقال نشر مؤخرا لصديقنا وزميلنا الأصغر وائل محجوب، جاء في مقدمته أنه في مرحلة الثورة وما تلاها من حكم انتقالي، برزت وجوه محددة لعبت دورا متصلا وكبيرا، في إضعاف أي مجال للتقارب أو الحوار بين مختلف قوى الثورة، عبر شيطنة الناس وتبني الشائعات، وتسميم أجواء المجال العام، وتدني لغة الحوار بالسب والشتم لرموز وشعارات القوى المختلفة، وكانت وجهة نظري وقتها أن كثير من هذه الأصوات تؤدي أدوارا معلومة، وسينكشف أمرها يوما ما. وبعد اندلاع الحرب، تمايزت الصفوف وخرج من بين صفوف الثوار من حمل السلاح ضمن صفوف المقاومة الشعبية، وهجر أخرون السلمية وتبنوا الدعوة للحرب والتعبئة لها، بينما مضى أخرون بشكل أكثر وضوحا نحو كتائب البراء ابن مالك، ومعلوم انها كتائب للحركة الاسلامية، وضالعة بحسب أكثر من تصريح لقادتها في مهاجمة الثورة، ويشتبه في كونها من ضمن قوات القناصة التي أردت كثير من الشهداء، وصار كثير من هؤلاء الثوار “السابقين” “يردد أمن يا جن.. ومثلما كشف الله ستر كثيرون ممن عادوا لقواعدهم بعد الحرب، هاهو مؤتمر الميثاق التأسيسي الذي انعقد بنيروبي، يخرج البقية الباقية ممن تدثروا طويلا بشعارات رفض الحرب..
ما ذهب اليه الزميل وائل يعيد الى الذاكرة الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله (أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أقلني بيعتي، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي، فأبى، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها)، وهذا هو بالضبط حال ثورة ديسمبر المجيدة بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 الغاشم وحرب أبريل القذرة تعكف على نفي خبثها وغربلة صفوفها، وما خبثها الا اولئك المتملقين والمنافقين والمتذبذبين الذين ما اعلنوا انحيازهم للثورة الا على سبيل الملق والنفاق والمراء، وبدا واضحا انهم لم يؤيدوا الثورة الا لمنصب يصيبونه أو فائدة يجنونها، فما ان اعلن الانقلابيون سيطرتهم على الأوضاع ومن بعده حربهم اللعينة حتى انقلبوا معهم ولذات الاهداف الرخيصة، فصاروا مثل (فسية) تقرأ ذيل الديك التي تميل حيث تهب الهبوب، ولو كان للانقلاب والحرب من حسنة وحيدة ان كانت لهما حسنات، فهي أنهما فرزا الخبيث من الطيب والثوار الحقيقيون من ادعياء الثورة، وهذا ما يمكن الثورة والثوار الآن من نفي خبثهم كما ينفي الكير خبث الحديد وغربلة صفوفهم، ودنس الثورة وخبثها يجسده هيجان بعض من يدعونها من الذين لا يتحلون بأدبها ولا أخلاقها، ويأبى الله إلا أن يفضح مدعيها هؤلاء على رؤوس الأشهاد، وتلك سنة الله في اهل الملق والنفاق ولابسي ثياب الزور.. لقد كانت ثورة ديسمبر ولا تزال وستظل هي أعظم ما فعله السودانيون عبر تاريخهم الحديث، وهي ثورة طاهرة ستنفي خبثها وتنقي صفوفها، ولا يصلح أن يتصدى لحمل لوائها والدفاع عنها والسعي لاستعادتها، إلا من أخلص لها وآمن بمبادئها وضحى في سبيلها، وإذا كان البعض قد خذل الثورة أو خانها، وارتمى في أحضان الانقلابيين وحلفائهم من الكيزان وفلول النظام البائد، وأصبح أداتهم لاجهاضها، فإن هناك الغالبية الكاسحة من المخلصين للثورة ومبادئها والعاضين عليها بالنواجذ، والذين لن يقبلوا ان يعطوا الدنية في ثورتهم ولا في مبادئهم رغم كل ما تعرضوا له وسيتعرضون له من قمع وتنكيل، ولا يزالون يبذلون وسيظلون يبذلون ما في وسعهم دفاعا عنها في وجه هذه الهجمات التي تتعرض لها بلا كلل ولا ملل ولا يأس، فاليأس خيانة للثورة ولشهدائها، وفي تجارب التاريخ العبرة والمثل، فأصحاب كل القضايا العادلة لم ييأسوا في معاركهم طلبا لحقوقهم مهما تطاول عليهم الأمد، قرأنا ذلك في قصص الأنبياء والمرسلين، وقرأناه في تاريخ الشعوب، بل في تاريخنا الوطني ذاته، فالاصرار على استمرار فتنة هذه الحرب اللعينة المهلكة ماهو الا هو دليل خوف وليس دليل قوة، لأن هذه الحرب استهدفت بالأساس ثورة الشعب وليس المليشيا بدلالة كثير من الشواهد والمواقف والتصريحات والتلميحات، وهذا وضع لا يمكن له الاستمرار طويلا لأنه ضد طبيعة الأمور، وستظل بحول الله ثورة ديسمبر صامدة في وجه الثورة المضادة التي أرادت وأدها، وهو صمود مرشح للاستمرار ومن ثم النجاح لأن صبر الشعوب يفوق كثيرا قدرات أنظمة الحكم مهما بلغ جبروتها، وها هم أبناء الثورة، شبابها وكنداكاتها المخلصين يسطرون ملاحم في الصمود والتمسك بمبادئ ثورتهم والدفاع عنها، لا يضرهم من خذلهم أو خانهم، كما أنهم يزدادون وعيا بالمشهد من حولهم، ويحسبون خطواتهم، وهم يراهنون بالأساس على شعبهم، فارادة الشعب دائما هي الأقوى والردة مستحيلة..

 

 

الوسومالإنقلابيون الثورة حيدر المكاشفي وائل محجوب

مقالات مشابهة

  • والدي الذي لم يلدني.. او قصة حياتي..
  • جون ويندهام.. رائد الخيال العلمي الذي تنبأ بكوارث المستقبل
  • إليكم صور الأسرى الذين سلّمتهم إسرائيل إلى لبنان
  • العريس الذي كان يتجهز لزفافه لكنه زُفّ إلى الجنة
  • يهدمون البيوت ويخربون الممتلكات.. قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون يعيثون فسادًا في الضفة الغربية
  • «مدرسة جميلة» ومربي فاضل هو «ابن» سرحتها الذي غنى بها
  • محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
  • فضل الله: الاخلاص للطائفة يبدأ من الاخلاص للوطن
  • إفطارهم في الجنة.. هشام شتاء شهيد الواجب الذي لم تذبل ذكراه
  • غربال الثورة الناعم