يزعم هذا المقال في فرضيته الأساسية أن ما أعلنه رئيس وزراء إسرائيل عن إعلان "الحرب" على قطاع غزة هو مجرد تمويه لحالة مقررة سلفا.. وهذه الحالة هي ما يُمكن أن يُشار إليها بإستحالة شن الحرب من منظور القانون الدولي الإنساني. ذلك أن القطاع ظل خاضع للإحتلال منذ العام 1967 رغم سياسة فك الارتباط في 2005م.
لابد أن يتجه توصيف ما أعلنه رئيس وزراء إسرائيل لشئ آخر غير الحرب بشرط أن يضمن كل ما تتضمنه من عنف وألاَّ تكون مقيدة بقوانين الحرب المنصوص عليها في إتفاقات جنيف الأربعة وما يشمله القانون الدولي الإنساني بوصفه اطاراً قانونياً وأخلاقياً ينظم سير العمليات العدائية، ويحمي المدنيين أثناء النزاع المسلح.

إن إعلان الحرب يضمن لإسرائيل في الوقت نفسه نوعا من التضامن الدولي فيما يمكن أن يُعتقد بأنها " حرب عادلة " وهذا بالضبط ما تريده إسرائيل فيما تشنه من عدوان على قطاع غزة وهو افلحت في الحصول عليه من القوى الدولية الكبرى.
فالمحلل المدقق يمكن أن يستخلص نية إسرائيل المعلنة نحو الإنتقام Vengeance وليس الحرب والفرق بين الحالتين كبير. فالحرب مهما كانت مبرراتها فإنها تخضع مباشرة لإلتزامات الدولة بقواعد القانون الدولي الإنساني. أما الإنتقام فهو حالة نفسية تنزع لإنزال أقصى درجة من الأذى بالعدو، استجابةً لحالة نفسية مهيضة للتعبير عن مستوى عالي من الكراهية.
فقد إبتدرت إسرائيل انتقامها بقصف مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة الأمم المتحدة المعروفة بالأنروا UNRWA وهو مبنى المفترض أنه يتمتع بنوع من الحصانة الدبلوماسية مخلفة 9 قتلى من موظفيها فكانت تلك أولى الإشارات للإنتقام. كما أن تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي أنهم يحاربون (حيوانات بشرية) تذهب في ذات السياق. إن أهم ما قد يميز الانتقام في هذه الحالة هو خضوع القيادة الإسرائيلية لحالة مزاجية مرتبطة بوجدان مهيض للتأكيد بأن عدوهم قد تم خنقه وحرمانه من كل سبل الحياة.. وهذا ما عبرت عنه الدوائر الرسمية الإسرائيلية.. فقد أكد مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم 10 اكتوبر 2023م لقناة CNN أنهم سوف ينتقمون من حماس حتى لا تكون لديها (الرغبة ولا القدرة) مجدداً في شن هجوم على إسرائيل.. ونفي الرغبة والقدرة هنا يبدو جلياً من النية في شن هجوم لا يلتزم بقواعد القانون الدولي الإنساني وما يفرضه من تناسبية في إستخدام القوة Proportionality of using force وحماية المدنيين غير المشاركين في الأعمال العدائية وحماية أعيانهم وممتلكاتهم وصيانة حياتهم وكرامتهم وهذا كله لا يعني إسرائيل في شئ.
لم يكن هجوم حركة حماس على إسرائيل نابع من فراغ، ولا هو أيضا حالة إنتقام. وإنما هو رد فعل طبيعي لما ظلت تمارسه إسرائيل كدولة محتلة ليس فقط لقطاع غزة، وإنما للضفة الغربية والقدس الشرقية.. وقد عرضت نفسها بتلك الممارسات لهجمة حماس بتلك الكيفية التي مرّغت أنفها بالتراب، وأذاقتها ذلاً غير معهود، خاصةً وأن سلوك إسرائيل في المنطقة قد قام على تأسيس أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وأن يدها طائلة وإرادتها خافضةٌ رافعة. وأنها يمكن أن تلعب دور القوة الإقليمية التي يجب أن تعمل أي دولة لها ألف حساب.
مهما يكن من أمر، فقد كان رد حماس متناسب مع سلوك إسرائيل المناقض لقواعد القانون الدولي الإنساني فقد حولت إسرائيل الأراضي المحتلة في العام 1967م الي مستوطنات إسرائيلية وقد كانت تجد من الإدارات الأمريكية المتعاقبة إما إدانة خجولة، أو موافقة مبطنة. هذا فضلٌ عن تشجيع المستوطنين بإقتحام مقدسات المسلمين في المسجد الأقصى كنوع من السياسة المعلنة و التباري في إطلاق يد المتطرفين اليمينيين الدينيين الفاشستيين. وقد نبه رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر السيد بيتر مارور في مقال مهم له بعنوان (تحديات أمام القانون الدولي الإنساني : سياسة الإحتلال الاسرائيلي) من مغبة تلك التصرفات وإنتهاكات للقانون الدولي الإنساني بقوله :(الميزة الأساسية للإحتلال الاسرائيلي هي سياسات الحكومات الإسرائيلية ، فقد أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر علناً بأن هذه السياسات ترقى لأن تكون انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، وتحديدا اتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع منعاً باتاً تحويل جزء من سكان دولة الإحتلال - وفي هذه الحالة مواطنو دولة إسرائيل - الي أراضي الدولة المحتلة حيث تهدف هذه الفقرة لمنع دولة الاحتلال من تحوير الأوضاع الإجتماعية، الاقتصادية والسكانية في الأرض المحتلة ضد مصالح السكان الذين يقطنون في تلك الأراضي. إن سياسة إسرائيل المنظمة والمستقرة منذ سنين لدعم إنشاء المستوطنات بما في ذلك مصادرة الأراضي مما عرقل تطوير تلك الأراضي كأمة واحدة وفي تغيير عميق لأوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية للضفة الغربية مما قاد في نهاية الأمر لتقويض كل المساعي المستقبلية الهادفة لإنهاء النزاع). أنظر نص المقال في الرابط أدناه
https://international-review.icrc.org/sites/default/files/irrc-888-maurer.pdf

من ناحية أخرى تشير نوايا إسرائيل المشحونة بالغبن ومدفوعة بشعور الإنتقام لتغيير الخارطة الديموغرافية والسياسية وحتى التركيبة النفسية لسكان القطاع واقتلاعهم من جذورهم Uprooting عن طريق القصف العشوائي بالأسئلة المحرمة دولياً لمناطقهم السكنية. وقطع امدادات الوقود والكهرباء والمياه.
فإذا كان ما تشنه إسرائيل حرباً فإنه لايجوز بموجب القانون الدولي الإنساني القاضي بضرورة حماية هؤلاء السكان بوصفها دولة إحتلال وعدم إنزال العقاب الجماعي عليهم إذ تشير المادة 55 من إتفاقية جنيف الرابعة الي واجب دولة الإحتلال بأن تعمل بأقصى ما لديها لتزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية. كما تؤكد المادة 59 من ذات الإتفاقية على واجب دولة الإحتلال في حالة كان السكان في الأراضي المحتلة أو قسم منهم تنقصهم المؤن أن تسمح بعمليات الإغاثة لهم .... الخ.
ما يمكن ملاحظته في هذا المقام أن إسرائيل قد أرسلت تهديدات واضحة ومباشرة بأنها سوف تقصف أي قافلة مساعدات إنسانية تدخل للقطاع عبر معبر رفح الحدودي مع مصر.
إن هذا السلوك ليس سلوك دولة تشن أو تنوي أن تشن حرباً وفق لما استقرت عليه أعراف الحرب المقررة في القانون الدولي الإنساني وإنما تنوي أن تقوم بعملية إنتقام واسع النطاق لا تعبأ فيه بقواعد القانون الدولي الإنساني، ولا تنوي حتى أن تستخدم القوة المتناسبة وبذلك فهي تقدم على أعمال عدائية ترقى لجرائم الحرب مدفوعة بحالة من الكراهية لا تتناسب وأي أمة تنتسب لحضارة الجنس البشري.
د.محمد عبد الحميد

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القانون الدولی الإنسانی إسرائیل فی

إقرأ أيضاً:

الفارس الشهم 3 .. مستشفيات ومبادرات إماراتية تضع الصحة في قلب العمل الإنساني

تولي دولة الإمارات العربية المتحدة، وبتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، اهتماماً بالغاً بصحة الإنسان وسلامته، وتواصل عبر عملية "الفارس الشهم 3" دعمها الإنساني العالمي، من خلال تنفيذ مبادرات صحية متكاملة تُجسد نهجها الراسخ في تقديم الرعاية الطبية للمصابين، لا سيما في المناطق المتأثرة بقطاع غزة.

وفي هذا الإطار، أنشأت دولة الإمارات المستشفى الميداني الإماراتي في قطاع غزة، بطاقة استيعابية تصل إلى 200 سرير، يضم غرف عمليات ووحدات عناية مركزة وأقسام طوارئ مجهزة بأحدث المعدات، ويعمل فيه طاقم طبي متخصص من مختلف الجنسيات.

وتم علاج أكثر من 51 ألف حالة منذ افتتاحه، مع التركيز على الإصابات الحرجة والعمليات الجراحية الدقيقة.

كما أطلقت الإمارات، من خلال المستشفى، مبادرة إنسانية نوعية لتركيب الأطراف الصناعية للمصابين ممن تعرضوا للبتر، بهدف دعم إعادة تأهيلهم وتمكينهم من استعادة حياتهم الطبيعية.

وقدمت الإمارات أيضا دعماً طبياً شاملاً للمستشفيات في غزة تجاوز حجمه 750 طناً من الإمدادات الطبية والأدوية، وشمل أجهزة ومولدات كهربائية لضمان استمرارية تقديم الخدمات الصحية.

أخبار ذات صلة مساعدات الإمارات للسودان تضامن إنساني مع الشعوب الإمارات: نتبنى نهجاً سياسياً قائماً على عدم الانحياز واحترام سيادة الدول

ومن ضمن المبادرات النوعية، نفذت حملة تطعيم شاملة ضد شلل الأطفال لأكثر من 640 ألف طفل، ضمن جهود وقائية لحماية الأجيال القادمة من الأمراض الخطيرة.

وفي إطار الاهتمام بالحالات الحرجة، قامت الإمارات بإجلاء عدد من المرضى والمصابين من قطاع غزة إلى الدولة لتلقي العلاج، وبلغ عدد المستفيدين من برنامج الإجلاء والعلاج في الإمارات ما يزيد عن 1000 طفل و1000 من مرضى السرطان من أبناء قطاع غزة، تلقوا رعاية طبية متخصصة تضمنت العمليات الجراحية والعلاج التأهيلي والدعم النفسي.

كما أرسلت الإمارات المستشفى الميداني العائم في مدينة العريش المصرية بطاقة استيعابية تصل إلى 100 سرير، ويضم طواقم طبية متعددة التخصصات تشمل الجراحة العامة، وجراحة العظام، وطب الأطفال، والنساء والتوليد، والعناية المركزة.

وقد استقبل المستشفى العائم أكثر من 10 آلاف حالة قادمة من معبر رفح، وقدم لها خدمات طبية طارئة إلى جانب عمليات جراحية دقيقة، ضمن بيئة علاجية متكاملة تراعي أعلى معايير السلامة والرعاية الصحية.

وتعكس هذه الجهود الإنسانية المتكاملة التزام الإمارات الثابت بمبدأ أن الاستثمار في الصحة هو استثمار في مستقبل الشعوب، وتجسد قيم التضامن والعطاء في أسمى صوره.

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • ماكرون: يجب تفعيل القانون الدولي الإنساني وإيجاد حل أمني وسياسي لغزة
  • جوتيريش: إسرائيل لا تفي بالتزاماتها الواضحة كقوة احتلال بموجب القانون الدولي
  • صحف عالمية: نتنياهو يريد حربا أبدية بغزة وفظائع جيشه ستبقى بالذاكرة
  • الفارس الشهم 3 .. مستشفيات ومبادرات إماراتية تضع الصحة في قلب العمل الإنساني
  • محمود محيي الدين: نشهد حربا تجارية عالمية والعام الجاري قد يمثل نهاية النظام الاقتصادي الدولي بشكله المعتاد
  • بالفيديو.. زكي القاضي: ما يحدث في غزة غير نظرة العالم تجاه القانون الدولي
  • زكي القاضي: ما يحدث في غزة غيّر نظرة العالم تجاه القانون الدولي.. فيديو
  • بعد اعتقال إسرائيل لنائبتين بريطانيتين.. هل يخشى الاحتلال كشف جرائمه في فلسطين؟| خبير يعلق
  •  هكذا أعاد السودانيون ذكرى 6 أبريل رغم واقع الحرب
  • محافظ الغربية يقود حملة موسعة لإزالة الإشغالات ويؤكد: الشارع من حق المواطن وليس للمخالف