بسم الله الرحمن الرحيم
((لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ))

*الأخلاق*
مجرد هدم الدين يعني هدم الأخلاق الموضوعية.. وقد رأينا كيف أن د. النعيم هدم الدين بصورة كلية.


للمفكر الأمريكي ولتر ستيس مقولة مهمة جداً في التفريق بين الأخلاق الموضوعية والأخلاق الذاتية، فعنده (صورة العالم) هي التي تحدد الأخلاق.. فصورة العالم في الدين تقوم على الغائية، هذا في حين أن صورة العالم في الحضارة الغربية تقوم على الميكانيكية.. يقول عن النظرة الدينية: "دراما العالم تحكمها أهداف في ذهن الله، فكل شيء مما يحدث يتناسب بطريقة ما مع الخطة الإلهية".. ويقول: "التفسير الغائي يقابل في العادة بالتفسير الآلي أو الميكانيكي، فتقديم تفسير غائي للحدث يعني تحديد غرض له.. أما تقديم تفسير آلي للحدث، فهو يعني تقديم سبب له.. ويمكن أن يقال أيضاً أن التفسير الآلي يعني تفسير الظواهر عن طريق قوانين الطبيعة، لأن التفسير بقوانين الطبيعة هو نفسه التفسير عن طريق الأسباب".. وعنده التفسير الغائي الذي يقوم عليه الدين، تقوم عليه الأخلاق الموضوعية، ففي هذا التفسير توجد غائية كونية، وتوجد أخلاق كونية تنبني على هذه الغائية.. ويقول: إن ما يقوم على غائية كونية يقوم على أخلاق موضوعية، بمعنى أنها لا ترتبط بأغراض الناس الذاتية.. والأخلاق الموضوعية تأتي للإنسان من خارجه.. بالنسبة للحضارة الغربية، التي يقوم تصورها للكون على غياب الغائية، فهي لا تملك أن تكون الأخلاق فيها موضوعية - قائمة على أسباب خارج الانسان - فلا بد ان تكون الاخلاق هنا ذاتية.. يقول ستيس: "والحقيقة هي أن الطابع الأخلاقي النهائي للكون، سواء أكان تجسيداً في صورة إله الأديان المتعالي، أو تصورناه، على أنه محايث لمسار العالم ذاته، كان جزءاً في كل ثقافة دينية متقدمة.. ولقد ظل حتى العصور الحديثة في الغرب، إيماناً كلياً بالإنسانية المتحضرة.. والمفهوم المضاد الذي يقول أننا نعيش في عالم أعمى لا يكترث بتاتاً للخير أو الشر، هو سمة العالم الغربي فحسب إبّان القرون الثلاث الأخيرة، وهو نتاج الثورة العلمية في القرن السابع عشر.. أما القول بأن القيم ذاتية ونسبية، وأن العالم ليس نظاماً أخلاقياً، فهذه السمة هي الإيمان التقليدي الشائع عند المثقفين في وقتنا الحاضر.. فهذه الوجهة من النظر عن العالم قد هبطت إلى جماهير الناس".
الأخلاق الموضوعية هي التي لا ترتبط برغبات الناس وأهوائهم وإنما تاتي للإنسان من خارجه، وهذه هي الأخلاق.. هذا في حين أن الأخلاق الذاتية، هي مرتبطة بأغراض الناس ورغائبهم، وهي قد تكون ذاتية فردية أو ذاتية جماعية.. وهذه الأخلاق هي ما يعمل الدين على تغييرها ونقلها من الذاتية - الهوى - إلى الموضوعية، فهي بطبيعتها نقيض الأخلاق التي يعنيها الدين.. بمعنى آخر، الذاتية الأخلاقية هي اتباع الهوى، والأخلاق الموضوعية هي التخلي عن الهوى، واتباع توجيهات تأتي من خارج الإنسان لتجعل هواه وفقاً لهذه التوجيهات.. يعرف ستيس القيم الأخلاقية الموضوعية بأنها هي النظرة إلى القيم الأخلاقية على أنها لا تعتمد على رغائب البشر، ومشاعرهم، وآرائهم، أو أي حالة ذهنية أخرى.. وبالطبع الذاتية الأخلاقية هي نقيض هذا التعريف، ففيها القيم الأخلاقية تعتمد على رغبات البشر ومشاعرهم وآرائهم.. الذاتية الأخلاقية تعني أنه لا توجد أخلاق عامة - أخلاق لكل الناس.. كما أن الذاتية الاخلاقية سواء كانت فردية أو جماعية تعني أنه لا توجد أخلاق صحيحة وأخرى خاطئة، فالصحيح بالنسبة للبعض، قد يكون خاطئاً بالنسبة للآخرين.
لا بد للأخلاق الموضوعية من دافع، وهذا الدافع قد ظل دائماً هو الثواب والعقاب ولا يزال الأمر كذلك.

من المقرر أن أزمة الإنسانية المعاصرة الأساسية هي أزمة أخلاق.. فقد توحَّد الكوكب الأرضي جغرافياً، ويحتاج إلى أن يتوحَّد فكرياً وأخلاقياً.
الأخلاق عند د. النعيم، كما رأينا منذ البداية تستبعد المرجعية الدينية، وتعتمد النسبوية والذاتية.. فهو لا يؤمن بوجود أخلاق ثابتة ومسبقة.. فالأخلاق عنده ذاتية يحددها كل شخص لنفسه.. أسمعه يقول: "بعبارة أخرى أنا أركز على الممارسة التي يعتمدونها لخدمة مصالحهم الإنسانية، بدلاً من الافتراض أن هناك نظرية أخلاقية مجردة، تحدد للبشر في كل مكان، ماهية وطبيعة القيم الإنسانية"(١).. ويقول: "الرؤية التي أقدمها للقيم الإنسانية، ليتم التباحث حولها من هاتين المحاضرتين، تتفادى عن عمد، ومن حيث المبدأ محاولة تحديد ماهية هذه القيم بصورة عامة"(٢).. ويقول: "من وجهة نظري، القيم الإنسانية يجب أن يتم تشكيلها وصياغتها عبر الإقرار الواسع، والاعتراف بالحقيقة والواقع العام الذي يعكسه ضعفنا، وقصورنا المشترك، وليس عبر تأكيد أو فرض ادعاء ميتافيزيقي أو فلسفة حول (الطبيعة الانسانية)، أياً كان هذا الادعاء"(٣)

بالطبع لا يوجد حلال وحرام عند النعيم بصورة مبدئية.. فالحلال ما يحلله الفرد لنفسه، والحرام ما يحرمه على نفسه.. كما أنه لا يوجد منهاج واحد لكل الناس، فلكل فرد منهاجه الخاص، أو لا منهاج له.. هذا بالطبع هو الوضع الطبيعي بالنسبة للأخلاق الذاتية، ولكن د. النعيم لم يتركه على هذا التعميم وإنما ذهب لتحديده.. سئل د. النعيم في محاضرة منتدى السودان الديمقراطي: "ما هو المنهاج الذي يمكن بموجبه تغيير أخلاق الناس بالمستوى المثالي في السودان".. أجاب: "أنا ما بفتكر - دا طبعاً سؤال اتكرر، وحصلت ليو الاشارة.. أنا ما بفتكر بانه نحن بنحتاج نتبع منهاج واحد لتغيير الاخلاق!! لكن بنحتاج لنتفق ان التغيير الاخلاقي ضروري.. بعد ذلك كل واحد فينا ياخذ منهج من التغيير.. يعني المسألة ما افتكر نحن خطنا ان تكون عندنا وحدة في المنهاج.. انه لا بد انه المنهاج دا، وما في غيره.. وانه لا بد لكل زول يلتزمه.. انا ما بفتكر بأنه أنا كتلميذ للأستاذ محمود محمد طه انه دا موقفي ولا دعوتي"!! بالطبع هذا ابعاد تام لطريق محمد صلى الله عليه وسلم، وحسب الفكرة هو المنهاج الوحيد، والذي لا منهاج غيره للتغيير من أجل تحقيق مكارم الأخلاق.. ومن يترك طريق محمد لا علاقة له بدعوة الأستاذ محمود محمد طه، فقوله: بصفتي تلميذ للأستاذ محمود، هو محض خداع، فقد رأينا أنه يفكك جميع أسس الفكرة، والآن هو يبعد طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الفكرة!!
السلوك الفردي عند د. النعيم لا يقوم على منهاج، ولا على قيم ومبادئ مسبقة وانما هو يقوم على الفكر والرغبة الذاتية.. وبالنسبة للجماعة كما رأينا هو يبعد المرجعية الدينية، وقد رأينا أقواله في ذلك.. فخلاصة الأمر لا أخلاق فردية ولا جماعية.. الجميع يفعلون ما يريدون دون أي موجهات من خارجهم.

عندما أبعد د. النعيم مرجعية الله، والمرجعية الدينية، قدَّم البديل، وهو عنده المنطق المدني!! وأساساً وبصورة مبدئية، لا يوجد أي شيء اسمه المنطق المدني، فالمنطق هو دراسة طرق التفكير والاستدلال السليم، بحيث المقدمات الصحيحة، تؤدي إلى نتائج صحيحة.. وهذا في كل مجال.. فالقول بمنطق مدني هو محض تهريج، لا قيمة له.. وحتى على صورته هذه، المنطق المدني غير واضح عند صاحبه، وهو يزعم أنه لم يكتمل!! أسمعه يقول: "في ختام هذا القسم احب أن اعترف بأن مفهموم المنطق المدني عندي لا يزال مؤقتاً وفي طور النمو.. واعتبر انها علامة صحة أن لا أكون محصوراً في نظرة معينة أو مفصلة لهذا المفهوم"(٤)..
مفهوم أصلاً ومن الناحية المبدئية غير موجود وغير صحيح.. وحتى عند صاحبه هو مفهوم في طور النمو ولم يتحدد بعد، وبعد كل هذا يتم من أجله استبعاد مرجعية الله والمرجعية الدينية عموماً!! ماذا يقال في هذا؟! لم أسمع باستخفاف بالفكر والدين يصل إلى هذا المدى.. الله نفسه يستبعد لشيء غير محدد وفي طور التكوين!! لا اعتقد أن هنالك استهتار بالفكر وبالمفكرين يمكن أن يصل إلى هذا الحد.. على كل هذا هو المبدأ الأساسي عند النعيم.. ويكمل هذا المبدأ مفهوم (المنظور التاريخي)!! وهو أكثر مدعاة للاستغراب والتعجب من صاحبه.. يقول د. النعيم عن مفهوم المنظور التاريخي: "النقطة التي أود أن أعلق عليها، هي المنظور التاريخي الذي أؤمن به.. فالآن الحديث عن حقوق المثليين والمثليات يبدو أمراً مؤسساً جداً ومقبولاً جداً.. ولكن هذا الأمر ظهر مؤخراً جداً جداً، في هذا البلد، في هذه الثقافة، كما تعلمون.. إذا رجعتم عشرين سنة في الماضي، سوف لن تجدوا نفس القدر من التسامح والتفهم لحقوق المثليين وحقوق المثليات، على النحو الذي تجدونه اليوم.. وهنا أيضاً تأتي عملية التطور والتفاعل، وهو تطور وتفاعل نحتاج أن ننظر اليه من منظور تاريخي"(٥)..
هذا المفهوم أيضاً لا يقوم على أي أسس موضوعية، ولا وجود له إلا في ذهن صاحبه، وحتى في ذهن صاحبه أشك أنه موجود.. فهو فقط أراد أن يوجد فكرة موازية لـ(حكم الوقت) في الفكرة الجمهورية.. وحكم الوقت يعني ببساطة مرضاة الله حسب الوقت المعين.. فقام النعيم، كعادته في معاداة الدين بإبعاد الله وجعل الأمر كله للوقت فسمى موضوعه (المنظور التاريخي)، وكأن التاريخ يعمل من ذاته.. وقطعاً هذا المفهوم لا علاقة له بفلسفة التاريخ.. والنعيم يضعه وكأنه القانون الطبيعي الذي يسير الوجود.. وحتى في المثل الذي ساقه هنالك عوامل محلية أدت الى الصورة التي في ذهنه، لكن مثلاً في الشرق الأوسط لآلاف السنين حتى الآن لم تصبح المثلية مقبولة، وذلك لسبب بسيط وواضح وهو أن جميع الأديان منذ لوط وإلى اليوم تدين المثلية وتعتبرها من أكبر الانحرافات.. وغير صحيح أن المثلية أصبحت في الولايات المتحدة مقبولة تماماً.. ولكن لنفترض أنها كذلك، فهذا يرجع إلى غياب الأخلاق الموضوعية.. ود. النعيم في المنطق المدني يطالب بمناقشة القضايا مناقشة عقلية.. فما هو العقل في المثلية.. إنها في الواقع إلغاء للعقل، وعمل بالغريزة في أحط مجالاتها.

هذه هي الأسس الفكرية، أو التي يفترض أنها فكرية، التي يبني عليها د. النعيم، وهي واهية جداً، بل في الواقع ليس لها أي وجود موضوعي.. وكما ذكرنا كثيراً د. النعيم لا يفكر، وإنما هو فقط يقرر، وما يحكم القرار هو الوظيفة والمزاج.

المبدأ الثالث من مبادئ النعيم الذي يفترض أنه يوجه فكره، هو الوحي.. فقد سبق أن بيّنّا بوضوح كافٍ أنه ينكر الوحي الملائكي للأنبياء، وعنده القرآن هو نتيجة لإجماع بشري.. كما أنه بصورة عامة يقول أن الدين صناعة بشرية.. ومع ذلك هو يتحدث عن الوحي بصورة غريبة جداً الغرض منها التضليل فقط.. فهو يقول: "فكرة أخرى أريد أن أقدمها هنا، هي أن الله خلق العالم أيضاً!! وعلى هذا أيّاً كان العالم الآن فهو خلق الله، وهو بالتالي جزء لا يتجزأ من الوحي، لهذا: الوحي ليس فقط في الكتب السماوية.. الوحي في حياتنا!! وهذا هو السبب الذي أقول به أن الوحي يجب فهمه باستمرار من المنظور التاريخي، عبر الزمن، وليس كشيء (مجرد) خارج حياتنا.. إن الوحي في الحقيقة محايث، وجزء لا يتجزأ من الحياة كما نعرفها، ونمارسها.. وعليه، عالمنا المتغير هنا هذا هو من الله، بنفس القدر الذي به الوحي من الله!!"(٦).. هذا النص كله يقوم على التناقض.. فكما ذكرنا الوحي الملائكي عنده مرفوض، وهنا يثبته، متناقضاً مع نفسه.. ثم إن الله تعالى كما ذكر لا يفعل وانما الواسطة البشرية هي التي تفعل، فقد نقلنا عنه قوله: "بصورة أساسية، أود أن اختم بما يلي: إنّ واسطتنا البشرية، ومسؤوليتنا كبشر، هي الفاعل الوحيد والحاسم!!"(٧)..
لاحظ (الفاعل الوحيد والحاسم!!).. وهنا يعكس الأمر، فيجعل الله هو الفاعل الوحيد والحاسم، الأمر الذي أنكره، وتنكر إليه في السابق.. وهو إنما يجعل ذلك لغرض، أقل ما يقال عنه أنه غرض مريض.. ود. النعيم يعلم تماماً الاختلاف بين الإرادة والرضا.. فالله تعالى لا يأمر بالمنكر في شريعته.. والنعيم يعلم قول الله تعالى: ((إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ )).. فالرضا هو إسلام البشر.. والغرض منه تصفية الرضا من الإرادة.. وكل هذا د. النعيم يعلمه، ولكن لأنه مغرض، ويكذب، جعل إرادة الله في خلقه هي الأمر التشريعي مناقضاً المبدأ الأساسي في الدين.. هو رفض الشريعة تماماً، ودعا إلى عدم الرجوع إلى الله والمرجعية الدينية، وهنا هو يجعل الحقيقة شريعة عن عمد وقصد مبيت لتضليل الشباب بإيهامهم أن ممارساتهم الجنسية الشاذة هي دين، هي إسلام، مرضية من الله!! هذا فجور غريب جداً، ونحن لنا إلى الموضوع رجعة.

ود. النعيم يقول أن الإنسان مخير، أسمعه يقول: "وعلى هذا أقول: البشر مخيرون! هم من يختار! ولهذا أنا أقول أن الدين هو ما يقرره الفرد لنفسه! وما ذلك إلا لأن البشر هم من يختار ويحدد معنى الدين، وتوجيهات الدين بخصوص أي موضوع هام معين"(٨).. ثم يعود هنا فيناقض نفسه، فيجعل البشر مسيرين، ويرد فعل كل شيءٍ في الوجود إلى الله، وقد ذكرنا النص أعلاه، وجاء فيه: "إن الوحي في الحقيقة محايث، وجزء لا يتجزأ من الحياة كما نعرفها، ونمارسها.. وعليه، عالمنا المتغير هنا هذا هو من الله، بنفس القدر الذي به الوحي من الله!!".. إنه يعبث في مكان لا مجال فيه للعبث!! على كلّ هذا التناقض الأساسي يخرج د. النعيم من أن يكون مفكراً في أي مستوى من مستويات التفكير.
ومن شروط التفكير الأساسية، والتي لا يمكن أن يقوم من دونها: الأمانة الفكرية.. لا فكر دون أمانة فكرية.. والحد الأدنى من الأمانة الفكرية ان تذكر الحقائق كما هي، دون تحريف أو تغيير.. ود. النعيم يذهب إلى حد الكذب المبالغ فيه، بحيث لا يؤتمن على أي شيء، ولا يمكن أن تكون هنالك ثقة في الأفكار التي يقولها.. نموذج لكذبه قوله: "فإن النسخ الذي حدث كان خياراً اتخذه الفقهاء والمشرعون والقضاة!! لا يوجد نص في القرآن يقرر النسخ!"(٩).. فهو يعلم تماماً الآيات الناسخة والمنسوخة، ويعلم آيات النسخ في القرآن، ثم يقول في كذب فاضح، لا يليق بأدنى الناس عقلاً: "لا يوجد نص في القرآن يقرر النسخ!".. بل يوجد، وانت تعرفه، ويمكن لأي إنسان أن يعرفه بالرجوع إلى المصحف، فمن يكذب مثل هذا الكذب ليس مؤتمناً على أي شيء، ولا يصح أن يأخذ منه الناس معلوماتهم.. وهذا مجرد نموذج، وإلا فإن الكذب في أقواله وكتاباته لا يكاد يكون له حصر.. وحتى عندما يقول لا توجد دولة دينية، هو يكذب ويعلم أنه يكذب، فموضوع الدولة الدينية ليس بغائب عنه، وقد أوردناه له من كتبه.. إذا كان الحد الأدنى من الأمانة الفكرية غائب بهذه الصورة، فأي حوار يصبح بلا معنى.
وقد سبق أن ذكرنا أن د. النعيم صاحب لسانين: لسان يخاطب به الغرب، حسب ما يتصور هو من أنهم يريدون تشويه الإسلام، فيشوهه لهم.. ولسان ثاني يخاطب به الجمهوريين، والمسلمين عامة، ويحاول فيه ان يخفي لسانه الأول.. وهذا ما يقوله بنفسه!! فهو قد قال: "قد أجد نفسي في موقف أتوقع من الآخرين العداء لهويتي الاسلامية، مما يدفعني إلى إخفاء، أو عدم تأكيد، هذا الجانب عن نفسي، لكني إن أدركت أن هويتي كمسلم لا تهم الآخرين، أو ربما قد تعمل لصالحي، فإني قد أحرص على الإفصاح عنها"(١٠).. إذاً، فهو لا يقول ويعمل وفق ما يرى أنه الحق، وإنما يقول أو يعمل وفق المصلحة!! وهذا باب من عدم الأمانة الفكرية، يخرج صاحبه من أن يكون مفكراً في أي مستوى من المستويات.

من أغرب الأشياء أن د. النعيم يعتقد أنه ليس هنالك وسيلة موضوعية للتمييز بين الحق والباطل، أسمعه يقول: "ليس هنالك وسيلة موضوعية مستقلة لتقرير ما إذا كان الإنسان على حق أو على باطل.. فكل إنسان يعتقد أنه على حق، ويعتقد أن الذين يوافقونه على حق، وليس هناك وسيلة موضوعية لتقرير من هو على حق أو على باطل إلا بحكم إنسان آخر قد يكون هو على حق أو على باطل"(١١).. هذا إلغاء مبدئي تام للحوار الفكري، فهو لا يوصل إلى غاية، طالما أن معرفة الحق والباطل أمر غير ممكن.. ود. النعيم في كل ما يكتب أو يقول، هو لا يميز بين الحق والباطل (ليس هنالك وسيلة موضوعية مستقلة لتقرير ما إذا كان الإنسان على حق أو على باطل).. فالأمر كما ذكرت كله هو مجرد تهريج، في أقدس القضايا وأخطرها.
ومما يؤكد قوله أعلاه، ما قاله لبعض الإخوان في اثنز في أمريكا، فهو قد قال: "البحب أوكده إنو ما في فرصة لحسم هذه المسألة.. أنا رأيي كده.. أحمد دالي ولاّ غيرو من الأخوان والأخوات رأيه كده.. دي مسألة حتفضل كده.. أنا رأيي أنا ما مختلف.. عبدالله فضل الله أو عمر أو أي زول رأيه أنا مختلف، كويس.. خلاص!! ما في فرصة لحسم الموضوع ده".. الحوار الفكري الموضوعي يقوم بصورة مبدئية على أنه دائماً هنالك فرصة لحسم الحوار بين المختلفين، عن طريق إظهار رجاحة حجج طرف على الآخر، من أجل ذلك الناس يتحاورون، لكن د. النعيم لأنه فاقد للمصداقية، وللأمانة الفكرية، وغير طالب للحق، فهو يعتقد أن الآخرين مثله.. وطالما ان هذا هو رأيه، فكان من واجبه الا يحدث الناس أو يكتب اليهم، ولكن لغياب الأمانة، فهو كثير الحديث للآخرين، وحسب قوله الغاية من حديثه ليست الوصول الى الحق، وانما الوصول الى غرضه ومصلحته، كما ذكرنا في نصه قبل الأخير.. وغرضه الأساسي هو تشويه الإسلام عامة، والفكرة الجمهورية خاصة، وهو لن يحقق من هذا الغرض أي شيء.. ونحن عندما نكتب عنه، رغم النقاط اعلاه، انما نكتب من اجل الاخرين، ومن اجل القيام بواجبنا في تصحيح التشويه الذي يلحقه بالفكرة.

قبل أن نختم هذا الجزء، نحب أن نذكر أن د. النعيم لا يؤمن بالثواب والعقاب، والمسؤولية أمام الله، وقد سبق أن أوردنا نصوصه في ذلك.

المراجع:
(١) محاضرتين قدمهما د. النعيم في جامعة كاليفورنيا بيركلي بتاريخ ٨ - ١٠ مارس ٢٠١٠م تحت عنوان (تجاوز الهيمنة: القيم الانسانية والمواطنة العالمية) المحاضرة الثانية عنوانها: تدجين البراغماتية لرؤية تجاوزية.
(٢) المرجع السابق
(٣) المرجع السابق
(٤) الإسلام وعلمانية الدولة ص ١٤٥
(٥) من محاضرة عنوانها (من هو الإنسان في حقوق الإنسان) ألقاها النعيم في المؤتمر الذي انعقد في جامعة هارفارد بعنوان (Rethinking the secular) في شهر أكتوبر 2007.
(٦) مقتطفات من محاضرة للنعيم بعنوان:
Religion in the changing world: ancient and modern.
على الرابط التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=NKpLc450rZk
(٧) من شريحة فيديو بعنوان: أثر الأستاذ محمود محمد طه على مشروع النعيم (مايو 2008 - جامعة أوهايو).. على الرابط التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=Qrq1Y34NjBs
(٨) مقتطف بعنوان (الواسطة البشرية في الشريعة) مأخوذ من محاضرة للنعيم وموضوع على الرابط التالي في يوتيوب:
http://www.youtube.com/watch?v=Hor1dlHLaLo
(٩) محاضرة قدمها النعيم بتاريخ ٣٠ سبتمبر ٢٠١٢، ضمن (سيمنار القرآن) الذي استضافته جامعة نوتردام، لمدة عام اعتباراً من ٣٠/٩/٢٠١٢، وكانت محاضرة النعيم أول محاضرة في السيمنار من الساعة ٧:٣٠ الى الساعة ٩:٠٠ مساء.
(١٠) الإسلام وعلمانية الدولة ص ٥٥
(١١) إجابات د. النعيم على بعض الأسئلة التي وجهت له.. نوفمبر 2011.

خالد الحاج عبدالمحمود
رفاعة
٩ أكتوبر ٢٠٢٣  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: م الأخلاق النعیم فی یقوم على یمکن أن لا یوجد من الله أی شیء هذا هو

إقرأ أيضاً:

إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات

يُعد الروائي والكاتب والشاعر الأردني الفلسطيني إبراهيم نصر الله أحد أبرز الأصوات الأدبية الفلسطينية والعربية المعاصرة، بمزيج الواقعية التاريخية والخيال الأدبي المبثوث في رواياته، التي لا تؤرخ للقضية الفلسطينية فحسب وإنما تضفي عليها مسحة إنسانية عبر رواية القصة من منظور الإنسان لا منظور الإمبراطوريات.

في هذا الحوار مع "الجزيرة نت" يتحدث نصر الله عن روايته الجديدة "مصائد الرياح" وديوانه الشعري "مريم غزة"، فيقول عن روايته الجديدة إنها "تتحرّك في 3 أزمنة، زمن فلسطيني متقاطع مع الاستعمار البريطاني في الثلاثينيات من القرن الماضي، وزمن فلسطيني متقاطع مع زمن بريطاني في نهايات القرن العشرين، واختلاط الزمنين مع زمن ثالث، هو الزمن الراهن".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعراء في زمن السيولة التواصلية؟list 2 of 2مر كالنيزك وخلّف كل هذا الضجيج.. الغياب المدوي لتيسير السبولend of list

ووُلد نصر الله في عمان لأبوين فلسطينيين هُجِّرا من قريتهما بَريج (غرب القدس) عام 1948، وقد درس في مدارس وكالة الغوث وحصل على دبلوم تربية وعلم نفس من مركز تدريب عمان لإعداد المعلمين، ونُشر له حتى الآن قرابة 15 ديوانا شعريا و22 رواية، منها مشروعه الكبير "الملهاة الفلسطينية" المكون من 12 رواية تغطي أكثر من 250 عاما من تاريخ فلسطين الحديث، تُرجمت أعماله إلى عدة لغات، وحظيت بجوائز ودراسات نقدية ورسائل جامعية عديدة.

في روايتك الجديدة "مصائد الرياح" دلالة رمزية، فأين تأخذنا في عملك الروائي هذا؟ وما الرسائل التي تقدمها من خلاله؟

هذه الرواية تتحرّك في 3 أزمنة، زمن فلسطيني متقاطع مع الاستعمار البريطاني في الثلاثينيات من القرن الماضي، وزمن فلسطيني متقاطع مع زمن بريطاني في نهايات القرن العشرين، واختلاط الزمنين مع زمن ثالث، هو الزمن الراهن.

كما أن للخيول والمرأة والرياح حيزا واسعا في هذه الرواية، بما يعنيه اقتراب هذه العناصر وتقاطعها من خلال القضية الفلسطينية من إمكانية لتوليد المعاني والدلالات، إنها أشبه ما تكون بأسئلة متجددة عابرة لقضية تبحث عن إجابات تليق بعدالتها.

في روايته "مصائد الرياح" يقدم إبراهيم نصر الله لوحة أدبية تمتزج فيها حقب تاريخية مختلفة (الجزيرة)

أما البعد الإنساني فيحضر عبر علاقات الحب التي ترتكز هذه الرواية في مسارها عليها، بما في كل ذلك من أسئلة فلسفية يمكن أن نقول إنها تتأمل العالم كله، والإنسان، لا في فلسطين وحدها، أو في منافي شعبها، بل في كل مكان.

بالنسبة إلى الرسائل التي تحملها الرواية لا يستطيع الكاتب أن يتحدث عن رسائله، فهذه مساحة مخصصة للقارئ والناقد، قد يلتقيان فيها وقد يختلفان، وقد يجدان جديدا يوسّع الرواية، أو عكس ذلك.

ضمن مشروعك الثقافي الممتد زمنيا "الملهاة الفلسطينية".. أين تجد هذه الرواية موقعها الإبداعي؟

إنها رواية الأجيال الجديدة، الجيل الثالث والجيل الرابع، فلسطينيا، في منافيهما، ومكانهما ومكانتهما ودورهما في تحولات القضية الفلسطينية منذ نهايات القرن العشرين حتى اليوم، أي أنها بمعنى آخر رواية الأحفاد، وهذه هي المرة الأولى التي يكون فيها للأحفاد هذه المساحة الواسعة في الملهاة، بعد أن كُرست كثير من روايات الملهاة للأجداد والآباء.

لذا، وبشكل من الأشكال كانت رواية ملحة في هذا المسار السّردي الذي يستحق في اعتقادي أعمالا كثيرة تتأمله، خاصة أن مستقبل فلسطين مرهون بالأحفاد وما يمكن أن يقدموه، سواء عبر استمراريتهم في مواصلة نضال من سبقوهم أو في ابتكار أشكال أخرى من النضال، ونحن اليوم، كما كنا بالأمس أمام أجيال خلاقة.

مصائد الرياح رواية بقدر ما لها علاقة بفلسطين والأحفاد، كما أشرتُ، بقدر ما هي معنية بتشابك القضايا التي يوحدها الوجود الإنساني، أو تلتقي في هذا الوجود

كيف يطوّر الكاتب إبراهيم نصر الله مُنتجه الرّوائي؟ وما أدواتك إلى ذلك؟ وأين تجد أنك قدمت الجديد النوعي في "مصائد الرياح"؟

بالتجربة والمعايشة الطويلة للفكرة وطبقاتها والخبرة وتعزيز الكتابة بروافد ثقافية متجددة، تسعى لهضم جديدِ العالم في الأدب والفنون والعمل التحضيري لكل عمل، وهناك تحضير دائما لأكثر من عمل في الوقت نفسه، بحيث يمكن القول إن بعض الأعمال مرّ على التحضير لها أكثر من 15 سنة أحيانا ولم تُكتب بعد، كما حدث من قبل مع أعمال أخرى مثل "ثلاثية الأجراس" 29 عاما، و"زمن الخيول البيضاء" 22 عاما، و"قناديل ملك الجليل" 15 عاما، وهذا يتيح لك أن ترى البشر والأحداث من زوايا متعددة ونامية، أو متوالدة، وحين ينضج عمل تماما، وأحس بأن ميلاده قد حان أبدأ بكتابته.

رواية "قناديل ملك الجليل" من سلسلة روايات ملحمة الملهاة الفلسطينية صدرت لأول مرة عام 2011 (الجزيرة)

مصائد الرياح رواية بقدر ما لها علاقة بفلسطين والأحفاد، كما أشرتُ، بقدر ما هي معنية بتشابك القضايا التي يوحدها الوجود الإنساني، أو تلتقي في هذا الوجود، لكن هذه الرواية معنية باقتراحات فنية ومشروع فني له علاقة بالسرد وجوهر السّارد، وهو الرّاوي العليم، وهذا ما جعلها واحدة من "ثلاثية الراوي العليم".

في ظنّي أنه من الصعب جدا أن تكتب عملا أدبيا عن أي قضية وتقدم جديدا فيه إن لم يكن هناك اقتراح فني في داخله، و"مصائد الرِّياح" ربما تكون تمثيلا لهذا.

في ديوانك الجديد أيضا "مريم غزة" إنسان ومكان.. كيف نقرأ هذه المقاربة منذ الحرف الأول في هذا العمل الشعري؟

وُلِد ديوان "مريم غزة" بعد 7 أكتوبر 2023، وصدر في أكتوبر من هذا العام، بالعربية، عن دار طباق في رام الله، وبالإنجليزية (عدد من قصائده) عن دار عالم الشعر في نيويورك، وبالنسبة لسؤالك عن الإنسان والمكان، ففي اعتقادي أنهما كيان واحد في غزة، خلال هذه الحرب العالمية التي تُشن عليها، وهذا واحد من أعظم وأعلى مراحل تجلي العلاقة بين الإنسان الفلسطيني ووطنه والوطن الفلسطيني وإنسانه.

"مريم غزة" رحلة إبداعية ترافق مسارات البشر في حياتهم وموتهم وأحلامهم حيث يواجه الشعر القتل والتدمير (الجزيرة)

هناك قول فلسطيني ورد في روايتي "أعراس آمنة" أو "أعراس غزة" حين تُرجمت، يقول "لقد خَلق الله الإنسان من تراب المكان الذي وُلِد فيه، وتراب المكان الذي سيموت فيه".

الإنسان في غزة يقول إنه خُلِق هنا ويموت هنا، والوطن يقول إنه خُلِق من هذا الإنسان أيضا.

الإنسان في غزة يقول إنه خُلِق هنا ويموت هنا، والوطن يقول إنه خُلِق من هذا الإنسان أيضا

مع ترجمة روايتك "زمن الخيول البيضاء" إلى اللغة التركية، كيف تُثري الترجمات إبداع الكُتّاب؟ وإلى أي مدى توصل قضيتك الثقافية ورسالتك الإبداعية إلى القراء؟

هذه العام صدرت "زمن الخيول البيضاء" بالتركية والإسبانية والمقدونية، وترجمت إلى الفرنسية ولم تصدر بعد، وإضافة لزمن الخيول صدرت ترجمات لسبعة كتب أخرى بلغات مختلفة، لذا، فهي سنة الترجمة بالنسبة لكتبي، إذ لم يسبق أن صدر هذا العدد في عام واحد.

والحقيقة أنني انتظرت صدور الطبعة التركية لأن محاولات سابقة مع دور النشر كانت تتعثر بين حين وحين، بسبب أن الجزء الأول من الرواية يتحدث عن الحقبة العثمانية في فلسطين، لكن صدورها عن واحدة من أعرق دور النشر التركية، وبترجمة الدكتور مصطفى إسماعيل كان أمرا مهما بالنسبة لهذه الرواية.

ترجمة رواية "زمن الخيول البيضاء" للإسبانية (الجزيرة)

من التجربة العامة التي تتعلّق بكتبي وغيرها من الكتب العربية، كما تتعلّق بكتب أخرى تُترجم إلى لغتنا العربية، فإن كل ترجمة هي ميلاد جديد للعمل الأدبي، ليس داخل اللغة نفسها فحسب، بل في داخل كل من سيقرأ هذا العمل الأدبي، وإذا أضفنا لذلك أن ما نكتبه صادر من داخل تجربة وطنية إنسانية تجاوز عمرها المائة عام، فإن ذلك أمر يضاعف أهمية فعل الترجمة.

في بداية الشهر الماضي وقّعتُ ديواني "فلسطيني"/مريم غزة، بترجمة الدكتورة هدى فخر الدين، في عدد من اللقاءات في أميركا، وقرأت منه، وكنت سعيدا ومتأثرا بالطريقة التي تمّ فيها استقبال القصائد، والسرعة التي نفدت فيها الطبعة الأولى، خلال 5 أيام فقط.

كل ترجمة هي ميلاد جديد للعمل الأدبي، ليس داخل اللغة نفسها فحسب، بل في داخل كل من سيقرأ هذا العمل الأدبي

كيف يمكن للكلمة أن تواصل معركتها في الصراع مع المحتل؟ ما عناصر قوتها؟ ومن أين تستمد صمودها؟

تواصِل بإيمانك بالقضية التي تدافع عنها، وإيمانك بقوة الكلمات، وإيمانك بأن البشر يتأثرون ويُغيِّرون، وإيمانك بهذا الشعب الذي لم يستسلم.

هذا الشعب يواصل صموده رغم كل هذه التضحيات، لذلك من المرعب أن ترى بعض الكُتّاب يستسلمون تحت ذرائع كثيرة.

في الحكاية الفلسطينية لا توجد حلول وسطى، ولا مكان للتأرجح.

في الحكاية الفلسطينية لا توجد حلول وسطى، ولا مكان للتأرجح

ما عوامل النهوض بالمشروع الثقافي للقضية الفلسطينية؟ وما أهم المسارات التي يجب أن نبدأ بها أو نواصل فيها؟

سؤال كبير، رغم أن المشروع الثقافي الفلسطيني مستمر وصاعد منذ ما قبل النكبة حتى الغد. ولكن، ربما على كل كاتب أن يطرح هذا السؤال على نفسه، وأن يجد الإجابة عنه، لا عبر إجابة مكونة من عدد من الكلمات، بل عبر مشاريع يقوم بها ويكرس نفسه لها.

العالم الثقافي ليس ضدنا، فأن يوقع خلال هذا الشهر أكثر من 5 آلاف كاتب على وثيقة لمقاطعة الكيان الصهيوني ثقافيا، فهذا أمر مذهل، ودائما أسجِّل لحركة المقاطعة دورها في القيام بالكثير على المستوى الثقافي والأكاديمي، قبل أكتوبر 2023 وبعده.

يلزمنا هذا الإجماع الواسع فلسطينيا وعربيا أيضا، لأن العالم الثقافي عالميا يتفوق علينا في هذا المجال في وقوفه الواضح جدا مع فلسطين.

العالم الثقافي ليس ضدنا، فأن يوقع خلال هذا الشهر أكثر من خمسة آلاف كاتب على وثيقة لمقاطعة الكيان الصهيوني ثقافيا، فهذا أمر مذهل

تضامنت أرواح كليمنجارو مع فلسطين في تجربة واقعية وروائية.. كيف تجد امتداد هذه الأرواح مع فلسطين؟

ربما لا تكون كلمة "تضامن" هي الأنسب، لأن العلاقة بيني وبين هذه القضية لا تقوم على هذا الوصف، فهي خيار يوشك أن يكون عمره 50 عاما أمضيتها في الكتابة، وروايتي "أرواح كليمنجارو" رواية قريبة جدا لقلبي، ليس فقط لأنها تمسّ تجربتي المتمثلة في صعودي جبل كليمنجارو، بل بمن صعدتُ معهم الجبل، هؤلاء الأطفال الذي تحدّوا إصاباتهم وبتر أطرافهم وقرروا الصعود.

الرواية تحكي قصة يوسف ونورة اللذين يصعدان جبل "كليمنجارو" بتنزانيا بصحبة متطوعين ليثبتوا للعالم قدرتهم على هزيمة المحتل (الجزيرة)

أما الأرواح التي ساندتهم، وهي لأناس من عدة قارات وعدة أديان من الإسلام إلى المسيحية إلى البوذية وغيرها، فهي الأرواح التي نأمل أن تتعدد وتتكاثر وتكون جزءا في السعي للحياة الحرّة التي يحيا هذا الشعب ويموت من أجلها.

روايتي "أرواح كليمنجارو" رواية قريبة جدا لقلبي، ليس فقط لأنها تمسّ تجربتي المتمثلة في صعودي جبل كليمنجارو، بل بمن صعدتُ معهم الجبل، هؤلاء الأطفال الذي تحدّوا إصاباتهم وبتر أطرافهم وقرروا الصعود

في "طيور الحذر" تتبع بطل الرواية منذ يكون جنينا في بطن الأم.. لماذا اخترت هذا النوع من الخيار الأدبي؟

لكل رواية منطقها الفني، وإذا لم تستطع أن تملك هذا المنطق فإن بناءها الحكائي ينهار.

"طيور الحذر" تعرض حياة الطفولة بجمالها وتعقيداتها وتشير للحذر الذي يتعلمه الأطفال كي لا يصبحوا أسرى للأحداث التاريخية والقيود المجتمعية (الجزيرة)

طيور الحذر كانت بحاجة لهذه البداية، ولولا ذلك لما كان ممكنا أن تُفهم النهاية، أو يُفهم مسار الشخصية والعالم الذي حولها.

كيف تنظر إلى الجوائز الأدبية؟ وما دورها في التحفيز وتسليط الضوء على الأعمال النوعية؟

الجوائز ليست ظاهرة عربية، إنها ظاهرة عالمية، إيجابية عموما، ولكن على الكاتب أن يُقرر في لحظة ما، ما الجائزة التي يمكن أن يقبل بها، وما الجائزة التي عليه أن يرفضها، والجوائز التي يمكن رفضها مع اتساع عملية التطبيع مع الصهيونية.

كيف يمكن للروائي أن يصنع من الواقع خيالا روائيا مؤثرا؟

ليتني أملك إجابة، فهذا السؤال أطرحه على نفسي مع كل عمل جديد أفكر في كتابته، إذ مع كل كتاب جديد تكتشف أنك تكتب للمرة الأولى وتكون مرتبكا.

ليست الثقة في القدرة على الكتابة هي التي تكتب الروايات، بل الشك في هذه القدرة هو الذي يجعلنا نكتب شيئا مختلفا دائما.

تأثرت في وقت مبكر بالأفلام السينمائية.. كيف يمكن التأثر سينمائيا في ظل زخم كبير من يوميّات الكفاح والجراح؟

لا تناقض أبدا، فالفن حليف الحقيقة في جوهره، ودائما اعتبرت الفيلم الجيد رواية بصرية، وهذا النوع يوازي أحيانا الرواية الجيدة المكتوبة، لذا، فإن مشاهدة عمل سينمائي من هذا النوع فيه غنى وكثافة وأبعاد متجددة عبر هذه اللغة البصرية. منذ طفولتي تعلّقت بالسينما، ولم أزل حتى اليوم أشاهد على الأقل 4 أفلام أسبوعيا من السينما المتنوعة، وأحيانا أشاهد كل يوم فيلما، من اليابان وكوريا حتى كولومبيا والأرجنتين.

هناك تعدد جمالي في السينما وتطوّر فني يفوق أحيانا ما تقدّمه الروايات، ولذا أعتبر السينما مصدرا أساسيا في ثقافتي وكتابتي.

هناك تعدد جمالي في السينما وتطوّر فني يفوق أحيانا ما تقدّمه الروايات، ولذا أعتبر السينما مصدرا أساسيا في ثقافتي وكتابتي

يبحث العديد من الأدباء الشباب عما يمكن أن نسميه خرائط الطريق إلى الإبداع، بِمَ تنصحهم؟

يستطيع أي كاتب أن يوجّه النصائح، ويقدّم الوصايا، لكن العالم لا يأخذ بالوصايا، ربما كان آخر ما قرأته لهمنغواي، فيه الكثير، فهو يقول "إنسَ (ككاتب) مأساتك الشخصية. نحن جميعا غاضبون منذ البداية، يجب أن تتأذى بشدة قبل أن تتمكن من الكتابة بجدِّية. لكن حال تعرُّضك للأذى اللعين، استخدمه، ولا تغش به".

قلت "أنا لا أقاتل كي أنتصر، ولكن كي لا يضيع حقّي"، كيف وُلدت هذه المقولة؟ ومتى؟ وماذا ترى في الانتظار الطويل للانتصار؟

هذا القول وُلِد أثناء كتابتي لرواية "زمن الخيول البيضاء"، وجاءت ضمن تطوّر واحد من أهم أحداث الرواية، في لحظة مفصلية، أمّا ما يجيب على الجزء الثاني من سؤالك، فهي ربما جملة أخرى وردت في الرواية ذاتها أثناء مواجهة الفلسطينيين للاستعمار الإنجليزي والهجمة الصهيونية قبل النكبة، والتي تقول "عمر الرجال أطول من عمر الإمبراطوريات، ولم يحدث أن ظلت "دولة" ما منتصرة إلى الأبد".

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: انهيار الأخلاق هو السبب الرئيسي في زوال الأمم.. وهذا هو الحل
  • المفتي: الأخلاق لا ترتبط بعقيدة أو أمة بل هي أساس وحدة الإنسانية
  • حصر الخسائر والأضرار التي لحقت بالمدارس الخاصة بولاية الخرطوم
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • مدبولي يتابع موقف المُشروعات التي تنفذها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة
  • النائب إبراهيم الديب: مراجعة موقف المدرجين على قوائم الإرهاب خطوة لتعزيز الأمن والاستقرار
  • والي الخرطوم يتفقد الدفاعات الأمامية في أمبدة وغربي كرري ويقف على عودة الحياة في المناطق التي تطهيرها من التمرد
  • رئيس جامعة أسيوط يُصدر 5 قرارات بتعيين وتجديد تكليف قيادات أكاديمية جديدة ببعض كليات ومعاهد الجامعة
  • إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار