موسى الفرعي يكتب: جلالة السلطان؛ قناعات راسخة، ومبادئ ثابتة، وبشارات خير
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
أثير- موسى الفرعي
اعتاد أبناء عمان مع كل ظهور لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -أبقاه الله- على عيون الخير التي تفجرها أوامره السامية، وها هو الحادي عشر من أكتوبر يشهد ترؤس جلالته اجتماع مجلس الوزراء وهو اليوم الذي نحتفل معه بميلاده الميمون، فكل عام ومقامه السامي بألف خير ضارعين إلى المولى العزيز القدير أن يحفظه ويرعاه ويمده بتوفيقه وعونه، وهي بشرى خير وتفاؤل حيث انطلقت بتأكيد جلالته على التضامن العماني مع الشعب الفلسطيني الشقيق، وفي ذلك تأييد جلالته للحق العربي وإيمان من لدنه بوحدة الهدف والمصير وبأن روابط الأمة العربية والإسلامية أكبر من أن تحتاج إلى مواثيق واتفاقيات لأنها جزء من تكويننا الإنساني والديني والاجتماعي، والتاريخ المشترك، وتلك سياسة سلطانية راسخة.
كما كانت أبرز النقاط على طاولة جلالته ترقية الموظفين العمانيين لدى وحدات الجهاز الإداري للدولة من أقدمية أعوام 2013 – 2016م وقد اعتدنا على اعتزاز جلالة السلطان المعظم بالمواطن العماني ورهانه الدائم على العنصر الإنساني والوحدة الوطنية، وذلك الذي يتجلى في خطاباته السامية وقراراته المليئة بالحكمة وبُعد الرؤية، إضافة إلى توجيهه السامي بالبدء بإجراء مشروع المدينة الرياضية المتكاملة، والإسراع في تنفيذ ما توصل إليه مجلس الوزراء لمعالجة التحديات التي تواجه مشروع طريق الباطنة الساحلي والانتهاء من كافة التعويضات النقدية المتعلقة به، والتأكيد على أهمية قيام المواطنين بالمشاركة الجادة في الانتخابات والحرص على اختيار الكفاءات التي يعول عليها.
والمتتبع لهذه القرارات والتوجيهات السامية يدرك أهم مقومات النجاح ومرتكزاته المتمثلة في الإنسان أولا وحرص جلالته على انعكاساتها الإيجابية في مجال التنمية وبناء الإنسان، والتفاته السامي لأبسط التفاصيل وأعظمها، فقد جعل الإسراع في التعويضات النقدية مقرونا بالإسراع بتنفيذ المشروع، وصوت الإنسان ليس ضغطة زر أو ورقة تلقى في صندوق بل هو أحد مظاهر الولاء والانتماء العميق، فذلك الصوت يتجاوز صاحبه ليصل إلى اختيار خبرات وكفاءات يمكن أن يستفيد منها الوطن في مجالات عديدة، ويكون الصوت المفرد عنصرا فاعلا ومهما في مسيرة النهضة المتجددة، كما كان التفات جلالته السامي إلى التوجيه بتطوير البنية الأساسية لسباقات الهجن من خلال تأهيل وإنشاء عدد من الميادين الرئيسة بالمحافظات، وهي رياضة عربية أصيلة مرتبطة بحضارة المنطقة على مر تاريخها، والاهتمام بها هو اهتمام وحرص بتراث عريق يربط الماضي بالحاضر وتقدّره الأجيال، وكل ما يدخل في تشكيل الهوية العمانية أو العربية الأصيلة فجلالته أولى بالاهتمام به فمن لا هوية له لا معنى لوجوده والمتنازل عن ماضيه لا يمكنه أن يعيش حاضره أو يملك القدرة على الحياة الطويلة في المستقبل.
وإيمانا من جلالته بأن مهمة الإعلام هي تغذية المجتمع بالحقائق ورفع مستويات الوعي والثقافة فقد وجه بالارتقاء بقطاع الإعلام العماني ووضع الخطط الفاعلة لتحقيق الأهداف الوطنية، تماشيا مع ما يشهده قطاع الإعلام من تطورات متسارعة، وبين مهام الإعلام ومواكبته للتطورات التقنية تفاعل خلّاق لبناء الأفكار والمعارف ودعم المعايير الاجتماعية وغرس قيم المواطنة، ولا يمكن للإعلام أن يحقق ذلك في ظل الجمود أو عدم القدرة على مواكبة التطورات المتسارعة التي يشهدها القطاع في ظل حرية تدفق المعلومات وتبادل الثقافات، فكما يمكن للإعلام الجائر أن يكون سمسار حروب بإمكانه أيضا أن يحقن التعصب والطائفية ويرسخ مفاهيم التعايش والتسامح ويدخل في تنمية الوعي الفردي والجمعي.
هي سياسة جامعة متفردة وقرارات حاسمة مرتبطة ببعضها البعض حيث لا انفصال بين بناء الإنسان والوطن، والإيمان بمرتكزات الاستقرار والنمو التي تضمن البناء والارتقاء الدائم بعمان وإنسانها، ذلك هو جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم أبقاه الله الذي يمثل نموذجا سياسيا وإنسانيا متفردا يقضي بقناعة راسخة ومبادئ غير قابلة للمساومة أو التغيير ورؤية واضحة وقلب نقي.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
د. محمد البشاري يكتب: جدلية الفلسفة والأخلاق.. رحلة البحث عن أفق السمو الروحي
في سياق معرض الشارقة الدولي للكتاب، تُطرَح هذا العام قضايا فلسفية تمسّ جوهر العلاقة بين الأخلاق والروحانية، وذلك عبر تساؤل مركزي يتناول إشكالية استقلال الأخلاق عن الدين. هل يمكن للأخلاق أن تزدهر بمعزل عن البُعد الروحي؟ وهل تستطيع القيم الإنسانية أن تُشكّل نظاماً أخلاقياً عميقاً ومستقراً دون أن يفقد معناه أو جوهره؟
يتجلى هنا رأيان متضادان: أحدهما، يرى أن الأخلاق كافية بذاتها حين تُبنى على القيم الإنسانية. هذا الاتجاه، الذي يدعمه بعض الفلاسفة المعاصرين، يؤكد أن الإنسان يستطيع تحقيق الانسجام الاجتماعي والسعادة الفردية عبر منظومة أخلاقية تستند إلى مبادئ الاحترام والتعايش الإنساني بعيداً عن أي مرجعية دينية. ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن الأخلاق تُوجّه نحو تنظيم العلاقات وتوفير السلم الاجتماعي، وأنها تنبع من تفاعلات الإنسان داخل المجتمع.
على الجانب الآخر، يأتي النقد الذي يعتبر أن الأخلاق التي تنأى بنفسها عن البُعد الروحي تصبح فاقدة للمعنى والسمو، إذ يتحول دورها إلى تنظيم سطحي يخلو من عمق الغاية. من هذا المنطلق، فإن الأخلاق تُفقد جوهرها وتغدو عرضة للتحلل والتفسيرات النفعية إذا غابت عنها الروحانية. فالروحانية تضفي على الأخلاق عمقاً وسياقاً سامياً، يسعى إلى توجيه الإنسان نحو غايات تتجاوز تحقيق النظام الاجتماعي لتبلغ أفق السمو الإنساني والارتقاء الروحي.
في مؤلفاتي “جدلية الفلسفة والأخلاق” و”الحرية المستحيلة”، أتعمق في هذه النقاشات عبر استعراض آراء فلسفية متباينة. من الفلاسفة الذين تناولوا هذا الموضوع، نجد لوك فيري الذي يرى في الأخلاق منظومة مستقلة عن الدين، حيث يُعدّها وسيلةً لتحقيق التعايش والسلام الاجتماعي، متجاهلاً الأبعاد الروحية. في المقابل، يقف طه عبد الرحمن مدافعاً عن الطابع الروحي للأخلاق، مؤكداً أن أي منظومة أخلاقية تخلو من الأساس الديني محكومٌ عليها بفقدان المعنى وتحقيق سعادة سطحية ومؤقتة.
أتناول في هذه الإصدارات أيضاً الفلسفات الوضعية والدهرانية والوجودية، حيث تطرح كلٌّ منها رؤيتها الخاصة حول تأسيس أخلاق بدون مرجعية دينية. تسعى الفلسفة الوضعية إلى إقامة أخلاق علمية وعقلانية، بينما تركز الفلسفة الدهرانية على الماديات وتغفل الأبعاد الروحية. أما الفلسفة الوجودية، فتُشدد على الفردانية وتحرير الإنسان من القيود، معتبرة أن الأخلاق تَنتُج عن حرية الفرد ومسؤوليته الذاتية، بعيدة عن أي قيد ديني أو اجتماعي.
وبين هذه الرؤى، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع القيم الإنسانية وحدها أن تمنح الإنسان المعنى والسلام الداخلي؟ أم أن الروحانية تظلّ ضرورة لا غنى عنها لمنح الأخلاق عمقها وصدقها؟