القدس المحتلة – في حي عين اللوزة وحارة مراغة، ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، تغيرت ملامح الأهالي، وتجهمت بعد ليلة مظلمة طويلة، بدأت بالمواجهات العنيفة، وانتهت بارتقاء شابين تُركا ينزفان حتى الموت، وتم احتجاز جثمانيهما في الثلاجات.

ليس بالأمر الغريب اندلاع المواجهات في بلدة سلوان، خاصة في كل من حي بئر أيوب وعين اللوزة وبطن الهوى بالقدس، لكن الجديد هو سلوك الشرطة الإسرائيلية تجاه الشبان، والمتمثل باليد الخفيفة على الزناد.

بدأت المواجهات الليلية كالعادة باستهداف البؤر الاستيطانية والقوات المقتحمة للحي بالألعاب النارية، وكان يقابل ذلك عادة بإلقاء القنابل الصوتية والغازية والرصاص المطاطي أحيانا، لكن الألعاب النارية ليلة الثلاثاء/الأربعاء وقبل وبعد ذلك قوبلت بالرصاص الحي الذي أعدمت الشرطة من خلاله الشابين عبد الرحمن فرج، وعلي عبيسان العباسي.

والد الشهيد عبد الرحمن فرج لا يزال في المستشفى يتلقى العلاج
▪︎نقل بعد الاعلان عن ارتقاء نجله شهيدا خلال مواجهات في بلدة سلوان pic.twitter.com/mdYGPlb0ab

— Silwanic (@Silwanic1) October 10, 2023

المفرقعات كالمتفجرات

سبق هذا الإعدام اعتبار وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير يوم 21 فبراير/شباط الماضي الألعاب النارية في القدس كـ"المواد المتفجرة" بادعاء أن استخدامها يتم بشكل غير قانوني عندما تُطلق باتجاه أفراد الشرطة.

جاء هذا وفقا لاجتماع عقده بن غفير آنذاك، وتمخض عنه أن كل من يُضبط بحوزته ألعابا نارية من المقدسيين سيُعتقل وتُقدم ضده لائحة اتهام خطيرة، لكن ما حصل أن أفراد الشرطة أعدموا الشابين أمس الأربعاء بعد إعلانه السبت الماضي "حالة طوارئ مدنية" في البلاد.

حمزة فرج، شقيق الشهيد عبد الرحمن فرج روى للجزيرة نت تفاصيل الليلة المرعبة في سلوان قائلا إن عبد الرحمن اتجه إلى البقالة ليشتري بعض الحاجيات لمنزل ذويه، وفي هذه الأثناء اندلعت مواجهات عنيفة أصيب خلالها شقيقه.

"انقطعت أخباره لـ4 ساعات.. رفضت تصديق خبر إصابته، وانطلقت لأبحث عنه في مركز تحقيق المسكوبية فلم أجده، وهناك تعرضنا للضرب والاعتداء، ثم ترددت على المستشفيات لعله يُعالج في أحدها.. لكن دون إجابات، وبعدها تلقيت اتصال تعزية باستشهاده".

#بالامس كان اسيرا واليوم هو شهيد
الشهيد علي خليل العباسي "عبيسان" 24 عاما
قضى في السجون 30 شهرا "عامان ونصف" وافرج عنه عام 2019 وتعرض حينها لتحقيقات قاسية في الزنازين ومنذ ذلك الوقت يتعرض لسلسلة من المضايقات والملاحقات باقتحام منزله واعتقاله واستدعائه عدة مرات pic.twitter.com/slex764JMA

— Silwanic (@Silwanic1) October 10, 2023

يضيف حمزة أن شهود عيان أكدوا إصابة شقيقه برصاصة في ساقه، وخلال محاولته الهروب رفقة صديقه علي العباسي المصاب أيضا، تعمدت الشرطة إطلاق رصاصة إضافية تجاه كل منهما، فأصابت عبد الرحمن في الرقبة وعلي في الرأس.

تُرك الشابان ينزفان لأكثر من ساعة ونصف مُنعت خلالها طواقم الإسعاف والسكان من الاقتراب منهما، وبعد التأكد من وفاتهما تولت الشرطة مهمة نقلهما واحتجاز جثمانيهما ليرتفع عدد الجثامين المقدسية المحتجزة إلى 27، منذ عام 2001.

في منزل الشاب علي العباسي، قال أقاربه للجزيرة نت إن المحامي أكد لهم عدم توفر معلومات يمكنه أن يطمئنهم من خلالها عن موعد تسليم الجثمان، في ظل أن ما يجري في غزة يفرض نفسه على ساحة القدس والضفة الغربية.

حارة مراغة بحي سلوان حيث ينتشر الاحتلال في محيط منزل الشهيد عبد الرحمن فرج (الجزيرة) جرائم حرب وعقاب جماعي

وفي نظرة حقوقية قانونية، قال مدير مركز القدس للمساعدة القانونية رامي صالح للجزيرة نت إن ما تقوم به سلطات الاحتلال بأجهزتها المختلفة من أفراد شرطة وقوّات حرس الحدود وجنود جيش الاحتلال وحرس المستوطنين "هو إعدام خارج نطاق القانون".

وتابع صالح "هم يمارسون وحشيّتهم من خلال القتل بدم بارد للشبّان الفلسطينيين الذين يقومون باستخدام الألعاب النارية، تعبيرا عن رفضهم للحرب على قطاع غزّة".

وأضاف الحقوقي أن الإعدام خارج نِطاق القانون "يُعد من جرائم الحرب"، مبينا أن المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة تؤكد أهمية حماية المدنيين وقت الحرب، وكذلك الأمر البروتوكول الإضافي الأول الملحق بالاتفاقية.

ووفق صالح، فإن سياسة القتل بدم بارد أخذت الضوء الأخضر بشكل مباشر من القيادتين العسكرية والسياسية في إسرائيل، اللتين سعيتا إلى تشريع قوانين تُجيز قتل الفلسطينيين لإضفاء الشرعية على هذه الانتهاكات، رغم تعارضها مع القانون الدولي.

"وبالتالي فإنه من الضروري محاسبة ومُحاكمة القادة الإسرائيليين على الجرائم التي يقومون بها"، وفق تعبير صالح.

رامي صالح: الاحتلال بأجهزته المختلفة يقوم بإعدامات خارج نطاق القانون (الجزيرة)

وعن مظاهر عسكرة مدينة القدس منذ انطلاق "طوفان الأقصى" السبت الماضي، وتعمُد التنكيل بالمقدسيين خاصة في البلدة القديمة، أكد الحقوقي المقدسي أن ذلك يندرج في إطار سياسة العِقاب الجماعي التي تتعارض مع المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.

وذكر أن هذه المادة من الاتفاقية أكدت عدم مشروعية معاقبة أي شخص على جريمة لم يرتكبها هو شخصيا، إضافة إلى أنها تحظر العقوبات الجماعية، ومنها تدابير الترهيب والإرهاب.

ومع استمرار التنكيل بالمقدسيين، وتعمد تفتيشهم بشكل مهين وضربهم، بل اعتقالهم أحيانا، فإن حالة من منع التجول باتت سائدة في كثير من أحياء القدس، خاصة تلك التي تتداخل مع المستوطنات. ويعيش المقدسيون تصاعد خطاب الانتقام على إثر الكشف عن مزيد من القتلى الإسرائيليين في معركة "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على إسرائيل فجر يوم السبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الألعاب الناریة

إقرأ أيضاً:

«طوفان الأقصى» و«ردع العدوان»: إغلاق النقاش وفتحه

ما بين 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ويومنا هذا هبّ علينا زلزالان: عمليّة «طوفان الأقصى» وعمليّة «ردع العدوان». وبالتضامن كما بالتناقض بين العمليّتين، تغيّر كلّ شيء تقريباً في المشرق العربيّ، وتغيّرت أشياء كثيرة في عموم الشرق الأوسط.
لكنّ أحد الفوارق الأساسيّة بين العمليّتين يتّصل بالنقاش العامّ.
فالبيئة العربيّة التي أيّدت «الطوفان» مارست تحريماً على كلّ نقد أو حتّى تحفّظ، وهذا علماً بأنّ التأييد كان أمراً صعباً على مَن احتفظ بعدد من القناعات العقلانيّة والإنسانيّة والنفعيّة. فلهؤلاء الأخيرين بدا «الطوفان» عملاً مرتجلاً لا يتخلّله تمييز بين بشر وبشر، ولا اعتبار لتوازنات القوى، ناهيك عن ارتكازه إلى أشدّ الأفكار والقيم بدائيّة، وإفضائه إلى كارثة محقّقة بحقّ الشعب الفلسطينيّ. رغم هذا، لم تبق كلمة في كتاب الأهاجي إلاّ استُخدمت ضدّ الذين عارضوا ذاك الحدث أو حذّروا منه. فالخيانة والعمالة والصهينَة والارتزاق راحت تتسابق ناشرةً جوّاً مَقيتاً من امتداح الذات المرفق بإسكات كلّ صوت نافر. وفي سيادة وعي كهذا، إباديّ للعقل وللأخلاق وللحرّيّة، غُضّ النظر عمّا لا يُغضّ عنه النظر. فإذا بعقلانيّين مفترضين يهزجون وراء يحيى السنوار ومحمّد الضيف، وإذا بملاحدة مفترضين يستعيرون لغة حسن نصر الله الغيبيّة، فيما وَجدت نِسويّات متشدّدات في الناطق أبي عبيدة، وربّما في زميله يحيى سريع، الرجل الأمثل لمجتمع المساواة الجندريّة.
باختصار، أغلقت التفاهة المدجّجة بقوّة «القضيّة» باب النقاش، وبدا واضحاً أنّ شرط هذه «القضيّة» الشارط تعطيل كلّ شيء حيّ. فإنسان «الطوفان» تكشّف عن إنسان آحاديّ البُعد، لا يستطيع أن يكون «مع» و«ضدّ» في وقت واحد، إنسانٍ قَبَليّ يضحّي بكلّ معنى وقيمة كي يقاتل إسرائيل، وكي يقاتلها كيفما اتّفق. إنّه، بكلمة، أقرب إلى جنديّ ينفّذ، لكنّه بعد ذاك لا يعترض، مكرّساً كلّ نفسه لملاقاة فرحة الانتصار المبين.
في المقابل، لم تتصرّف البيئة المتحمّسة لإسقاط الأسد ونظامه على هذا النحو، بل زوّدتنا بمشهد مختلف. فهي لم تنتظر خصوم الثورة وأعداءها كي يوجّهوا سهامهم للحكم الجديد، بل بادرت بنفسها إلى ممارسة النقد، ومارسته بقسوة لا ترحم. هكذا خرجت منها أعلى أصوات الهجوم على السلطة التي أنجزت إسقاط الأسد وفتح السجون وإتاحة العودة للاّجئين وتحرير سوريّا من النفوذين الإيرانيّ والروسيّ. وبالفعل فُتح باب النقاش الذي طال كلّ شيء تقريباً، من السياسة إلى الاجتماع، ومن مفهوم الشرعيّة إلى وضع النساء...
ولئن رأى البعض في المبايعة التي حظي بها «الطوفان» دليلاً على قوميّة المعركة، أو دينيّتها، بما يجعل «قضيّة» «الطوفان» تعبيراً عن «تناقض رئيسيّ» لأجله تؤجَّل الحياة، اختلف الأمر في التعليق على «ردع العدوان». فنحن نادراً ما سمعنا تعبير «قضيّة» يُطلق وصفاً لحدث يتّصل مباشرة بحياة 24 مليون إنسان، وينهي 54 عاماً من حكم مجرم. فكأنّما عصفَ بالبيئة الداعمة لإطاحة الأسد قلق من لغة المبايعة رافق احتفالها بالحدث. وبعد كلّ حساب، فإنّ اللغة تلك، التي أحاطت بـ«الطوفان»، أختُ لغة الطغيان الأسديّة في خنق التناقضات وتأجيل الحياة.
ثمّ لئن كانت الأداة التي نفّذت العمليّتين سياسيّة – دينيّة، فإنّ البيئة التي بايعت «الطوفان» صدرت عن مقدّمات آيديولوجيّة، دينيّة أو قوميّة أو يساريّة يؤرّقها حسم «التناقض الرئيسيّ» مع الإمبرياليّة، وهو ما كان سبباً وراء التماهي، الذي لا يخالطه تحفّظ، مع السنوار ونصر الله. أمّا في الحالة الثانية، وبنتيجة الابتعاد عن عالم «القضايا» ولغتها، وربّما بتأثير احتكاك النقّاد السوريّين بمجتمعات ديمقراطيّة لجأوا إليها، فإنّ الأداة التي نفّذت «ردع العدوان» لم تُكافأ بغير النقد والتحفّظ.
فالذين واللواتي شكروا أحمد الشرع، سريعاً ما قرنوا شكرهم بنقده. ونعرف أنّ ثمّة في ثقافتنا، بالقديم منها والحديث، ما يطالب الشاكر بأن يطأطئ رأسه أمام المشكور، فلا يتوقّف عند نواقصه وقصوره التي يتكفّل تفاديها بإبقائه مشكوراً وإبقاء الشاكر شاكراً. ومن بين آلاف التعابير عن هذا الموقف المركّب، كتب الشاعر فرج بيرقدار، وهو نزيل سجون الأسد لسنوات طويلة: «للحقيقة والأمانة نجحت إدارة العمليات العسكرية في تحقيق ما يشبه المعجزة، أعني أنها نجحت في كتابة الحلقة الأخيرة من مسلسل حكم عائلة الأسد، وأعتقد أن معظم السوريين يقدِّرون لها هذه المأثرة. ولكن نجاح إدارة العمليات في هذه الخطوة، بل القفزة الرائعة، لا يعني أنها صارت تلقائياً تمثل الثورة وأهدافها الأولى والأساسية. تمثيل الثورة يقتضي إنجاز خطوات كثيرة أبسط معاييرها أن تكون بأقوالها وأفعالها نقيضاً للأسد وأجهزته».
هكذا نجدنا أمام حدث كبير يقول لنا، كما لو أنّه يؤجّل الحياة أو يُقفلها: «لا تناقشوا، بايعوا»، وأمام حدث كبير آخر يطالبنا بالنقاش وبجعل «مائة زهرة تتفتّح ومائة مدرسة تتبارى»، بحسب الشعار الذي رفعه ماو تسي تونغ قبل أن يخونه. فأيّ الوجهتين نختار؟

مقالات مشابهة

  • اليمن في قلب معركة “طوفان الأقصى”.. دعمٌ عمليّ لنُصرةِ فلسطين
  • 2 مليون صاروخ.. الشرطة تداهم ورشة لتصنيع الألعاب النارية بالفيوم
  • الاحتلال يستهل 2025 بمجزرة بشعة في جباليا.. والمقاومة توقع رتلا لآلياته في حقل ألغام وتقصف «نتيفوت» 
  • عائلات الأسرى الصهاينة تغلق طريقًا بالقدس للمطالبة بصفقة تبادل
  • مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى في سابع أيام عيد الأنوار اليهودي
  • «طوفان الأقصى» و«ردع العدوان»: إغلاق النقاش وفتحه
  • حكاية فلافل الشيخ أمين بالقدس
  • الأهلي الفلسطيني يستنكر المحاولات الإسرائيلية للسيطرة على الأماكن الدينية بالقدس
  • الاحتلال يهدم مبنى ويجرف شوارع في ضاحية السلام بالقدس
  • مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية الشرطة الإسرائيلية