الجزيرة:
2025-03-16@11:53:01 GMT

الإعلام الغربي على محك طوفان الأقصى

تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT

الإعلام الغربي على محك طوفان الأقصى

تفرض التجربة العريقة والمتنوعة للإعلام الغربي سقف توقعات عاليا في ما يتعلق بمدى دقته وتوازنه في نقل وقائع معركة "طوفان الأقصى" وما تثيره من مواقف ووجهات نظر وما تستدعيه من معطيات لا غنى عنها في إضاءة المشهد واستكشاف مساراته الماثلة والمحتملة.

على أرض الواقع بدت المسافة واضحة بل وفجة بين التقاليد والقيم التي يقول الإعلام الغربي إنه يتحرك ضمنها ويرى من خلالها تطورات المشهد في الشرق الأوسط، وما أنجزته منابر إعلامية غربية على أرض الواقع من حوارات ثنائية وأوسع تناولت المستجدات الساخنة والدامية الدائرة هناك.

دون تعميم مخل بوسعنا القول إن الإعلام الغربي الذي تضاءلت مساحة الاهتمام لديه بالحدث الفلسطيني حتى اكتفى في أغلب الأحيان بأخبار قليلة ذات طابع أمني، والذي اختزل قضية شعب وأرض في حوادث أمنية متفاوتة الأحجام لكنها معزولة أقرب لأقواس سرعان ما تغلق بعد أن تكون قد فتحت بهذه الحيثية أو تلك لأيام محدودة.

هذه المقاربة نزعت فعليا عن القضية الفلسطينية عناوينها الكبرى، فهي لم تعد قصة احتلال وسعي لاجتثاث شعب من أرضه، وهي ليست قصة ملايين من اللاجئين داخل أرضهم وخارجها، ولا هي قصة قهر يومي في سجن كبير يسمى غزة.

هي ليست كل ذلك وإنما مجموعات فلسطينية مسلحة تقوم بين حين وآخر باختراق الصمت المضروب حول وفاة مسار التسوية من خلال عمليات عسكرية هنا وهناك، دون إشارة بالقدر الكافي واللازم أصلا إلى جذور المشكلة والعقد المستحكمة فيها، والتي جعلت منها برميل بارود قابل للانفجار كل لحظة لهذا السبب أو لذاك.

سؤال يختزل قفزة هائلة

داخل هذه الذهنية وضمن هذا التأطير جاءت استضافات لشخصيات فلسطينية لتبادرها في ترديد شبه ببغائي لسؤال كاد يتكرر حرفيا وهو: هل تدين ما قامت به حماس بوصفه عملا إرهابيا استهدف مدنيين؟

سؤال يختزل قفزة هائلة فوق السياقات ومسارعة نحو "استحلاب" إدانة سهلة ومباشرة بدت أقرب لهدية مجانية لحكومة بنيامين نتنياهو التي وصفت على لسان نخب إسرائيلية وغربية بكونها الأكثر يمينية والأشد خطورة في تاريخ حكومات إسرائيل، تلك التي لم تتوقف يوما في التنافس الشرس على تنكيل أفظع وأشمل بالفلسطينيين.

وفي كل مرة كان الجواب الفلسطيني إحالة على ألف باء الصراع ومنابع الظلم البواح الذي اكتنف فصول القصة على مسمع ومرأى من دول العالم، خاصة منه ما يسمى العالم الحر، ذلك الذي تداعى للإعراب ليس فقط عن مساندة إسرائيل، وإنما كذلك الشد من أزرها بألوان من الدعم بلغ ذروته المؤقتة بإرسال إدارة بايدن قطعة مهمة من البحرية الأميركية وتخصيص فوري لثمانية مليارات من الدولارات في شكل دعم عسكري مباشر للجهد الحربي الإسرائيلي.

لم يكن ذلك هو أسوأ ما قام به الإعلام الغربي في أغلب ما خصصه لمتابعة معركة "طوفان الأقصى" بالخبر والتحليل، ففي مرات عدة كان المدعوون عبارة عن أعضاء في أوركسترا تعزف النغمة ذاتها، فتتعدد الزوايا لتكثف الصورة نفسها: إسرائيل في مرمى التهديدات الإرهابية!

ووسط جوقة المدعوين تجد من يتم تقديمه على أنه خبير في الشأن مهمته بسط توطئة معلوماتية تشمل معطيات وتعقيدات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والديمغرافيا، ولك أن تذهل لحجم المغالطات التي يتم تسريبها تحت غطاء من ألقاب علمية ومواقع أكاديمية رنانة تحكي في الواقع جهلا فادحا أو تجاهلا يلامس حد الإجرام في رسم صورة تقدم على أنها واقع، وما في الواقع بواقع.

السؤال المشروع

ولعل السؤال المشروع والمطروح هنا هو التالي:

هل مثل هذا التعاطي الإعلامي حالات شاذة تحفظ ولا يقاس عليها؟ أم أنها منهج قائم يتم تفعيله كلما دعت الحاجة، والحاجة هنا خطر مهم يحيق بإسرائيل يستدعي تبييضا لصفحتها وترويجا من طرف ظاهر وآخر لسرديتها؟

وهل مثل هذا التعاطي هو مجرد سقطة مهنية من إعلام راكم تجربة طويلة في تغطية حروب عالمية ومعارك تحرر وطني وكوارث طبيعية؟ أم أن الأمر يتعلق بجوهر صلب يسكن العقل الغربي الباطن ويحكم تفكيره ويمنعه من مجاوزة خطوط حمراء ويجعله يدمن تكرار رواية يمكن وصفها بكونها "يهودية مسيحية"، طبعا دون وقوع في فخ التعميم والاستغراق عند استعمال التعبيرين؟

الحقيقة هي أن معركة "طوفان الأقصى" والتغطية الغربية لها أعادتا القضية الفلسطينية إلى سيرتها الأولى وفرضت استدعاء المحركات الأساسية لدوامة العنف بشكليه الاحتلالي والمقاوم، لتضع الجميع أمام معادلة أساسية تقول إن من يتغافل عن الأسباب لا حق له في أن يستاء من النتائج، ذلك أن عصر ملايين الناس في قمقم غزة وقهر أمثالهم في الضفة والشتات يتضمن حكما تداعيات ليس أقلها مقاومة المحتل وإيجاعه بكل الطرق الممكنة.

ولأي كان أن يجيل البصر في مختلف القنوات والمواقع الغربية ليجد أن دلائل "العمى" في النظر إلى واقع القضية الفلسطينية أكثر من أن تحصى، واللافت للانتباه هو أن المحاور الفلسطيني وبمجرد التذكير بجذور القضية يجد أمامه مذيعا يحاول وبضعف صارخ الرد على البرهان الفلسطيني ثم سرعان ما ينهي المقابلة، في مقابل لقاءات مع إسرائيليين يفسح مجال الزمن أمامهم مع مقاطعات شحيحة وخجولة لا تمنعهم من تزييف المشهد مجددا مرارا وتكرارا.

في مقابل هذه القاعدة التي تحولت سقطة في تجربة الإعلام الغربي تبرز هنا وهناك استثناءات قليلة ومحتشمة من بعض الشجعان الذين من حقهم الخوف على مصيرهم المهني لمجرد إفساح المجال أمام تفهّم الحق الفلسطيني، فضلا عن المفارقة الغربية الصارخة بين رفض الاحتلال الروسي لأوكرانيا، وتكريس وتزكية والتبرير للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

حديثنا في الإعلام الغربي لا يمكن أن يكتمل دون آخر عن تعامل الإعلام العربي مع "طوفان الأقصى"، وهناك ما أدهى وأنكى وأمر مما يقوم به الإعلام الغربي.

حديث تفرض التطورات التطرق إليه في مقالة أخرى قريبا جدا.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الإعلام الغربی طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

الهروب من الواقع

 

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي

 

الهروب، في معناه الأعمق، لا يقتصر على الفرار من سجنٍ أو الهروب من مكانٍ معين إلى مكان آخر؛ بل هو فعل نفسي وروحي يلجأ إليه الإنسان عندما يشعر أن واقعه أصبح عبئًا لا يُحتمل، أو ما يسمى بالهروب من الواقع و هو محاولة لا إرادية للابتعاد عن حياةٍ لا ترضيه، أو ضغوطٍ تفوق قدرته على الاحتمال، أو حتى عن مشاعر تؤلمه ولا يجد لها حلًا؛ فهو ليس مجرد فعل مادي؛ بل حالة ذهنية معقدة، يختار فيها الإنسان- بوعي أو بدون وعي- أن يُغلق عينيه عن بعض الأمور التي هي في الحقيقة أمر واقع، بحثًا عن عالم بديل لربما أكثر اطمئنانا لروحه ونفسه أو لربما أكثر رحمة لراحة باله، لكن الإنسان في كثير من الأحيان، لا يدرك أن هذا الهروب قد يتحول إلى سجن جديد، أكثر قسوة مما هرب منه في البداية.

وتتعدد أشكال الهروب وتتنوع بين الظاهر والخفي، فهناك من يهرب بالانعزال، يبتعد عن الناس ويغرق في وحدته، كأنما يحاول الاختباء داخل قوقعته بعيدًا عن ضجيج العالم والناس أو ما يزعجه، وهناك من يهرب إلى الخيال، يخلق قصصًا داخل رأسه يعيشها وكأنها واقع، ينسج حكايات عن حياةٍ لم يعشها، أو يستعيد ذكريات ماضٍ جميل ليهرب من حاضرٍ مؤلم يعيشه، والبعض يختبئ خلف انشغاله المستمر، يغرق في العمل بلا هوادة، ليس حبًا في العمل بحد ذاته أو الإنتاج، بل خوفًا من لحظة فراغ تجبره على مواجهة ما يزعجه ويقض مضجعه، وآخرون قد يجدون مهربهم في السفر، يظنون أن الأماكن البديلة ستمنحهم الراحة المطلوبة، لكنهم سرعان ما يكتشفون أنَّ ما يهربون منه يسافر معهم، يسكن داخلهم ولا يمكن التخلص منه بمجرد تغيير الجغرافيا أو البلدان.

وهناك مع الأسف من يهرب إلى الإدمان، سواء كان إدمان المخدرات، الكحول، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى النوم لساعات طويلة، بحثًا عن لحظات من النسيان، دون أن يدركوا أنَّ هذا النسيان مؤقت، وأن الألم سيعود أقوى كلما انتهى تأثير الهروب.

لكن، لماذا يهرب الإنسان؟ ما الذي يدفعه إلى الانفصال عن واقعه؟

الأسباب كثيرة ومتنوعة، لكنها جميعها تنبع من إحساس عميق بالعجز أو الألم، فقد يكون السبب حبًا لم يكتمل، علاقة انتهت قبل أوانها، أو مشاعر لم تجد طريقها إلى النور، وقد يكون ضغطًا ماليًا يُثقل كاهله، يجعله يشعر بأنه محاصر في دائرة لا مخرج منها، أو وظيفة مرهقة لا تمنحه أي شعور بالإنجاز أو الطموح، وربما قد يكون السبب بيئة أسرية غير ملائمة، أو مجتمعًا يضع أمامه معايير لا تتناسب مع طبيعته وأحلامه وهناك أسباب أخرى عديدة لا يُمكن حصرها؛ فيصبح الهروب خيارًا مغريًا، كأنما هو طوق نجاة من بحرٍ هائج، لكنه في الحقيقة قد يكون مجرد وهم يُغرق صاحبه أكثر.

لكن السؤال الأهم هو: هل الهروب حل؟ هل يمكن للإنسان أن يهرب من مما يؤرقه حقًا، أم أنه يؤجل المواجهة فقط؟ الواقع أن الهروب لا يمحو المشكلة، بل يجعلها تكبر في الظل، فتكبر وتتحول إلى شيء أكبر يصعب السيطرة عليه لاحقًا، فالمشاكل لا تزول بالتجاهل، بل بالمواجهة، والهروب المستمر يجعل الإنسان أضعف أمامها كلما عاد لمواجهتها من جديد، إنه يمنح راحة مؤقتة، لكنه في الوقت نفسه يسرق من الإنسان قدرته على التكيف، على إيجاد حلول حقيقية، لاستعادة السيطرة على حياته.

لكن، هل يمكن أن يكون الهروب إيجابيًا؟ ربما، إذا كان هروبًا مؤقتًا بهدف إعادة ترتيب النفس والتفكير بهدوء فأحيانًا يحتاج الإنسان إلى خطوة للخلف، إلى مساحة من العُزلة ليُعيد تقييم الأمور، ليجد طريقة أفضل للتعامل مع أزماته، لكن الفرق بين الهروب المؤقت والهروب المزمن هو أن الأول يمنح الإنسان فرصة للعودة أقوى، بينما الثاني يسلبه قدرته على العودة تمامًا.

 وحتى نكون منصفين الهروب ليس دائمًا فعلًا سلبيًا، لكنه ليس حلًا أيضًا، فالمواجهة رغم صعوبتها، هي الطريق الوحيد للخروج من الأزمات، والتغيير الحقيقي لا يحدث بالفرار، بل بالقدرة على الصمود وإعادة تشكيل الواقع بوعي وإصرار فقد يكون الواقع مؤلمًا، لكن مواجهته هي السبيل الوحيد، بينما الهروب قد يبدو راحة، لكنه في النهاية مجرد وهم جديد يطارد صاحبه أينما ذهب فهو إغراءً مؤقتًا يشبه السراب الذي يمنحك الوهم دون أن يروي عطشك فكلما هربت وجدت أن المشكلات ما زالت تلاحقك، وربما أصبحت أكبر مما كانت عليه فالحياة لا تنتظر الفارين، بل تكافئ من يواجهونها بشجاعة.

ختاما.. المواجهة ليست مسؤولية فردية فقط؛ بل هي مسؤولية مشتركة علينا كأسرة أو مجتمع أن نمدّ يد العون والمساعدة قدر ما نستطيع لمن يشعرون أنهم عالقون في أي أمر يدفعهم للهروب منه، وأن نصنع لهم بيئة داعمة تساعدهم على الوقوف من جديد، فالحياة تصبح أيسر حين نواجهها معًا، لا حين نترك بعضنا يغرق في وهم الهروب!

مقالات مشابهة

  • هاليفي: حماس نجحت في خداع إسرائيل قبل عملية طوفان الأقصى
  • كيف ساهمت المواقف المصرية فى الحفاظ على القضية الفلسطينية؟
  • الهروب من الواقع
  • أبوخشيم: يجب محاسبة وسائل الإعلام التي تروج لخطاب الكراهية
  • FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
  • فاسدة وغسر شرعية..ترامب يهاجم ووسائل الإعلام التي تنتقده
  • بقرار أمريكي أوروبي.. حجب قناة الأقصى الفضائية عن الظهور في كافة الأقمار الصناعية
  • قرار أمريكي وأوروبي يقضي بحظر بث قناة الأقصى.. وحماس تعلّق
  • حجب قناة الأقصى الفضائية عن الظهور في كافة الأقمار الصناعية
  • وزير الإعلام اللبناني: تشكيل لجنة لمتابعة النقاط التي عرضها صندوق النقد الدولي