لماذا تراجعت إرادة القتال لدى "الجيش" الإسرائيلي؟

ولّت الأيام التي كانت "إسرائيل" تتفوق فيها على العرب مجتمعين وتستفيد من انقساماتهم.

إذا كان الإسرائيلي يحاول مراراً سد الثغرات لمواجهة التهديدات، فإن قدرات المقاومة الفلسطينية واللبنانية تطورت أيضاً.

نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة بالغت في انتهاك المقدسات وتوسيع الاستيطان، وجنحت نحو أقصى اليمين، وأدّت لانقسامات حادّة داخل "إسرائيل" نفسها.

تراجعت إرادة القتال لدى الجنود الإسرائيليين، وفي "الجيش" يشكّل الحريديم مشكلة كبرى. من خلال ترتيب تم وضعه خلال بدايات تأسيس الكيان عام 1948.

"نتنياهو الذي تفاخر بخبرته السياسية فشل كلياً في تشخيص خطر قاد إليه إسرائيل عندما أقام حكومة الضم ونهب الأراضي، وعيّن سموتريتش وبن غفير بمناصب مركزية وتجاهل وجود الفلسطينيين وحقوقهم".

* * *

تسبب الإرباك الذي فرضه الهجوم الفلسطيني على المناطق المحتلة من فلسطين ومراكز الاحتلال، واعتقال وأسر الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، بتبادل الاتهامات بين الإسرائيليين بشأن المسؤولية عن هذا الإخفاق الاستخباري والعسكري.

وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في افتتاحيتها إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو "مسؤول عن الكارثة التي ألمّت بإسرائيل في عيد فرحة التوراة". وأضافت أن "رئيس الحكومة الذي تفاخر بخبرته السياسية فشل كلياً في تشخيص الخطر الذي قاد إليه إسرائيل عندما أقام حكومة الضم ونهب الأراضي، وعيّن بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير في مناصب مركزية، وانتهج سياسة خارجية تجاهلت علناً وجود الفلسطينيين وحقوقهم".

لا شكّ في أن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة بالغت في تدنيس المقدسات وتوسيع الاستيطان، وجنحت نحو أقصى اليمين، وأدّت إلى انقسامات حادّة داخل "إسرائيل" نفسها.

لكن من المفيد الإشارة إلى أن التحولات والتطورات في الداخل الإسرائيلي سبقت هذه الحكومة، بل إن هذه الحكومة أتت نتيجة لتلك التحولات التي دفعت الإسرائيليين إلى ما هم عليه الآن.

ونورد في ما يلي بإيجاز بعض تلك التطورات التي ستؤدي إلى مزيد من الهزائم الإسرائيلية في المستقبل:

قتل عملية "السلام"

منذ توقيع اتفاق أوسلو ولغاية اليوم، لم يتعامل الإسرائيليون وحكوماتهم المتعاقبة مع "السلام" كخيار جدّي، بل إن كل ما حاولوا فعله هو أخذ تنازلات من الفلسطينيين في مقابل القليل، علماً أنهم عادوا وقضموا معظم ما حققه الفلسطينيون من اتفاقيات "السلام" تلك، ووسعوا الاستيطان، وشنوا عمليات عسكرية على قطاع غزة، وأعلنوا القدس عاصمتهم، وساروا -بدعم أميركي- بـ"صفقة القرن" التي حوّلت القضية الفلسطينية إلى مجرد قضية اقتصادية.

ومؤخراً، اعتقدوا أن اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية تعفيهم من مسؤولية "السلام" مع الفلسطينيين وحلّ الدولتين الذي يحتاج إلى إعطاء الفلسطينيين حقوقهم في أرضهم وتكريس حق العودة.

الشعبوية اليمينية

مدعوماً من مجموعة يمينية متطرفة، استغلّ نتنياهو الانقسامات الاجتماعية في "إسرائيل"، وخصوصاً الانقسام التاريخي بين الأشكناز والمزراحي (بين مَن يملكون ويحكمون ومَن لا يملكون)، ليمارس سياسة شعبوية ويضع نفسه خارج الطبقة السياسية التقليدية. وكمنشق عنها، صار يتحدث باسم الشعب ضد النخبة الحاكمة، ولزرع الانقسامات بين اليهود أنفسهم، وبينهم وبين العرب (من حملة الجنسية الإسرائيلية)، مؤكداً قدرته على مواجهة الأخطار الخارجية المتمثلة بإيران وحزب الله وحماس.

تحولات مؤسسية لتشريع التطرف

لم تأتِ حكومة نتنياهو اليمينية من فراغ، بل أتت نتيجة مسارٍ من التحولات في النظام التعليمي والقانوني في "إسرائيل" دفعت الإسرائيليين إلى التطرف والتعصب وإلى اتجاهات يمينية.

التغيير التشريعي الأبرز في هذا السياق هو "القانون الأساسي لعام 2018: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي". يعرّف هذا القانون "إسرائيل" بأنها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، ويؤكد مركزية اللغة العبرية ويوم السبت والأعياد اليهودية، ويحدد القدس "الكاملة والموحدة" كعاصمة لها.

يؤكد هذا القانون عدم المساواة بين المواطنين، ويميّز ضد كل الأفراد والجماعات غير اليهودية، ويشجع على الفصل العرقي وعلى قضم الأراضي الفلسطينية، إذ يؤكد البند 7 "تطوير الاستيطان اليهودي كقيمة وطنية".

نظام التعليم

تعد التربية المدنية في "إسرائيل" مادة إلزامية في المدارس الثانوية. تقوم وزارة التربية والتعليم بصياغة محتوى المنهج بشكل مركزي من خلال الموافقة على الكتب المدرسية، وتخصيص الموارد، والإشراف التربوي، ووضع مبادئ توجيهية تربوية.

منذ عام 1996، استلمت الأحزاب الدينية تلك الوزارة، فتم إجراء تغييرين مهمين في منهج التربية المدنية: التخلي عن منهج التعايش بين اليهود والعرب بشكل كامل تقريباً، وإدخال مادة إلزامية جديدة هي تعليم الثقافة والتقاليد الإسرائيلية، التي تركز بشكل أساسي على القيم اليهودية بدلاً من تعليم حقوق الإنسان والقيم العالمية.

ومن التطورات الأخرى خصخصة التعليم من خلال تعزيز وصول المنظمات غير الحكومية إلى المدارس. على سبيل المثال، في ميزانية التعليم عام 2018، حصل التعليم اليهودي على تمويل أكبر بـ119 مرة من الموارد التعليمية الداعمة للديمقراطية والتعايش اليهودي العربي. زد على ذلك أن الحريديم (اليهود المتدينون) لديهم مدارسهم الخاصة، وهؤلاء يتعلمون كره العرب والفلسطينيين وضرورة "التخلص منهم".

تراجع الروح القتالية

أدّت الأزمة الأخيرة حول التعديلات القضائية إلى مشكلات وانقسامات كبيرة بين الإسرائيليين، ورفض العديد من جنود الاحتياط الالتحاق بالخدمة، ورفض الطيارون الأوامر.

ومنذ حرب تموز/يوليو 2006، يتم وضع تقارير متعددة تحاول معالجة نقاط الضعف البنيوية لدى "الجيش" الإسرائيلي، التي أشارت إلى نقص استخباراتي وأمني وتكنولوجي، وتحدثت عن "وجود منظمة فاسدة وسلوك غير أخلاقي داخل البنية التحتية العسكرية في الجيش، وأن نتائج المناقشات والتقييمات لا يتم العمل بها دائماً بشكل فعّال على الأرض".

لا شكّ في أن "إسرائيل" تتفوق عسكرياً على جميع جيوش المنطقة، وتستفيد من دعم أميركي كبير، لكن التجارب أثبتت أن القبة الحديدية لا تستطيع عملياً التعامل في وقت واحد مع كم هائل من الصواريخ يغطي جميع الأراضي المحتلة تقريباً، والتفوق الجوّي لا يحسم معركة.

لأسباب متعددة، تراجعت إرادة القتال لدى الجنود الإسرائيليين، وكما في المجتمع، كذلك في "الجيش"، يشكّل الحريديم مشكلة كبرى. من خلال ترتيب تم وضعه خلال بدايات تأسيس الكيان عام 1948، تمتع الرجال اليهود - الحريديم (المتدينون) بإعفاء فعلي من الخدمة الإلزامية في "الجيش" أو شرط الخدمة غير العسكرية الذي ينطبق قانوناً على جميع الإسرائيليين اليهود.

وقد قامت حكومة نتنياهو الأخيرة بوضع أساس قانوني لهذا الترتيب، بضغوط من اليمين في حكومته وقاعدتهم الانتخابية، الأمر الذي شجع الآخرين من غير الحريديم على رفض الخدمة العسكرية لأسباب مختلفة.

ولخفض التكاليف، تم تقصير الخدمة العسكرية للرجال من 36 شهراً إلى 32 شهراً، والاستعانة بشركات خاصة لتأمين الإمدادات اللوجستية، وهذه جميعها أدت إلى فجوات بين المهام المطلوب تنفيذها والموارد اللازمة لتنفيذ ما هو مطلوب لمواجهة التهديدات.

في الخلاصة، ولّت الأيام التي كانت "إسرائيل" تتفوق فيها على العرب مجتمعين وتستفيد من انقساماتهم. وإذا كان الإسرائيلي يحاول مراراً سد الثغرات لمواجهة التهديدات، فإن قدرات المقاومة الفلسطينية واللبنانية تطورت أيضاً، والأهم أن الحرب قائمة بين صاحب الأرض والمستوطن الآتي من الخارج، إذ من المتوقع أن تشهد "إسرائيل" هجرة معاكسة كلما زادت المشكلات الأمنية والاقتصادية.

*د. ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

المصدر | الميادين نت

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين الاحتلال إسرائيل نتنياهو الحريديم طوفان الأقصى الروح القتالية من خلال

إقرأ أيضاً:

ترامب: إسرائيل ستسلم غزة للولايات المتحدة عند انتهاء القتال

سرايا - قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن إسرائيل ستسلم قطاع غزة للولايات المتحدة عند انتهاء القتال، في إشارة إلى الإبادة الجماعية التي ترتكبها تل أبيب بحق الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

جاء ذلك وفق ما نشره ترامب على منصة "سوشيال تروث"، الخميس، بشأن خطته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والاستيلاء على أراضيهم.

وادعى ترامب بأن الفلسطينيين سيحظون بحياة "أكثر سعادة" بموجب الخطة، وأنهم سيستقرون في "مجتمعات أكثر أمانا وجمالا مع منازل جديدة وحديثة في المنطقة".

وأضاف: "سيكون لديهم الفرصة ليكونوا سعداء وآمنين وأحرارا"، في حين يرفض الفلسطينيون بشدة الخطة الأمريكية الإسرائيلية لاحتلال بلادهم.

وأردف: "ستعمل الولايات المتحدة بالتعاون مع فرق تطوير رائعة من جميع أنحاء العالم، على بدء بناء ما سيصبح أحد أعظم وأروع المشاريع من نوعه على وجه الأرض".

وتابع: " لن تكون هناك حاجة لجنود من الولايات المتحدة، وسيسود الاستقرار في المنطقة"، دون توضيح كيفية تحقيق ذلك.

ومساء الثلاثاء، كشف ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، عزمه الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه، ما أثار رفضا إقليميا ودوليا واسعا.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1523  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 06-02-2025 06:09 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
بالفيديو .. "معركة" داخل محكمة أميركية! بالفيديو .. مدينة يابانية تختفي تحت طبقة هائلة من الثلوج بريطانية تحتفظ بجثة ابنتها 14 شهرًا .. تفاصيل صادمة كرواتيا .. العثور على قبر "مصاص دماء" شاهد بالفيديو تراكمات الثلوج في منطقة الهيشة بلواء... بالفيديو والصور .. مشاهد جديدة لتراكم الثلوج في... بالفيديو .. مياه الأمطار والصرف الصحي تداهم احد... بالفيديو .. الفرق الميدانية التابعة لوزارة الأشغال... "ليس ترامب" .. من هو صاحب مقترح غزة؟ السعودية تحبط تهريب 11 مليون حبة مخدرة استقبلها...الاتحاد الأوروبي: أي استثناء لحظر السفر على الشرع...حماس تطالب بقمة عربية طارئة لرفض تهجير الفلسطينيينبالفيديو .. "ثلوج وأجواء باردة" لبنان...إيرلندا ترفض مقترح إسرائيل لقبولها نازحين من غزة...ترامب يحظر مشاركة المتحولين جنسيّا في الرياضات..."علماء المسلمين" يفتي بحرمة تهجير...أكثر من 10 آلاف شاحنة من المساعدات دخلت غزة منذ وقف...الحكومة تعلن تخفيض سعر بيع طن الطحين لشهر شباط ..... طليق شيماء سيف: "لا أنافس على مكانتي ومن لا... ابنة مي فاروق تثير الإعجاب بصوتها العذب في فيديو جديد طارق العريان يتوعد أصالة .. ويفضح سراً نيشان وياسمين عز .. محاكمة مرتقبة بعد اتهامات... يعيش حالياً بين بيروت ودبي .. هل مُنع الممثل باسم... نجم أرسنال ممنوع من مشاركة زملائه غرف تبديل الملابس طلبة ماجستير صيدلة "عمان العربية" يحققون إنجازًا متميزًا بحصولهم على شهادة GCP الدولية في الممارسات السريرية الجيدة الحسين إربد يستضيف الوحدات في إياب كأس السوبر قائد برشلونة: 120 عاماً وريال مدريد لا يتغير أحدهم ميسي .. نجوم لاحقتهم "صافرات الاستهجان" قبل البليهي أطول عقوبة سجن في قضية إساءة معاملة الحيوانات الحيتان القاتلة تصطاد أحد أخطر الحيوانات البحرية المفترسة مصرية تقتل والدتها في الإسكندرية القمر والزهرة يسرقان الأضواء من برج إيفل في سماء باريس أطول عقوبة سجن في قضية إساءة معاملة الحيوانات في أمريكا بسبب الخاتم .. عروس تفسد مفاجأة عرض الزواج اكتشاف سلالة جديدة من إنفلونزا الطيور في الأبقار الأميركية ماليزيا ترفض التهجير القسري للفلسطينيين وتدعو الى الاعتراف الفوري بدولتهم تركيا .. لص يختبئ 3 أيام في فتحة تهوية بمركز تجاري مع 3 كلغ من "الذهب المسروق" لم تتحمل فراقها .. أم تحتفظ بجثة ابنتها 14 شهرًا

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • غالانت يعترف: الجيش نفّذ "إجراء هنيبال" لقتل الأسرى الإسرائيليين
  • ترامب: إسرائيل ستسلّمنا غزة بعد انتهاء القتال
  • مخطط ترامب في غزة يورط نتنياهو ويثير مخاوف الإسرائيليين.. فيديو
  • ترامب: إسرائيل ستسلم غزة للولايات المتحدة عند انتهاء القتال
  • ترامب: إسرائيل ستسلم غزة لأميركا في نهاية القتال
  • ترامب: إسرائيل ستسلم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة عند انتهاء القتال / شاهد
  • عاجل| ترامب: إسرائيل سوف تسلم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء القتال
  • ترامب: إسرائيل ستسلم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة في نهاية القتال
  • عاجل. ترامب: إسرائيل ستسلمنا قطاع غزة بعد انتهاء القتال
  • الجيش الإسرائيلي يعتزم مواصلة عملياته في الضفة خلال رمضان