يعد آيات وسور القرآن الكريم هي كلام الله عز وجل، والذي يحمل لنا من خلال آياته وسورة الخير والهدى والرحمة والفرج كله، ومن بين أياته تأتي هي الآية 19 من سورة الإنشقاق  بقوله تعالى: « لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ » لتزيد حيرتنا عن ذلك الطبق المركوب، فإن كان الجميع يعرفها بل ويحفظها الكثيرون عن ظهر قلب، لكن تظل إحدى الآيات القرآنية التي تحوي كثير من الخفايا والأسرار، وتدور استفهامات عدة حول حقيقة ذلك الطبق الوارد بقول الله تعالى : «لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ »، والذي ينبغي الوقوف عنده من خلال تفسير الآية «لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ».

لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ 

قالت دار الإفتاء المصرية، إنه ورد في تفسير قول الله سبحانه وتعالى: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ » الآية 19 من سورة الانشقاق، منوهة بأنه قال الحسن البصري في تفسيرها: أي أمرًا بعد أمر، رخاء بعد شدة، وشدة بعد رخاء، وغنى بعد فقر، وفقرًا بعد غنى، وصحة بعد سقم، وسقمًا بعد صحة، فلا أحزان تدوم ولا أوجاع على العموم.

وأوضحت «الإفتاء» في تفسير : « لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ » ، أنه فيما ورد بالكتاب العزيز والسُنة النبوية الشريفة، أنه لا أحزان تدوم ولا أوجاع على العموم، ولكن لا تستبطئ الفرج؛ فالذي خلقك يرفع همك ولو بعد حين.

وتابعت: وكذلك بقوله تعالى: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» الآية 64 من سورة مريم، ناصحة بتنزيه السمع عن سماع اللغو، وليكرم الإنسان نفسه عن الخوض فيما لا خير فيه، فقال تعالى: «وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا» [الفرقان: 72].

تفسير قوله لتركبن طبقا عن طبق

قال الشيخ الشنقيطي عن تفسير قوله لتركبن طبقا عن طبق  : « اعلم أولاً أن في هذا الحرف قراءتين سبعيتين مشهورتين: إحداهما: ﴿ لَتَرْكَبَنَّ ﴾، بفتح الباء، وبها قرأ من السبعة: ابن كثير  وحمزة والكسائي. وعلى هذه القراءة ففي فاعل ﴿ لَتَرْكَبَنَّ ﴾ ثلاثة أوجه معروفة عند العلماء:

الأول: وهو أشهرها أن الفاعل ضمير الخطاب الواقع على النبي. أي: لتركبن أنت يا نبيَّ الله طبقًا عن طبق. أي: بعد طبق. حالاً بعد حال. أي: فترتقي في الدرجات درجة بعد درجة. وقال ابن مسعود والشعبي ومجاهد وابن عباس في إحدى الروايتين والكلبي وغيرهم:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾. أي: لتصعدن يا محمد سماء بعد سماء. وقد وقع ذلك ليلة الإسراء .

تفسير قوله لتركبن طبقا عن طبق ، الثاني: أن الفاعل ضمير السماء. أي: لتركبن هي. أي: سماء طبقًا. أي: لتنتقلن السماء من حال إلى حال. أي: تصير تارة كالدهان، وتارة كالمهل، وتارة تتشقق بالغمام، وتارة تطوى كطي السجل للكتب، والثالث: أن الفاعل ضمير يعود إلى الإنسان المذكور في قوله:﴿ يا أيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً ﴾(الانشقاق: 6) الآية. أي: لتركبن أيها الإنسان حالاً بعد حال، من صغر إلى كبر، ومن صحة إلى سقم كالعكس، ومن غنى إلى فقر كالعكس، ومن موت إلى حياة كالعكس، ومن هول من أهوال القيامة إلى آخر.. وهكذا.

تفسير قوله لتركبن طبقا عن طبق ، ورد أن القراءة الثانية: وبها قرأ من السبعة: نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم: « لَتَرْكَبُنَّ »، بضم الباء، وهو خطاب عام للناس المذكورين في قوله: « فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ » الآية 7 من سورة الانشقاق، إلى قوله: «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ » الآية 10 من سورة الانشقاق،  ومعنى الآية: لتركبن أيها الناس حالاً بعد حال، فتنتقلون في دار الدنيا من طور إلى طور، وفي الآخرة من هول إلى هول ».

تفسير قوله لتركبن طبقا عن طبق : « فإن قيل: يجوز بحسب وضع اللغة العربية التي نزل بها القرآن، على قراءة ضم الباء، أن يكون المعنى: لتركبُّن أيها الناس طبقًا بعد طبق. أي: سماء بعد سماء، حتى تصعدوا فوق السماء السابعة ؛ كما تقدم نظيره في قراءة فتح الباء، خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هذا جائزًا في لغة القرآن فما المانع من حمل الآية عليه ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول في تفسير قوله لتركبن طبقا عن طبق : أن ظاهر القرآن يدل على أن المراد بالطبق الحالُ المتنقل إليها من موت ونحوه، وهول القيامة، بدليل قوله بعده مرتبًا له عليه بالفاء: « فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ القرآن لاَ يَسْجُدُونَ (21) » من سورة الانشقاق ؛ فهو قرينة ظاهرة على أن المراد: إذا كانوا ينتقلون من حال إلى حال، ومن هول إلى هول، فما المانع لهم من أن يؤمنوا، ويستعدوا لتلك الشدائد ؟ ويؤيده أن العرب تسمي الدواهي: بناتِ طبق ؛ كما هو معروف في لغتهم.

والوجه الثاني في تفسير قوله لتركبن طبقا عن طبق : أن الصحابة – رضي الله عنهم – هم المخاطبون الأولون بهذا الخطاب، وهم أولى الناس بالدخول فيه، بحسب الوضع العربي، ولم يركب أحد منهم سماء بعد سماء بإجماع المسلمين، فدل ذلك على أن ذلك ليس معنى الآية. ولو كان، لما خرج منه المخاطبون الأولون بلا قرينة على ذلك.

الوجه الثالث في تفسير قوله لتركبن طبقا عن طبق : هو ما قدمنا من الآيات القرآنية المصرحة بحفظ السماء وحراستها من كل شيطان رجيم كائنًا من كان. فبهذا يتضح أن الآية الكريمة ليس فيها دليل على صعود أصحاب الأقمار الصناعية فوق السبع الطباق، والواقع المستقبل سيكشف حقيقة تلك الأكاذيب والمزاعم الباطلة ».

معنى لتركبن طبقا عن طبق

1- إذا كان لا يجوز حمل الآية، على قراءة:﴿ لَتَرْكَبُنَّ ﴾ بضم الباء، على معنى: لتركبُّن أيها الناس سماء بعد سماء، حتى تصعدوا فوق السماء السابعة، فكذلك لا يجوز حملها، على قراءة:﴿ لَتَرْكَبَنَّ ﴾ بفتح الباء، على معنى: لتصعدن يا محمد سماء بعد سماء، خلافًا لقائله ؛ لأن القراءتين متواترتان، ولا يجوز حمل إحداهن على معنى مناقض لمعنى الأخرى. وبالتالي لا يوجد في الآية، على القراءتين، دليل على صعود الإنسان إلى القمر، أو السموات السبع الطباق. وبيان ذلك:

أن قوله تعالى:﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾(16 – 19) جاء تفريعًا بالفاء على ما أجمل وفصل قبله في المقطع السابق ؛ وهو قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴾(6 – 15).

وهو خطاب يشمل الإنسان المؤمن والكافر ؛ كما يؤذن به التقسيم بعده إلى:﴿ مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾، وهو المؤمن، و﴿ مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ﴾، وهو الكافر. هذا الإنسان الذي يكدح في عمله طوال حياته ؛ إنما يكدح إلى لقاء ربه كدحًا. أي: يكدح إلى الموت وما بعده من أهوال يوم القيامة وشدائدها كدحًا، من غير صارف يلويه عن ذلك.

فأما المؤمن فسوف يحاسب حسابًا هيِّنًا، وينقلب إلى أهله مسرورًا بما أعد الله تعالى له في الجنة من النعيم.. وأما الكافر فسوف يدعو ثبورًا، ويصلى سعيرًا ؛ إنه كان في أهله فرحًا بطرًا مترفًا، بما أعطي في الدنيا من النعيم، لا يعرف الله ولا يفكر في عاقبته، فلم يعمل شيئًا للآخرة، ظنًّا منه أن لن يرجع إلى ربه، ولن يتغير عن حاله، تكذيبًا منه بالمعاد والحساب والجزاء، ولم يخطر بباله أبدًا أن ربه الذي خلقه كان بصيرًا به وبأعماله، بحيث لا يخفى عنه منها خافية، فلا بدَّ من رجعه وحسابه عليها حسابًا عسيرًا، وجزائه بما يستحق من عقاب.

هذا الإنسان الكافر الذي ظن أن لن يحور. أي: أن لن يبعث، هو المقصود الأول من هذا الوعيد الذي تضمنه هذا الخطاب ؛ لأنه هو الذي أنكر البعث وكذب به، بخلاف المؤمن. فالخطاب بالنسبة إلى المؤمن زيادة تذكير وتبشير، وهو بالنسبة إلى هذا الكافر زيادة للإنذار ؛ ولهذا جاء الرد عليه بقوله تعالى:﴿ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴾(15). أي: بلى ليحورنَّ. أي: ليبعثن ؛ فربه الذي خلقه كان بصيرًا به وبأعماله. ثم عقَّب سبحانه وتعالى على ذلك بقوله:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾(16 – 19).

ملوِّحًا بالقسم بهذه الظواهر الكونية التي تقع تحت حس هذا الإنسان على أن الناس ليركبن طبقًا عن طبق أو أن الإنسان ليركبن طبقًا عن طبق. فعلى الأول يكون الخطاب لجنس الإنسان باعتبار شموله لأفراده، وهو المنادى أولاً بقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾(6). وعلى الثاني يكون الخطابِ للإنسانِ باعتبارِ لفظه.

والفاء في قوله تعالى:﴿ فَلَا أُقْسِمُ ﴾– كما قال الألوسي- واقعة في جواب شرط مقدر. أي: إذا عرفت هذا. أو: إذا تحقق الحور بالبعث، فلا أقسم بالشفق.. ». ونظير ذلك قوله تعالى:

﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾(التغابن: 7).

فقوله تعالى:﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ﴾ كقوله تعالى:﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ﴾. وقوله تعالى:﴿ قُلْ بَلَى ﴾ كقوله تعالى:﴿ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴾. وقوله تعالى:﴿ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾ كقوله تعالى:﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾.

والمخاطب في الموضعين واحد، وهو الكافر المكذب بالبعث. والفرق بينهما هو فرق بين القسم، والتلويح بالقسم. فإذا علمت ذلك، تبين أنه لا يجوز حمل قوله تعالى:﴿لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ بفتح الباء، على أن المخاطب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويؤيد ذلك ما ذهب إليه بعضهم من أن المراد بالإنسان المخاطب بقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾  الأسود بن هلال المخزومي، جادل أخاه أبا سلمة في أمر البعث، فقال أبو سلمة: إي، والذي خلقك، لتركبن الطبقة، ولتوافين العقبة. فقال الأسود: فأين الأرض والسماء ؟ وما حال الناس ؟ لاحظ قوله:« لتركبن الطبقة، ولتوافين العقبة ».

2- أما ( الركوب ) في قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ فالمراد به: الملاقاة والمعاناة. والعرب تعبر عن ملاقاة الأمور ومعاناتها بركوبها. والتعبير بركوب الأهوال والأخطار مألوف في اللسان العربي ؛ كقولهم:« إن المضطر يركب الصعب من الأمور » ؛ وكأن تلك الأهوال والأخطار مطايا يركبها الناس تنقلهم من حال إلى حال.

وأما ( الطبق ) في اللغة فيطلق على كل غطاء لازم، ويجمع على: أطباق وأطبِقة. والطَّبَقُ أيضا من كل شيءٍ: ما ساواه. والطَّبَقُ: وجه الأرضِ، والذي يُؤْكَلُ عليه. وعَظْمٌ رقيق يفصل بين كل فَقارَيْنِ. والطَّبَقُ: الأمة بعد الأمة. والقَرْنُ من الزمان، أو عشرون سنة. والطَّبَقُ من الناس: الجماعةُ يعدلون جماعة مثلهم. والطَّبَقُ من المطر: العامُّ. ومن الليل والنهار معظمهما. والطَّبَقُ : سد الجراد عين الشمس. والطَّبَقُ: انطباق الغيم في الهواء. والطَّبَقُ: الدَّرَكُ من أدراك جهنم. والسموات طباقٌ، بعضها فوق بعض. الواحدة: طَبَقَةٌ، ويُذكَّر، فيقال: طَبَقٌ واحد. والطَّبَقُ: الشدة والمشقة. وبِنْتُ الطَّبَق: الداهية، والعَربُ تقولُ: وقَع فلانٌ في بَناتِ طَبَق: إذا وقَع في الأمر الشّديد. والطَّبَقُ والطَّبَقَةُ: الحال على اختلافها. يقال: كان فلان على أطباق وطبقات شتى من الدنيا. أي: على أحوال وحالات ؛ ومنه حديث عَمْرو بن العاص:« إنّي كُنتُ على أطْباقٍ ثلاث ». أي: أحْوال. وقول الأقرع بن حابس التميمي: إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره… وساقني طبق منها إلى طبق، أي: ساقني حال منها إلى حال.

أشهر الأقوال في تفسير معنى الطبق

وهذا القول الأخير في تفسير معنى الطبق هو أشهر الأقوال وأولاها، وعليه حمل الجمهور قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾، والمعنى: لتُلاقُنَّ حالاً عن حال، كلُّ واحدة منها مطابقة لأختها في الشدةِ والفظاعةِ ». والأوفقُ للركوبِ المنبىءُ عن الاعتلاءِ على ما قيل: أن يكون طبق جمع: طبقة، وهي المرتبةُ، والمَعْنَى: لتركَبُنَّ أحوالاً عن أحوال، هي طبقاتٌ في الشدةِ، بعضُها أرفعُ من بعضٍ، وهي الموت وما بعده من مواطنِ القيامةِ ودواهيها. ويؤيد ذلك أن الغرض من تنكير ( طبق ) هو التعظيم والتهويل.

ومن هنا يخطىء كل من حمل الركوب في الآية على حقيقته، ثم فسر الطبق فيها بغير ما فسره أئمة اللغة ؛ فركوب الطبق في الآية ليس كروب المركبة أو الطائرة ؛ كما أن قولك: ركب الصعب، ليس كقولك: ركب الحمار. وقولك: ركب رأسه، ليس كقولك: ركب فرسه. والظاهر أن أولئك الذين زعموا أن في الآية إشارة أو دليلاً على الصعود إلى السموات السبع قد ركبوا رؤوسهم حين فسروا ركوب الطبق بركوب المركبة الفضائية.

3- وأما ( عن ) في اللغة فتقتضي مجاوزة ما أضيفت إليه، وتفيد في نحو قولك: فعلت هذا عن أمرك، أن ما بعدها مصدر وسبب لما قبلها، فيكون المعنى: فعلته مجاوزًا أمرك وبسببه. أي: إن أمرك سببٌ لحصول فعلي. ونظير ذلك قولك: أطعمته عن جوع، معناه: أن الجوع سببٌ لحصول الإطعام ؛ ومن ذلك قوله تعالى:﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾(الكهف: 50). أي: أتاه الفسق لما أمر فعصى، فكان سبب الفسق أمر ربه. ونحو ذلك قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾. أي: لتركبن طبقًا مجاوزين طبقًا كنتم تركبونه، وفق ما هو مرسوم لكم من تقديرات وأحوال. فـ( عن ) هنا على بابها من دلالتها على المجاوزة، والجمهور على أنها للبعدية، وأن المعنى: لتركبن طبقًا بعد طبق ؛ كما في قول كعب بن زهير: كذلك المرء إن ينسأ له أجل… يركب على طبق من بعده طبق

وحملها في الآية على معنى المجاوزة الذي هو حقيقة فيها أولى من حملها على معنى البعدية ؛ لأن المراد من قول كعب ( يركب على طبق من بعده طبق ): يركب حالاً من بعده حال في الدنيا. أما قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ فالمراد منه: لتركبن أحوالاً يوم القيامة، مجاوزين أحوالاً كنتم تركبونها في الدنيا.. والله تعالى أعلم بمراده.

خامسًا- نخلص مما تقدم إلى أنه لو كان في قوله تعالى:﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ﴾ إشارة إلى إمكانية صعود الإنسان إلى القمر، أو دليل على صعود أصحاب الأقمار الصناعية فوق السبع الطباق، لكان كعب بن زهير في قوله السابق، والأقرع بن حابس التميمي في قوله: إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره… وساقني طبق منها إلى طبق ، وعَمْرو بن العاص في قوله:« إنّي كُنتُ على أطْباقٍ ثلاث »، من أوائل الرواد الذين جابوا الفضاء بمراكبهم الفضائية، وصعدوا إلى القمر وغيره من الكواكب، قبل أن توجد تلك المراكب.

والسؤال الذي ينبغي الإجابة عنه هو: إن كان المراد بالسموات السبع التي ورد ذكرها في القرآن هو الغلاف الجوي بطبقاته السبع، وهو الذي يحفظ الأرض وسكانها من النيازك المدمرة والإشعاعات القاتلة القادمة إلينا من الشمس والكواكب الأخرى، وأن السماء الدنيا هي الطبقة الأولى من هذا الغلاف، فكيف استطاع الإنسان بمركبته الفضائية أن يخترق هذا الغلاف الجوي بطبقاته السبع وينفذ إلى ما وراءه، فيسافر إلى القمر والمريخ والزهرة وبلوتو ؟ كيف، والله سبحانه وتعالى يقول:﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ ﴾(الملك: 5)، ثم يقول سبحانه:﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً ﴾(الأنبياء: 32) .

وإن كان المراد بالسموات السبع الكواكب السبع السيارة، أو أفلاكها، فكيف استطاع هذا الإنسان أن يسافر إلى تلك الكواكب، والله سبحانه يقول:﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً ﴾(الفرقان: 61)، ثم يقول سبحانه:﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ استرق السمع فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِين ﴾(الحجر: 16- 18) ؟

وإن سلمنا جدلاً بأن شياطين الإنس تفوقوا على شياطين الجن، واستطاعوا بقدرتهم الخارقة أن يخترقوا السموات ويسافروا بمراكبهم الفضائية إلى الكواكب، فكيف استطاعوا أن يؤمنوا الحماية لأنفسهم من الأخطار التي تحدق به من كل جانب وهم يجوبون الفضاء ؟

وأختم بقول الله عز وجل:﴿ أََفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾(محمد: 24) ؟ نسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين يفقهون كلامه، ويدركون أسرار بيانه. والحمد لله رب العالمين.

التفسير الميسر : أقسم الله تعالى باحمرار الأفق عند الغروب، وبالليل وما جمع من الدواب والحشرات والهوام وغير ذلك، وبالقمر إذا تكامل نوره، لتركبُنَّ- أيها الناس- أطوارا متعددة وأحوالا متباينة: من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى نفخ الروح إلى الموت إلى البعث والنشور. ولا يجوز للمخلوق أن يقسم بغير الله، ولو فعل ذلك لأشرك.

السعدى : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ، والمقسم عليه قوله: { لَتَرْكَبُنَّ } [أي:] أيها الناس { طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } أي: أطوارا متعددة وأحوالا متباينة، من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى نفخ الروح، ثم يكون وليدًا وطفلًا، ثم مميزًا، ثم يجري عليه قلم التكليف، والأمر والنهي، ثم يموت بعد ذلك، ثم يبعث ويجازى بأعماله، فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد، دالة على أن الله وحده هو المعبود، الموحد، المدبر لعباده بحكمته ورحمته، وأن العبد فقير عاجز، تحت تدبير العزيز الرحيم.

الوسيط لطنطاوي : قوله - سبحانه - ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ ) جواب القسم - كما سبق أن أشرنا - ، والمراد بالركوب : الملاقاة والمعاناة ، والخطاب للناس ، والطبق جمع طبقة ، وهى الشئ المساوى لشئ آخر ، والمراد بها هنا : الحالة أو المرتبة ، وعن بمعنى بعد . أى : وحق الشفق ، والمراد بها هنا : الحالة أو المرتبة ، وعن بمعنى بعد . أى : وحق الشفق ، والليل وما وسق ، والقمر إذا اتسق . . لتلاقن - أيها الناس - أحوالا بعد أحوال ، هى طبقات ومراتب فى الشدة ، بعضها أصعب من بعض ، وهى الموت ، وما يكون بعده من حساب وجزاء يوم القيامة .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ ) خطاب لجنس الإِنسان المنادى أولا ، باعتبار شموله لأفراده ، والمراد بالركوب : الملاقاة ، والطبق فى الأصل ما طابق غيره مطلقا . وخص فى العرف بالحال المطابقة لغيرها . . و " عن " للمجاوزة ، أو بمعنى " بعد " والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة أو حالا من فاعل لتركبن ، والظاهر أن " طبقا " منصوب على المفعولية ، أى : لتلاقن حالا كائنة بعد حال ، كل واحدة مطابقة لأختها فى الشدة والهول . . منها ما هو فى الدنيا ، ومنها ما هو فى الآخرة .

وأخرج البخارى عن ابن عباس أنه خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ، أى : لتركبن - أيها الرسول الكريم - أحوال شريفة بعد أخرى من مراتب القرب . أو مراتب من الشدة بعد مراتب من الشدة ، ثم تكون العاقبة لك .

البغوى : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ، ( لتركبن ) قرأ أهل مكة وحمزة والكسائي : " لتركبن " بفتح الباء يعني لتركبن يا محمد ( طبقا عن طبق ) قال الشعبي ومجاهد : سماء بعد سماء . قال الكلبي : يعني تصعد فيها . ويجوز أن يكون درجة بعد درجة ورتبة بعد رتبة في القرب من الله تعالى والرفعة .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سعيد بن النضر ، أخبرنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر عن مجاهد قال قال ابن عباس : " لتركبن طبقا عن طبق " حالا بعد حال ، قال هذا نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل : أراد به السماء تتغير لونا بعد لون ، فتصير تارة كالدهان وتارة كالمهل ، وتنشق بالغمام مرة وتطوى أخرى . وقرأ الآخرون بضم الباء ، لأن المعنى بالناس أشبه ، لأنه ذكر من قبل : " فأما من أوتي كتابه بيمينه " " وشماله " وذكر من بعد : " فما لهم لا يؤمنون " وأراد : لتركبن حالا بعد حال ، وأمرا بعد أمر في موقف القيامة ، يعني : الأحوال تنقلب بهم ، فيصيرون في الآخرة على غير الحال التي كانوا عليها في الدنيا . و " عن " بمعنى بعد .

وقال مقاتل : يعني الموت ثم الحياة [ ثم الموت ثم الحياة ] ، وقال عطاء : مرة فقيرا ومرة غنيا . وقال عمرو بن دينار عن ابن عباس : يعني الشدائد وأهوال الموت ، ثم البعث ثم العرض . وقال عكرمة : حالا بعد حال ، رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ . وقال أبو عبيدة : لتركبن سنن من كان قبلكم وأحوالهم .

وقال سعيد بن جبير ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال قوم كانوا في الدنيا خسيس أمرهم فارتفعوا في الآخرة وآخرون كانوا أشرافا في الدنيا فاتضعوا في الآخرة، وقال عكرمة ( طبقا عن طبق ) حالا بعد حال فطيما بعدما كان رضيعا وشيخا بعدما كان شابا، وقال الحسن البصري ( طبقا عن طبق ) يقول حالا بعد حال رخاء بعد شدة وشدة بعد رخاء وغنى بعد فقر وفقرا بعد غنى وصحة بعد سقم وسقما بعد صحة.

ثم قال ابن جرير بعدما حكى أقوال الناس في هذه الآية من القراء والمفسرين والصواب من التأويل قول من قال لتركبن أنت - يا محمد حالا بعد حال وأمرا بعد أمر من الشدائد والمراد بذلك وإن كان الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موجها جميع الناس وأنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأهواله أحوالا .

القرطبى : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ  قرأ أبو عمر وابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومسروق وأبو وائل ومجاهد والنخعي وابن كثير وحمزة والكسائي ( لتركبن ) بفتح الباء خطابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي لتركبن يا محمد حالا بعد حال ، قاله ابن عباس . الشعبي : لتركبن يا محمد سماء بعد سماء ، ودرجة بعد درجة ، ورتبة بعد رتبة ، في القربة من الله تعالى .

ابن مسعود : لتركبن السماء حالا بعد حال ، يعني حالاتها التي وصفها الله تعالى بها من الانشقاق والطي وكونها مرة كالمهل ومرة كالدهان . وعن إبراهيم عن عبد الأعلى : طبقا عن طبق قال : السماء تقلب حالا بعد حال . قال : تكون وردة كالدهان ، وتكون كالمهل ; وقيل : أي لتركبن أيها الإنسان حالا بعد حال ، من كونك نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم حيا وميتا وغنيا وفقيرا . فالخطاب للإنسان المذكور في قوله : يا أيها الإنسان إنك كادح هو اسم للجنس ، ومعناه الناس . وقرأ الباقون لتركبن بضم الباء ، خطابا للناس ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، قال : لأن المعنى بالناس أشبه منه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، لما ذكر قبل هذه الآية فمن أوتي كتابه بيمينه ومن أوتي كتابه بشماله . أي لتركبن حالا بعد حال من شدائد القيامة ، أو لتركبن سنة من كان قبلكم في التكذيب واختلاق على الأنبياء .

قلت : وكله مراد ، وقد جاءت بذلك أحاديث ، فروى أبو نعيم الحافظ عن جعفر بن محمد بن علي عن جابر - رضي الله عنه - ، قال سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله - عز وجل - ; إن الله لا إله غيره إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه وأثره وأجله ، واكتب شقيا أو سعيدا ، ثم يرتفع ذلك الملك ، ويبعث الله ملكا آخر فيحفظه حتى يدرك ، ثم يبعث الله ملكين يكتبان حسناته وسيئاته ، فإذا جاءه الموت ارتفع ذانك الملكان ، ثم جاءه ملك الموت - عليه السلام - فيقبض روحه ، فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده ، ثم يرتفع ملك الموت ، ثم جاءه ملكا القبر فامتحناه ، ثم يرتفعان ، فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات ، فأنشطا كتابا معقودا في عنقه ، ثم حضرا معه ، واحد سائق والآخر شهيد ثم قال الله - عز وجل - لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لتركبن طبقا عن طبق قال : " حالا بعد حال " ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن قدامكم أمرا عظيما فاستعينوا بالله العظيم " فقد اشتمل هذا الحديث على أحوال تعتري الإنسان ، من حين يخلق إلى حين يبعث ، وكله شدة بعد شدة ، حياة ثم موت ، ثم بعث ثم جزاء ، وفي كل حال من هذه شدائد . وقال - صلى الله عليه وسلم - : لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا : يا رسول الله ،اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ خرجه البخاري : وأما أقوال المفسرين ، فقال عكرمة : حالا بعد حال ، فطيما بعد رضيع ، وشيخا بعد شباب ، قال الشاعر :كذلك المرء إن ينسأ له أجل يركب على طبق من بعده طبق.

وعن مكحول : كل عشرين عاما تجدون أمرا لم تكونوا عليه : وقال الحسن : أمرا بعد أمر ، رخاء بعد شدة ، وشدة بعد رخاء ، وغنى بعد فقر ، وفقرا بعد غنى ، وصحة بعد سقم ، وسقما بعد صحة : سعيد بن جبير : منزلة بعد منزلة ، قوم كانوا في الدنيا متضعين فارتفعوا في الآخرة ، وقوم كانوا في الدنيا مرتفعين فاتضعوا في الآخرة : وقيل : منزلة عن منزلة ، وطبقا عن طبق ، وذلك أن من كان على صلاح دعاه إلى صلاح فوقه ، ومن كان على فساد دعاه إلى فساد فوقه ; لأن كل شيء يجري إلى شكله : ابن زيد : ولتصيرن من طبق الدنيا إلى طبق الآخرة : وقال ابن عباس : الشدائد والأهوال : الموت ، ثم البعث ، ثم العرض ، والعرب تقول لمن وقع في أمر شديد : وقع في بنات طبق ، وإحدى بنات طبق ، ومنه قيل للداهية الشديدة : أم طبق ، وإحدى بنات طبق : وأصلها من الحيات ، إذ يقال : للحية أم طبق لتحويها : والطبق في اللغة : الحال كما وصفنا ، قال الأقرع بن حابس التميمي : إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره وساقني طبق منه إلى طبق.

وهذا أدل دليل على حدوث العالم ، وإثبات الصانع ، قالت الحكماء : من كان اليوم على حالة ، وغدا على حالة أخرى فليعلم أن تدبيره إلى سواه : وقيل لأبي بكر الوراق : ما الدليل على أن لهذا العالم صانعا ؟ فقال : تحويل الحالات ، وعجز القوة ، وضعف الأركان ، وقهر النية ، ونسخ العزيمة : ويقال : أتانا طبق من الناس وطبق من الجراد : أي جماعة : وقول العباس في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - :تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق.

أي قرن من الناس . يكون طباق الأرض أي ملأها . والطبق أيضا : عظم رقيق يفصل بين الفقارين ويقال : مضى طبق من الليل ، وطبق من النهار : أي معظم منه . والطبق : واحد الأطباق ، فهو مشترك . وقرئ ( لتركبن ) بكسر الباء ، على خطاب النفس و ( ليركبن ) بالياء على ليركبن الإنسان . و ( عن طبق ) في محل نصب على أنه صفة ل " طبقا " أي طبقا مجاوزا لطبق . أو حال من الضمير في لتركبن أي لتركبن طبقا مجاوزين لطبق ، أو مجاوزا أو مجاوزة على حسب القراءة .

الطبرى : وقوله: ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ) اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأه عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه وابن عباس وعامة قرّاء مكة والكوفة ( لَتَرْكَبَنَّ ) بفتح التاء والباء. واختلف قارئو ذلك كذلك في معناه، فقال بعضهم: لَتَرْكَبنَ يا محمد أنت حالا بعد حال، وأمرًا بعد أمر من الشدائد.

 

 

 

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الإفتاء دار الإفتاء صلى الله علیه وسلم سماء بعد سماء هذا الإنسان یوم القیامة أیها الناس الله تعالى قوله تعالى فی الدنیا إلى القمر فی الآخرة رسول الله الإنسان إ ا بعد أمر فی الآیة دلیل على على معنى ابن عباس ا عن طبق إلى حال قال ابن فی قوله ک ت اب ه إلى طبق من بعده من بعد إن کان ن أیها ا محمد من کان حال من عز وجل ن حالا على أن طبق من فی قول

إقرأ أيضاً:

مظاهر تحريف الأديان

من المظاهر التي اعترت الأديان الكتابية التي سبقت ظهور الإسلام أنها تعرضت للتحريف والتزييف والتلاعب بنصوصها وبتأويلها بحسب رغبة ومصلحة أحبارها وقساوستها؛ فجاء الإسلام لنسخها وتصحيح المُحرّف من أحكام شرعية أنزلها الله تعالى على أنبيائه عليهم السلام جميعًا، وأتباعهم عبثوا بها وحرّفوها عن موضعها ليشتروا بها عرض من الدنيا بأثمان قليلة؛ فجاء وصفهم في القرآن الكريم في قوله تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}، فالذين هادوا هم الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، ويقصد بهم الكتابيون دون غيرهم من الديانات غير الكتابية، التي هي خارج نطاق التناول هنا، وليس مقام الحديث عنها.

ومظاهر التحريف التي قام بها أتباع هذه الكتب تمثلت في تحريف نصوص الكتب، وما جاء فيها من أحكام من خلال تحريف معاني الكلم أو تغييرها عن مواضعها؛ لتتغير أو تنقلب معانيها ودلالتها، التي تتناسب مع أهوائهم ورغباتهم وتحقق مصالحهم. قال تعالى: {يحرفون الكلم عن مواضعه} قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله: “يحرفون الكلم عن مواضعه” أي: يتناولونه على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل قصدا منهم وافتراء.

وقال الإمام الرازي، رحمه الله، في كيفية التحريف وجوه:

أحدها: أنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر.

والثاني: أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ من معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا، بالآيات المخالفة لمذاهبهم، وهذا هو الأصح.

والثالث: أنهم كانوا يدخلون على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به، فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في “إغاثة اللهفان”: قد اختلف في التوراة التي بأيديهم، هل هي مبدلة أم التبديل وقع في التأويل دون التنزيل؟ على ثلاثة أقوال:

قالت طائفة: كلها أو أكثرها مبدل، وقالت طائفة من أئمة الحديث والفقه والكلام: إنما وقع التبديل في التأويل.

قال البخاري، رحمه الله، في صحيحه: يحرفون: يزيلون، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله، ولكنهم يتأولونه على غير تأويله، وهو ما اختاره الرازي أيضا.
وجاء في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿من الذين هادوا﴾ أَيْ: قومٌ ﴿يحرِّفون الكلم عن مواضعه﴾ أَيْ: يُغيِّرون صفة محمَّد صلى الله عليه وسلم وزمانه ونبوَّته في كتابهم ﴿ويقولون سمعنا﴾ قولك ﴿وعصينا﴾ أمرك ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ﴾ كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أسمع ويقولون في أنفسهم: لا سمعت ﴿وراعنا ليًّا بألسنتهم﴾ أَيْ: ويقولون راعنا ويوجِّهونها إلى شتم محمَّد عليه السَّلام بالرُّعونة وذكرنا أنَّ هذا كان سبًّا بلُغتهم ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ مكان قولهم: سمعنا وعصينا وقالوا ﴿واسمع وانظرنا﴾ أَيْ: انظر إلينا بدل قولهم: راعنا ﴿لكان خيرًا لهم﴾ عند الله ﴿ولكن لَعَنَهُمُ الله بكفرهم﴾ فلذلك لا يقولون ما هو خيرٌ لهم ﴿فلا يؤمنون إلاَّ قليلًا﴾ أَيْ: إيمانًا قليلًا وهو قولهم: اللَّهُ ربُّنا والجنَّةُ حقٌّ والنَّارُ حقٌّ، وهذا القليل ليس بشيءٍ مع كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وليس بمدحٍ لهم.

إن تحريف الكلم عن مواضعه آفة يقوم بها الأدعياء والجهلة وأصحاب المنافع الدنيوية منذ وجودها إلى يومنا هذا، ويتخذ التحريف ثلاثة مظاهر:

التدخل في الوحي الإلهي بالحذف والزيادة، اتباعا للهوي أو غلوًا في الدين بالتأويلات الفاسدة والتفاسير الباطلة لما ورد من نصوص الشرعية بدون برهان ولا دليل، بل هو تحريف للكلم عن المعاني لأجل التحريف لأغراض متعمدة ذكرناها في بداية الحديث عن التحريف.

تعطيل العمل بطائفة من الأوامر والنواهي، تعطيل العمل ببعض الكتاب، وتوارث هذا العطل من جيل إلى جيل حتى تنشأ خلوف قاصرة تظن ما أهمل قد نسخ وباد! كما حدث مع علماء قوم نوح – قبل أن يبعث – الذين جعلوا لهم تماثيل ومع مرور الزمن جاءت أجيال فعبدتهم من دون الله.

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: ومن حسن حظنا –نحن المسلمين– إنّ كتابنا محفوظ بعناية الله، فالأصل الذي نحتكم إليه قائم دائم، ومن حسن حظنا أن الإجماع منعقد على أركان الإسلام والأجهزة الرئيسية، التي تتفرع عنها شعبة وقوانينه هنا وهناك.

وهذا في أصل الدين، ولكن وجدت وتوجد نوابت وإن لم تحرف النصوص لحفظ الله لها {إنا نزلنا الذكر وإنا له حافظون}، ولكن حرفت معانيها وتوسعت في تأويلها وإخراجها عن دلالتها ووظفتها لنيل عرض الدنيا أو رضا سلطان، وهذه الصورة من التحريف والتزييف يجب معرفتها وفضحها والتحذير منها حتى لا تسقط الأمة في هذا المستنقع الذي كفره الله وحذر منه، ولعنه قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • ما حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية؟.. الإفتاء: جائز شرعًا ويظهر التعايش أبناء الوطن الواحد
  • ما حكم التيمم لعذر يمنع من استعمال الماء؟.. الإفتاء تجيب
  • حكم تهنئة المسيحيين في عيدهم.. الإفتاء توضح
  • دار الإفتاء: حث الشرع على التزام الصدق وقول الحق في الأمور كلها دون مواربة أو مداهنة
  • حكم التيمم لعذر يمنع من استعمال الماء.. دار الإفتاء تجيب
  • مظاهر تحريف الأديان
  • هل قرآن الفجر قبل الصلاة أم بعدها؟.. 10 أسرار لا يعرفها كثيرون
  • ماذا يفعل القرين عندما تحزن؟.. 7 حقائق ينبغي معرفتها تقيك شروره
  • مختار جمعة: مراتب النوم في لغة القرآن دليل على بلاغته الفريدة
  • مراتب الحزن في القرآن الكريم