هل نستحقّ أن نكون أشقّاء فلسطين؟
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
هل نستحقّ أن نكون أشقّاء فلسطين؟
لو كان هذا الغرب يعرف أنّ لفلسطين أشقاء حقيقيين، لما ظهر أكثر عداءً وتوّحشًا ضدها من الاحتلال الصهيوني نفسه!
الإمارات والبحرين قرّرتا تبنّي الرواية الإسرائيلية في اعتماد المقاومة الفلسطينية الطرف المعتدي على إسرائيل المسالمة الوديعة المدنية!
قرّر الغرب شطب فلسطين من المعادلات الإنسانية والسياسية، فهل يستطيع العالم العربي أن يجاهر برفض هذه العنصرية الاستعمارية؟
الصهيوني ليس وحده يشنّ حرب إبادة غزة، بل يسبقه الغرب العنصري، أميركا والاتحاد الأوروبي، إذ يتسابقان على من يسهم أكثر في إبادة الشعب الفلسطيني.
شرطي مصري أطلق الرصاص على سياح صهاينة يرفعون أعلام إسرائيلية بالاسكندرية بينما يتعرض الفلسطينيون للإبادة تحوّل لإرهابي بنظر تجّار التنوير المتصهين.
التنويريون المزيّفون أشدّ خطرًا على فلسطين وأكثر كراهية لها من الصهيوني الذي يقتل شعبها بالسلاح فيما يقتلها هؤلاء بجرعاتٍ سموم يسكبونها في وعي أجيالٍ ناشئة.
هل تملك دولة أو كل الدول العربية شجاعة إصدار بيانٍ يندّد بوحشية الصهيونية المدعومة غربيًا ويذكّر العالم بأنّ: القضية قضية احتلال أجنبي لشعب يكافح لتحرير وطن وليس لتحسين شروط العبودية؟
* * *
هذا الكيان الاستعماري هو ابن خطيئة الغرب الذي قرّر دسّها في تلابيب جغرافيتنا وتاريخنا، لينمو فوق أجسادنا ويتغذّى على دماء شعبنا، مدعومًا ماليًا وسياسيًا وعسكريًا من أصحاب الخطيئة الأصليين، الذين يعلنون الآن أنّ أكثر من ملياري إنسان من العرب والمسلمين لا يستحقّون الحياة.
يعلنها المستعمر ابن الخطيئة الأوروبية، أنّنا لسنا بشرًا، بل حيوانات بشرية، إبادتها واجبة ومحوها من التاريخ الإنساني ضرورة، رغم أنّ الذي تعامل مع هذا الاحتلال بوصفه نفايات بشرية أقلّ درجة من الحيوانات، هو ذلك الغرب الذي يتحالف الآن ضد الشعب الفلسطيني، انحيازًا لابن خطيئته النازية التي تدحرجت من ألمانيا إلى كلّ دول أوروبا، فراحت تبحث عن مكانٍ للتخلّص منه، فزرعته في فلسطين العربية.
الحاصل الآن أنّ الصهيوني ليس وحده الذي يشنّ حرب إبادة غزة، بل يسبقه في ذلك الغرب العنصري، متمثلًا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذ يتسابقان على من يسهم أكثر في إبادة الشعب الفلسطيني، إن بقطع المساعدات المالية والمادية، أو بتحريك الأساطيل الحربية لإسناد الاحتلال في إزالة غزة من خريطة العالم.
حسنًا، هذه خطيئتهم وتلك عقدتهم التاريخية، فماذا عن عالم عربي يدّعي أنّ فلسطين شقيقته، وأنّها قضيته المحورية؟
من أسفٍ أنّ هذا العالم العربي متورّط بالتواطؤ والصمت في دعم الحرب الصهيونية الغربية على الشعب الفلسطيني، سواء بإحكام الحصار عليه من جهة معبر رفح، أو من خلال الدعم الاستراتيجي المباشر لعدوانه.
كما في حالة الإمارات والبحرين اللتيْن قرّرتا تبنّي الرواية الإسرائيلية في اعتماد المقاومة الفلسطينية الطرف المعتدي على إسرائيل المسالمة الوديعة المدنية، التي تجد لها حاضنة دبلوماسية في كلّ من المنامة وأبو ظبي، أو بالاستمرار في السير على طريق التطبيع، كما في الحالة السعودية التي لا تزال تشهد استضافات حاتمية للوفود الرسمية الصهيونية.
أما ذلك الكيان القومي المتحلّل، المسمّى جامعة الدول العربية، فليس سوى ذلك الصبي جامع الكرات على أطراف ملاعب أصحاب النفوذ المالي من الدول العربية، والذي بقي يتثاءب يومين كاملين أمام دعوة إلى عقد اجتماع طارئ للبحث في موضوع الحرب على غزّة، قبل أن يقرّر "التشاور حالياً لتحديد موعد يراعي ارتباطات أغلبية الأعضاء".
لو كان هذا الغرب يعرف أنّ لفلسطين أشقاء حقيقيين، لما ظهر أكثر عداءً وتوّحشًا ضدها من الاحتلال الصهيوني نفسه، ولو كان يعلم أنّ من الأشقاء من هو مستعدّ لدعم الشعب الفلسطيني بواحد على مائة مما ينفقه على رعاية أندية كرة القدم الأوروبية ودعمها، لما بادر بكلّ وقاحة إلى إعلان منع المساعدات المقرّرة دوليًا عن الشعب الفلسطيني.
ولو كان هذا الصهيوني يدرك أنّ إعلامًا عربيًا يتباهى بالتفوّق المهني على المستوى العالمي يستطيع أن يتّخذ قرارًا بمنع أبواقه من إهانة عشرات الملايين من الفلسطينيين والعرب على الهواء مباشرًة، لما تمادى في صناعة الأكاذيب وترويجها من فوق المنابر العربية، التي تصفع مشاعرنا بحجّة المهنية وشماعة الرأي والرأي الآخر.
لقد قرّر الغرب شطب فلسطين من المعادلات الإنسانية والسياسية، فهل يستطيع العالم العربي أن يجاهر برفض هذه العنصرية الاستعمارية؟
هل تملك دولة عربية واحدة، أو الدول العربية مجتمعًة، شجاعة إصدار بيانٍ يندّد بالوحشية الصهيونية، المدعومة غربيًا، ويذكّر العالم بأصل الحكاية: أنّ القضية هي قضية احتلال أجنبي لأرض عربية لها شعب يكافح من أجل تحرير وطن، وليس من أجل تحسين شروط العبودية للمستعمر؟
أما عن النخب العربية التي تسمّي نفسها مستنيرة وحداثية ومتحضّرة، فهي أكثر شراسةً من الصهيوني في استباحة الذات الفلسطينية والسخرية من هويتها، إذ تتفوّق بعض هذه النخب على الخطاب الصهيوني في تصوير واقع الصراع، لتذهب أبعد منه في تصنيف كلّ مقاومة، وكلّ تعبير عن رفض التغلغل الصهيوني في المدن العربية، باسم السياحة أو الثقافة والرياضة، باعتباره إرهابًا، كما أنّ المعركة التي يخوضها المحارب الفلسطيني ضد الاحتلال إرهاب.
في مصر، مثلًا، تحوّل الشرطي المصري الذي أطلق الرصاص على فوج سياحي صهيوني يرفع الأعلام الإسرائيلية في الاسكندرية، بينما الفلسطينيون يتعرّضون للإبادة في غزة، تحوّل إلى إرهابي بنظر تجّار التنوير المتصهين، الذين نموا وتضخّموا في حظائر التطبيع الثقافي.
هؤلاء التنويريون المزيّفون أشدّ خطرًا على فلسطين، وأكثر كراهية لها من الصهيوني الذي يقتل شعبها بالسلاح، فيما يعاديها ويقتلها هؤلاء بجرعاتٍ من السموم، يسكبونها بانتظام في وعي أجيالٍ ناشئة، يعلمونها أنّ قلب الغريب كقلب أخيك، وأنّ يدًا كان سيفها لك تساوي يدًا سيفها أثكلك.
*وائل قنديل كاتب صحفي مصري
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الغرب أميركا فلسطين العنصرية الصهيونية أشقاء طوفان الأقصى جامعة الدول العربية المقاومة الفلسطينية الشعب الفلسطینی الدول العربیة
إقرأ أيضاً:
خلافات أمريكا وأوروبا.. هل هي بداية انقسام حضارة الغرب وماذا سيفعل عندها العرب؟
صحيح أنّه لا يمكننا الجزم بأن الغرب يشهد حاليا انقساما حادا قد ينتهي بقطيعة بين أبرز مكوناته، لكننا نستطيع أن نتأكد من خلال قراءة حضارية للسياق السياسي الدولي وما وصل إليه في حاضرنا، ونشاهد عيانا كيف أنّ أوروبا والولايات المتحدة بينهما خلافات عميقة قد تأخذ أبعادا أخرى وتعرف انزلاقات حادة في أيّ وقت، خاصة حينما تقود دولها التيارات اليمينية المتطرفة والدينية المحافظة، وينتج عن حكمها وسياساتها الدولية نوع من السقوط الأخلاقي في تعاملها مع الشعوب الأخرى. لقد حدث ذلك تاريخيا إبان الحقبة الاستعمارية ورأينا كيف تحولت إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس إلى مجرد دول قومية صغيرة المساحة وقليلة السكان، بعد أن عاثت في مستعمراتها ظلما ونهبا لعقود طويلة.
وبتكبير رؤيتنا لهذا المشهد الحضاري سيبدو لنا أكثر وضوحا، ويمكننا عندها قراءته بشكل عام من خلال اللحظة التاريخية التي التقطنا منها صوره، نحن نشاهد بأمّ أعيننا إسرائيل، صنيعة أوروبا وأمريكا والمشكّلة من عرقيات غربية بشكل أساس، تتدثر بـ"السامية" المفترض أنها ميزة شرقية، حتى تحمي وجودها وفكرتها الصهيونية، ونرى كيف أن الولايات المتحدة دعمت جيش الاحتلال بأحدث تكنولوجيا السلاح والذخيرة وتواطأت سياسيا على إبادة شعب تريد اقتلاعه من أرضه.
وداخل هذا المشهد لا تخطئ العين المقارنة بين غزة وأوكرانيا، حيث لا يمكن للعقل الإنساني أن يتجاوزها مهما حاول الدوس على ضميره، ولعل هذا ما جعل أوروبا -بشكل عام- تأخذ مواقف رافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة، في مقابل تورّط الولايات المتحدة في سفك دماء الفلسطينيين بمشاركتها المادية إلى جانب جيش الاحتلال الصهيوني، إلى أن جاء ترامب الذي أعطى ظهره لأوكرانيا وحاول التعامل مع غزة بنوع من الوقاحة التي لا تخلو من العقلانية، حيث أنّ عينه كانت على إمكانية الضغط على حماس وترهيبها والأخرى كانت على سلاحها الذي رفضت رفضا قاطعا تسليمه أو التخلي عنه.
"لقد كان ترامب محقّا في كل شيء"؛ عبارة وضعها الرئيس الأمريكي المثير للجدل على قبعة بيسبول حمراء لطالما رافقته ولا تزال، إنها عبارة تختصر عناده واعتداده بتصوراته وقراراته التي لم تشاطره فيها شرائح واسعة من الأمريكان اختارت أن تضع ثقتها في جو بايدن وأن تشكّ في ما سيحققه لها من وعود بدت لها غير قابلة للتصديق، وها هو اليوم ترامب يُذكرها بفداحة خطئها وفظاعة خطيئتها، فهو كان على الدوام على حقّ في كلّ ما حذّر الأمريكان منه (حسب قناعته العمياء طبعا).
وإذ يحاول ترامب كسب شرعية من خلال هذه العبارة يقنع بها الداخل الأمريكي بصوابية تواجهاته الحمائية التي يهدف من خلالها الحفاظ على الاقتصاد الأمريكي عبر فرض المزيد من الرسومات الجمركية على الاقتصاديات الكبرى في العالم، فهو يسعى إلى فرض هيمنة أمريكا في نسختها الترامبية على العالم، بما فيه أوروبا التي تقاسم أمريكا الحضارة والثقافة والعرق والدين والتاريخ، ولا تفرقهما سوى الجغرافيا.
لقد نحت الولايات المتحدة في عهد ترامب إلى اعتبار مصالحها القومية هي المرجع وهي المصلحة الثابتة، ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ربما، تتبنى سياسة خارجية مختلفة تجاه حلفائها في أوروبا وكندا، الأمر الذي يطرح إشكالية بداية تصدع الحضارة الغربية.
على صعيد الاقتصاد، خلقت رغبة ترامب الجامحة في تحصيل المزيد من الأموال من خلال فرض رسوم جمركية على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي ردّ فعل مكافئ ومعاكس في الاتجاه لدى الأوروبيين، الذين أصبحوا أكثر تشككا من استمرار علاقات "أخوية متينة" مع الضفة المقابلة للأطلسي، ومن هنا يبدأ الصدع في الاتساع.
وفي الجانب العسكري نجد أنّ ضغوط أمريكا وتنصلها من الاستمرار في حماية الدول الأوروبية دون مقابل يصر ترامب على أن تدفعه إن أرادت بقاء الغطاء العسكري الأمريكي مستقبلا، وكذلك موقفها تجاه أوكرانيا، كل ذلك سيدفع بدول الاتحاد الأوروبي إلى تفعيل استراتيجية الدفاع المشترك، ما قد يفضي إلى تفكك حلف شمال الأطلسي الذي يشكّل أبرز مظهر عسكري يوحّد الحضارة الغربية، بل حتى على مستوى الدول ربما تلجأ كل دولة على حدة إلى وضع خطط وتصورات بشكل منفرد لأمنها القومي.
لقد تضاعف شكّ أوروبا في روسيا بعد أن غزت أوكرانيا وقطعت كل يقين في بوتين تكون قد عوّلت عليه قبلها، وحسمت دول القارة في مسألة إيجاد مصدر طاقوي بديل يُغنيها عن بوتين نهائيا، وأصبح انعدام الثقة في الشرق هو سيد الموقف، واليوم يبدو أنّ الشيء نفسه سيحدث مع الولايات المتحدة التي يقود ترامب علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي نحو حالة من اليقين ببقاء التهديد الأمريكي أو على الأقل عودته في المستقبل إن لم يستمر، ما يعني أنّ القارة العجوز في بحثها الأكيد عن بدائل اقتصادية وعسكرية لأمريكا ستتقوقع على نفسها أكثر من أيّ وقت مضى بعد أن تتجمد العلاقات غرب الأطلسي أيضا.
"متلازمة بوتين" هذه التي يبدو أنّ أوروبا قد أصيبت بها مجدّدا مع الولايات المتحدة بسبب سياسات ترامب، حيث لا تضمن الأيام حتى وإن ذهب أن تأتي برئيس آخر يشبهه في عناده أو ربما يفوقه في عجرفته، ستلقي بظلالها ليس على الجبهة الأطلسية فحسب، بل على العالم أجمع، وستسعى كل دولة إلى حماية اقتصادها ودعم أمنها واستقرارها لوحدها وبشكل ذاتي بعيدا عن الآخرين.
ولا يمكن لهذا المشهد الحضاري أن يكتمل إلا بطرح سؤال حول منطقتنا ربما يجد جوابا عن مصيرها: أين سيكون العرب في هذه الحالة المستعصية والمتأصلة من الأنانية التي ستسيطر على دول العالم؟ وكيف سينظرون إلى اقتصادياتهم وأمنهم القومي؟ هل سيتشرذمون أكثر مما هم عليه اليوم، أم أنّ رياح التغيير الحضاري قد تهبّ مجدّدا لتفرض ترتيبات جديدة على المنطقة؟