عندما فاز منتخب اليمن على السعودية في نهائي بطولة اتحاد غرب آسيا للناشئين في ديسمبر ٢٠٢١، كان الشعور السائد يشبه شعور الفوز بكأس العالم ولهذا كانت الاحتفالات غير مسبوقة جعلت البلاد تعيش سلاما قصيرا كأنها طوت صفحة الحرب المستمرة منذ تسع سنوات.
إنها فرحة كبيرة طال انتظارها من أجيال متعاقبة وهم يحلمون باليوم الذي يشاهدون فيه منتخب بلادهم في منصات التتويج يجلب لهم أول لقب خارجي في بطولة معترف بها من قبل الاتحادين القاري (آسيا) والدولي (الفيفا)، وقد تحقق ذلك للجيل الحالي ويمكن للأمل أن ينمو في المستقبل.
وفي حالتي شخصيا، فهذه الفرحة طال انتظارها على مدى عقدين، أي منذ كنت في سن الطفولة حينما وصل منتخبنا للناشئين لنهائي كأس آسيا عام ٢٠٠٢ وشعرنا حينها أننا على بعد خطوة من اللقب بعد أن استمتعنا بالأداء والنتائج أثناء البطولة لكن الفرحة لم تكتمل بسبب الخسارة أمام كوريا الجنوبية بركلات الترجيح.
لذلك، كانت احتفالاتنا غير مسبوقة، امتلأت الشوارع العامة بالمحتفلين وأضاءت السماء بالألعاب النارية وأوقدت المشاعل فوق أسطح المباني وكانت الأعلام الوطنية ترفرف فوق السيارات والنشيد الوطني يصدح عبر مكبرات الصوت في مختلف أنحاء البلاد وزادت مظاهر الاحتفالات عقب عودة المنتخب الوطني.
لقد أظهرت هذه المناسبة قدرة كرة القدم على منح الأمل للناس وتعزيز تماسكهم الاجتماعي. وعلى سبيل المثال، حصل اليمنيون على وقت قصير لممارسة حياتهم الطبيعية في الاحتفالات ومعها بلغت المشاعر الوطنية ذروتها في تعزيز التماسك والوحدة والتضامن وتجاوز الانقسام السياسي، بالإضافة إلى سلام مؤقت لعدة أيام بعد سنوات من الحرب التي دمرت كل شيء بما في ذلك الملاعب والأندية.
كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى المفضلة عند اليمنيين على الرغم من لحظات الفرح النادرة التي تجلبها لهم منتخباتهم الوطنية المختلفة والتي تختلف توقعاتهم منها حسب الفئات العمرية؛ فتكون عالية من الناشئين لتميزهم بالموهبة الفطرية والنتائج الجيدة، ثم بدرجة أقل في الشباب وتنخفض بشكل كبير في المنتخب الأول.
تشجيع اليمنيين لمنتخباتهم في المشاركات الخارجية تتجاوز مسألة حلمهم المشروع بالنتائج الجيدة إلى الشعور بالواجب تجاه ممثل الأمة، الذي يستحق الدعم، وقد رأينا مرارا أنهم كانوا يحضرون للمدرجات أكثر من جمهور المنتخب المنافس في أرضه كما في دول الخليج على سبيل المثال.
وبالمثل، يعرف اللاعبون أنهن يحملون “آمال ٣٠ مليون يمني” كما عبر عن ذلك اللاعب حمزة محروس في عدة مناسبات.
وقد يكون هذا الفهم المشترك للعبة على الصعيد الخارجي هو السبب الرئيسي في احتفاظ اللاعبين بدور صانع السلام والتضامن والتوحد خلف العلم الوطني ونبذ الخلافات جانبا في أوقات الانقسامات السياسية والحروب، على الأقل في السنوات التسع الماضية للحرب الحالية، وفي المقابل يقدم المواطنون وخاصة المغتربين في الخارج الدعم المالي لمساعدتهم وتحفيزهم.
يتمنى اليمنيون أن تتعلم قياداتهم السياسية التحلي بالمسؤولية والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق المصلحة العامة مثل لاعبي منتخباتنا المختلفة الذين لم يتأثروا بالانقسام السياسي والذين يبذلون أقصى ما لديهم لجلب الفرحة للناس وإن فشلوا اعتذروا رغم أن ظروفهم تعفيهم بشكل كبير من المسؤولية. ويمكن هنا الإشارة لحديث نجم المنتخب الأول ناصر محمدوه والذي اعتذر فيه للجماهير عن الخروج المبكر من بطولة كأس الخليج العربي التي أقيمت في العراق مطلع العام الجاري.
وفي هذا السياق، لا اتذكر أني قرأت أو سمعت مسؤولا رياضيا يعترف بالفشل أو يعتذر عن الخيبات المتكررة، لكن إذا حققنا نتائج جيدة نادرا نرى تسابق المسؤولين لنسب الفضل لهم كما حصل عقب تتويج منتخب الناشئين، عندما حاولت أطراف الصراع نسب الفوز لها بشكل مثير للسخرية.
ولحسن الحظ، أن أهم إنجازين تحققا للكرة اليمنية ولدا من رحم المعاناة في زمن الحرب؛ أي في وقت حاجة الناس للفرحة والتنفيس، وهذان الإنجازان هما إحراز بطولة اتحاد غرب آسيا للناشئين وهي مسابقة إقليمية وتأهل المنتخب الأول لبطولة كأس آسيا التي أقيمت عام ٢٠١٩، لأول مرة في تاريخه منذ إعادة توحيد البلاد قبل ثلاثة عقود.
إنه حلم آخر تحقق بعد زمن طويل، منح اليمنيين فرحة بدأت من مشوار التأهل في التصفيات وحتى أيام البطولة التي رغم الخروج المبكر منها، إلا أنهم حققوا حلمهم برؤية منتخبهم فيها وتشجيعه لأول مرة بعدما قضوا سنينا في تشجيع منتخبات الدول الأخرى.
تاريخيا كان الأمل في منتخبات الناشئين أكبر من غيرها؛ لأنها حققت النتائج الأفضل سواء من حيث عدد مرات الفوز بالمباريات أو التأهل للمسابقات القارية والدولية، على عكس المنتخب الأول الذي على سبيل المثال لم يحقق فوزا واحدا في بطولة كأس الخليج العربي الإقليمية في عشر مشاركات لعب فيها أكثر من ٣٠ مباراة ولم يكسب سوى ست نقاط هي حصيلة التعادلات.
إذا أردنا المزيد من الأمل والفرحة من الكرة فلابد من استراتيجية شاملة لتطويرها وأولى الخطوات التي يمكن القيام بها في الوقت الراهن إجراء انتخابات لاختيار قيادة جديدة لاتحاد الكرة التي مضى عليها ١٨ عاما، وأن تتولى القيادة القادمة التي ينبغي أن تكون من الوسط الرياضي وضع خطة التطوير بإشراك الخبراء والمختصين.
التعامل مع الكرة على طريقة تحضير الوجبات السريعة لم يعد مناسبا؛ ولابد من إعادة النظر في فترات إعداد المنتخبات للمشاركات الخارجية والتي لا تتجاوز شهر في بعض الأحيان وقد تخلو من مباريات ودية.
وهذا الأمر يشمل النشاط المحلي، حيث يقيم الاتحاد أهم بطولاته في شهرين على غرار الإعلانات التجارية التي تخبرك كيف تكسب شيئا ما خلال هذه المدة، فيدعو ما استطاع من أندية الدرجة الأولى للمشاركة ويوزعها على مجموعتين وهكذا يكون لدينا بطل في ٦٠ يوما.
ماذا تستفيد الأندية واللاعبون من عدد قليل من المباريات؟ يبدو الأمر وكأن الاتحاد يقول للفيفا لقد أقمنا دوري مع أنه لم يفعل ذلك سوى مرتين في السنوات التسع الأخيرة.
ينبغي على المسؤولين ترك الكرة للناس تمنحهم الأمل والفرح كلما أمكن ذلك وهم يتفرغون للسياسة بعيدا عنها وتوظيفها لحساباتهم الشخصية.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق غير مصنف
ان عملية الاحتقان الشعبي و القبلي الذين ينتمون اغلبيتهم الى...
مشاء الله تبارك الله دائمآ مبدع الكاتب والمؤلف يوسف الضباعي...
الله لا فتح على الحرب ومن كان السبب ...... وا نشكر الكتب وا...
مقال ممتاز موقع ديفا اكسبرت الطبي...
مش مقتنع بالخبر احسه دعاية على المسلمين هناك خصوصا ان الخبر...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: المنتخب الأول فی الیمن
إقرأ أيضاً:
اليمن.. تجار البهارات يشكون تأخير شحنها
يشكو تجار البهارات والمكسرات في اليمن من تعرض بضائعهم وسلعهم المستوردة للتلف وتكبدهم خسائر كبيرة بسبب تأخير عملية شحنها وبقائها لفترة طويلة في الموانئ ومنافذ الاستيراد، خصوصاً في ميناء الحديدة شمال غربي اليمن.
تاجر البهارات، جمال أحمد، أكد لـ"العربي الجديد"، أن هناك مشكلة كبيرة ناتجة عن تأخير السلع المستوردة من قبل شركات الشحن وما يسببه ذلك من خسائر يتعرض لها القطاع الخاص، وما ينتج عن ذلك من تبعات تؤثر على المعروض منها في الأسواق.
وتدرس شعبة تجار البهارات والمكسرات في القطاع الخاص وضع مصفوفة بالإشكاليات التي يعاني منها قطاع البهارات والمكسرات والخطوات والحلول لتجاوزها بالتعاون مع الغرفة التجارية والصناعية المركزية بأمانة العاصمة صنعاء قبل عرضها على الجهات العامة المختصة.
تجار البهارات
من جانبه، تحدث تاجر البهارات والمكسرات، علي المفتي، لـ"العربي الجديد"، عن هذه الإشكالية الحاصلة في التأخير والتخزين والنقل التي تؤثر على جودة السلع وعملية تداولها في الأسواق، في ظل إجراءات رقابية مشددة تفرضها الجهات المختصة حول سلامة وصلاحية المنتجات المستوردة.
وتقدر آخر بيانات مسح ميزانية الأسرة في اليمن الصادرة قبل الحرب عن الجهاز المركزي للإحصاء إنفاق الأسر اليمنية على البهارات ومواد العطارة عامةً بنحو 90 مليار ريال سنوياً (الدولار ارتفع من 225 قبل الحرب إلى نحو 1700 ريال حالياً)، في حين يرجّح خبراء في جهاز الإحصاء الحكومي أن هناك زيادة تصل إلى ثلاثة أضعاف هذا الإنفاق السنوي.
يأتي ذلك، في الوقت الذي يحظى فيه المنتج الوطني باهتمام متصاعد خلال الفترة الماضية معززاً بحملات المقاطعة للسلع المستوردة من الدول المساندة والداعمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي مع استمرار عدوانها المتواصل ومجازرها في قطاع غزة.
الباحث الزراعي، بسام قاسم، قال لـ"العربي الجديد"، إن هناك هامش وإمكانيات كبيرة لزيادة المساحة والرقعة الزراعية من هذه السلع، في حال كان هناك اهتمام ودعم وتشجيع من السلطات الحكومية للمزارعين والمنتجين يدفعهم إلى التركيز على منتجات كهذه.
اليمنيون يقبلون على البهارات
ويعتمد اليمنيون كثيراً على البهارات في مأكولاتهم، بخاصة اللحوم بمختلف أنواعها. وبحسب رئيس نقابة الطهاة وعمال المطاعم في صنعاء، محمد عوفان، لـ"العربي الجديد"، فإن مختلف أصناف البهارات مهمة جداً في المطبخ اليمني عموماً، إذ يتفنن الطهاة في المطاعم، والأسر في المنازل في عملية استخدامها بتشكيلات ومقادير معينة في كثير من المأكولات بالأخص اللحوم والدواجن. يركز الطهاة والمطبخ اليمني في هذا الجانب على إعداد حساء اللحوم والدواجن الشهير باسم "المرق" المميز بنكهة البهارات والطعم الجذاب.
ويحظى قطاع المطاعم في اليمن بمزايا عديدة لجذب رؤوس الأموال باعتباره قطاعاً مجدياً للاستثمار مع تكون طبقة ثرية استهلاكية خلال سنوات الحرب في البلاد، تبحث عن الترفيه وسط غالبية سكانية طحنتها الحرب ونال منها الجوع والفقر والبطالة، ولا تجد ما تقتاته في هذه الظروف الحرجة التي يمر بها اليمن.
وتعتبر مواد العطارة والبهارات أعمدة رئيسية في الأسواق اليمنية العتيقة والتاريخية في صنعاء وعدن وحضرموت وتعز ومختلف المدن اليمنية، ومن أهم الأركان الأساسية التي شكلت التجارة اليمنية على مر العصور.