المقاومة تشعل حيفا وتل أبيب وكل مدن الكيان بالصواريخ.. والعدو يخلي مستوطنات الشمال وقتلاه أكثر من 1200 العدو الصهيوني يحاول تجاوز هزيمته بشن حرب إبادة وحشية على غزة.. وأمريكا تشرف على المذابح أكثر من 1055 شهيداً و5 آلاف جريح وتدمير أحياء بأكملها في أعنف قصف صهيوني على غزة

الثورة / فلسطين
لليوم الخامس على التوالي تواصلت معركة طوفان الأقصى، وسط هستيريا الانتقام الصهيوني بشن حرب إبادة للمدنيين في مدينة غزة التي تعرضت لأعنف قصف وحشي من البر والبحر والجو، جاء بعد ساعات من إعلان الرئيس الأمريكي بايدن دعما مفتوحا للكيان الصهيوني، وتوجيهه إلى نتنياهو القيام برد حاسم على حماس وتغيير المعادلة في قطاع غزة.


وصعّد العدو الصهيوني عدوانه الهمجي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بشكل غير مسبوق في اليوم الخامس لعملية «طوفان الأقصى»، مستهدفًا بغاراته الجوية وقصفه البحري والبري والجوي الأبراج والمباني السكنية الكبيرة والمساجد والمؤسسات التربوية والمقار الحكومية، فارضًا حزامًا ناريًا على سكان القطاع في مختلف مناطقه، في محاولة لتجاوز هزيمته وإرهاب الشعب الفلسطيني وتهجيره من القطاع، كما أعلن وزير الدفاع الصهيوني نفسه.
وواصل العدوان الصهيوني عدوانه على قطاع غزة، بأسلوب وحشي وهمجي غير مسبوق، لليوم الخامس على التوالي، مستهدفًا المدنيين في الأحياء السكنية بشكل خاص، وموقعًا مزيدًا من المجازر الدموية، راح ضحيتها مئات الشهداء وآلاف الجرحى من المواطنين الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء.
وصعد العدو الصهيوني من القصف على غزة يوم أمس بشكل هو الأعنف، وكثف بالطيران الحربي غاراته الجوية فشنّ، أمس 11/10/2023، موجة جديدة من الغارات على الأبنية والمنازل السكنية متسببًا بوقوع المزيد من الشهداء والجرحى، حيث أفيد عن انتشال أكثر من 20 شهيدًا من تحت أنقاض المباني المدمرة، قضوا في غارات أمس، فيما ما يزال عدد غير محدد تحت الأنقاض.
ورفع العدو الصهيوني مستوى عدوانه الإجرامي باستخدام القنابل الفوسفورية المحرمة دوليًا، حاصدة المزيد من أرواح المدنيين الفلسطينيين، وأمعنت في إجرامها بفرض حصار ناري شامل على قطاع غزة، يترافق مع استهداف ممنهج للبنى التحتية والأبراج والمباني السكنية الكبيرة ومراكز الخدمات العامة، وشبكات المياه والكهرباء ومحطات الاتصالات والمساجد والمؤسسات التربوية والمقار الحكومية.
وأذاعت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة تحديثات متلاحقة لأعداد الشهداء والجرحى، أفاد آخرها باستشهاد أكثر من 1050 فلسطينيًا وإصابة 5184 آخرين جلّهم من الأطفال والنساء.

مجازر إبادة جماعية بإشراف أمريكي
أعلن المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، أن العدو الصهيوني يرتكب مجازر إبادة جماعية في قطاع غزة، مستخدمًا الفوسفور في عدوانه، في ظل عدم وجود أي تدخل عربي وغربي يوازي حجم العدوان الهمجي.. ولفت محمود في تصريح له إلى حجم المجازر الكبير التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني وآخرها في حي الرمال الذي كان يُعدّ آمنا إلى حد ما.
بدوره، أكد المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أشرف القدرة، أن العدو الصهيوني يتعمّد استهداف الطواقم الطبية والمؤسسات الصحية وسيارات الإسعاف، لإضعاف قدراتها. ولفت إلى أنّ الطواقم الطبية تعمل في ظروف خطرة وغير آمنة، ومع ذلك تصرّ على أداء واجبها باتجاه شعبها، مطالبًا الجهات الدولية باتخاذ خطوات فاعلة لحماية الطواقم الطبية والمؤسسات الصحية وسيارات الإسعاف.

البحرية الصهيونية تشارك بالعدوان
وتشارك البحرية الصهيونية في العدوان على غزة إلى جانب الطيران الحربي والمدفعية البرية، فقصفت الزوارق الحربية أمس ميناء غزة بالصواريخ، ملحقة به دمارًا وأضرارًا بالغة.
إلى ذلك أطلق المكتب الإعلامي الحكومي، نداء استغاثة عاجلاً جدًا؛ طالب فيه المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية والإغاثية، بضرورة التحرك السريع لإيقاف الجرائم ضد الإنسانية وجرائم القتل الجماعي المتعدد الأشكال التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني. وطالب المكتب الإعلامي الحكومي المجتمع الدولي بـ«التداعي لإمداد قطاع غزة بكل أسباب الحياة، وعدم ترك سكانه رهينة أدوات القتل التي يستخدمها الاحتلال».
وأكد المكتب أنّ قطاع غزة يواجه «كارثة إنسانية محققة مع توقف محطة توليد الكهرباء بشكل كامل خلال ساعات جراء نفاد الوقود، ما ينذر بغرق القطاع في ظلام دامس واستحالة استمرار تقديم كافة الخدمات الحياتية الأساسية التي تعتمد جميعا على الكهرباء، ولن يتسنى تشغيلها جزئيا بالمولدات في ظل منع إمدادات الوقود من بوابة رفح».
وشدّد على أنّ: «هذا الوضع الكارثي يخلف أزمة إنسانية لجميع سكان قطاع غزة، يزيد من تفاقمها تواصل عدوان الاحتلال وتدميره لأحياء سكنية كاملة بمئات الأطنان من المتفجرات، وقصف منازل المواطنين فوق رؤوسهم، فيما يمكن وصفه بأنه أقذر جريمة عقاب جماعي ضد المدنيين العزل عرفها التاريخ الحديث»، لافتًا إلى أن هذا الواقع يهدد حياة أكثر من 2.3 ملايين إنسان في القطاع.

إبادة غزة بإشراف أمريكي
المذابح التي يرتكبها العدو الصهيوني بدعم أمريكي وغربي، قد جاءت بعد إعلان بايدن إبلاغ نتنياهو برد حاسم على غزة، مؤكدا دعم أمريكا المفتوح للصهاينة، وتلبية حاجاته من الذخائر، وقال إن ما تقوم به أمريكا هو دفاع عن أمنها أيضاً، وبحسب المعطيات فإن الإدارة الأمريكية تلعب دوراً مباشراً في إدارة المعركة سياسياً وأمنياً وميدانياً، كما أن الدول الغربية توفر دعما سياسيا واسعا وتتبنى دعم الصهاينة في المذابح التي يرتكبونها في غزة.

المقاومة تواصل طوفان الأقصى
وفيما واصل العدو الصهيوني قصفا شاملا على غزة مستخدما القنابل المحرمة ضد المدنيين في غزة مرتكبا مذابح مروعة ووحشية، واصلت المقاومة تصعيدها بشن هجمات صاروخية على كافة مدن الكيان، حيث طالت حيفا وتل أبيب، وقصفت مطار بن غوريون، كما أحدثت ذعرا في أوساط الصهاينة في كافة المدن المحتلة.
وواصلت المقاومة الفلسطينية ضرباتها المسددة على كيان العدو الصهيوني، وردا على المذابح في غزة كثفت من قصفها بالصواريخ على مدن الكيان، حيث قصفت تل أبيب وحيفا وشمال الكيان المحتل، وأمطرت عسقلان برشقات صاروخية متعددة، كما أوقفت الرحلات من وإلى مطار بن غوريون الذي يشهدا تزاحما من الصهاينة لمحاولة الفرار إلى خارج الكيان، وشنت المقاومة قصفا صاروخيا متكررا على المطار، فيما دب الذعر في تل أبيب حين دوت صفارات الإنذار إثر ضربات صاروخية، وأظهرت مشاهد فرار وزيري الخارجية البريطاني والصهيوني إلى الملاجئ، وشهدت حيفا وتل أبيب فوضى وهروبا جماعيا للصهاينة إثر القصف الصاروخي.
واعترف العدو الصهيوني بفشل منظومة «القبّة الحديدية» في اعتراض صواريخ المقاومة المتجهة إلى عسقلان المحتلة، وتحدثت وسائل إعلامه عن انتظار ارتفاعٍ كبير لأعداد القتلى في مستوطنات غلاف غزّة، فيما أعلنت المقاومة الفلسطينية إطلاقها رشقاتٍ صاروخية باتجاه مدينة عسقلان المحتلة، وقالت القناة «الـ14» الإسرائيلية إنّ صاروخاً أُطلق مِن قطاع غزّة «أصاب مباشرةً مبنىً في عسقلان».
وأعلنت «نجمة داوود» الإسرائيلية أنّ إصاباتٍ مباشرة تحقّقت في مدينتي عسقلان وأسدود المحتلتين، نتيجة سقوط الصواريخ، مؤكّدةً وجود إصابات بجراحٍ متوسطة، وبينما كشفت وسائل إعلامٍ إسرائيلية أنّ منظومة القبة الحديدية لم تستطع اعتراض عددٍ من الصواريخ التي سقطت في عسقلان، وأكدت وقوع 12 إصابة مِن جرّاء الرشقة الصاروخية الأخيرة التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية مِن قطاع غزّة.
وأدلى متحدثٌ باسم جيش العدو الصهيوني، بتصريحاتٍ لشبكة «أن بي سي» الأمريكية، مؤكّداً أنّه «لا يزال هناك مقاتلون من المقاومة حماس داخل الأراضي المحتلة، وتجري معهم اشتباكات محدودة»، ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن «قوات الإنقاذ» الإسرائيلية أنّه قد يرتفع عدد القتلى الصهاينة في مستوطنات منطقة غلاف غزة، وذلك نتيجة معركة «طوفان الأقصى المستمرة» «هناك كيبوتسات كاملة في غلاف غزة لم ندخل إليها بعد»، وذكرت القناة «الـ12» الإسرائيلية أنّه على الرغم من القصف العنيف وغير المسبوق الذي تتعرض له غزّة، «نرى أنّ إطلاق الصواريخ لا يزال مستمراً»، في حين أكّدت القناة «الـ13» الإسرائيلية أنّ إطلاق الصواريخ مِن قطاع غزّة لا يتوقف.
وأوردت القناة «الـ13» أنّ رشقاتٍ صاروخية أُطلقت نحو مستوطنات «كريات غات» ومحيطها، وتناقل الإعلام الإسرائيلي سماع إطلاق نارٍ في مستوطنة «سديروت»، كاشفاً أنّ وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، «عالقٌ هناك ولا يسمح له بالخروج»، كما تمّ الطلب من المستوطنين في المستوطنة الدخول إلى الأماكن المحصنة بعد سماع إطلاق نارٍ في المدينة.
كتائب الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة حماس، أعلنت بدورها أنّ مدينة عسقلان المحتلة تحترق بفعل الرشقات الصاروخية القسّامية، وأنّ الصواريخ تصل إلى المدينة مع غياب صفّارات الإنذار، وفشل القبة الحديدية، كما تبنّت الكتائب إطلاقها صاروخي أرض-جو من طراز «متبر1» تجاه طائرات الاحتلال في سماء مدينة خان يونس، الواقعة جنوبي قطاع غزّة.
مِن جهتها أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، قصف مستوطنة «سديروت» برشقةٍ صاروخية حقّقت دماراً كبيراً، حيث اعترفت وسائل إعلام إسرائيلية بإصابات مباشرة لمنازل في المستوطنة، كما أعلنت توجيه ضربات صاروخية مكثفة تجاه «تل أبيب» وأسدود وعسقلان والمدن والمستوطنات في غلاف غزة.
وأعلنت المقاومة تنفيذ ضربات صاروخية على قوات العدو الصهيوني في الضفة الغربية، فيما تحدثت مصادر عن وجود اكثر من مليون صهيوني في الملاجئ، وأشارت إلى أن الفوضى تعصف بالكيان اليهودي، وأن الذعر يخيم في كافة مدنه، مشيرة إلى فرار جماعي من قطعان المستوطنين إلى خارج الكيان.
وشهدت مستوطنات الشمال ذعرا طيلة يوم أمس، بعدما نفذ حزب الله عملية قصف استهدفت تجمعا لجنود العدو في إحدى مواقعهم، فيما ساد التخبط الصهيوني مساء أمس في مستوطنات الشمال على حدود لبنان، حينما أعلن الكيان عن إطلاق مسيرات وتنفيذ إنزال شراعي داخلها، ليتراجع ويعلن عدم حدوث ذلك.
ولا يزال العدو الإسرائيلي متخبّطاً ومرتبكاً بشأن ما جرى في الشمال في الساعة الأخيرة من مساء أمس، بحيث أكّد وجود خلل تسبب في حالة من الذعر على مستوى «إسرائيل». بعدما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأنّ هناك اقتحاماُ لطائرات شراعية تحمل مقاتلين ومسيّرات من لبنان إلى شمال فلسطين المحتلة.
وقال الإعلام الإسرائيلي إنّ هناك عملية إنزال شراعي نفّذها كوماندوز من جنوبي لبنان إلى مستوطنات شمال فلسطين المحتلة. وأكّد أنّ صفّارات الإنذار أُطلقت في الجليل الأعلى والجليل الأسفل والجليل الغربي والجولان بسبب اختراق سرب المسيّرات.
وأكد الإعلام الإسرائيلي بعد ذلك إزالة شبهة خطر اختراق مسيرات إلى الشمال من لبنان، مشيرةً إلى أنّ «هناك خلل كما يبدو ويتم فحصه»، الأمر الذي أكّده الناطق باسم «جيش» الاحتلال الإسرائيلي، وأردف الإعلام الإسرائيلي أنّ «الإنذارات العديدة من قيادة الجبهة الداخلية في الشمال التي تسببت في حالة من الذعر على مستوى إسرائيل يشتبه في أنّ سببها حادثة سايبر».
وفي السياق، ذكر الإعلام الإسرائيلي، أنّ أكثر من مليون إسرائيلي في الشمال موجودون الآن في الملاجئ بعد أن طلب منهم التوجّه فوراً إليها والتزوّد بماء وطعام ومعدات اتصال حتى إشعار آخر»، كما طُلب من المستوطنين ملازمة أماكن سكنهم وإقفال الأبواب وإطفاء الأضواء.
وفي وقتٍ سابق أمس، ردّت المقاومة الإسلامية – حزب الله في لبنان- بشكل حازم على الاعتداءات الإسرائيلية، مشيرةً إلى أنّ مجاهديها استهدفوا، صباح أمس، موقع «الجرداح» الصهيوني في مقابل منطقة الضهيرة، وأشار البيان إلى أنّ «الاستهداف تمّ بالصواريخ المُوجّهة، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الإصابات ‏المؤكدة في صفوف قوات العدو»، وجددت المقاومة تأكيدها أنها «ستكون حاسمة بردّها على الاعتداءات الإسرائيلية ضد بلدنا وشعبنا، وخصوصاً عند سقوط شهداء».
إلى ذلك، أفادت هيئة البث الإسرائيلية، أمس، بارتفاع عدد القتلى الصهاينة إلى نحو 1200، في ظل استمرار ملحمة «طوفان الأقصى»، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، السبت الماضي، وذكرت هيئة البث الإسرائيلية عبر حسابها على موقع «إكس» (تويتر سابقاً)، أنّ «عدد القتلى الإسرائيليين ارتفع إلى نحو 1200 قتيل وأكثر من 2900 مصاب».
بدورها، أكدت صحيفة «يديعوت أحرنوت» أنّ عدد القتلى الإسرائيليين يتجاوز الـ1200، وأنّ الأسرى لدى حركة «حماس» في قطاع غزة يزيد عددهم عن 200، وفي السياق، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية، عن أهالي الأسرى الإسرائيليين، تحذيرهم رئيس كيان العدو، إسحاق هرتسوغ، من أنّه إذا لم يعُد أبناؤهم «فسنزلزل إسرائيل، إذا تطلّب الأمر، ولن نقبل تركهم في غزة».
وتحدث الإعلام الإسرائيلي عن تزايد الغضب والإحباط وسط عائلات «غلاف غزة»، وأهالي الأسرى الإسرائيليين، فيما وجّه المستوطنون، في مستوطنات «غلاف غزة»، انتقادات قاسية إلى المؤسستين الأمنية والعسكرية للعدوان.
ورغم مرور خمسة أيام من طوفان الأقصى، إلا أن العدو الصهيوني ما يزال عاجزاً عن استيعاب صدمته مما أحدثته طوفان الأقصى من رعب وهزيمة وفشل، بل وحسب متابعين لم يستطع إحصاء خسائره حتى اللحظة، وأنه يحاول بالمذابح في غزة تعويض هزيمته وفشله في تحقيق أي تقدم ميداني باتجاه مستوطنات الغلاف التي لم يستطع الدخول إليها حتى اليوم، للملمة قتلاه وخسائره هناك.

خامس أيام طوفان الأقصى.. غزة لا تستكين للإبادة الصهيونية.. والذعر يخيَّم على الكيان السابق 1 من 4 التالي

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة الإعلام الإسرائیلی العدو الصهیونی الإسرائیلیة أن طوفان الأقصى فی مستوطنات وسائل إعلام فی قطاع غزة عدد القتلى غلاف غزة على غزة أکثر من فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

طوفان الأقصى: السياسي والإيديولوجي


يمكننا، كما استخلصنا بعض السمات التي أفرزها طوفان الأقصى من جانب تعامل الطغمة الصهيونية والأمريكية معه، نريد التوقف على الجانب العربي بهدف النظر في كيفية تعاطيه مع القضية الفلسطينية عموما، وحدث 7 تشرين الأول/ أكتوبر بصفة خاصة.

 لقد تصرف العرب عموما مع الحدث، وكأنه بعيد عن انشغالاتهم وهمومهم بالقدر الذي يتطلبه هذا الحدث العظيم. ولم يطرأ التغيير في مواقفهم منه إلا بعد أن طرح ترامب مسألة تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، حيث بدأت القضية لديهم تأخذ مسارا آخر. فكان الإجماع الذي افتقدته القضية منذ مدة طويلة.

 قد تتعدد تفسيرات الواقع العربي، حكومات، وشعوبا، وأحزابا والتحولات التي أدت إلى المواقف من القضية الفلسطينية عكس ما وقع مثلا في 1973. لكني أريد الذهاب إلى البحث في الذهنية التي تتحكم في التصور العربي، ولا سيما لدى من ظلت القضية الفلسطينية تمثل لديهم أولوية في الصراع ضد الاستيطان، والهيمنة الأمريكية. وأقصد بصورة خاصة الأحزاب المعارضة، والنقابات، والمثقفين على اختلاف طوائفهم وألوانهم. وللقيام بذلك سأميز بين الإيديولوجيا والسياسة لأنني أرى هذا التمييز المدخل الطبيعي والضروري لفهم وتفسير ما جرى.

أعتبر السياسة فن إدارة وتدبير الوجود البشري لتحقيق المكاسب. أما الإيديولوجيا فنشر أفكار، والدفاع عنها باستماتة بهدف كسب الأنصار. إن الإيديولوجي الذي يمارس السياسة يعمل بدون وضع الزمن وتحولاته في نطاق ممارسته. إن ما يهمه بالدرجة الأولى هو تقديم تصوره الإيديولوجي الذي يتبناه ويظل يدافع عنه. والعرب لم يكونوا يمارسون السياسة ولكن الإيديولوجيا. إن الإيديولوجيا العربية، أيا كانت منطلقاتها ومقاصدها، هي ما يمارسه العرب في علاقتهم فيما بينهم، فتجد الفرقة بينهم تتخذ بعدا دينيا وطائفيا (سنة، شيعة)، وجغرافيا وحدوديا (شمال وجنوب، وغرب وشرق)، وسياسيا (حكومات وحركات). وكل منهم يرى أن إيديولوجيته هي التي تمتلك الحقيقة، والآخر ضال. وفي ضوء هذا التمايز تتخذ المواقف ضد أو مع ما يجري في الساحة العربية داخل كل قطر عربي، وبين الأقطار العربية. وهذه المواقف هي التي تتحدد في العلاقة مع الصهيونية وأمريكا خارجيا، حيث الرضوخ لهما بدعوى التحالف أو اتخاذ الحياد السلبي، أو التصريحات المجانية.

يبدو لنا ذلك بجلاء في المواقف الفلسطينية أولا من طوفان الأقصى. لقد اعتبرته السلطة الفلسطينية خطأ لأنه أعطى لإسرائيل الذريعة لتدمير غزة، وشاركتها الدول العربية الموقف عينه بصورة أو أخرى، وهو الموقف الذي اعتمده الغرب أيضا، وهو يصطف إلى جانب الأطروحة الصهيونية ــ الأمريكية. لقد تم التعامل مع الحدث على أنه عمل حركة إرهابية هي حماس ضد دولة معترف بها عالميا، ولم يكن التعامل معه باعتباره وليد صيرورة من الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي. وأنه لم يأت إلا ضد ما كانت تمارسه السلطات الصهيونية ومستوطنوها في القدس، وما ظلت تقوم به لتصفية القضية نهائيا، وخاصة منذ ولاية ترامب الأولى التي دعا فيها إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مدعيا جعلها عاصمة أبدية لإسرائيل، متنكرا بذلك لكل القرارات الأممية حول القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، وحل الدولتين.

أمام عدم انخراط الضفة الغربية في طوفان الأقصى، وهو ما كانت تخشاه إسرائيل، ملأت جبهات الإسناد الساحة، وقامت بدورها في دعم المقاومة في غزة، فبدا طوفان الأقصى وكأنه وليد إملاءات إيرانية، فاستغل هذا عالميا، وخاصة من لدن إسرائيل وأمريكا لتحوير الحرب الحقيقية من كونها قضية وطن إلى حرب بالوكالة لفائدة إيران التي صارت قطب «محور الشر». فكانت الاغتيالات لهنية في طهران، وبعد ذلك لرموز حزب الله وحركة حماس ليست نهاية لطوفان الأقصى بل لتأجيجه ودفعه في اتجاه مناقض لما كانت تحلم به إسرائيل التي توهمت أن القضية الفلسطينية ليس وراءها سوى إرهابيين يكفي القضاء عليهم لإنهاء القضية وإقبارها إلى الأبد.

لكن الصمود الوطني الأسطوري للمقاومة دفعها إلى القبول بوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وبعد ذلك في غزة. وخلال هدنة تبادل الأسرى والمختطفين تفرغت الآلة الجهنمية الصهيونية للضفة الغربية مستهدفة تهجير المواطنين وتدميرها كما فعلت في غزة. ومع التحول الذي عرفته سوريا، ونهاية «الممانعة» التي كانت تمنع من المواجهة مع العدو، ها هي إسرائيل تهدد أمن بلد خرج للتو من كابوس مرعب بدعوى السيمفونية النشاز: حماية أمنها القومي؟ إسرائيل شعب الله المختار عليه أن يحافظ على أمنه الذي عليه تكدير أمن «جيرانه» غير المحتملين، وتنغيص الحياة عليهم. هذه هي السياسة الصهيونية التي تنبني على إيديولوجية التسلط والهيمنة.
يبدو لنا ذلك بجلاء في المواقف الفلسطينية أولا من طوفان الأقصى. لقد اعتبرته السلطة الفلسطينية خطأ لأنه أعطى لإسرائيل الذريعة لتدمير غزة، وشاركتها الدول العربية الموقف عينه بصورة أو أخرى، وهو الموقف الذي اعتمده الغرب أيضا،
إن كل هذا نتيجة الخلاف الإيديولوجي بين مكونات المقاومة الفلسطينية الذي ظلت إسرائيل تغذيه وتفرضه طيلة كل عقود الصراع. ولا فرق في ذلك من يحمل السلاح لأنه إرهابي، ومن يخضع للهيمنة الصهيونية باسم سلطة لا حق لها في ممارستها. فكلاهما غير مرغوب فيه لأن إسرائيل للإسرائيليين وليست لأي عربي. هذا الدرس لم يفهمه بعض الفلسطينيين والعرب الذين اتخذوا مواقف مضادة من طوفان الأقصى. وهو الدرس الأكبر الذي يقدمه الطوفان لمن لم يريدوا فهم طبيعة الكيان الصهيوني وأسطورته الإسرائيلية، وهو ما يبدو حاليا بشكل أجلى منذ انتخاب ترامب في ولايته الثانية. وهو ما ظل يصرح به أبدا سموتريتش وبن غفير بوقاحة وجرأة وطغيان وعنصرية مقيتة.

يمارس الفلسطينيون بمختلف تياراتهم واتجاهاتهم السياسة، ومعهم كل الأحزاب والمنظمات الحقوقية والأهلية العربية من منظور حركات التحرر العالمية في الستينيات، أي في ضوء تصورات إيديولوجية معينة. ومواقفهم من بعضهم البعض تتأسس على قاعدة: من ليس معي، فهو ضدي. إنها القاعدة التي لا يتولد منها سوى الحقد الإيديولوجي، والاقتتال الداخلي، والصراع المستدام. إنهم لا يميزون بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية. بل إن ما هو ثانوي يصبح لديهم أساسيا، وفي المستوى الأول، بينما التناقض الرئيسي يقبع في الخلفية. ولذلك نجدهم يُرهِّنون تناقضاتهم الداخلية الخاصة، وتحتل المكانة الكبرى أمام ما تمثله تناقضاتهم مع عدوهم الخارجي التي تصبح وكأنها غير موجودة. يغذي العدو هذه التناقضات، ومن مصلحته إدامتها لبسط هيمنته، وإدارته الصراع بما يخدم مصلحته.

تبدأ ممارسة السياسة لدى الفلسطينيين إذا ما جمدوا تناقضاتهم الداخلية، ووجهوا التناقض نحو العدو المشترك. في هذا التجميد يكمن الحس الوطني الحقيقي في بعده الديمقراطي والوحدوي الذي تهمه قضية الوطن عبر وضعها فوق أي اعتبار. أما تبادل الاتهامات وادعاءات تمثيل الشعب الفلسطيني فليس سوى خطابات جوفاء لا قيمة لها لأنها تعبير عن إيديولوجيا زائفة.

إن الدرس الأكبر الذي نستنتجه من الحدث الأكبر طوفان الأقصى، والذي هو في الحقيقة حلقة من حلقات ما يمكننا تعلمه من تاريخنا الحديث في صراعنا مع الآخر، أي من الاستعمار التقليدي إلى الجديد يدفعنا إلى تأكيد أن ما قلناه عن الفلسطينيين ينسحب على العرب حكومات وشعوبا وأحزابا ومنظمات مختلفة. إن التناقض الرئيسي ليس مع من يختلف معنا، ويعارضنا، إنه ضد التبعية، والتخلف، والتفرقة، والتأخر عن العصر الذي نعيش فيه. إنه ضد الآخر الذي يسعى لإدامة التفرقة بين الدول والشعوب، وإشاعة الفتنة، ونهب ثروات وخيرات البلاد العربية، والحيلولة دون تقدمها. إنه ضد الطائفية والعرقية والظلامية، ومع حرية المواطن وكرامته وعزته في وطنه، ووحدة الأوطان، وتعزيز التعاون والتقارب بينها لما فيه الخير للجميع.

إذا لم تكن السياسة فن إدارة التدبير من أجل الحياة الكريمة فإنها ليست سوى إيديولوجيا توليد التناقضات وتفريخ الصراعات، وإشعال النزعات وإشاعة النزاعات، ويكفي النظر إلى ما يمور به واقعنا لتأكيد أن الإيديولوجي مهيمن في حياتنا على السياسي.

لقد كشف طوفان الأقصى حقيقة واقعنا مع ذاتنا ومع الآخر. فإلى متى يظل يلدغ المؤمن من الجحر مرتين؟

مقالات مشابهة

  • ألمانيا تطالب الكيان الصهيوني برفع القيود على دخول المساعدات لغزة
  • قوات العدو الصهيوني تقصف مناطق متفرقة من قطاع غزة وتتوغل في رفح
  • رمضان في غزة على وقع التنصل الصهيوني.. صيام دائم وحرمانٌ من أبسط متطلبات العيش
  • معاذ أبو شمالة: اليوم التالي للحرب لن يكون إلا فلسطينيًا خالصًا
  • العدو الصهيوني يقتحم الأقصى خلال أداء صلاتي العشاء والتراويح
  • صنعاء.. انعقاد المؤتمر الدولي “فلسطين: من النكبة للطوفان – أهمية دور المقاومة الفلسطينية في منع التهجير”
  •   صنعاء : انعقاد المؤتمر الدولي فلسطين: من النكبة للطوفان - أهمية دور المقاومة الفلسطينية في منع التهجير
  • العدو الصهيوني يقرر منع دخول المساعدات الإنسانية لغزة
  • طوفان الأقصى: السياسي والإيديولوجي
  • دول المنطقة تتحمل عبء إعادة إعمار غزة دون الاحتلال أحد بنود الخطة العربية:حماس تطالب الوسطاء بالضغط على العدو الصهيوني للدخول في المرحلة الثانية