يتبجح المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، بمقطع غارة شنها جيشه على الجامعة الإسلامية في مدينة غزة، التي وصفها أنها "تعمل مركزا مهما للقوة السياسية والعسكرية في التنظيم الإرهابي، وتعمل لتأهيل وتدريب وتطوير وإنتاج الوسائل القتالية".

عندما يخرج "واجهة" جيش ليتغنى بتدمير جامعة، فهذا يعني أن تل أبيب لم تعُد تكترث لشيء إلا لتدمير غزة، عبر استخدام القوة الغاشمة وتدمير المباني وقتل المدنيين وقصف المستشفيات والمساجد، وقطع الكهرباء والماء عن المدنيين في محاولة -على ما يبدو- لتركيع القطاع وكسر صموده.

#فيديو جيش الدفاع يدمر الجامعة الإسلامية في مدينة غزة، والتي تعمل كمركز تأهيل وتدريب رئيسي لمهندسي حماس

الجامعة الإسلامية التي كان من المفترض ان تعمل لترسيخ العلم والتقدم في غزة أصبحت تحت حكم حماس الى مركز مهم للقوة السياسية والعسكرية في التنظيم الارهابي وتعمل لتأهيل وتدريب… pic.twitter.com/jjEbuOEcsw

— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) October 11, 2023

وإزاء كل هذا بات السؤال ملحا، هل هذه الخطوات تمهيد لغزو القطاع بريا وإعادة احتلاله عسكريا؟

يجيب موقع "بلومبرغ" الإخباري الأميركي عن السؤال بأن "الإسرائيليين ومؤسسة الأمن القومي ينشدون الانتقام من الهجمات التي نفذها مسلحو حماس، التي أودت بحياة أكثر من 1000 إسرائيلي نهاية الأسبوع".

لكن هذا الانتقام دونه عقبات، حسب الصحيفة التي تشرح أن "الغزو البري سيكون معقدا بسبب الكثافة السكانية في غزة وشبكة الأنفاق تحت الأرض، والخطر الذي قد يشكله على الإسرائيليين والأميركيين وغيرهم من الرهائن".

وفي السياق ذاته يذهب وزير الدفاع الأميركي السابق، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية ليون بانيتا، الذي أكد -أمس الثلاثاء- أن "المشكلة هي أنه في الأساس يكون هناك قتال من منزل إلى منزل، بمجرد دخولك إلى غزة".

لكن بانيتا يستدرك قائلا، إن "الثمن قد يكون باهظا، ولكنني أعتقد أن إسرائيل اتخذت القرار بسحق حماس في غزة".

يبدو أن القرار شيء والواقع أمر آخر، خاصة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي غيرت المعادلات ونشرت المفاجآت إسرائيليا، وشرق أوسطيا وعالميا.

وفي خضم ذلك، يطرح استفسار عن قدرة الاحتلال سياسيا واجتماعيا وإستراتيجيا على تحمل تداعيات هذه الحرب، ومخاطر تصاعد الصراع إلى حرب إقليمية أوسع.


يرى مسؤول أميركي -رفض الكشف عن اسمه وتحدث لموقع "بلومبرغ"- أن "ما سيلي الغزو البري قد يشبه معركة الفلوجة في العراق في 2004، التي شهدت قتالا دمويا من شارع إلى شارع. وقد تكون المقاومة في غزة هائلة، خاصة إذا قدمت الدول المجاورة الدعم والتعزيزات".

مؤشرات على الأرض

ولم يعلن الاحتلال بعد أنه سيرسل قوات برية إلى غزة، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدد بأن "ما سنفعله بأعدائنا في الأيام المقبلة سيتردد صداه لأجيال".

وتشير التطورات والمؤشرات على الأرض، إلى أن إسرائيل تخطط لشيء كبير؛ لأن جيشها يبني قاعدة بجوار قطاع غزة لاستيعاب عشرات الآلاف من الجنود، بينما تتحرك أرتال الدبابات الإسرائيلية نحو المنطقة، كما حشدت البلاد بالفعل 300 ألف جندي احتياطي، وهو العدد الأكبر في تاريخها.

وحتى وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، المقرب من نتنياهو أكد أن بلاده "ستعمل على شل قدرة الإرهابيين"، دون الكشف عن كثير من التفاصيل.

وما لم يقله نتنياهو ووزيره، كشفته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بأن تل أبيب أبلغت مصر بأن الجيش الإسرائيلي يمهد لحملة برية ضد قطاع غزة تستمر لأشهر عدة.


قناعة متزايدة

ويشير موقع "بلومبرغ" إلى أن "هناك قناعة متزايدة في إسرائيل بضرورة شن غزو بري؛ لأن الضربات الجوية لن تنجح في تدمير الأنفاق ومخزونات الأسلحة تحت الأرض وطرق التهريب، التي جعلت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول ممكنا".

ويشرح المدير السابق لوكالة الأمن القومية الأميركية، الجنرال المتقاعد كيث ألكسندر، كيف أنهم "في مرحلة ما، سيتعين عليهم (الإسرائيليين) الدخول (بريا إلى غزة).. يمكنهم القيام بعمليات محدودة، لكن هذه منطقة كبيرة سيكون من الصعب احتلالها، وتحتاج إلى عدد كبير من عناصر الجيش للبقاء فيها".

ومن المرجح أن يؤدي القتال من شارع إلى شارع في غزة، حيث يتجمع مليونا ساكن إلى وقوع خسائر فادحة في صفوف المدنيين.

وعن هذا الأمر يقول الجنرال السابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، ويليام آشر، إنه "كلما طال أمد الاحتلال، زاد انحسار الدعم لإسرائيل وزاد الضغط على الدول العربية من شعوبها.. من الممكن أن يتحول هذا إلى كارثة سياسية، ويضرب علاقات تل أبيب مع الدول التي تربطها بها علاقات".

هذا كله ناهيك عن عشرات الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، التي هددت بأنها مستعدة لقتل رهينة في كل مرة تقصف فيها إسرائيل منازل المدنيين في غزة دون سابق إنذار، والأهم ما مصيرهم المحتمل في أي توغل بري غير معلوم النتائج؟

احتلال غزة

وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أكثر وضوحا في أحد مقالاتها، إذ طالبت بشكل واضح وصريح باحتلال غزة، لأن "الصدمة الناجمة عن هجوم حماس بدأت بالتلاشي، والغرض من الإجراء الإسرائيلي لا يزال غامضا، سواء كان ذلك تحجيم القدرات العسكرية للجماعة الإرهابية، أو إسقاط نظام حماس".

وطرحت مقاربة مختلفة وغريبة -في مقال نشر بصحيفة "تلغراف" البريطانية- دعا فيه الكاتب باستخدام "القوة المفرطة لضرب حماس".

وتابع أنه "لا يمكن إيقاف حماس إلا بالهزيمة. وهذا يعني سحق إرادتها في المقاومة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال القضاء على المقاتلين بأعداد كبيرة وتدمير القدرة القتالية. وإذا أخفقت إسرائيل في القيام بذلك، فسيؤدي ذلك إلى صراع لا نهاية له، يموت فيه عدد أكبر من الأشخاص من كلا الجانبين".

ومضى أن "عواقب مثل هذه النتيجة تذهب إلى ما هو أبعد من هذا الصراع المباشر. رأينا كيف أدى انسحاب الغرب المهين من أفغانستان في 2021 إلى تشجيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على غزو أوكرانيا بعد 6 أشهر. ونحن الآن نجازف بتشجيع جهات في الشرق الأوسط، التي لا تسعى إلى ضرب حلفائنا فحسب، بل إلى تدميرهم بشكل دائم".

I am appalled by anyone who would blame Israel for the ongoing situation in the Middle East.

Iran and Hamas do not want a two-state solution, they want a one-state solution. They want to destroy the Jewish State.

We’re in a religious war and I unapologetically Stand with… pic.twitter.com/8DXHlMyE5m

— Lindsey Graham (@LindseyGrahamSC) October 11, 2023

ودعوات "سحق" غزة لم تأت من كتاب أو صحف غربية فقط؛ بل من الساسة أيضا، إذ دعا السيناتور الأميركي الجمهوري، ليندسي غراهام، لـ "سحق" غزة.

وتابع موجها حديثه للقادة الإسرائيليين، "افعلوا كل ما يلزم لحماية أنفسكم.. نحن الآن في حرب دينية، وأنا أساند ⁧‫إسرائيل‬⁩".

النووي وكرامة إسرائيل

ولم تتوقف "جوقة" الهجوم عند حد التدخل البري والإبادة الجماعية والأرض المحروقة، فللنائبة في الكنيست عن حزب الليكود الحاكم، "تالي" جوتليف، سيناريو آخر لـ "رد الكرامة لإسرائيل".

טיל יריחו! טיל יריחו! התרעה אסטרטגית. לפני ששוקלים הכנסת כוחות.
נשק יום הדין! זו דעתי.
ה׳ ישמור את כוחותינו כולם.

— טלי גוטליב (@TallyGotliv) October 9, 2023

إذ طالبت جيش الاحتلال باستخدام الحرب النووية ردا على هجمات حماس.

وتابعت "المحامية المتخصصة بحقوق الإنسان" -على حسابها في منصة "إكس"-  "أحثكم على القيام بكل شيء واستخدام أسلحة يوم القيامة بلا خوف ضد أعدائنا.. يجب أن تستخدم كل ما في ترسانتها".

وواصلت "انفجار يهز الشرق الأوسط وحده، سيعيد لهذا البلد كرامته وقوته وأمنه.. إطلاق صواريخ قوية بلا حدود لا تترك حيا بالأرض فقط، بل تسحق غزة وتسويها بالأرض وتضربها دون رحمة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

حماس فكرة أم حقيقة صلبة على الأرض؟

 

الاعتراف بالهزيمة والفشل مسألة غاية في الصعوبة، خصوصا من كيان يمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة وجيشاً مدرباً على أحدث التقنيات والتكتيكات العسكرية. لكن ماذا يعني الاعتراف المتكرر بأن حماس فكرة لن تختفي، سواء كان ذلك على لسان الناطق باسم جيش الاحتلال “دانيال هغاري”، أو على لسان “بيني غانتس”، العضو السابق في حكومة الحرب المنحلة -زعيم معسكر الدولة المعارض-، الذي قال بأن حماس فكرة لا يمكن القضاء عليها، ولكن يمكن القضاء على تطبيقاتها؟
عبارة غامضة لا تختلف عما قاله هغاري عندما أكد استحالة القضاء على حركة حماس؛ مطالبا الحكومة التي يترأسها نتنياهو بتقديم رؤية واستراتيجية لليوم التالي للحرب، ذلك أن اليوم التالي إن أطل برأسه فإن حماس لن تغيب عنه، بل ستكون حاضرة في تفاصيله وفي تفاصيل الرؤية والاستراتيجية المقترحة إسرائيليا وأمريكيا.
فكرة حماس التي لن تهزم، أقر بها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي قبل أشهر قليلة، داعيا الكيان المحتل لضرورة إعداد خطة لليوم التالي للحرب، الأمر الذي يعجز الاحتلال عن صياغته؛ لغياب البدائل الممكنة أو القادرة على الصمود في وجه المقاومة الفلسطينية كقوة صلبة، وفي مواجهة الفكرة التي تمثلها حماس كمقاومة وثقافة ملتصقة بالحاضنة الاجتماعية.
تكرار العبارة “حماس فكرة”، إقرار غير مباشر وصريح بالفشل والعجز عن إقصائها وهزيمتها كحركة مقاومة فلسطينية، إلا أن التعامل مع هذه الحقيقة، مازال يتم بوضع سياق طويل من المقترحات لمواجهة الفكرة التي تمثلها حماس، إما لمحاصرتها واحتوائها، وإما بهزيمتها بأدوات عسكرية وسياسية وبمجهود دولي وأوروبي، والأهم عربي، وهي رؤية تتجاهل الموقف الدولي المنكشف لأمريكا والاحتلال الإسرائيلي بعد المجازر المقترفة في قطاع غزة، في مقابل صمود المقاومة وتجذر فكرتها في الإقليم، وتحولها إلى أيقونة تعوزها تحالفات إقليمية يصعب القفز عنها أو فصل ساحاتها، وأخيرا صراع وتنافس دولي لن يسمح لأمريكا و”إسرائيل” بحسم المعركة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، التي تخوض مواجهة مع الصين وروسيا.
فكرة حماس تدعمها بيئة دولية وإقليمية يغلب عليها الاستقطاب والصراع، وصمود يكاد يتم شهره التاسع منتقلا إلى الشهر العاشر، فما بعد رفح التي راهن على اجتياحها نتنياهو، مازالت حماس القوة الفاعلة والمؤثرة في الميدان وفي الإقليم؛ كونها أحبطت مخططات الاحتلال في الحسم، وأعجزته عن رسم ملامح المرحلة بتعزيز انقساماته وتناقضاته الداخلية.
حركة حماس بهذا المعنى، تجاوزت كونها فكرة نحو كونها حقيقة مادية واقعة على الأرض ومؤثرة في فضائها المحلي والإقليمي، فهي جسم سياسي وعسكري مازال فاعلا، ما يجعل الرهان على تفككها من خلال الضغط العسكري وهْما وسرابا، في حين أن المراهنة على منظومة التحالفات السياسية والعسكرية للولايات المتحدة في المنطقة العربية والإقليم لتفكيك المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس، تضاعف الضغوط على الشراكة الأمريكية العربية، وتهدد بتفكك وخلخلة النفوذ الأمريكي وإضعافه.
الضغوط على بنية النفوذ الأمريكي، عنصر حاسم في إضعاف تحالفاتها وشراكاتها، إذ يتوقع أن تدفع دول المنطقة للبحث عن خيارات أقل ضررا كما حدث في الموقف المتخذ من الحرب الأوكرانية، بتمسك دول الإقليم العربية باتفاق “أوبك بلس” النفطي مع موسكو، ورفض الانضمام لتحالفات وشراكات أمريكية، عنوانها محاصرة الصين والصراع في منطقة الباسيفيك.
أمريكا تختبر تحالفاتها وشراكاتها وتضغط للدفع بها نحو أقصى طاقتها، ضغوط يتوقع أن تُلحق مزيدا من الضرر بنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، التي فقدت تأثير قوتها الناعمة لحساب المقاومة الفلسطينية وفكرة حماس الصلبة على الأرض، التي هزمت فكرة أمريكا التطبيعية في المنطقة العربية، وهو السر الكامن وراء تكرار المسؤولين الأمريكان والإسرائيليين القول؛ “إن حماس فكرة”، فهو تعبير مجازي يتجاوز الإشارة إلى الصمود الميداني والحاضنة الاجتماعية، التي أشارت إليها مجلة فورين أفيرز الأمريكية، التابعة لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، في مقال للكاتب الأمريكي روبرت بيب، “حماس تنتصر”، نحو هزيمة استراتيجية إقليمية أعمق في شقيها الناعم والصلب (التطبيعي والعسكري)، هزيمة وفشل أُخفيا خلف عبارات منمقة، اعتقد الأمريكي والإسرائيلي أن التلاعب بتوصيفهما يحدّ من أثرهما، ويساعد في احتوائهما مستقبلا.

مقالات مشابهة

  • إعلام إسرائيل يركز على معضلة الكمائن المفخخة التي تواجه جيش الاحتلال بغزة
  • تحت الأرض أو فوقها.. تفاصيل رحلة البحث عن يحيى السنوار
  • رفض عشائري لإدارة قطاع غزة.. وعجز إسرائيلي عن إيجاد بديل لحماس
  • انقسام بالداخل الإسرائيلي بشأن خطة اليوم التالي للحرب في غزة
  • صحيفة أمريكية: حماس تُعيد تجميع صفوفها.. “إسرائيل” قد تغرق في صراع طويل الأمد
  • حماس فكرة أم حقيقة صلبة على الأرض؟
  • “وول ستريت جورنال”: حماس تُعيد تجميع صفوفها.. “إسرائيل” قد تغرق في صراع طويل الأمد
  • إذاعة جيش الاحتلال: متضررون من 7 أكتوبر يرفعون دعوى ضد إيران وسوريا وكوريا الشمالية
  • خبير أمني فلسطيني للجزيرة نت: إسرائيل فشلت في القضاء على حماس وستعجز عن احتلال غزة
  • حماس: استخدام إسرائيل للأسرى دروعا بشرية جريمة حرب