رد الفعل على 11 سبتمبر الإسرائيلي يتجاهل دروس 11 سبتمبر الأمريكي
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
للمرة الأولى يسفر حدث إخباري جليل عن تشابهات لا مغالاة فيها، وإنما فيها قدر من التهوين. ذلك أن الاختراق الذي قامت به حماس في إسرائيل السبت الماضي ـ فأسفر عن مقتل 700 إسرائيلي و400 فلسطيني ـ قد قورن على الفور تقريبا بهجوم القاعدة على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001. ومن الساسة الأمريكيين وأعضاء مجلس النواب، استحضر آدم شيف وريتشي توريس، وكلاهما ديمقراطي، ذكرى أحداث 11 سبتمبر.
لكن وفقا لأي مقياس منطقي، يتبين أن هجمة حماس صدمة أكبر كثيرا بالنسبة لإسرائيل من 11/9 بالنسبة للولايات المتحدة. فسكان إسرائيل أكثر قليلا من 9 ملايين، بينما كان سكان الولايات المتحدة 285 مليونا في 2001. والولايات المتحدة فقدت في ذلك اليوم 2996 شخصا. فبحساب النسبة تكون إسرائيل فقدت أكثر من عشرين ألفا من مواطنيها. ومع ذلك فإن حصيلة القتلى الإسرائيلية أقل بالنسبة من القتلى الفلسطينيين في الصراع الذين يصل عددهم في السنين الأخيرة إلى أكثر من 200 قتيل سنويا. فعملية الجيش الإسرائيلي في غزة سنة 2014 أودت بحياة ما لا يقل عن 1400 مدني فلسطيني.
وبعيدا عن حصيلة القتلى، أخذت حماس رهائن مدنيين. وثمة أيضا عامل نفسي في الهجمة المباغتة. ومثلما حدث للولايات المتحدة في 11/9، جاءت الهجمة لإسرائيل كأنما من العدم، فكانت هزة مفاجئة غير منتظرة لما عهده المجتمع. وبالنسبة للجيش الإسرائيلي، كما بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، تمثل الهجمة إذلالا يحطم سمعة الجيش الذي لا يقهر التي كانت موضع تباهٍ من قبل. يذكرنا ذلك بحرب يوم الغفران أي السادس من أكتوبر سنة 1973، التي جرت بالضبط قبل 50 سنة وحطمت سمعة رئيسة الوزراء جولدا مائير التي بوغتت بغزو مصر وسوريا. فاستقالت مائير بعد الحرب.
ولو أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو يفكر وفقا لأي منطق تاريخي، فلا بد أن يفكر في كيفية اجتناب مصير مائير ويحقق ما حققه جورج بوش الابن بعد 11/9. ففي نهاية المطاف كان نتانياهو في الفترة الأخيرة رئيس وزراء تحت الحصار بسبب المقاومة الواسعة لمحاولته إصلاح القضاء ـ ناهيكم بالمحاكمة التي استمرت طويلا في اتهامات الرشوة والفساد ـ وكان بوش أيضا رئيسا متعثرا. كانت 11/9 هبة إلهية لرئاسة بوش، مثلما كانت لعنة على الولايات المتحدة، فتحولت رئاسته من الخيبة لتصبح ذات شأن، بل لتصبح رئاسة تاريخية على الصعيد العالمي.
وبين عشية وضحاها فعليا، إذا ببوش بمثابة بطل قومي، يطلق الكونجرس يده بلا حساب ليهاجم الحريات المدنية بموجب قانون الوطنية، وليكون رائد أشكال جديدة من السجن والتعذيب في جوانتانامو، وليغزو بلدين ويجعل الولايات المتحدة رأس حربة في الحرب العالمية على الإرهاب. ولم نزل إلى الآن نعيش عواقب قرارات بوش التي أدت إلى تعذيب جماعي وأزمة عالمية للاجئين ووفيات مئات آلاف من المدنيين.
ثمة بالفعل دافع في إسرائيل (له أصداؤه في الولايات المتحدة وغيرها) لإطلاق يد نتانياهو مثلما حدث مع بوش. فقد كتب النائب الجمهوري جو وولش ـ الذي لم يكن قط من معسكر دونالد ترامب ـ عبر تويتر قائلا «أمس كان 11/9 الإسرائيلي. وتذكروا أن أحدا بعد 11/9 لم يطالب الولايات المتحدة بعدم الانتقام، ولا دعا أحدٌ إلى هدنة أو عدم التصعيد، ولا تكلم أحد عن الجانبين في ذلك اليوم المريع».
من المؤكد أن الدرس المستفاد من 11/9 لا يتمثل في تقديم الدعم غير المشروط لحكومة تتبنى التصعيد العسكري ردا على الإرهاب. فقد كان لوزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس رد أقرب إلى الحكمة، إذ قال عبر تويتر:
«ما في إسرائيل من غضب وذهول يذكرنا بمشاعر الولايات المتحدة بعد 11/9. أثار ذلك استعراضا للوحدة والقوة في أمريكا. وأدى أيضا إلى حرب على الإرهاب خاطئة ومدمرة للذات. ولعل إسرائيل ماضية في الطريق الخطر نفسه».
سوف تساعد أقوال كقول وولش ـ في إسرائيل ولدى حلفائها ـ نتانياهو على تعزيز سلطته. وهو بالفعل على هذا الدرب، يشكل حكومة طوارئ ويعلن الحرب. وقد شن الجيش الإسرائيلي بالفعل هجمات على غزة، واضعا الأساس لما قد يكون تدميرا لحماس على طريقة الأرض المحروقة.
في مرحلة ما، سوف يتعين على أحزاب المعارضة في إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستحاسب نتانياهو على الهجمات الكارثية التي جرت تحت عينيه. فهذه الهجمة المفاجئة ـ على أقل تقدير ـ فشل ذريع للجيش الإسرائيلي وجهازي الموساد وشين بيت.
بعد 11/9، كتبت سوزان سونتاج مقالة لم تحظ بشعبية من أي نوع في ذي نيويوركر جهرت فيها بالحقائق الصعبة التي لم يكن الكثيرون مستعدين للإنصات إليها في ذلك الوقت. تساءلت سونتاج «أين الاعتراف بأن ذلك لم يكن هجوما جبانا على الحضارة أو الإنسانية أو العالم الحر وإنما هو هجوم على البلد الذي نصَّب نفسه قوة العالم العظمى، وعلى تحالفات وأفعال أمريكية معينة؟ كم من المواطنين واعون بالقصف الأمريكي الجاري للعراق؟» وأضافت «هيا بنا نأسى جميعا بكل طريقة. على ألا نتغابى جميعا. إن قليلا من الوعي قد يعيننا على فهم ما جرى، وما لم يزل جاريا». وجرَّ ذلك على سونتاج أنها أدينت بوصفها كارهة لأمريكا وخائنة.
لم تزل دعوة سونتاج إلى رد ذكي على 11/9 لها جاذبيتها. فهي دعوة إلى التفكير في الجذور التي تتسبب في الإرهاب، وتحميل الحكومة مسؤولية الإخفاقات الأمنية، والنظر إلى واقع السياسة الخارجية نظرة مباشرة، لا من خلال غشاوة الأساطير الوطنية.
ولم تزل شجاعة سوزان سونتاج الفكرية نادرة ندرة أسنان الدجاج. ولعلنا نجدها في افتتاحية لهاآرتس الإسرائيلية عن أسباب الكارثة:
«إن الكارثة التي حلت على إسرائيل في عيد سماحة التوراة مسؤولية واضحة لشخص واحد: هو بنيامين نتانياهو. فرئيس الوزراء، الذي تباهى بخبرته السياسية الواسعة وحكمته الفريدة في المسائل الأمنية، قد فشل فشلا ذريعا في تحديد المخاطر التي كان يقود إسرائيل إليها عامدا عند تشكيل حكومة الضم ونزع الملكية، بتعيين بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن جفير في مناصب رئيسية، مع تبني سياسة خارجية تتجاهل علنا وجود الفلسطينيين وحقوقهم».
من المؤكد أن نتانياهو سوف يحاول التنصل من مسؤوليته بإلقاء اللوم على قادة الجيش والمخابرات العسكرية وجهاز شين بيت الأمني الذين رأوا شأن أسلافهم في عشية حرب يوم الغفران أن احتمال الحرب ضعيف وكانت استعداداتهم لهجوم من حماس معيبة».
«لقد استهزأوا بالعدو وقدراته العسكرية الهجومية. وعلى مدار الأيام والأسابيع التالية، عندما يتضح عمق إخفاقات الجيش الإسرائيلي والمخابرات، سوف تبدأ مطالبات منطقية بتغييرهم وتقييمهم. غير أن إخفاقات الجيش والمخابرات لا تعفي نتانياهو من المسؤولية الكلية عن الأزمة، فهو الحاكم النهائي للشؤون الخارجية والأمنية الإسرائيلية».
لا يحتمل أن يلتفت أحد إلى هاآرتس مثلما لم يلتفت أحد إلى سونتاج. غير أن دعوتها إلى محاسبة نتانياهو وحكومته وإلى الصدق في ما يتعلق بتجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم، هي دعوة تشير في جوهرها إلى السبيل الوحيد للمضي قدما دونما إطلاق العنان للأهوال والمزيد من الأهوال.
جيت هير مراسل الشؤون الوطنية لمجلة ذي نيشن ومقدم البرنامج الأسبوعي (The Time of Monsters) عبر نيشن، ومؤلف عدد من الكتب.
عن ذي نيشن
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی إسرائیل بعد 11 9
إقرأ أيضاً:
ترامب: من المفيد إبقاء تيك توك في الولايات المتحدة لفترة قصيرة
أشار الرئيس المنتخب دونالد ترامب الأحد إلى أنه يفضل السماح لتيك توك بالاستمرار في العمل في الولايات المتحدة لفترة قصيرة على الأقل، قائلاً إنه تلقى مليارات المشاهدات على منصة التواصل الاجتماعي خلال حملته الرئاسية.
كانت تعليقات ترامب أمام حشد من المؤيدين المحافظين في فينيكس بولاية أريزونا واحدة من أقوى الإشارات حتى الآن على أنه يعارض خروجًا محتملًا لتيك توك من السوق الأمريكية.
أقر مجلس الشيوخ الأمريكي قانونًا في أبريل يلزم الشركة الأم الصينية لتيك توك، بايت دانس، بالتخلي عن التطبيق، مشيرًا إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي.
سعى مالكو تيك توك إلى إلغاء القانون، ووافقت المحكمة العليا الأمريكية على الاستماع إلى القضية. ولكن إذا لم تحكم المحكمة لصالح بايت دانس ولم يحدث أي سحب للاستثمارات، فقد يتم حظر التطبيق فعليًا في الولايات المتحدة في 19 يناير، قبل يوم واحد من تولي ترامب منصبه.
من غير الواضح كيف سيشرع ترامب في التراجع عن أمر سحب الاستثمارات من تيك توك، الذي تم تمريره بأغلبية ساحقة في مجلس الشيوخ.
"أعتقد أننا سنضطر إلى البدء في التفكير لأننا، كما تعلمون، بدأنا في استخدام تيك توك، وحظينا باستجابة رائعة بمليارات المشاهدات، ومليارات ومليارات المشاهدات"، قال ترامب للحشد في AmericaFest، وهو تجمع سنوي تنظمه مجموعة Turning Point المحافظة.
وقال: "لقد أحضروا لي مخططًا، وكان سجلًا، وكان من الجميل جدًا رؤيته، وعندما نظرت إليه، قلت،" ربما يتعين علينا الاحتفاظ بهذا المغفل لفترة قصيرة ".
التقى ترامب بالرئيس التنفيذي لشركة TikTok يوم الاثنين. قال ترامب في مؤتمر صحفي في نفس اليوم إنه كان لديه "نقطة دافئة" لـ TikTok بفضل نجاح حملته على التطبيق.
لقد زعمت وزارة العدل أن السيطرة الصينية على TikTok تشكل تهديدًا مستمرًا للأمن القومي، وهو موقف يدعمه معظم المشرعين الأمريكيين.
تقول TikTok إن وزارة العدل أخطأت في بيان علاقات تطبيق الوسائط الاجتماعية بالصين، بحجة أن محرك توصية المحتوى وبيانات المستخدم مخزنة في الولايات المتحدة على خوادم سحابية تديرها شركة Oracle Corp (ORCL.N)، تفتح علامة تبويب جديدة، في حين يتم اتخاذ قرارات تعديل المحتوى التي تؤثر على المستخدمين الأمريكيين في الولايات المتحدة.