د. أحمد المنظري يكتب: مصر على مسار القضاء على التهاب الكبد «سي».. إنجاز فذ ونموذج يحتذى
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
هذا الأسبوع شهد حدثاً فريداً فى مجال الصحة العامة إقليمياً بل وعالمياً، هو تقدم مصر على نحو غير مسبوق صوب القضاء على التهاب الكبد الفيروسى «سى»، لتصبح أول دولة تبلغ «المستوى الذهبى» على مسار القضاء على التهاب الكبد، وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية. والمستوى الذهبى هو أعلى مستوى حددته منظمة الصحة العالمية لتقييم التقدم على مسار القضاء على التهاب الكبد.
ويعنى بلوغ مصر المستوى الذهبى أنها قد أوفت بالمتطلبات البرمجية التى تؤدى إلى خفض حالات العدوى والوفيات الجديدة الناجمة عن التهاب الكبد «سى» إلى المستويات التى تؤهِّل البلد للقضاء على هذا المرض. والحق أن مصر قطعت مسيرة فريدة من نوعها، إذ انتقلت فى حوالى 10 سنوات من بلد يشهد أحد أعلى معدلات الإصابة بالتهاب الكبد «سى» فى العالم إلى بلد يشهد أحد أقل المعدلات من خلال خفض معدل انتشار التهاب الكبد سى من 10% إلى 0.38%.
إنها بالفعل مسيرة مذهلة، قدمت مصر من خلالها للعالم نموذجاً يُحتذى به فيما يمكن تحقيقه عند الأخذ بأسباب العلم وإتاحة أحدث الأدوات، وتوفير الالتزام السياسى على أعلى المستويات.
وقد كان جلياً أن الإرادة السياسية والقيادة المصرية ممثلة فى فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى قد وضعت نصب أعينها هدف إنقاذ ملايين الأشخاص الذين كانوا يئنون تحت وطأة مرض شرس ينتهى إما بإصابة الكبد بمرض أو بسرطان. وعقدت العزم على توفير كل ما يلزم واستخدام أحدث الأدوات للوقاية من العدوى ومعالجة المرضى.
وعلى مسار الانتقال من القول إلى العمل، أعلنت مصر مبادرة 100 مليون صحة التى أسفرت عن فحص أكثر من 60 مليون شخص، وعلاج أكثر من 4.1 مليون شخص. شخصت 87% من المتعايشين مع التهاب الكبد سى، ثم قَّّمت العلاج الشافى إلى 93% من الأشخاص المُشخَّصين به، وهذه معدلات تتجاوز الغايات المحددة للمستوى الذهبى للمنظمة، وهى تشخيص 80% على أقل تقدير من المتعايشين مع التهاب الكبد سى، وتوفير العلاج لما لا يقل عن 70% من الأشخاص المُشخَّصين به.
لقد شرفنا، كوفد ممثل للمستويات الثلاثة لمنظمة الصحة العالمية بقيادة الدكتور تدروس أدحانوم جبريسوس المدير العام للمنظمة، بمقابلة فخامة الرئيس السيسى وتسليم شهادة المستوى الذهبى لفخامته والاستماع إلى رؤاه القيمة وطموحاته لمستقبل الصحة فى مصر.
بمقدورنا أن ندرك حجم هذا الإنجاز الذى حققته مصر إذا علمنا أنه على الصعيد العالمى، يوجد 58 مليون شخص متعايش مع عدوى التهاب الكبد سى المزمنة. وهناك 4 أشخاص من أصل 5 متعايشين مع التهاب الكبد C فى العالَم لا يدركون أنهم مصابون بالعدوى. ويمكن أن تتسبب تلك العدوى فى إصابة الكبد بمرض أو بسرطان، ما لم يعالَج أو يُشفَ منها.
ولا يتوفر لقاح مضاد للمرض، وسبيل الشفاء منه هو تناول علاجات قصيرة الأجل وشديدة الفاعلية تستمر 8-12 أسبوعاً. وكانت المشكلة الأساسية التى يواجهها العالم خاصة البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل هو الارتفاع الشديد فى تكلفة العلاجات.
وأحسب أن أهم القرارات التى اتخذتها مصر فى هذا الصدد هو التصنيع المحلى لعلاجات التهاب الكبد الفيروسى «سى»، وإتاحتها للمتعايشين مع المرض دون مقابل مادى.
ومثَّلت العلاجات المضادة للفيروسات ذات المفعول المباشر المُصنَّعة محلياً عاملاً رئيسياً فى النجاح الملحوظ الذى حققته الحملة، حيث بلغ معدل الشفاء من التهاب الكبد سى، بين الأشخاص الذين تلقوا العلاج، نسبة 99%.
وفى الوقت نفسه أدخلت مصر تحسينات هائلة على ممارساتها الخاصة بسلامة المرضى، وتبنَّت مفهوم «عدم إلحاق الضرر» من خلال تطبيق تدابير شاملة للحقن الآمن، ومأمونية الدم، والحد من الضرر. وهذا عامل حاسم فى وقف انتشار العدوى بالفيروس.
ويطيب لى فى هذا الصدد أن أشيد بالجهود الاستثنائية التى بذلتها وزارة الصحة والسكان خلال العقد الماضى للقضاء على هذا التهديد المُحدِق بالصحة العامة. وكانت الوزارة مدفوعة فى مساعيها بأعلى مستوى من الالتزام السياسى وبروح التضامن، والإنصاف، والشمول لتقديم الخدمات إلى كل شخص يعيش على أرض مصر، دون أى تمييز، إعمالاً لحق من حقوق الإنسان العالمية.
والتقدم على مسار القضاء على التهاب الكبد «سى» وإن كان هو الإنجاز الأبرز، إلا أنه ليس الإنجاز الوحيد الذى شهدته مصر فى المجال الصحى خلال السنوات الأخيرة، فقد حققت تقدماً مماثلاً بالنسبة للحصبة والحصبة الألمانية، وتحسين صحة الأم والطفل ومكافحة الأمراض غير السارية، والمضى نحو تحسين مسار الوصول إلى التغطية الصحية الشاملة من خلال البدء فى تنفيذ برنامج التأمين الصحى الشامل. يحق لمصر أن تعيش مشاعر الفخر والسعادة بهذا الإنجاز الكبير المتمثل فى معالجة أكثر من أربعة ملايين شخص أى ثلث مجتمع المتعايشين مع التهاب الكبد «سى» فى إقليم شرق المتوسط بأكمله. وإننى لأستحضر معكم بكل فخر واعتزاز هذا النجاح الذى حققته مصر وكان لنا فى منظمة الصحة العالمية شرف المساهمة فيه وتوفير كافة سبل الدعم التقنى للوصول إليه، وذلك كله بفضل من الله وتوفيقه.
إننى وبعد أكثر من خمس سنوات من العمل الوثيق والتعاون المباشر، أعلم شغف القيادات الصحية فى هذا الإقليم، وأعرف أن لديهم الإرادة، ولكننا نحتاج إلى ترجمة الدروس القيِّمة إلى ممارسات، وإلى العمل الجاد معاً للنجاح فى وضع الصحة فى المكانة التى تستحقها على رأس البرامج السياسية والأولويات والخطط الاستثمارية. وحرىٌّ بنجاح مصر أن يقدم لنا جميعاً شهادة على أن لا شىء عصىٌّ على النجاح إذا توافر الالتزام وتوفرت العزيمة والأخذ بالأسباب، وأن يبثَّ فى نفوسنا الأمل فى إمكانية تحقيق ذلك الانتقال من القول إلى العمل ومن الدروس القيمة إلى الممارسات، وأن يقدم الحافز للقضاء على التهاب الكبد «سى» فى كل مكان والتصدى لسائر التحديات وتعزيز صحة سكان الإقليم على النحو الذى نصبو جميعاً إليه، والمضى قدماً فى تحقيق الرؤية الإقليمية الصحية للجميع وبالجميع.
* المدير الإقليمى لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الصحة العامة التهاب الكبد الصحة العالمیة من خلال أکثر من
إقرأ أيضاً:
الصحة العالمية: 35 ألف إصابة بالكوليرا في 19 دولة بينها السودان واليمن
منظمة الصحة العالمية، قالت إن الصراعات والنزوح الجماعي والكوارث الناجمة عن المخاطر الطبيعية وتغير المناخ أدت لتكثيف تفشي الكوليرا.
التغيير: وكالات
كشفت منظمة الصحة العالمية، عن تسجيل حوالي 35 ألف حالة إصابة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد في 19 دولة ومنطقة حول العالم- من بينها السودان واليمن والصومال- خلال شهر يناير 2025، مع انخفاض طفيف في الحالات مقارنة بالشهر السابق.
وفقا للمنظمة، سجلت المنطقة الأفريقية أعلى عدد من الحالات، تليها منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ومنطقة جنوب شرق آسيا. وشهدت الفترة أيضا 349 حالة وفاة مرتبطة بالكوليرا على مستوى العالم، 46 حالة وفاة منها في السودان، مما يسلط الضوء على انخفاض بنسبة 33% عن الشهر السابق.
وبرغم أن الانخفاض الموسمي في انتقال العدوى خلال أشهر الشتاء قد يفسر جزئيا الانخفاض في أعداد الحالات في بعض المناطق، إلا أن بيانات الكوليرا الإجمالية تظل غير مكتملة بسبب نقص الإبلاغ والتأخير فيه. في يناير، بلغ إنتاج لقاحات الكوليرا الفموية 6.2 مليون جرعة، مما يعكس الجهود الكبيرة التي بذلها الموردون والشركاء.
وأوضحت منظمة الصحة العالمية- بحسب مركز أخبار الأمم المتحدة اليوم- أن هذا التقدم نجم عن طرح وتأهيل تركيبة لقاح جديدة وعملية تصنيع في وقت سابق من عام 2024. ومع ذلك، فإن الإنتاج الحالي لم يلب الطلب العالمي المتزايد بعد، ويستمر الطلب في تجاوز العرض، مما يعيق الجهود المبذولة للسيطرة على تفشي الكوليرا، والاستجابة السريعة لانتشار المرض، وتنفيذ الحملات الوقائية.
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فقد أدت الصراعات والنزوح الجماعي والكوارث الناجمة عن المخاطر الطبيعية وتغير المناخ إلى تكثيف تفشي المرض، وخاصة في المناطق الريفية والمناطق المتضررة من الفيضانات، حيث تؤخر البنية التحتية الضعيفة والوصول المحدود إلى الرعاية الصحية العلاج. وقد أدت هذه العوامل العابرة للحدود إلى جعل تفشي الكوليرا أكثر تعقيدا وصعوبة في السيطرة عليه.
الوسومآسيا أفريقيا البحر الأبيض المتوسط السودان الصومال الكوارث الطبيعية الكوليرا النزوح اليمن منظمة الصحة العالمية