لجريدة عمان:
2025-11-17@07:27:56 GMT

أرض المعجزات

تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT

قبل خمسة وسبعين عامًا وفي عام 1948م تحديدا، احتل العدو الغاشم الأراضي الفلسطينية فذبح وهجّر أهلها منها مما غير المنطقة العربية بالكامل من حيث البنية السياسية والثقافية والاجتماعية حتى اليوم. في الآن ذاته، قدم الفلسطينيون منذ تلك الفترة المشؤومة والتي تعرف بالنكبة الأولى حتى اليوم دروسا للعالم بأجمعه -ولا يزال يفعل- في مشهد يبث القشعريرة في المحب والشانئ لهذا الشعب العظيم.

فكيف استطاع شعب الصمود أمام محتل يمارس ضده التطهير العرقي بفجاجة، ويمارس ضده كل أشكال الطغيان والوحشية المقيتة، بمباركة الدول العظمى وبتغييب كامل للوعي العام في أوروبا وأمريكا وكثير من دول العالم الأخرى. وكيف لغازٍ يكرر أسطوانته المشروخة بالحق في الأرض ولديه كل مقومات الانتصار والبقاء ولا يهدأ له بال ولا مضجع رغم العتاد العسكري والتكنولوجي الكبير الذي يملكه، ولا يستطيع الاستقرار رغم ذلك كله؟

لنعد قليلا إلى الوراء، فقبل أن نتحدث عما تمثله فلسطين اليوم وما يمثله أبطالها، يجب الحديث عن مبادئ في القضية الفلسطينية رُسّخت على مدى أجيال وأثبتت الدور الفعال للبروباغاندا -الدعاية- الإعلامية وما تفعله في تغيير عقلية الشعوب بل وتشكيلها حتى!. وقع العرب ضحية لهذه الدعاية لسنوات طويلة، ولنكون أكثر صدقا مع أنفسنا فقد وقعنا وآباؤنا من قبل في المصيدة التي أرادها العدو لنا، والتي تتمثل في كون الوطن لأصحاب الدين الواحد، قبل أن يتسع هذا المفهوم ويتشظى ليصبح الوطن مخصوصا لأصحاب المذهب الواحد مقابل المذاهب الأخرى، وهو ما تجلت آثاره في بلدان مجاورة لا تزال تحت وطأة هذا التغييب المتعمد للحقائق فصارت الحرب الطائفية والمذهبية الداخلية هي ما تقوض هذه البلدان من الداخل وليس العدو الخارجي. إذا عدنا للوراء قليلا، فسنجد بأن العرب والبلدان العربية ضمت ديانات كثيرة ومذاهب كثيرة جدا، وتعايش أصحاب الديانات والمذاهب المختلفة في وئام وتلاحم؛ فالوطن يجمع الناس ويفكك الاختلاف دائما، فالوطن هو الهوية العامة والدين هوية خاصة لكل إنسان بذاته.

أدت الدعاية الصهيونية دورا فعالا في عدة جبهات لا تزال آثارها باقية حتى اللحظة، ففي بدايات القرن التاسع عشر بدأت النظرة إلى المواطنين من الديانات الأخرى تحمل شيئا من الريبة والتوجس، فقد كان المسلم واليهودي والمسيحي وأصحاب ديانات أخرى كثيرة يعيشون في ذلك البلد العتيق المعروف بفلسطين في لحمة ووئام. وفور الشروع في تطبيق المخططات الصهيونية، بدأت النزاعات والفُرقة تظهر وتتسع الفجوة بين المواطنين حيث ينظر كل واحد إلى الآخر بعين الريبة والشك. وهو ما كانت تصبو إليه الحركة الصهيونية، فلم يعد الفلسطيني هو المولود في فلسطين والساكن فيها بغض النظر عن ديانته؛ بل صار الذي يعتنق دينا معينا -الإسلام غالبا نتيجة اضطهاد معتنقيه- مقابل اليهودي والمسيحي من نفس الوطن.

يتذكر أجدادنا أناسا عاشوا بينهم بطريقة عادية وكأي مواطن آخر، وكان هؤلاء الناس يعتنقون أديانا أخرى، ولكن آثار النكبة غيرت ديموغرافية الدول العربية فهاجر المختلفون نجاة بحياتهم نتيجة عدم التفرقة بين اليهودي والصهيوني والمسيحي والصليبي والمسلم والإرهابي؛ وهي مصطلحات تكرر استعمالها حتى غدت في عقول الشعوب كالمسلّمات التي لا تقبل المراجعة. فيمكن للمسيحي والمسلم أن يكونا من الصهاينة، ويمكن لليهودي أن يكون مواطنا عربيا عاديا ومعاديا للصهيونية في الآن ذاته. ويمكن أن يكون الإرهابي شخصا لا يؤمن بأي دين البتة، فما يحدد الإنسان الصالح من الطالح إنسانيته الحقيقية وإيمانه الصادق بمبادئه؛ لا شعاراته الدينية التي يلبسها ويخلعها متى ما يشاء وفقا للظروف والمواقف والفرص.

مثلت المواجهة الأخيرة للمقاومة الفلسطينية مثالا حيا لما يفعله الإيمان العميق والصادق والوفاء للأرض والمقدسات مقابل الوحشية الهمجية للمحتل، كما أنها علمتنا أن حب الوطن والإيمان بالذات والهدف النبيل يصنع المعجزات؛ فكيف لشعب مخنوق أسير في مساحة صغيرة وأعداد مكتظة في السجن الكبير المسمى غزة بأن يستبسل ويقاوم المحتل ويصنع التكنولوجيا الخاصة به في ظروف تجعل من المستحيل على الإنسان العادي أن يفعل فيها كل هذا!، بل كيف تتفوق الضحية المنبوذة من الجميع والتي لا تملك قوت يومها فضلا عن الكماليات بأن تتفوق على جلادها المزود بأحدث الاختراعات والتكنولوجيا؟. الإيمان يفعل المستحيل، وغدا تشرق الشمس الساطعة للحرية فتجلو غمامة البؤس وتحرق العدو المحتل وتعود الحقوق لأهلها والوطن لأهله ويتلظى المحتل في شقائه وما جنته يداه بحق الأبرياء فـ «إِنَّ مَوعِدَهُمُ الصُّبحُ أَلَیسَ الصُّبحُ بِقَرِیب».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الوطن والمواطن.. علاقة وجود ومسؤولية (1- 2)

 

 

 

 

 

خالد بن سالم الغساني

اللبنة الأساسية في بناء الوطن، هي المواطن، إنه الروح التي تمنح الوطن هويته وحيويته، وبدونه يفقد الوطن معناه الحقيقي، إذ لا يمكن تخيل وطن حي نابض دون أبنائه الذين يشكلون نسيجه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، فهل يوجد وطن حقيقي دون مواطن؟

الوطن من الناحية الجغرافية والسياسية يمكن أن يوجد كأرض وحدود وعلم ونشيد ونظام، لكن "الوطن الحقيقي" بمعناه الأعمق، مكان الانتماء والحنين والهوية، لا يقوم إلا بوجود مواطن يحيا فيه ويعطيه المعنى.

فالأوطان لا تُبنى إلا بجهود أبنائها، ولا يرتفع شأنها أو ينحط إلا بإرادتهم وعملهم.

إن رعاية المواطن، من خلال تلبية احتياجاته المعيشية، وضمان حريته وكرامته، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة له، واجب وحق أصيل من حقوق المواطنة، إنه الأساس الذي يقوم عليه وجود الوطن وأمنه وازدهاره.

وبالتالي فإنَّ وعي المسؤول الحكومي، بأهمية دوره يشكل حجر الزاوية في تعزيز كرامة المواطن وحريته وعيشه الكريم. فالمسؤول الواعي يدرك ان خدمته الحقيقية للوطن لا تكمن في تحقيق إنجازات مادية فقط؛ بل في جعل المواطن محور عمله، والسعي الدؤوب لتلبية احتياجاته وتعزيز شعوره بالأمان والكرامة. هذا الوعي يدفع المسؤول لتبني سياسات ومبادرات تضمن توفير فرص عمل كريمة، وخدمات صحية وتعليمية عادلة، وحماية الحريات الأساسية. إن المسؤول الذي يضع المواطن في صلب اهتماماته يساهم في بناء مجتمع متماسك، حيث يشعر كل فرد بأن له قيمة ودور؛ مما يعزز الولاء والانتماء للوطن.

لكل ذلك وسواه مما يرفع من شأن الوطن ويحقق من سموه وعزته وامنه واستقراره، فإن على المسؤول الحكومي أن يتذكر دائمًا أنه كان مواطنًا بعيدًا عن سلطة القرار، قبل أن يتبوأ منصبه، وأن يضع نفسه في مكان المواطن الذي يواجه تحديات الحياة اليومية، ويأتي إليه طالبًا مساعدته، وليسترجع تلك اللحظات التي كان فيها يطالب بحقوقه، أمام المسؤول الذي سبقه، يسعى لفرصة عمل كريمة، أو يبحث عن أمان واستقرار. ان مقارنة وضعه الحالي بما كان عليه قبل تحمل المسؤولية تدفعه لفهم تطلعات المواطن ومعاناته بعمق، هذا التأمل يجعل المسؤول أكثر إحساسًا بأهمية دوره، فيسعى بجد لتحسين ظروف المواطنين، لأنه يعرف أن تلبية احتياجاتهم، واجب عليه القيام به، وهي تجسيد للعدالة والإنصاف اللذين كان ينشدهما يومًا ما.

كما أن التزام المسؤول الحكومي برفع شأن المواطن يعكس جوهر وجوده في منصبه، فالمسؤولية الحقة، لم تكن يومًا منصبًا أو سلطة؛ بل أمانة تتطلب العمل بصدق وإخلاص لخدمة الناس. هذا الالتزام يتجلى في الاستماع إلى هموم المواطنين، وتلمس حاجاتهم، وإشراكهم في صنع القرارات التي تمس حياتهم.

عندما يدرك المسؤول أن دوره يتمحور حول تمكين المواطن وصون كرامته، يصبح عمله خدمة وطنية حقيقية، تساهم في استقرار الوطن وازدهاره. وإهمال هذا الدور يؤدي إلى حدوث فجوة بين الحكومة والشعب، مما يهدد الثقة المتبادلة ويعيق التقدم.

إن الاهتمام بسبل معيشة المواطن، من توفير وظائف كريمة تضمن دخلًا مستقرًا، إلى تأمين احتياجاته الأساسية من غذاء ومأوى وخدمات صحية وتعليمية، هو حق ملزم على الوطن. فالمواطن المكتفي، الراضي والسعيد هو الذي يساهم في بناء مجتمع قوي، يبتكر ويبدع، ويدافع عن وطنه في الملمات، وإهمال هذه الاحتياجات يؤدي إلى تفكك اجتماعي، وتراجع في الإنتاجية، وفقدان الثقة بالمؤسسات، مما يهدد استقرار الوطن ذاته.

المواطن الذي يعيش في ظل الإهمال أو الظلم يفقد الحماس للمساهمة، والإحساس بالانتماء، ويصبح مصدرًا للاضطراب بدلًا من أن يكون عنصرًا فاعلًا في التنمية.

ولا يقتصر الاعتناء بالمواطن على تلبية احتياجاته المادية فحسب؛ بل يمتد إلى حفظ حريته وكرامته وشموخه.

الحرية في التعبير عن الرأي، والمشاركة في صنع القرارات، والعيش دون خوف، هي التي تبني مجتمعات متماسكة وواثقة.

الكرامة تتجلى في معاملة المواطن باحترام، وتقدير دوره كعنصر أساسي في المجتمع، بينما يشكل العيش الآمن والمستقر بيئة خصبة تمكّن المواطن من التركيز على الإبداع والإنتاج بدلًا من القلق اليومي. بدون قيم الحرية والكرامة والأمان، لا يمكن ان تقام للوطن قائمة تذكر، فالمواطن الذي يشعر بالإهانة أو التهميش يفقد انتماءه، ويصبح الوطن مجرد أرض خالية من الروح.

الوطن هو مواطنوه، إنهم جوهره وأساس وجوده، والدول التي أدركت هذه الحقيقة، واستثمرت في رعاية أبنائها، حققت تقدمًا اقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا كبيرًا. أما تلك التي أهملت مواطنيها، نراها اليوم تواجه الفوضى والتفكك والتراجع.

إنَّ الاستثمار في المواطن، هو السبيل الوحيد لخلق وطن قوي ينمو ويزدهر؛ حيث يصبح كل فرد جزءًا من قصة نجاح جماعية، يساهم فيها بولاء وعطاء.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • مضامين الخطة الأميركية لإدارة غزة بعد الحرب.. أبعاد المؤامرة الصهيونية الجديدة
  • وسام الشرف الأعظم لأم الوطن
  • عاجل| الملك يعود إلى أرض الوطن بعد جولة عمل آسيوية شملت خمس دول
  • نوفمبر.. عيدٌ يُزهر وطنًا
  • تشيع جثمان الشهيد أنور الشرعبي في التعزية
  • “المجاهدين الفلسطينية”: غرق خيام النازحين بغزة نتيجة مباشرة لسياسة الحصار الصهيونية
  • مسير طلابي بمديرية الحوك بالحديدة بالذكرى السنوية للشهيد
  • الوطن والمواطن.. علاقة وجود ومسؤولية (1- 2)
  • إعلام الأسرى الفلسطينيين يحذر من “برد قاتل” داخل السجون الصهيونية
  • محمود عبد السميع : تكريم مهرجان القاهرة له مكانة خاصة .. واجهت صعوبات كثيرة فى تصوير أفلام حرب أكتوبر | حوار