لجريدة عمان:
2024-10-05@14:55:03 GMT

أرض المعجزات

تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT

قبل خمسة وسبعين عامًا وفي عام 1948م تحديدا، احتل العدو الغاشم الأراضي الفلسطينية فذبح وهجّر أهلها منها مما غير المنطقة العربية بالكامل من حيث البنية السياسية والثقافية والاجتماعية حتى اليوم. في الآن ذاته، قدم الفلسطينيون منذ تلك الفترة المشؤومة والتي تعرف بالنكبة الأولى حتى اليوم دروسا للعالم بأجمعه -ولا يزال يفعل- في مشهد يبث القشعريرة في المحب والشانئ لهذا الشعب العظيم.

فكيف استطاع شعب الصمود أمام محتل يمارس ضده التطهير العرقي بفجاجة، ويمارس ضده كل أشكال الطغيان والوحشية المقيتة، بمباركة الدول العظمى وبتغييب كامل للوعي العام في أوروبا وأمريكا وكثير من دول العالم الأخرى. وكيف لغازٍ يكرر أسطوانته المشروخة بالحق في الأرض ولديه كل مقومات الانتصار والبقاء ولا يهدأ له بال ولا مضجع رغم العتاد العسكري والتكنولوجي الكبير الذي يملكه، ولا يستطيع الاستقرار رغم ذلك كله؟

لنعد قليلا إلى الوراء، فقبل أن نتحدث عما تمثله فلسطين اليوم وما يمثله أبطالها، يجب الحديث عن مبادئ في القضية الفلسطينية رُسّخت على مدى أجيال وأثبتت الدور الفعال للبروباغاندا -الدعاية- الإعلامية وما تفعله في تغيير عقلية الشعوب بل وتشكيلها حتى!. وقع العرب ضحية لهذه الدعاية لسنوات طويلة، ولنكون أكثر صدقا مع أنفسنا فقد وقعنا وآباؤنا من قبل في المصيدة التي أرادها العدو لنا، والتي تتمثل في كون الوطن لأصحاب الدين الواحد، قبل أن يتسع هذا المفهوم ويتشظى ليصبح الوطن مخصوصا لأصحاب المذهب الواحد مقابل المذاهب الأخرى، وهو ما تجلت آثاره في بلدان مجاورة لا تزال تحت وطأة هذا التغييب المتعمد للحقائق فصارت الحرب الطائفية والمذهبية الداخلية هي ما تقوض هذه البلدان من الداخل وليس العدو الخارجي. إذا عدنا للوراء قليلا، فسنجد بأن العرب والبلدان العربية ضمت ديانات كثيرة ومذاهب كثيرة جدا، وتعايش أصحاب الديانات والمذاهب المختلفة في وئام وتلاحم؛ فالوطن يجمع الناس ويفكك الاختلاف دائما، فالوطن هو الهوية العامة والدين هوية خاصة لكل إنسان بذاته.

أدت الدعاية الصهيونية دورا فعالا في عدة جبهات لا تزال آثارها باقية حتى اللحظة، ففي بدايات القرن التاسع عشر بدأت النظرة إلى المواطنين من الديانات الأخرى تحمل شيئا من الريبة والتوجس، فقد كان المسلم واليهودي والمسيحي وأصحاب ديانات أخرى كثيرة يعيشون في ذلك البلد العتيق المعروف بفلسطين في لحمة ووئام. وفور الشروع في تطبيق المخططات الصهيونية، بدأت النزاعات والفُرقة تظهر وتتسع الفجوة بين المواطنين حيث ينظر كل واحد إلى الآخر بعين الريبة والشك. وهو ما كانت تصبو إليه الحركة الصهيونية، فلم يعد الفلسطيني هو المولود في فلسطين والساكن فيها بغض النظر عن ديانته؛ بل صار الذي يعتنق دينا معينا -الإسلام غالبا نتيجة اضطهاد معتنقيه- مقابل اليهودي والمسيحي من نفس الوطن.

يتذكر أجدادنا أناسا عاشوا بينهم بطريقة عادية وكأي مواطن آخر، وكان هؤلاء الناس يعتنقون أديانا أخرى، ولكن آثار النكبة غيرت ديموغرافية الدول العربية فهاجر المختلفون نجاة بحياتهم نتيجة عدم التفرقة بين اليهودي والصهيوني والمسيحي والصليبي والمسلم والإرهابي؛ وهي مصطلحات تكرر استعمالها حتى غدت في عقول الشعوب كالمسلّمات التي لا تقبل المراجعة. فيمكن للمسيحي والمسلم أن يكونا من الصهاينة، ويمكن لليهودي أن يكون مواطنا عربيا عاديا ومعاديا للصهيونية في الآن ذاته. ويمكن أن يكون الإرهابي شخصا لا يؤمن بأي دين البتة، فما يحدد الإنسان الصالح من الطالح إنسانيته الحقيقية وإيمانه الصادق بمبادئه؛ لا شعاراته الدينية التي يلبسها ويخلعها متى ما يشاء وفقا للظروف والمواقف والفرص.

مثلت المواجهة الأخيرة للمقاومة الفلسطينية مثالا حيا لما يفعله الإيمان العميق والصادق والوفاء للأرض والمقدسات مقابل الوحشية الهمجية للمحتل، كما أنها علمتنا أن حب الوطن والإيمان بالذات والهدف النبيل يصنع المعجزات؛ فكيف لشعب مخنوق أسير في مساحة صغيرة وأعداد مكتظة في السجن الكبير المسمى غزة بأن يستبسل ويقاوم المحتل ويصنع التكنولوجيا الخاصة به في ظروف تجعل من المستحيل على الإنسان العادي أن يفعل فيها كل هذا!، بل كيف تتفوق الضحية المنبوذة من الجميع والتي لا تملك قوت يومها فضلا عن الكماليات بأن تتفوق على جلادها المزود بأحدث الاختراعات والتكنولوجيا؟. الإيمان يفعل المستحيل، وغدا تشرق الشمس الساطعة للحرية فتجلو غمامة البؤس وتحرق العدو المحتل وتعود الحقوق لأهلها والوطن لأهله ويتلظى المحتل في شقائه وما جنته يداه بحق الأبرياء فـ «إِنَّ مَوعِدَهُمُ الصُّبحُ أَلَیسَ الصُّبحُ بِقَرِیب».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مسؤول أممي سابق: ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي إلى خفض إنتاج مزروعات كثيرة

قال فاضل الزغبي، السفير السابق بمنظمة الامم المتحدة للاغذية لشمال إفريقيا والشرق الأوسط/سابقا، سلسلة ارتفاع الأسعار تبدأ من الحقل الذي هو أساس الإنتاج الزراعي، لافتا إلى أن أسعار الغذاء تتحكم فيها عاملي العرض والطلب، فإذ انتقلنا إلى ناحية  العرض  نجد أن قلة الإنتاج وتذبذب مستوياته وسلاسل التوريد نتيجة الاضطرابات والأمور السياسية التي يشهدها العالم، تؤثر سلبا على عوامل الإنتاج.

التغيرات المناخية والصحة النفسية| التأثيرات وسبل التكيف وزيرة البيئة تطلق أولى جلسات الحوار المجتمعي "التغيرات المناخية .. الوضع الحالي والآفاق المستقبلية" عملية الإنتاج

وأضاف «الزغبي»، خلال مداخلة على قناة «القاهرة الإخبارية»، أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر على عملية الإنتاج وتذبذبه، مما يجعلها تصل إلينا بأسعار أعلى من الطبيعي، ومن ضمن هذه العوامل هو تغير المناخ، على سبيل المثال قلة الأمطار والفيضانات ستؤدي إلى قلة الإنتاج، على الرغم من أن حدوثها في أوقات بغير مواعيدها ستؤدي إلى الإضرار بكامل المزروعات، مما يؤدي إلى خسارتها وفقدانها.

ارتفاع درجات الحرارة

وتابع: «ارتفاع درجات الحرارة، على الأقل درجة واحدة ستؤدي إلى خفض إنتاج العديد من المزروعات مثل القمح بنسبة 10%، إلى جانب الحرائق، لافتا إلى أن هذه الظواهر كان يشهدها العالم كل 10 سنوات في بعض المناطق، ولكن الآن أصبحنا نشهدها كل سنتين أو سنة»

مقالات مشابهة

  • أبراج تنتظرها أموال كثيرة في الأيام القادمة.. هل برجك من بينها؟
  • حقيقة وفاة جورج قرداحي نتيجة الغارات الصهيونية على لبنان
  • الشعب الجمهوري: مشروع رأس الحكمة يحقق عوائد كثيرة للاقتصاد المصري
  • حركة المجاهدين الفلسطينية تبارك للمقاومة العراقية عمليتها النوعية في الجولان المحتل
  • حزب الله يعلن قتل عسكريين إسرائيليين بهجمات منفصلة بالشمال المحتل
  • جيش العدو يقر بفشل أجهزته في اعتراض المسيّرة العراقية بالجولان المحتل
  • مقتل جنديين للعدو الإسرائيلي في عملية للمقاومة بطائرة مسيرة
  • مسؤول أممي سابق: ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي إلى خفض إنتاج مزروعات كثيرة
  • حزب الله يتصدى لكل محاولات التقدم الصهيونية على أكثر من محور في جنوب لبنان
  • انفجارات تهز العاصمة الدنماركية قرب “السفارة الصهيونية”