قيم التسامح النبيلة
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
حمد الحضرمي **
** محامٍ ومستشار قانوني
التنشئة الاجتماعية ليست عملية حديثة؛ بل هي عملية قديمة جدًا ظهرت مع ظهور المجتمعات القديمة، وقد دأبت المجتمعات البشرية منذ أن خلق الله الإنسان على استخدام تقنيات تتفاوت في بساطتها ودرجة تعقيدها، لتربية أبنائها وتنشئتهم، بحيث يصبحون على وعي بمتغيرات الحياة والنماذج السلوكية التي تجعل الفرد فيها قادرًا على تعلم القيم والنظام؛ ونماذج سلوك البيئة الاجتماعية، التي يكون عضوًا فيها، وإكسابه الأدوار والاتجاهات المتوقعة من أفراد المجتمع.
والتنشئة في الإسلام نظام متكامل يشمل فلسفة التربية وأهدافها؛ ومناهج التعليم وما إلى ذلك، وقد غطت التربية الإسلامية جوانب التربية المباشرة للفرد بشمول وتوازن، والوصول إلى التوازن في حياة الإنسان متعدد الطاقات والاتجاهات، ليس بالأمر السهل، فهو هدف ليتحقق يحتاج إلى جهود كبيرة، ليعيش الإنسان في سعادة وسلام. ومجالات التنشئة الإسلامية هي: التربية الجسمية، والتربية الإيمانية، والتربية الاجتماعية، والتربية العقلية، والتربية النفسية، والتربية الأخلاقية، والتربية الجنسية. وهناك شرطان ضروريان للصحة النفسية هما: سلامة الجسد من العلل، وسلامة النفس من الهم والحزن والكسل والجبن والبخل، ولكل إنسان قدراته العقلية والنفسية لكي يعيش حياة هادئة مطمئنة، متمتعًا بصحة نفسية جيدة لا بد له من زاد، وزاده في رحلته الإيمان بالله، الاطمئنان لقوله؛ والرضا بقضائه وقدره، والصبر على بلائه، والثقة في عونه ورحمته وحفظه، والقناعة برزقه، والعمل من أجل الكسب والطاعة، والحرص على أداء ما فرضه الله من عبادات ومعاملات.
ويقصد بالتربية النفسية تربية الأبناء منذ أن يعقلوا على الجرأة والصراحة والشجاعة والتسامح والعفو والصفح وكظم الغيظ والشعور بالكمال وحب الخير للآخرين، والانضباط عند الغضب والتحلي بكل الفضائل النفسية والخلقية. والتربية الأخلاقية هي مجموعة المبادئ الأخلاقية؛ والفضائل السلوكية والوجدانية التي يجب أن يتلقنها الطفل ويكتسبها ويعتاد عليها منذ تمييزه وتعقله إلى أن يصبح مكلفًا يخوض معترك الحياة، فالطفل منذ نعومة أظفاره حين ينشأ على الإيمان بالله، و يتربى على الخشية من الله ومراقبته، والاعتماد عليه والاستعانة به، تصبح عنده الملكية الفطرية، والاستجابة الوجدانية لتقبل كل فضيلة أو مكرمة، والاعتياد على كل خلق فاضل كريم، لأن الوازع الديني الذي تأصل في ضميره بات حائلًا بين الطفل وبين الصفات القبيحة والعادات الأثيمة، ويصبح إقباله على الخير عادة من عاداته، وحبه للمكارم والفضائل يصبح خلقًا أصيلًا في أخلاقه وصفاته.
ومسؤولية المربين في ميدان التربية الأخلاقية شاملة لكل ما يتصل بإصلاح نفوسهم؛ وتقويم اعوجاجهم، وترفعهم عن الدنايا، وحسن معاملتهم للآخرين، فهم مسؤولون عن تنشئة الأولاد منذ الصغر على القيم الأخلاقية كالصدق والأمانة، والاستقامة، والإيثار، وقيم التسامح النبيلة: العفو والصفح وكظم الغيظ والإحسان، وغيرها من الفضائل. وتعتبر القيم جزءًا لا يتجزأ من شخصية الإنسان، وأهم شيء في حياتنا، ونسعى دائمًا للحفاظ عليها، لأنها معيارًا يقاس بها جميع اعمالنا وتصرفاتنا. والقيم تعطي لحياتنا صبغة جميلة، وتدفعنا إلى إصدار الآراء والأحكام، وعلى أساسها تبنى كل مشاريعنا وأعمالنا، فهي أساس لتشكيل بناء تربوي ونفسي سليم للفرد.
وتشكل قيم التسامح النبيلة (العفو والصفح وكظم الغيظ) منهاجًا أخلاقيًا متكاملًا، يجمع بين المفهوم الديني والدلالة الإنسانية، وهذه القيم من شأنها النهوضُ بمستوى الفرد روحيًا وماديًا، وتقوية المجتمع في كل المجالات، والمجتمع لا يمكن أن يقوم على قواعد الكراهية والحقد والظلم، وإنما يقوم على القيم الأخلاقية الشريفة، قال الله تعالى "وأن تعفوا أقربُ للتقوى" (البقرة: 237). والعفو صفة شريفة مقترنة بالتقوى، لأنها تشير إلى سلوك إيماني متماسك، حيث الرحمة بالآخرين، والتجاوز عن أخطائهم، والأخذ بأيديهم نحو بر الأمان، وهذا التصرف النبيل يدل على قوة الروابط المجتمعية، وعدم التربص بالطرف الآخر من أجل اصطياد العثرات واستغلالها. وقال الله تعالى "والعافين عن الناس" (آل عمران: 134) الذين يتجاوزون عن الناس زلاتهم رحمة بهم وشفقة عليهم، فيعفون عن من ظلمهم، وتكون قلوبهم خالية من الحقد، وهذا منتهى الصفاء، وحب الخير للآخرين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث "ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا" فالعبد الذي منحه الله تعالى نعمة العفو والتجاوز عن سقطات الناس، هو كبير في عيونهم، وينظر إليه كسيد كريم عزيز، راجح العقل، وصاحب أخلاق عالية، وهذا يجعله ذا مكانة رفيعة في قومه، وهذه هي النعمة الدنيوية، أما النعمة الأخروية فتتجلى في حصوله على الرضا الإلهي ونيل جنته.
قال الإمام الشافعي:
قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم // إن الجواب لباب الشر مفتاح
فالعفو عن جاهلٍ أو أحمقٍ أدب // نعم وفيه لصون العرض إصلاح
إن الأسود لتخشى وهي صامتة // والكلب يحثى ويرمى وهو نباحُ
ويعتقد البعض أن العفو هو وسيلة المغلوب على أمره، وموقف العاجز الضعيف، وهذا فهم خاطئ يتنافى مع الحقيقة، فالعفو دليل على قوة الشخصية، والثقة بالنفس، والرحمة والشفقة على الآخرين، وهو لا يصدر إلا عن الواثقين القادرين لا الضعفاء العاجزين. وقال الله تعالى "فاصفح الصفح الجميل" (الحجر: 85) أي تجاوز عنهم، واعفُ عنهم عفوًا حسنًا، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم، ولا تعجل بالانتقام منهم، والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه، فهو صفح والرضا بلا عتاب، فإذا عفوت عن من ظلمك فلا تعاتبه.
وكظم الغيظ صفة عظيمة لا تصدر إلا عن النبلاء، فهي انتصار الخُلق الرفيع على النفس الإمارة بالسوء، إنها حبس الغيظ وكتمه بحيث يعجز عن تهييج النفس وقيادتها إلى الطيش والانتقام، فالكاظمون الغيظ يكتمون غضبهم فلا يصل أثره إلى الناس، ويحتسبون عند الله تعالى، فهم روضوا أنفسهم لنيل الرضا الإلهي لا اكتساب مديح الناس، وهنا تظهر القدرة على التحمل ولجم النفس البشرية ومنعها من التهور والانطلاق بلا حساب أو رادع. فالذي يكتم غيظه ويترك شهوة نفسه وحب الانتقام مع قدرته على التنفيذ، ولا يريد بهذا إلا وجه الله تعالى، فإنه سيلاقي جزاء عمله في الآخرة عزًا ونعيمًا ورضوانًا من الله الكريم، لأنه نجح في إلجام نفسه الأمارة بالسوء التواقة للانتقام، وكبح هذه الشهوة المتأججة، وهذا الفعل لا يقدر على القيام به إلا صفوة الصفوة من البشر. وحُكي عن جعفر الصادق- رضي الله عنه- أن غلامًا له وقف يصب الماء على يديه، فوقع الإبريق من يد الغلام في الطست، فطار الرشاش في وجهه، فنظر جعفر إليه نظر مغضب، فقال الغلام يا مولاي: والكاظمين الغيظ، قال جعفر: قد كظمت غيظي، فقال الغلام: والعافين عن الناس، قال جعفر: لقد عفوت عنك، فقال الغلام: والله يحب المحسنين، قال جعفر: اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى.
وهنا تتجلى الأخلاق الكريمة في أبهى صورها، فقد كظم الإمام جعفر الصادق غيظه وهو قادر على إنفاذه، فموقعه نابع من القوة لا الضعف، ولا يخفى أن كظم الغيظ بحاجة إلى قوة روحية كبرى تستوعب الصدمات، ولا تهتز أمام التحديات، وفي المرحلة الثانية جاء العفو تأكيدًا على سمو الأخلاق، ومساعدة الطبقات البسيطة في المجتمع، وفي المرحلة الثالثة كان الإحسان، وقد تمثل في إعتاق الغلام لوجه الله، وهذه هي الأفعال الحقيقية، التي تطبق الصفات تطبيقًا عمليًا على أرض الواقع مباشرة دون أي تردد.
إنَّ الأخلاق النبيلة لا تصدر إلا عن شخص قوي، ومن موقف القوة لا العجز، فصاحب الأخلاق الحميدة هو شخص انتصر على شهواته، واستطاع التحكم بأعصابه، وضبط مشاعره، ولم يترك نفسه فريسة سهلة للغضب والثورة والتصرفات الطائشة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
دليل السلوك السياسي لقيمة الثورة الحق: المفاهيم والإجراءات الواجبة
4 مفاهيم 12 مهارة سلوكية وواجب عملينوع المقال:
فكري إجرائي مرتبط بالمرحلة والأحداث وممتد حتى تحقيق أهدافه.
أهداف المقال:
1- توجيه الميول والقناعات نحو قيمة الثورة كقيمة أولى واجبة على كل مسلم ومسلمة يعيش في هذه المحطة التاريخية من عمر الأمة الإسلامية، والتي بلغت العام المئة من التخلي عن خيريتها ومهمتها في العمارة والاستخلاف.
2- بيان الدليل المفاهيمي والسلوكي الإجرائي لقيمة الثورة كدليل مرجعي ومعياري لكل مسلمي العالم.
3- تمكين النخب والجماهير بأهم قيم وواجبات المرحلة (الواجب فعله).
البواعث والمنطلقات العقدية والفكرية
في سياق ستة بواعث ومقاصد كبرى لا بد من التحديد المفاهيمي والسلوكي المهاري الإجرائي الدقيق لقيمة الثورة على الاستبداد والظلم والطغيان، وفي جوهره العبودية لغير الله تعالى؛ عبودية الإنسان والمجتمعات والدول الضعيفة عقائديا وفكريا وعلميا وتكنولوجيا واقتصاديا وعسكريا للقوة العالمية المتمردة الكافرة بمنهج الله تعالى، المتغطرسة الباطشة بقوة لدول العالم العربي والإسلامي.
1- لا إله الا الله عقيدة ومنهج حياة يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد بمنهاج وشريعة الإسلام العظيم، وتمكين الشعب من حقه في اختيار وتنصيب ومتابعة ومحاسبة وخلع قيادته ونظام حكمه إذا لزم الأمر، والذي يعد في ذاته أكبر ثورة، بل وأصل كل ثورة لتحرير الإنسان من استبداد وطغيان الإنسان على أخيه الإنسان.
2- القيم والهوية هي التجسيد الحقيقي لعقيدة الفرد والأسرة وحدة بناء المجتمع والأمة الإسلامية وسر وجودها، والأساس في بناء وتعظيم القدرات الستة للإنسان: التفكير، وتحصيل العلم، وإنتاج المعرفة، وتحسين السلوك، وتعزيز الاتصال والتأثير، والقدرة على الفعل والإنجاز، ومن ثم تعظيم القوة البشرية الإجمالية للمجتمع والأمة.
3- نظام القيم الذي يتبناه الإنسان يمثل الأساس لجهازه المعرفي الباعث والمحرك الأساس لفعله وإنجازه.
4- المنهج العلمي والعملي لترجمة وإحياء القيم النظرية إلى التطبيق والإنجاز في أداء وإنجاز المجتمع على يد علماء القيم والهوية الاسلامية عبر ثلاث مراحل متتالية ومرتبطة ومتكاملة فيما بينها:
أولا: التحديد الدقيق لمحتوى للبناء المفاهيمي المتكامل لكل قيمة ودلالته المعرفية.
ثانيا: ترجمة مفاهيم القيمة إلى واجبات عملية إجرائية (مهارات سلوكية) قابلة للتنفيذ والتعلم والقياس والتقويم.
ثالثا: بيان قوة وقيمة ومكانة ومكان كل قيمة في منظومة القيم الإسلامية للمحطة التاريخية التي تمر بها الأمة الإسلامية.
5- حرب المفاهيم والتجهيل والتضليل وغسيل الأدمغة الجارية لتغيير معتقدات ومفاهيم الجماهير على يد نخب بأسماء عربية وإسلامية تعمل لأجندة أعداء الأمة، وما تتطلبه من تحديد دقيق للمفاهيم والتطبيقات السلوكية للقيم الإسلامية لتحصينها من التلاعب والتشويه.
6- طبيعة المحطة التاريخية وعِظم الحرب وخطورة التهديد الواقع على الأمة الإسلامية، وتشعب البواعث وتنوع الإرادات والقوى المشاركة والأفكار المطروحة والأحداث والتفاعلات الجارية والمآلات المتوقعة؛ يفرض واجبين كبيرين على العلماء والمفكرين وقادة الفكر:
الواجب الأول: النظرة الأصولية الكلية للمشهد بأدوات الفقه الحضاري الإسلامي من فقه للمقاصد والعمارة والاستخلاف وللواقع والقدرات والمصالح المنضبطة بالشرع؛ التي تحقق أكبر قدر من المقاصد وتحاصر وتقلل المفاسد والأضرار إلى أقل حد أدنى ممكن، وفقه الأولويات والموازنات والمآلات بما يتناسب مع حجم ونوع التحديات التي تهدد الجميع المسلمين وغير المسلمين.
الواجب الثاني: تحرك المفكرين والعلماء إلى أمرين: الأول الصدع والحق وبيانه واضحا بيّنا للناس ببيان حقيقة المعركة بين الإيمان والكفر ومواقع الاصطفاف فيها وتسمية الأشياء بمسمياتها القرآنية، وأهم قيم التي يجب التمسك بها، والواجبات العملية الواجب القيام بها.
ولضمان تحقيق 5 ضمانات
1- توحيد المفاهيم والحد الأدنى من الواجبات العملية كأساس للتفاهم والتعاون، والتكامل، والوحدة والاحتشاد.
2- تحصين القيمة ومفاهيمها وتطبيقاتها الإجرائية، وقطع الطريق على حرب المفاهيم التي تقوم على استراتيجيات اختزال وتسطيح وتفريغ وتقويض وإحلال مفاهيم القيم.
3- ضمانات التحول من النظرية إلى ميادين الفعل، والعمل، والإجراء، والتنفيذ.
4- تحديد الواجب فعله فرديا ومجتمعيا، وتسهيل وتسريع مهمة القيام به.
5- معيارية وصحة وصوابية وجودة العمل الواجب القيام به.
نتناول البناء المفاهيمي الصحيح والواجبات الإجرائية لقية الثورة:
أولا: في سياقها العام قيمة أولى من منظومة قيم التحرر من الظلام والطغيان العالمي.
ثانيا: كقيمة لها بناؤها المفاهيمي الخاص وتطبيقاتها العملية في شكل أفعال مضارعة قابلة للتنفيذ والقياس، وفي شكل دليل مفاهيمي وسلوكي لكل قيمة بما نسميه في علم القيم والهوية بأدلة السلوك التربوي والمهني والاجتماعي بحسب الشريحة العمرية والنوعية.
منظومة قيم المقاومة والتحرر من الظلم والطغيان العالمي
1- قيمة الثورة.
2- قيمة الوعي الفردي والجمعي العام للمجتمع.
3- قيمة الوحدة والاحتشاد الوطني على مشروع التحرر.
4- التحرر من النظام العالمي.
5- قيمة العلم وإنتاج المعرفة وتوطين وإنتاج التكنولوجيا الخاصة.
6- التنمية الشاملة المستدامة والاكتفاء الذاتي.
7- قيمة محاربة الفساد.
تعريف قيمة الثورة
في اللغة: غضب وتمرد وخروج على النظام الحاكم لتغييره كاملا كمشروع ومؤسسات وأشخاص.
اصطلاحا: غضب وخروج جماهيري عنيف قد يصل إلى السلاح لخلع النظام وتغييره، وقد تنجح فتغير إلى الأفضل وقد لا تنجح وتغير إلى الأسوأ.
مضمون مصطلح الثورة: تغيير شامل في المنهج والقيادات الحاكمة بهدف إصلاح حياة الناس إلى الأفضل.
التعريف الشرعي لمصطلح ومفهوم الثورة:
الإسلام في ذاته منهج كامل وتام لإصلاح حياة الناس في دنياهم وآخرتهم لا يقبل الشراكة ولا مجرد الدخن مع أي منهج آخر، له عقيدته ومقاصده ومصدره ومرجعيته ومعاييره ومؤشراته الخاصة الصادرة عن إله واحد لا إله إلا هو ومن ثم فإن الإسلام في اسمه وذاته التي تعني وجوب تمرد وخروج الناس على أي منهج من دون الله تعالى والاستسلام والخضوع الكامل لمنهج الله تعالى، يمثل ثورة متكاملة الأركان للتغيير الشامل في معتقدات وأفكار ومقاصد والأهداف البشر ومنهاج ونظم عملهم ومعايير القيادات الصالحة لتحمل مسؤولية القيادة وتحمل مسؤولية السلطة، بما يحقق مصالح وسعادة الناس في الدنيا والآخرة.
الإسلام هو منهاج الحق الذي يجب أن يُتّبع، هذا ما تؤكده آيات الوحي العظيم:
- "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (الأعراف: 54).
- "إنا أرسلناك بالحق" (البقرة: 119).
- "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (الروم: 30).
- "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" (آل عمران: 19).
- "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجا" (المائدة: 48).
- "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (المائدة: 44).
- "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (المائدة: 45).
- "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (المائدة: 47).
تمايز مفهوم الثورة الحق في الاسلام عن كل ما سواه
ثورة الحق تنطلق من عقيدة المؤمن بإيمانه بالله تعالى وقدرته على التشريع العادل وحقه في التشريع، وحق الإنسان في الحرية والكرامة والمشاركة في إدارة مصيره، وبذلك يختلف مفهوم الثورة في الاسلام عنها في أي تصور وفكر بشري آخر على مستوى الباعث والمقصد والغاية والأهداف والوسائل والأدوات.
أهداف قيمة الثورة:
1- توجيه ميول وقناعات الشعوب الإسلامية بثورة الحق لتحرير الشعوب من عبادة الأصنام الحديثة من النظم الحاكمة المستبدة روافد النظام الدولي، إلى عبادة الله تعالى رب العالمين كمناهج وقيم وشريعة لإدارة شئون الحياة.
2- تعزيز الوعي الفردي والجمعي بالتطبيق العملي لمعنى التوحيد لا إله الا الله محمد رسول الله، ومفهوم ومهام الدولة في الإسلام بحفظ ورعاية الدين والقيام على مصالح البلاد والعباد.
3- تعزيز الوعي الجمعي بحق الأمة في اختيار وتنصيب ومراقبة وتقويم ومحاسبة وخلع وإحلال النظام.
4- تعزيز الوعي الجمعي بكيفية إحياء وتنظيم ممكنات الأمة في مقاومة النظام الطاغية الفاسد وخلعه وإحلاله بنظام أفضل.
3- تحفيز وتحريض وتشجيع الشعوب على مقاومة وانتزاع السلطة من الطغيان وردها لله تعالى وللمجتمع، والمحافظة على حريته ودينه وكرامته وحقوقه وأمنه واستقراره.
5- تمكين المجتمع من نظرية عمل علمية ممنهجة للتغيير والاحلال المنظم الذي يحقق ويحفظ مصالح البلاد والعباد.
البناء المفاهيمي والدليل السلوكي والإجرائي لقيمة الثورة
1- الوعي بالذات الإسلامية الرسالية.
2- رفض العبودية لغير الله تعالى، والغضب والخروج المنظم الهادف على منهج ونظام الطغيان.
3- الوعي المجتمعي بفهم الواقع وقوانينه وعناصره وتفاعلاته، وامتلاك قوة وأدوات خلع النظام.
4- الجاهزية بالمشروع البديل عن النظام المستبد التغيير والإحلال.
البناء التكاملي للمفاهيم الأربعة المكونة لقيمة الثورة:
الوعي الفردي والجمعي بالكرامة الإنسانية وبالذات الإسلامية الرسالية التي تجعل من كل مسلم حاملا لرسالة ومهمة الإسلام بعمارة الحياة بمنهج الله تعالى وبتقنيات الحياة الحديثة المتجددة، وبكونه خليفة لله تعالى في الأرض بمنهج الله تعالى رحمة للعالمين، تصنع منه إنسانا عملاقا:
- صالحا في ذاته مصحا لمجتمعه وأمته.
- واعيا بمهمته الإصلاحية، وبواجب الدولة في رعاية الدين وخدمة مصالح الناس.
- إيجابيا.
- يقظا.
- مبادرا.
- عالميا.
- مهتما بالشأن العام ومتفاعلا معه ومشاركا فيه وصانعا لأحداثه. ومن أهم وأولى اهتماماته مراقبة النظام الحاكم للبلاد، ورفض كل تفريط وتقصير في حق الدين، وطغيان على أي حق من حقوق الشعب والأمة، يتبعه بالغضب وتفعيل ذلك الغضب شعبيا لتوصيل الرسالة قوية للنظام وللضغط عليه بفاعلية لدفعه للاستجابة والتقويم، وإن لم يستجب يتحول إلى إعداد البديل الكامل من مشروع فكري ونظام مؤسسي وقيادات إصلاحية بديلة، مع الخروج الجماعي المنظم الهادف لتغيير وإحلال النظام.
الدليل السلوكي للواجبات العملية لمهارات قيمة الثورة
الدليل السلوكي والتراكم الإجرائي للواجبات العملية بعلاقة ارتباطية ووظيفية طردية:
1- أن يعي ويحفظ الذات والكرامة الإنسانية لكل أبناء المجتمع (حرية- كرامة- أمن- استقرار).
2- أن يعتز بذاته الذات الإسلامية الرسالية لتكون كلمة الله هي العليا (عقيدة ومصدرا ومقصدا ومعيارا ومؤشرا) لسياسة الناس، وأنها عقيدة لا يفرط فيها ولا يُساوم عليها.
3- أن يعي حقوقه وواجباته وقدراته وممكنات الفعل وكيفية تنفيذها (حقوقه اختيار ومتابعة ومحاسبة وخلع النظام).
4- أن يتابع ويراقب أداء النظام وجودة التزامه بمنهج الله.
5- أن يمارس النصح والإصلاح ويوعي ويحفز ويشارك المجتمع على أداء واجب الإصلاح، ويضع لذلك حدودا.
6- أن يرفض الظلم والطغيان والاستضعاف والعبودية لغير الله تعالى، ويغار على دينه ويغضب لله تعالى ويخرج على النظام المتألّه على الشعب والرافض للإصلاح.
7- أن يفهم حقيقة الصراع العالمي بين الكفر والإيمان، وامتداداته الإقليمية والمحلية وطرق ووسائله وأساليبه.
8- أن يؤسس أو يشارك أو يدعم حركة التحرر للتفكيك النظام والسيطرة على مفاصل وإدارة الدولة.
9 - أن يحترف مكر المكر ويشارك بكافة طرق وحيل ووسائل وأدوات اختراق وتفكيك وتغيير النظام بأقل تكلفة بشرية ومادية ممكنة، مع الاستعداد الكامل بالتضحية بحياته لنجاح الثورة.
10- أن يشارك في بناء وتقوية المشروع (الثقافي والسياسي والاقتصادي) البديل فكريا أو خططيا أو تنفيذيا.
11- أن يشارك في ترسيخ النظم المؤسسية الاحترافية المعيارية لتنظيم وادارة الدولة:
- بناء وإدارة القطاع الحكومي والمدني والخاص.
- ترشيح واختيار القيادات.
- معيار الأداء والإنجاز.. الخ.
12- أن يشارك في بناء ودعم نجاح مرحلة التحول وبناء النظام الجديد مشروعا ومؤسسات وقيادات جديدة.