يعكس الموقف الروسي من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، "توازنا دقيقا" لموسكو للحفاظ على مصالحها مع الحركة وإسرائيل في الوقت ذاته.
ولروسيا علاقات تاريخية مع الحركة، واستقبلت العديد من الوفود الرسمية لها، ولا تعبرها منظمة إرهابية، ودافعت عنها في العديد من المناسبات.
ومع تصاعد الحرب بين إسرائيل وحماس منذ هجوم الحركة على إسرائيل، السبت الماضي، اتهم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي تواجه بلاده غزوا روسيا، موسكو بدعم الحركة.
ومنذ الهجوم، خرجت موسكو بتصريحات تعكس مواقفها السابقة من الصراعات المماثلة بين الجانبين وعلاقتها الوثيقة بالحركة وإسرائيل، رغم أن علاقتها بالأخيرة توترت منذ غزو أوكرانيا.
وتركزت تصريحات المسؤولين الروس على إلقاء اللوم على الطرفين المتحاربين.
وفي حين كرر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، دعوته لوقف إطلاق النار، وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الصراع بأنه بمثابة "فشل للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط"، معربا عن قلقه إزاء "الزيادة الكارثية" في عدد الضحايا المدنيين في كل من إسرائيل وغزة.
وقالت شبكة "سي أن بي سي" الأميركية إن "موسكو تتبع تقليديا خطا دبلوماسيا دقيقا بين إسرائيل وحلفائها في الشرق الأوسط".
ولدى روسيا علاقات "دافئة وبناءة" مع إسرائيل، لكن منذ غزوها لأوكرانيا العام الماضي، وثقت موسكو بشكل كبير علاقاتها العسكرية مع إيران التي تقدم الدعم المالي لحركة حماس، التي شنت هجوما غير مسبوق على إسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وقالت تاتيانا ستانوفايا، من مركز كارنيغي في تحليل الاثنين: "إن موقف روسيا من الصراع معقد"، فمن ناحية، قد تستفيد من تاريخها في الوساطة بين الفلسطينيين وعلاقاتها مع حماس للحصول على موطئ قدم في أي عملية سلام، كما ترى أهمية علاقاتها مع إيران والدول العربية، ومن ناحية أخرى، تظل علاقتها مع إسرائيل قوية وعملية، ولديهما خطوط اتصال مفتوحة، ودرجة من التنسيق العملي في سوريا".
تاريخ العلاقات مع حماسيشير موقع "راديو أوروبا الحرة" إلى علاقات وثيقة بين موسكو وحماس، وهذه العلاقة في حد ذاتها تسببت في اتهام موسكو بأنها متورطة بشكل ما في الهجوم الأخير لحماس.
واستقبلت موسكو على مر السنين وفودا لحماس، حيث توسطت في بعض المرات في جهود المصالحة مع غريمتها، حركة فتح، وفي مرات أخرى ناقش الجانبان عملية السلام في الشرق الأوسط.
خالد مشعل زار موسكو في 2006وفي عام 2006، وبعد فوزها في الانتخابات بالأراضي الفلسطينية، زار وفد للحركة بقيادة رئيس المكتب السياسي لها في ذلك الوقت، خالد مشعل، موسكو حيث استقبله لافروف، وناقش الجانبان عملية السلام وأمور أخرى.
وقبل الاجتماع، قال بوتين، في مقابلة أجريت معه في 10 فبراير، إنه لا يعتبر حماس منظمة إرهابية.
ولطالما وجهت روسيا انتقادات للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، بدءا من العملية العسكرية بين عامي 2008 و2009، وعملية "عمود السحاب" في 2012، وكذلك حرب عام 2014، واقتحام قوات إسرائيلية لقافلة المساعدات في 2010.
وبعد أن قتلت إسرائيل القائد العسكري للجناح العسكري لحماس وستة فلسطينيين آخرين في عملية "عمود السحاب"، دعا لافروف بعد اجتماع مع وزراء خارجية دول الخليج في الرياض إلى "وقف الهجمات والعنف في غزة".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الروسية إن "الهجمات على جنوب إسرائيل، وكذلك القصف الإسرائيلي غير المتناسب لأهداف في غزة، غير مقبول على الإطلاق".
وفي يونيو 2010، طالب رئيس الوزراء حينها، بوتين، بفتح تحقيق دولي في توقيف القوات الإسرائيلية سفينة المساعدات قبالة غزة، واصفا الإجراء الإسرائيلي بأنه "انتهاك صارخ للقانون الدولي"، ودعا أيضا إلى إنهاء الحصار الإسرائيلي لغزة.
وخلال حرب 2014، اتصل بوتين هاتفيا برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، لحثه على وقف العملية في غزة التي "تؤدي إلى مقتل العديد من المدنيين".
ورحبت موسكو باتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية الموقع في 27 أبريل 2011 بين فتح وحماس. وبموجب هذا الاتفاق كان يفترض أن يتم تشكيل حكومة وفاق وطني تشرف على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، خلال سنة. وفي شهر مايو 2011، استضافت روسيا مسؤولين من فتح وحماس لتعزيز جهود المصالحة.
وكانت آخر زيارة لوفد حماس إلى روسيا في شهر مارس الماضي، حيث أجرى وفد يضم كبار قادتها مباحثات مع مسؤولين روس، وتطرق اللقاء، بحسب وزارة الخارجية الروسية، إلى "موقف روسيا الثابت الداعم للحل العادل للمشكلة الفلسطينية".
وزار قادة حماس موسكو في مايو وسبتمبر 2022. وفي زيارة مايو، أجرى مسؤولون في الخارجية الروسية مباحثات مع موسى أبو مرزوق، رئيس مكتب العلاقات الدولية في الحركة، بشأن العنف في مدينة القدس ومحيط المسجد الأقصى.
موسكو توسطت بين فتح وحماس واستقبلت وفودا من الجانبينوجاءت هذه الزيارة في أعقاب التوتر الذي كان قد حصل في العلاقات الروسية الإسرائيلية بعد أن تحدث وزير الخارجية الروسي عن "يهودية هتلر".
وفي سبتمبر من ذلك العام، ترأس وفد حماس، إسماعيل هنية، الذي زار موسكو تلبية لدعو رسمية، وناقش هناك مع المسؤولين الروس المستجدات الإقليمية والدولية.
وكانت هناك تقارير على مدى السنوات الماضية، ومن قبل الحرب في أوكرانيا، بأن مسلحي حماس يستخدمون أنظمة تسليح روسية الصنع، مثل الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، والصواريخ المحمولة على الكتف، لكن لم يتم تأكيد هذه التقارير.
هانا نوت، المحللة المقيمة في برلين في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي والخبيرة في السياسة الروسية في الشرق الأوسط، قالت في تصريحات لـ"سي أن بي سي" إنه لا توجد أدلة على وصول شحنات كبيرة للأسلحة من روسيا مباشرة إلى حماس.
وقالت الخبيرة إن موسكو تستقبل مسؤولي حماس منذ فوزهم في الانتخابات في الأراضي الفلسطينية، و"كان الروس نشطين للغاية في السنوات الأخيرة، حيث حاولوا التوسط بين الفصائل الفلسطينية المختلفة. ولم يعترفوا قط بحماس منظمة إرهابية. وجادلوا دائما بأن الفصائل المختلفة بحاجة إلى تشكيل الوحدة".
وأضافت أن "هذا نوع من المكانة التي نصبها الروس لأنفسهم في عملية السلام، لأنهم أعربوا عن أسفهم بشكل متكرر في السنوات القليلة الماضية على احتكار الأميركيين لعملية السلام، خاصة خلال إدارة ترامب و"صفقة القرن". ولذلك حاولوا الحصول على هذه المكانة، متفاخرين بالتحدث مع جميع الفصائل الفلسطينية، وكانت الفصائل تأتي إلى موسكو بشكل متكرر".
وتشير إن موقف روسيا تاريخيا هو التأييد التام للفلسطينيين، ويمكن اعتباره أيضا "نهجا متوازنا للغاية بشأن الصراع"، فرغم هذه العلاقات التاريخية مع حماس، "لا يمكن أن نستنتج من ذلك أن هناك نوعا من الدعم العسكري المباشر".
و"من المبالغة كذلك أن نستنتج أن روسيا تؤيد الهجوم الدموي لحماس وتخاطر بإحداث اضطراب تام في العلاقات مع إسرائيل، التي تعتبر علاقاتها مع موسكو فاترة ولكنها بالتأكيد ليست عدائية".
وتعبر زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، لموسكو ، الاثنين، واستقبل لافروف له "بمثابة تذكير بأن روسيا تحتل موقعا متميزا على الساحة الشرق أوسطية"، وفق الخبيرة.
لكن صحيفة لو موند الفرنسية تنقل عن أركادي دوبنوف، خبير السياسة الخارجية الروسية المقيم في موسكو، إن "موسكو تواصل تقديم نفسها كوسيط موثوق به في المفاوضات في الواقع، لكن أي احتمال للعب هذا الدور انتهى من الدور في 24 فبراير 2022"، أي تاريخ انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتقول "سي أن بي سي" إن الحرب في أوكرانيا وضعت إسرائيل في موقف غير مريح، مع ضغط حلفائها الغربيين، وخاصة الولايات المتحدة، على نتانياهو لعدم دعم بوتين ودعم أوكرانيا.
وعلى الرغم من الدعوة إلى "حل دبلوماسي" لإنهاء الصراع، فقد قاومت إسرائيل حتى الآن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، أو تأييد فرض عقوبات على روسيا بسبب غزوها.
وتقول "تايمز أوف إسرائيل" إن العلاقات بين إسرائيل وروسيا تراجعت بسرعة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وحتى في الوقت الذي سعت فيه إسرائيل إلى الحفاظ على "توازن دقيق" من أجل مواصلة التنسيق مع موسكو في المجال الجوي السوري، توترت العلاقات عندما قدمت إسرائيل مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا.
وتمحور رد روسيا على اندلاع أعمال العنف في إسرائيل حول الدعوة إلى وقف إطلاق النار، واغتنمت وزارة خارجيتها الفرصة لانتقاد سجل الغرب في التوسط في إبرام اتفاقات سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ويرجح معهد دراسة الحرب أن روسيا تحاول استغلال الصراع الأخير "لصرف الانتباه عن عملياتها في أوكرانيا"، ونقلت عن المدون الروسي البارز ،سيرغي ماردان، إن روسيا ستستفيد من التصعيد لأن العالم "سيصرف انتباهه عن أوكرانيا لفترة وينشغل مرة أخرى بإطفاء النار الأبدية في الشرق الأوسط".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الخارجیة الروسیة الخارجیة الروسی فی الشرق الأوسط عملیة السلام بین إسرائیل أن روسیا
إقرأ أيضاً:
أوكرانيا تعترف باغتيال الجنرال الروسي إيجور كيريلوف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت الأجهزة الأمنية الأوكرانية مسؤوليتها عن اغتيال الجنرال الروسي إيجور كيريلوف، قائد قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي، بعد انفجار عبوة ناسفة كانت مثبتة على دراجة سكوتر في جنوب شرق موسكو.
وكشف مصدر أمني أوكراني لوكالة فرانس برس أن الهجوم تم كعملية خاصة لجهاز الأمن الأوكراني.
وجرى اغتيال كيريلوف مع مساعده في التفجير الذي وقع في شارع ريازان بموسكو.
يذكر أن كيريلوف كان قد وُجهت له تهم ارتكاب جرائم حرب من قبل السلطات الأوكرانية، وقد فرضت المملكة المتحدة عليه عقوبات في أكتوبر 2023 بسبب الاشتباه في استخدامه أسلحة كيميائية في أوكرانيا.