كتاب "المنسيات" للشاعر عبد الله أبو شميس.. قصائد على ألسنة نساء
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
استوقفتني تجربة الشاعر الدكتور عبد الله أبو شميس في كتاب "المنسيات" الصادر عن دار أزمنة، والذي يضم قصائد على ألسنة نساء، غالبيتهن معروفات في إطار القصص القرآني وأحداثه، نصف هؤلاء النساء مشهورات الاسم وهنّ: حواء ومريم وهاجر وبلقيس وخديجة، ونصفهن الآخر يُعرفن ضمن الثقافة العربية، بنسبتهن إلى رجل، وهنّ: والهة امرأة نوح، وراحيل والدة يوسف، وآسيا امرأة فرعون، وصفّورا زوجة موسى، وزليخا امرأة عزيز مصر.
تحاول قصائد أبو شميس إعادة اكتشاف تجربة المرأة في كل قصة من هذه القصص، كما تحاول استبطان تجارب صاحباتها أنفسهن، كون التجربة الإنسانية هي جوهر الشعر، كما ذكر المؤلف، فالعمل كله قائم على الخيال، ولا يدعي امتلاك حقيقة شخصيات غابرة في الزمن والتراث.
يفتتح الشاعر كتابه بقصيدة "حواء" وفيها يقول:
عصيتُ إلهي لأبقى معكْ
وأخلفتُ عهدي لكي أتبعَكْ
نصحتُكَ لم تقتنعْ بكلامي
وإبليسُ أفلحَ أن يقنعَكْ
نصحتُكَ ألّا تذوق الثمارَ
فلمّا أكلتَ أكلتُ معكْ!
أنا ضلعُ خصركَ.. حيث ذهبتَ
سأذهبُ تابعةً أضلعَكْ
ولستُ على الذنب نادمةً
ولكنْ على ندمٍ أوجعَكْ
وكم كان الشاعر موفقاً في بوحه على لسان حواء، وهو يكشف مدى رقي المشاعر ورهافتها، التي ينبغي أن تكلل حياة أي زوجين، حين قال: "ولست على الذنب نادمة/ ولكن على ندم أوجعك".
ثم نصغي لجمالية رد آدم عليه السلام على حواء في القصيدة ذاتها:
أسمّيكِ "حوّاءَ".. أنتِ احتويْتِ"
جنوني، وشاركتِني زلّتي
وأنتِ مسحتِ كآبةَ حزني
وأعتقتِ روحيَ من محنتي
وها أنتِ تُهدينني فتنةً
فيا لنعيمي! ويا بهجتي!
أنا آدمُ اليوم، لا أمس لي
وحسبيَ في غدٍ امرأتي
وما عدتُ أبحث عن جنّةٍ
فسوف تكونين لي جنّتي!
وعلى نقيض عاطفة المودة والرحمة بين آدم وحواء في القصيدة السابقة، نقرأ في قصيدة "والهة" زوجة نوح عليه السلام:
"عنكبوتٌ أكملتْ
منذ شهورٍ بيتَها في حجرتي
وأقامتْ فوق جدران السكينةْ"
يستهل الشاعر قصيدته بكلمة "عنكبوت"، وأول ما يرد بذهن القارئ قوله تعالى: "وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت" الأنثى التي تفترس زوجها، حينها يدرك القارئ أن محور القصيدة علاقة زوجية فاشلة وبائسة، بسبب موقف زوجة لا تساند زوجها ولا تؤمن برسالته وبعمله وهو يصنع الفلك، التي أنقذ فيها ما تبقى من حياة على الأرض.
بينما في قصيدة "راحيل" زوجة يعقوب عليه السلام يتقمص الشاعر عاطفة الأم وهي تبكي فراق يوسف، قائلة:
"كم ربيعاً مضى؟
كيف أدري، أنا البدويّةَ، يا ولدي
بحساب السنينْ؟
كلّ عامٍ أُضيف إلى جسدي ثُقُباً
لأراكَ بهِ..
لو ترانيَ، يا ولدي،
صرتُ غربالَ شوقٍ
مثقّبةً بالحنينْ"
صورة شعرية مدهشة يصف بها أبو شميس آلام راحيل "غربال شوق مثقبة بالحنين"، كما أن دقة الوصف وجماليته تحسب لهذا الشاعر المبدع.
أما في قصيدة "زليخا" امرأة عزيز مصر والتي هامت بيوسف عليه السلام نقرأ:
"أيحسبني سأتركُهُ لأنثى ترتديهِ سِوايَ
والعُشبُ الّذي في صدرِهِ مَرعايْ؟!
لأجلكَ أيّها البدويُّ
قد أصبحتُ راعيةً
وفي شفتيَّ أحلمُ أن يذوبَ النّايْ"
شعراء كثيرون تمثلوا صوت الأنثى في قصائدهم وعبّروا عن خلجاتها ومشاعرها، ولكن قلة منهم نجحوا في ذلك، فهي مهمة تحتاج قدراً عالياً من الفن بالأسوب وانتقاء الألفاظ والصور، كي يقتنع القارئ أن النص فعلاً يعكس أحاسيس امرأة، ولعل من الشعراء الذين أجادوا ذلك، القدير نزار قباني كما في قصيدتيه "كلمات" التي تغنت بها الفنانة ماجدة الرومي و"أيظن" التي صدحت بها صاحبة الحنجرة الذهبية نجاة الصغيرة، وبلا شك يمكن القول إن مؤلف كتاب "المنسيات" نجح وباقتدار بأن يقدم لنا أصواتاً لسيدات من التاريخ الإنساني، تجعلنا نتساءل عن سر احتفائه بقصصهن، ويكفي أن نصغي له في قصيدة "آسيا" حين يقول:
" فرعونُ
قافلةٌ من الخيباتِ
تعبرُ عمريَ المهدورَ
عاماً بعد عامِ"
لنشعر فعلاً أننا أمام آسيا تندب حظها في العيش مع الطاغية، الذي قال: "أنا ربكم الأعلى".
الشاعر في سطوريشار إلى أن الدكتور عبد الله أبو شميس شاعر وباحث ومترجم، من مواليد عمّان 1982، حاصل على البكالوريوس في هندسة الميكاترونيكس، والدكتوراه في الأدب والنقد من جامعة اليرموك في الأردن (2013)، يعمل في إدارة البحوث بمركز أبوظبي للغة العربية، صدرت له عدة مجموعات شعريّة: هذا تأويل رؤياي (2006) ، الخطأ (2011)، الحوار بعد الأخير (2016)، وكتاب المَنسِيات (2021)، كما صدرت له ترجمة شعرية لكتاب "اللانداي: من شعر المرأة الأفغانيّة في الحب والحرب"، بالاشتراك مع الدكتورة حنان الجابري (2018).
وقد شارك أبو شميس في الدورة الأولى من برنامج أمير الشعراء 2007، وحاز على جائزة لجنة التحكيم والناقد د. عبد الملك مرتاض.
وهو حاصل على عدد من الجوائز العربية منها، جائزة مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين لأفضل قصيدة، عن قصيدة "راحيل" (2022)، وجائزة محمود درويش الشعرية (2018) عن ديوان "الحوار بعد الأخير"، وجائزة الشارقة للإبداع العربيّ (2005) عن ديوان "هذا تأويل رؤياي".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: غزة وإسرائيل زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة علیه السلام فی قصیدة
إقرأ أيضاً:
مصر.. 3 مصابين في حريق بحوض للسفن في السويس
أفادت وسائل إعلام مصرية اليوم الجمعة بإصابة 3 أشخاص إثر نشوب حريق كبير في منطقة بناء السفن بمحافظة السويس شرقي البلاد، وهرعت سيارات الإطفاء للسيطرة على الحريق.
وقال شهود عيان إن الحريق التهم عددا من سفن الصيد، وإن ألسنة اللهب تصاعدت بكثافة، مما صعّب عملية الإطفاء، خاصة مع وجود مواد قابلة للاشتعال في المنطقة.
وحسب موقع المصري اليوم، حاولت فرق الحماية المدنية في السويس السيطرة على ألسنة اللهب "على مدار أكثر من 6 ساعات متواصلة، لكن الحريق أتى على 10 مراكب صيد ولنشات نزهة داخل مكان لبناء السفن، مخلفا مشهدا أشبه بالدمار الشامل".
واستخدمت إدارة مكافحة الحريق مدافع مياه عالية الضغط لمكافحة ألسنة اللهب في الحريق الهائل، كما وصلت أعداد جديدة من سيارات الإطفاء وعدد من سيارات الإسعاف إلى مكان حريق منطقة بناء السفن، في حين وصلت قيادات أمنية إلى منطقة الحريق، وسط محاولات للسيطرة على توسعه.