جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-26@23:48:54 GMT

"فلسطين داري ودرب انتصاري"

تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT

'فلسطين داري ودرب انتصاري'

 

منى بنت حمد البلوشية

أيام الطفولة لا تنسى فمن أجمل القصائد الخالدة في أذهاننا التي كنَّا نتغنى بها "فلسطين داري ودرب انتصاري"، حفِظتها ألسنتنا حيث كنا نلهو ونلعب ونحن ننطق كلماتها بكل حب وتخيل لها، عندما كان منهجنا يتحدث عن فلسطين الأبيّة وعن المحتلين الذين سلبوا الدولة الحبيبة.

في طفولتي وربما كغيري من الأطفال في ذلك الحين، كانت تراودني عدة أفكار وتخيلات من بينها كيف لي أن أذهب لفلسطين وأحارب لأجلها، وبحجر واحد أقتل يهوديا محتلا لأرض الشرفاء، في طفولتي كانت تراودني فكرة الهروب إليها دون علم والدّي، هي أفكار ولم يعلم بها أحد لأنني كتمتها في جوف قلبي حبًا لفلسطين ولأنني طفلة لم أعِ معنى أن أذهب لأقاتل لأجل فلسطين وتحريرها بالقرب من المحبين لها، منذ طفولتنا ونحن نرجو أن يأتي اليوم المنتظر لأن تكون فلسطين دولة لا يوجد قدم يهودي صهيوني على أرضها.

كبرتُ وضحكتُ على نفسي كثيرًا من تلك  التخيلات والأفكار التي راودتني، ماذا لو فعلتُ ذلك وأنا بطفولتي واستشهدتُ لأجلها، وبكيتُ كثيرًا لأنني لم أستطع فعل شيء لأجلها فهي ليست سوى أفكار وأحلام لم تتحقق ولن أفعلها إلا إذا  تكاتفت كل الأيادي العربية لأجلها، وليس بإمكاني فعل شيء لها، سوى كتابتي لها كلمات وعبارات كهذه المقالة وبعض الكلمات التي هي مدفونة بين لساني وشفتيَّ كغيري ممن يقرأ الآن والدعاء لها.

منذ أيام شاهدنا "طوفان الأقصى" وما أروع تلك البسالة التي قام بها الفلسطينون أبناء الوطن الأبيّة، محاولين بكل جهد لهم لأن يفعلوا ما لم يستطع أحد فعله في كل مرة يقومون به، قام الفلسطينيون بأكبر عملية منذ فترة لم يكن لها مثيل، لأجل حبيبتهم وسقط قناع القوة الذي كان يختبئ خلفه ذلك المحتل الصهيوني، ونحن نتابع عن كثب  وقرب من برامج التواصل الاجتماعي، كيف كان يختبئ الصهاينة بداخل حاويات القمامة لأنه بالفعل هو مكانهم، وشاهدنا الأسرى وهم بين كنف الأحبة الفلسطينيين ومعاملتهم لهم وكرمهم بلطف ولين، بينما كانوا  يعاملون الفلسطينيين بعنف وشدة وهم بين تلك القضبان، إلا أننا شاهدنا ما فعله الصهاينة البرابرة وقذفوا عليهم وابلا من القذائف وسقطت أعداد من الشهداء صغارًا وشبابا وشيبة ونساء، والأمهات ترتفع أصواتها مكبرة بأعلى صوت لها "الله أكبر ابني شهيد الله أكبر يا وطن والله معك".

كم يؤلمني أن أشاهد تلك الإمدادات ومؤازرة أمريكية لإسرائيل وتنشرها وسائل التواصل الاجتماعي بينما لا يوجد من يقوم بها من العرب.

"الشعب العربي وين.. وين الملايين" إن فلسطين تقاوم العدوان بنفسها، وتخسر أرواح أطفالها وشبابها مقاومة كل سُبل الطغيان من حصار وعدوان.

من المؤسف أن نشاهد نظرات الوداع على الأقمار مجازر غزة ورفح وغيرها، هل سنبقى مجرد مشاهدين ونحن لا نفعل شيئا، متى سنشدّ أيادينا ونتحرك، ماذا يعني هذا الصمت العربي الذي له صوت، أين شيرين أبو عاقلة؟ ورفاقها الذين استشهدوا لأجل رسالتهم؟ رسالتنا نحن كرسالتهم متى سينتهي ذلك العدوان الجاثم على قلب فلسطين الحبيبة وقلب كل فلسطينيّ؟ ومتى سيبصر الكيان الصهيوني فداحة الجريمة التي يقومون بها من حصار وقتل ونهب وتجويع وإغلاقات وقصف. إنهم لم يشاهدوا بعد مدى القوة الإلهية التي يمدها الله تعالى لأبناء فلسطين، سيأتي يوم عليهم ويُباد كل شخص منهم فهم لا يعلمون ولا يبصرون قوله سبحانه وتعالى "ألا إنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ" إنهم صمُ بكم عميٌ لا يعملون أنهم ضعفاء عندما تأتيهم تلك القوة وبمدد ونور من الله.

علموا أبناءكم من هي فلسطين علموهم بأنها داركم ودرب انتصاراتكم وتغنوا معهم بكل كلمة منها  فإنهم لا يعرفون من هي:

"فلسطين داري ودرب انتصاري

تظل بلادي هوى في فؤادي

ولحنًا أبيًا على شفتيا

وجوه غريبة بأرضي السليبة"

يا رب كن العون والنصر لأهلنا في فلسطين المُحتلة، اللهم قد ضاقت بهم الأرض بما رحبت، يارب سدد ضربات المقاومة واقتل الغاصبين ومن والاهم، كما نسألك أن تقذف الرعب والخوف في قلب اليهود.. فلسطين داري ودرب انتصاري.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

فلسطين.. سؤال الوجدان المعاصر

هل تعيد القضية الفلسطينية تعريف هذا العصر لنا وللعصور اللاحقة؟ هل تحولت فلسطين لتصبح قضية حية؟ وهي قضية تجعلنا نراجع مفاهيمنا عن العالم الإنساني الذي نشارك في صنعه، حتى ولو بالوقوف كمتفرجين عليه؟

إن الشعب الفلسطيني اليوم، وهو شعب مناضل قد أكمل قرنًا من الاستعمار البريطاني ١٩٢٠م، والإحتلال الذي حل محله ١٩٤٨م، لا يجسد فحسب كل قضايا القهر الإنساني عبر التاريخ ويجعلها محل السؤال المعاصر، بمقابل كل دعوى المبادئ ومواثيق الحقوق البشرية؛ بل أكثر من ذلك يسائل بالفعل معنى وجودنا وغاياتنا البشرية كلها، ذلك أن الحقيقة التي نغفل عنها هي أن خضوع واستسلام البشر عن الحق لصالح القوة والقهر يقع ضد ما تكافح فلسطين بشعبها من أجله.

لقد قامت إسرائيل إثر الاستعمار الانجليزي على مبدأ القوة، ولا خلاف بين المؤرخين المعاصرين على أنها قامت على منظمات إرهابية، وأن الصهيونية متحققة بأمرين هما المال والدعم القوي، ويمكن اختصارهما في واحد هو القوة، وأنها تقوم على معتقد حق القوة في أن تفعل ما تشاء بمن تشاء، وأن من حقها أن تسلب وتصادر، وأن تسجن، وأن تقتل، وأن تنفي، وتشرّد، ليس فردًا واحدًا، ولا بريئًا واحدًا، بل شعبًا بريئًا بأكمله.

إن هذا الفعل الموجه ضد الأمم والشعوب الضعيفة، من الأمم والشعوب القوية، والمستقوية، يعيد بكل مفاصله، كل الحوادث التاريخية لفكرة المنتصر القاهر، ذلك الخيال الإنساني البدائي الذي يجعل للمنتصر الحق في أن يكتب التاريخ بأفعاله، وأن يقسر المهزوم ليفعل به ما يشاء، لكن من أين للمنتصر أساسًا هذا الحق؟ هل فعلا تمثل المعارك ونتائجها ساحات القضاء والقدر لشعوب بأكملها، هذا ما حاول كل المنتصرين فعله طوال التاريخ، وهذا ما حاولت فعله الدول الكبرى في عصر الاستعمار، وكما يبدو أن هذه الأحقية المتوهمة قادمة من التكرار، ومن وهم القوة، بالتالي رأت الصهيونية طريقها لفعل ذلك، وفي نظرها أنها إذا تمكنت من فعل ذلك بالفلسطينيين فمن حقها أن تحتكر حق الدفاع لنفسها وتسلبه من الفلسطينيين الذين تجعلهم بلا أدنى حق بما في ذلك حق الحياة، لكن هل يتسق ذلك مع طبيعة البشر ومع طبيعة الإنسان؟ هذا هو السؤال، لأن الصهيونية تدعي أن نعم، أن القوي يحق له أن يسحق الضعيف، أن يسرق أرضه، وأن يبيد شعبه بلا استثناء لطفولة أو هرم، أو جنس، ولكن رغم شبهة نجاح هذا الفعل عبر التاريخ ظاهريًا، لأن الشك قائم وغير محسوم على المدى الطويل، هل يتسق الفعل القهري نفسه مع المبادئ التي تعليها البشرية؟ هل يتسق مع الحق؟ أم مع الظلم؟ أمام مثل هذه الأسئلة الحاسمة تضعنا فلسطين.

تعلمنا من الفلاسفة أن للوعي الإنساني حركته ودوافعه الخاصة، وما تعكسه تجارب كالجرح والألم أو الفقد يصنع طبقة جديدة للوعي، ومن هنا نشأت ضرورة الشر للخير، فلو كان العالم خيّرًا بلا ضد لما وجد العالم الطريق إلى ذاته المنشودة، وليس كلام القدماء من أن الخير في بطن الشر مجرد كلام فارغ من المعنى بل نتيجة خبرة بشرية متراكمة بطرائق التحولات الطبيعية للبشر.

هكذا تعيد فلسطين تشكيل هذا المسار القسري للوعي البشري، منذ أن كان اسمها يتكرر في عناوين الصحف ونشرات الأخبار، وما الانتفاضات المتتالية، منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام ١٩٨٧م وما عرف بانتفاضة أطفال الحجارة، وما تلاها، إلا مراحل للوعي الذي ظل يتشكل داخل رحم فلسطين ممثلًا بأجياله الجديد، تلك الأجيال التي نوعّت وكاثرت وعددت أساليب مقاومة الاحتلال والتصفية، ولا شك أن الصهيونية وإسرائيل رأت أن أمن مستقبلها بوضعها المتوحش الحالي، يأتي من إبادة الأجيال، خاصة الجديدة منها، لقطع تسلسل الوعي البشري، داخل فلسطين، ولنشر اليأس العام خارج فلسطين في العالم كله، وهذا ما يفعله النظام الإسرائيلي بيأس وريبة وهو يخوض في جرائمه ضد الفلسطينيين ومن يساندهم، حتى أصبح وجوده رمزًا معاصرًا ممثلًا للظلم والشر، وهو بذلك يتحول لمحفّز لتشكل الوعي البشري الجديد، الذي تحمل فلسطين شعلته.

إن هذا الوعي البشري بفلسطين اليوم هو نتيجة عمل متواصل في الوعي الإنساني ساهم فيه كل المؤمنين بالإنسانية من جميع الشعوب، فلا نجد شعبًا من شعوب الأرض اليوم إلا وله مساهمة صغرت أو كبرت في هذه القضية، لما تمثله في وجدان البشر أجمعهم، ولا شك أن جزءًا كبيرًا من ذلك العمل قام به الفلسطينيون والعرب بما أنهم معنيون مباشرة بالأمر، لكنه يقوم كذلك على الصدى الواسع الذي لاقته قضية فلسطين في الضمير الإنساني، حتى أصبح حقها قارّا في وجدان العالم، ولا أدل على ذلك من هذا الحراك الاجتماعي المتنوع الذي يحاصر إسرائيل تدريجيًا، والذي تسعى إسرائيل بكل الصيغ، وبكل النفوذ الذي تملكه، ويملكه داعموها، لتفكيكه بالإرهاب وبالقوة.

في الواقع بينما كانت إسرائيل تواصل منهجها الإرهابي وتقيم جدار فصلها العنصري حول الفلسطينيين، كان هناك جدار فصل نفسي ومعنوي في كل مكان من العالم يتكون حول إسرائيل نفسها، وذلك ما كان يجعل المفاهيم التأسيسية التي قامت عليها الصهيونية وإسرائيل تتآكل تدريجيًا حتى بدأت تظهر ثقوب غير متوقعة، والأمثلة الرمزية الدالة واضحة اليوم، منها رمزية قصيدة (ما ينبغي أن يقال) ضد إسرائيل للشاعر والروائي الألماني حائز نوبل غونتر غراس، التي أقامت الدنيا في ألمانيا عام ٢٠١٢م ولم تقعدها قبل رحيله، ومنها لوحات فنان الغرافيتي البريطاني بانكسي على جدار العزل العنصري الإسرائيلي، ومنها مقاطعة الأكاديمية البريطانية لإسرائيل، وكل هذا كان قبل أحداث اكتوبر، وتظهر تجلياته اليوم في الأحداث الراهنة، وكل ذلك ينبئ عن اتجاه يعم البشرية ضد إسرائيل وما تحاول إثباته بالقوة المستطيرة عبر إبادة الفلسطينيين وممارساتها العنصرية ضدهم.

ما يتضح اليوم هو أن فلسطين تكبر في نفوس الناس بقدر ما تحاول إسرائيل اقتلاع الفلسطينيين وكل ما يمت إليهم بصلة، وفي كل ما حدث ويحدث اليوم أمثولة كبيرة، وعلامة صادقة عن الغد القادم، والذي يبدو غير بعيد، فبمجرد سقوط الأسطورة نفسيًا وذهنيًا يسقط كل ما أقيم عليها مهما بلغت خرساناته صلابة وتسليحًا، وهذا هو الأمل، بل جبل الأمل الذي حمله الفلسطينيون داخلهم طوال عقود حتى اليوم، وما زالوا يحملونه، رغم كل التضحيات الجسيمة، ورغم الهجر والقطيعة والحصار، حتى من بعض بني جلدتهم العرب.

إن محاولة أوروبا الاغتسال من ذنب معاداة السامية بدعم إسرائيل المطلق على حساب أرواح الفلسطينيين هو مشاركة في الجريمة، وقد أصبحت هذه الجريمة مرئية على نطاق واسع ليس خارج الغرب بل داخله، وما المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في ألمانيا، وهي معقل الهولوكوست، إلا مثال لما بدأ يبرز من حضور فلسطين في الضمير الإنساني العام، ففي الغرب المعاصر أصبحت نظرة الأجيال الجديدة مناقضة لآبائهم ومضادة لها تجاه كل أسطورة إسرائيل التأسيسية، وهذا جزء مما يفعله حضور فلسطين حتى داخل الدول الداعمة بشكل أعمى لإسرائيل، وكل ذلك أصبح على المحك اليوم، بفضل تنامي الوعي الإنساني بحجم فلسطين الذي يكبر في وجدان عالمنا المعاصر.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • هيئة شؤون الأسرى توضح لـعربي21 الانتهاكات التي يتعرض لها الأسير عبد الله البرغوثي
  • انتخاب حسين الشيخ نائباً لرئيس دولة فلسطين
  • فلسطين.. سؤال الوجدان المعاصر
  • القوات المسلحة تستهدف قاعدة “نيفاتيم” الجويةَ في منطقة النقب جنوبي فلسطين المحتلة
  • الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة النجاحات والمنجزات التي حققتها رؤية المملكة 2030 في عامها التاسع
  • غرب كردفان.. الأضرار التي لحقت بالمشروعات والبنى التحتية
  • نيفيز: نسعى لإسعاد جماهير الهلال
  • مسؤولون عمانيون يشيدون بكتاب حاكم الشارقة البرتغاليون في بحر عمان
  • مسؤولون عمانيون يشيدون بكتاب سلطان «البرتغاليون في بحر عمان»
  • كولر: صن داونز لديه حارس قوي ونحن لدينا محمد الشناوي أفضل منه