يقول الله تعالى:(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران ـ 164).
هذه الآية الكريمة تضمنت من أوصاف الرسول الكريم الكثير والكثير، وبدأت بقسم الله على هاتيك السمات، وتلك الأوصاف، بأسلوب القسم (لقد منَّ الله.

.)، حيث حذف المقسم به؛ للعلم به، وبيان أنه ـ سبحانه ـ هو المستحق بالقسم، وبه أهل الأرض يحلفون، ويقسمون، ولا حق لغيره ـ جلَّ شأنه ـ وجاءت اللام وقد تؤكدان وترسخان معنى القسم، وعظمته، والمُقْسِمُ هو الله، وهو كناية عن عظمة ما أقسم عليه، وأهمية هذا المقسم عليه، والفعل (من) وارد بصيغة الماضي مما يريح النفس، وبيان أنه منّة امتنَّ الله بها، وأنزلها، فصارت نعمة النعم، ومنّة المنن، على الخلق قاطبة من الخالق الكريم: أن بعث فيهم رسوله الخاتم الذي غير وجه البشرية، وأخذ بيديها إلى النضج والكمال البشري، وأعاد إليها إنسانيتها، كما أن الفعل من يحمل معنى النعمة الطيبة، والإحسان العظيم الذي لا انتظار معه لمدح، فهو نعم النعم من رب النعم الذي يمن بلا حساب، ويعطي بلا حدود، فمنته تدوم، ونعمته تتواصل، وكرمه يفيض عبر مراحل الدنيا كلها حتى يوم القيامة.
وفاعل الفعل (مَنَّ) هو (الله)، والنعمة، والمنَّة تكون على قدر المنعم، فإذا كان المنعم هو مالك الملك، وخالق النعم نفسها، فكيف يتصور مخلوق عظمة خالقه، ومنته؟!، وهو كذلك كناية عن سعة رحمته، وكامل حبه لخلقه، وتام رأفته بهم، حيث امتن عليهم ببعثه الشريف، الذي به عادت إليهم إنسانيتهم، وعزهم، وكرامتهم، وأمست البشرية مدينة لربها بهذه المنة، ومدينة لرسولها بهذه النعمة، وتلك السيرة العطرة التي غيرت واقعهم، وارتقت بهم، وبسلوكياتهم، ووسَّدَتْهم مكانَ السيادة في كون الله الرحيب.
وقوله:(على المؤمنين) الحرف:(على) يفيد العِلِّيَّةَ، والسُّمُوَّ، فيَدُ الله عليا، تعمُّ كلَّ المؤمنين، فكأنَّ مَنَّهُ وعطاءَه قد علاهم، وغطَّاهم، وشملهم مِنْ قمع رؤوسهم إلى إخمص أقدامِهم، وغَمَرَهُمْ بفيض عطائه، وواسع مَنِّهِ، وجليل نعمائه، ولم يترك أحدا حتى كساه منا وفضلا وفيوضات وخيرا، وبركات.
واسم الفاعل:(المؤمنين) يحمل معنى النية من كل مؤمن، وفي الوقت نفسه يشرح قلوبَنا هذا الإقرارُ من السماء بكمالِ، وقبول عقد الإيمان بينهم، وبين ربِّهم، و(أل) هنا موصولة، أي: بمعنى (الذين)، فالمَنُّ من الله نزل إلى هؤلاء الذين حقَّقوا الإيمان، واشتملوا عليه، وعايشوه، وتَذَوَّقُوهُ، واتصفوا به.
ثم جاءت جملة:(إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم) بدلا من جملة:(مَنَّ اللهُ على المؤمنين) التي قبلها، فهي تفسير لها، وتوضيحٌ، وشرح، وهي بدلٌ منها، يكشف عن جِماع، وخلاصة ما فيها، وجمال، وجلالها ما تضمنتْه، وكلمة (إذ) هي ظرفٌ لما مضى من الزمان، فالله قد مَنَّ، ونزل منُّه، وعمَّ فضله، و(إذ) تكشف عن طبيعة، وزمن ذلك المنِّ؛ حيث كان منذ بعثه الشريف، والفعل:(بعث) فعلٌ ماضٍ، وهو كناية عن العطاء التام، وإنزال الخير، وهو أمرٌ يريح أهلَ الإيمان، حيث يروْن استمرار مَنِّ الله، وتواصل كرمه ببعث رسوله الكريم، وتغيير وجه الكون، وحَيَوَاتِ الناس إلى حيثُ شاء الله من الطهر، والعفاف، والإنسانية العالية، والمعاملات الأخلاقية الرائعة، السامية، إذ أمسى الكون كلُّه، وهو في زهوه، وتألُّق ثوبه، وازدهارِ وجْهه، وصارت حياتُه سعيدةً، وأيامُه مزهرةً، ودبَّتْ فيه روحُ الأمل، وعادت إليه نفسُه الضائعةُ التي كانت أيام الشرك، وعبادة غير الله، وأزمان الضياع التام، وتوسدت الإنسانيةُ مكانَها اللائقَ بها، فلم تَعُدْ تعبدُ أناسيَّ مثلها، وانتهتْ حياةُ الاستعباد، وأيامُ تأليه البشر، بمبعث خيرِ البشر.

د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

الحكيم: الانتخابات المقبلة ستكون مفصلية كما انتخابات 2005

19 أبريل، 2025

بغداد/المسلة: أكد رئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم، اليوم السبت، أن العراق تحول إلى ورشة عمل للبناء والإعمار.وذكر المكتب الإعلامي أن رئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم أكد في كلمته بملتقى ديوان بغداد للنخب السياسية والمجتمعية، والذي نظمه تيار الحكمة الوطني، أن “المنطقة شهدت الكثير من المتغيرات، ومنها أحداث طوفان الأقصى وما خلفه من ارتدادات على لبنان وفلسطين واليمن والمنطقة”، مؤكدًا، أن “العراق اليوم يشهد هدوءًا سياسيًا واجتماعيًا وهناك حركة تنموية غير مسبوقة، وفي المحافظات جميعها”.

وأضاف الحكيم، أن “العراق تحول إلى ورشة عمل للبناء والإعمار، مما يعني أنه أمام حالة تعافٍ حقيقية، رغم وجود الملاحظات هنا وهناك، يضاف إلى ذلك علاقات العراق التي تشهد تطورًا كبيرًا مع محيطه العربي والإقليمي والإسلامي”، داعيًا إلى، “النظر إلى الاستثمارات التي تتدفق على العراق؛ حيث إنها جاءت كنتيجة للاستقرار السياسي ورسالة تعافٍ، ويتطلب ذلك الحديث بهذه الإيجابيات وشكر النعمة”.

وتابع، أن “الانتخابات المقبلة ستكون مفصلية كما انتخابات 2005، حيث أسست للنظام السياسي، وهذه الانتخابات ستعزز حالة الاستقرار، ونعتقد أن مخرجاتها ستكون فاعلة للمستقبل المنظور”.

وأشار إلى، أن “النظام السياسي في العراق نظام برلماني ونظام كتل وتوازنات وأحجام، وأن انتخابات 2021 أفرزت نتائج غير متوازنة، ونعتقد أن القانون الحالي يساعد على العدالة، ويحقق التوازن بين عدد المقاعد وعدد الأصوات، فضلاً عن تجربته في انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات برلمان كردستان، وأفضى إلى نتائج مقبولة من الجميع، ونرفض أي تعديل يتلاعب بالأوزان والأحجام، ويعتمد مبدأ التغالب”.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • علامات المؤمن الصادق وصفاته.. تعرف عليها
  • فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة.. هل أوصى بها رسولنا الكريم؟
  • فضل آية الكرسي.. هل قراءتها 50 مرة في الصباح تجلب الرزق؟
  • بيت الزكاة والصدقات» يستكمل حملة دعم حفظة القرآن الكريم بالقرى الأكثر احتياجًا
  • خمس أعمال قبل النوم أوصى بها رسول الله.. كم تعرف منها؟
  • دعاء مستجاب في نفس اللحظة بعد العشاء .. ردده وتجنب 5 أفعال
  • ‏الأردن يرحب بالتوافق الذي توصّلت إليه واشنطن وطهران خلال الجولة الثانية من المباحثات التي عُقِدَت في العاصمة الإيطالية روما
  • الحكيم: الانتخابات المقبلة ستكون مفصلية كما انتخابات 2005
  • علامات قبول العمل الصالح .. الحسنة تتلو الأخرى أبرزها
  • دعاء النبي عند الخروج.. 3 كلمات تحميك حتى تعود لمنزلك