المولد النبوي بين الخصوصية والعموم «3»
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
أخي الحبيب.. إن خصوصية المولد النبوي يدعونا إلى مزيد من التأمل والتفكر في تلك الظروف الخاصة جدًّا والدقيقة للغاية، والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على أنه رسول رب العالمين، بل أجزم أنها دليل قوي جدًّا على صدق رسالة وتأكيد نبوته، فمثلًا خصوصية حادثة الفيل ـ وقد أشرت إليها أكثر من مرة ـ (قد وقع عام ميلاد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم – في وقت كان يعيش فيه من أهل مكة أناس رأوا حادث الفيل بأعينهم، وبعضهم من أعداء الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلو لم تكن الطيور طيورًا حقيقية والحجارة حجارة حقيقية لظهر من العرب من يسارع إلى تكذيب هذه السورة، ويعلن ذلك على رءوس الأشهاد وينتهزها فرصة في الكيد لمحمد -صلى الله عليه وسلم – والطعن عليه، ولكن الواقع أن “سورة الفيل” قد تلقاها العرب بالقبول، لأنها تقرر حقيقة معروفة عندهم لا شك فيها ولا يجرؤ أحد على إنكارها)، وما جعلني أن أذكر هذا الأمر مرة أخرى أسأل العالم بأسره سؤالًا أتحدى به كل من ينكر رسالة هذا النبي العظيم أحدث هذا لأحد من البشر سوى محمد ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ أليست هذه خصوصية نادرة جدًّا تزيد من قدر ومكانة هذا النبي الكريم ـ عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم، (إذ لم يصنعها إنسان ليبطش بأخيه الإنسان، ولكن صنعها القهار ليكبح بها جماح الظلم والعدوان، ولقد سجل العرب في شعرهم هذا الحادث العجيب، وتغنوا به أمام العصور والأجيال، ومن ذلك قول نفيل بن حبيب وغيره) (القول المبين في سيرة سيد المرسلين، ص: 26)، وكالإمام البوصيري حيث يتناول ميلاد الرسول (عليه الصلاة والسلام) ذاكرًا (أن المعجزات التي حدثت في هذا اليوم هي دلالات قاطعة على أنه مختار ومصطفى من السماء، ويذكر هذه المعجزات وأهمها ما حدث في فارس، فقد تصدع أيوان كسرى وخدمت نار المجوس، وجفت بحيرة ساوة مما أصاب الناس بالخوف والهلع لهذا الحدث العظيم) (ثلاثية البردة بردة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم، ص: 66)، ويقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه (فقه السيرة ص: 184):(وكان جند القرآن أعدل رجال وعاهم التاريخ وأحصى فعالهم في تدويخ المستبدين وكسر شوكتهم طاغية إثر طاغية، فلما أحب الناس – بعد انطلاقهم من قيود العسف – تصوير هذه الحقيقة، تخيلوا هذه الإرهاصات، ومحمد – صلى الله عليه وسلم – نصيبه ضخم من الواقع المشرف فهذه الروايات وأشباهها، مثل هذه الحوادث الخطيرة لا يمكن إغفالها إذا وقعت، ولو أن أعداء الإسلام رأوها لما أنكروها، بل كانوا يسجلونها في كتبهم التي أرخوا فيها لتلك الفترة ويقولون عنها: إنها ترجع إلى أسباب كونية وعوامل طبيعية، ويحاولون أن يلتمسوا لها أي تعليل يخرج بها عن إثبات الفضل لمحمد – صلى الله عليه وسلم – ولدينه، ولكن شيئًا من ذلك لم يكن، ما يجعلنا نطمئن إليها ونرجح وقوعها).
ومن أجل الخصوصيات للمولد النبوي الشريف ما ذكره صاحب (السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية 1/ 93):(والحادث يوحي بما خطه القدر الإلهي من ميلاد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أبيه عبد الله ابن عبد المطلب، فقد حفظ الله حياة عبد الله بما صرف عبد المطلب عن نحره، قد رويت قصص وأخبار حول صفة حمل آمنة به، وأنها لم تر أخفَّ ولا أيسرّ منه، وأنها رأت في منامها بشارة بجليل مقامه، وأمرت بتسميته بمحمد، ولدن مولد محمد الطفل أرضعته أمه يومين، ثم أرضعته يومين أو ثلاثة أيام ثويبة جارية عمه أبي لهب، وبعد ذلك دفع إلى حليمة، وهي مرضعة من بني سعد، وكان من عادة أشراف العرب ان لا ترضع الأمهات أطفالهنّ، لقد كنّ بدلًا من ذلك، يدفعنهم إلى المراضع من أهل البادية، وهناك لبث في عهدة حليمة حتى بلغ ربيعه السادس، وعندئذٍ أعيد إلى أمه. وفي هذه الفترة رغبت آمنة في زيارة قبر زوجها، فخرجت إلى المدينة حيث دفن، مصطحبة الطفل معها، ولكن اليتيم حرم، في بعض الطريق، من أمه أيضًا، إذ توفيت في مكان يدعى الأبواء فدفنت هناك. وهكذا وجد النبي نفسه، وهو بعد طفل طري العود في السادسة، محرومًا من أبيه وأمه. إن قدره لم يشأ له أن ينشأ في رعاية أبيه العطوف، وحرمه حتى حنان أمه الرؤوم). فداك أبي وأمي يا رسول الله.. وللحديث بقية.
محمود عدلي الشريف
ma.alsharif78@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
هل صلى النبي التراويح؟
صلاة التراويح، يبحث الكثير من مسلمي العالم عن صلاة التراويح، وعدد ركعات صلاة التراويح و كيفية صلاة التراويح ؟، لذا يقدم موقع صدى البلد كل ما يخص صلاة التراويح.
صلاة التراويح كم ركعةسنة مؤكدة، وعدد ركعات التراويح هو عشرون ركعةً مِن غير الوتر، وثلاث وعشرون ركعة بالوتر، وهذا ما عليه معتمَد المذاهب الفقهية الأربعة المتبوعة؛ فمن تركها فقد حُرِم أجرًا عظيمًا، ومَن زاد عليها فلا حرج عليه، ومَن نقص عنها فلا حرج عليه، إلا أن ذلك يُعَدُّ قيامَ ليلٍ، وليس سنةَ التراويح.
هل صلى النبي التراويح ؟مع أمْرِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها والحث على المواظبة عليها امتنع من صلاتها في المسجد جماعةً؛ خشية أن تفرض عليهم وتأكيدًا على عدم اشتراط صلاتها في المسجد؛ إشفاقًا عليهم ورأفة بهم.
فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلَّوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأمرُ على ذلك. متفقٌ عليه.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتخذ حجرة في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم فقال: «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ؛ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ» متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وبذلك أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُحييَ المسلمون بيوتَهُم بالصلاة وينوروها بكثرة النوافل والسنن فيها؛ حتى جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك أفضل من التنفل في مسجده الشريف.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يصلي النوافل في بيته مع لصوقه بمسجده: فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» متفقٌ عليه.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا، إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» أخرجه أبو داود في "السنن".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَكْرِمُوا بُيُوتَكُمْ بِبَعْضِ صَلَاتِكُمْ» أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"، وابن خزيمة في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك"، والضياء في "الأحاديث المختارة". زاد عبد الرزاق: «وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا»، قال الحافظ الضياء: إسناده صحيح، وصححه الحافظ السيوطي.
القدر المناسب للقراءة في صلاة التراويحاتفق الفقهاء على أنه يُجزئ فى صلاة التروايح من القراءة ما يُجزئ فى سائر الصلوات، واتفقوا أيضًا على القول باستحباب ختم القرآن فى الشهر؛ لما روى البخاري ومسلم فى "صحيحيهما" عن السيدة فاطمة- رضي الله عنها- قالت: "أَسَرَّ إلى النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي".
وأقل ذلك أن يُختَم القرآنُ الكريم مرةً واحدةً، وما زاد فهو للأفضلية؛ نص على ذلك أئمة المذاهب الفقهية المتبوعة، فذهب الإمام أبو حنيفة إلى القول بسنِّيَّة قراءة 10 آياتٍ في الركعة الواحدة؛ ليحصل له ختم القرآن مرةً في الشهر، مع القول بإجزاء ما هو أقل من ذلك .