بنهاية المهرجان السياحي الثاني في ولاية الجبل الأخضر والذي اختتم فعالياته مؤخرا، تطوي صفحة من عمر هذا المهرجان الذي جاءت فكرة تنظيمه من منطلق الترويج والتسويق السياحي، والتعريف بالمفردات والفرص والمكونات السياحية لهذه البقعة الغنية بالفرص الواعدة، وتشجيعا للسياحة الداخلية التي تعتبر أولوية في برامج وتوجهات الدولة الحالية والمستقبلية.

بنهاية المهرجان السياحي نعود لنقطة الصفر، ويبقى التساؤل المطروح كالعادة عن أسباب غياب الخدمات السياحية . الحديث هنا بصورة عامة عن عناصر رئيسية وخدمات أساسية تجعل من هذه المنطقة نقطة تمتلك كل عناصر الجذب السياحي، وبوابة واعدة للفرص التي يمكنها إحداث تحول جذري في المشهد السياحي بمحافظة الداخلية على وجه العموم والولاية على وجه الخصوص. قبل أيام وتحديدا خلال إجازة المولد النبوي الشريف «التحف» المئات من السياح السماء، لم يجدوا المرافق التي يمكن أن تستوعب الجميع، غياب قد يكون شبه تام للعديد من الخدمات السياحية الأساسية، نتحدث هنا عن، الاستراحات، المظلات، الحدائق، دورات المياه، وهو ما لجأ ببعضهم للعودة إلى ديارهم في ظل عدم وجود أماكن مهيأة أو كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من السياح التي تسجل عاما بعد اخر نموا متصاعدا سواء فيما يتعلق بالسياحة الداخلية أو الخارجية. تبرز اليوم العديد من المشاريع الفندقية والاستراحات السياحية المختلفة الحكومية منها والخاصة، وقدرتها على تلبية الطلب من الغرف والشقق الفندقية خاصة في فترة الصيف وهو وقت الذروة بالنسبة للنشاط السياحي بالولاية، كل هذا الحراك الاستثماري في المشاريع الفندقية لا بد أن يصاحبه تنويع سياحي خاصة في هذه المنطقة التي تتيح فرصا للاستثمار منها على سبيل المثال لا الحصر سياحة المغامرات، التخييم، المشي أو ما يسمى برياضة « الهايكنج»، التسلق، والاستكشاف، هذا مع أهمية العمل على تشجيع الاستثمار في المقاهي والمطاعم السياحية. لو تحدثنا على سبيل المثال عن الطريق الرئيسي أو الطرق الداخلية في الجبل الأخضر فهي تمثل واحدة من التحديات التي يواجهها السائح ، ولوجدنا أن هذه الطرق بحاجة لهيكلة وتهيئة جديدة خاصة الطرق الرئيسية منها ناهيك بأن الولاية لم تشهد خلال 10 سنوات رصف طرق داخلية وبقيت الكثير من المناطق معزولة عن بعضها وهو ما يتسبب في إعاقة نمو الحركة والاستثمارالسياحي في ضوء توجه عدد كبير من المواطنين للاستثمار في الاستراحات السياحية لحل مشكلة العجز من الغرف والشقق الفندقية. هناك حاجة لإعادة دراسة تخطيط الجبل الأخضر ومحاولة الاستفادة من مساحات الأراضي غير المستغلة وتحديدا تلك الأراضي التي تقع تحت ملكية جهات أخرى وتخطيطها خاصة في ضوء مشكلة عدم توفر المساحات الكافية من الأراضي بالولاية وهو جانب مهم يتطلب على وزارة الإسكان والتخطيط العمراني دراسته بعناية بما ينهض بالولاية عمرانيا و سياحيا وتجاريا واقتصاديا ، من المهم العمل على تخصيص أراض سياحية وتسويقها وعرضها للاستثمار خاصة في المناطق ذات المواقع الاستراتيجية وهي كثيرة ومتنوعة. قد يرى البعض بأن هناك تأخرا في عملية الولوج بهذه المنطقة لتكون واحدة من الخيارات المهمة للسياحة الداخلية والخارجية ، لكن الجميع يدرك بأن المرحلة القادمة وفي ضوء اهتمام الحكومة بتعزيز العائد من القطاع السياحي ليكون مساهما أساسيا في الناتج المحلي الإجمالي فبالتأكيد أن ولاية الجبل الأخضر تمثل أولوية في خطط وبرامج الحكومة القادمة تحقيقا للأهداف والتطلعات الوطنية في رؤية عمان 2040م.

مصطفى المعمري
كاتب عماني

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الجبل الأخضر خاصة فی

إقرأ أيضاً:

مهرجان الظاهرة السياحي خذلان التوقيت وتجويد المحتوى

لا شك أن المهرجانات والمعارض محليا وإقليميا وعالميا فرصة تواصل رائعة يمكن استغلالها للترويج لكثير مما يتعلق بالمكان محل الحدث، أو بالجهة أو الشخص المنظم للحدث أو للركن في معرض أو مهرجان ما، كما أنه لا شك في أن ينبغي في كل ذلك حسن التنظيم ودراسة الجدوى، ولا ينبغي أن تكون الجدوى مجرد الحضور واستنزاف الموارد، كما لا ينبغي أن تكون تلك الجدوى مادية فحسب، وإلا لكانت جدوى مؤقتة وفائدة منقطعة، لكن ما يعول عليه في مثل هذه الفعاليات وهذه التظاهرات التواصلية هو الجدوى الثقافية المعرفية قبل كل شيء، ثم العبور منها لجدوى استثمارية سياحية اقتصادية، و أخرى اجتماعية قيمية يحتفى بها وترسخ في الذاكرة.

حديث مقالة اليوم عن لامركزية عمل المحافظات والتنافسية الواضحة بينها، ومع الحديث عن تعزيز اللامركزية وتمكين المحافظات تأكيدا لخصوصية المكان وتقديرا لتنوع المعطى الثقافي باختلاف الجغرافيا والموروث الشعبي ماديا كان أو معنويا، في معرض الحديث عن تنافسية عمل المحافظات عاما بعد عام لا بد من الإشارة إلى جهود التغيير والسعي لتطوير المشاريع التنموية التي نترقب معايشتها واقعا ملموسا وجدوى مستدامة، ومع تلك الجهود وذلك السعي نتابع مهرجانات الشتاء في مختلف المحافظات استغلالا لهذا الموسم من العام حيث تنعم البلاد ببرودة الطقس وإجازة المدارس معا، ومن تلك المهرجانات «مهرجان الظاهرة السياحي 2025»وما اختيار هذا المهرجان تحديدا إلا توظيف للمتابعة والتأمل بحكم القرب وتعدد الزيارات.

مهرجان الظاهرة السياحي في نسخته الثانية هذا العام هو يقينا فرصة للكثير من الممكن والأكثر من التمكين، فيه فسحة ومجال للترويج عن محافظة الظاهرة ومعالمها السياحية والتراثية، إلى جانب كونه فرصة لعدد المستفيدين من أبناء المحافظة من الباحثين عن عمل والأسر المنتجة وأصحاب المشروعات المنزلية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولا ينبغي هنا إغفال تطور نسخة هذا العام عن العام الماضي تطورا نوعيا واضحا، إذ تتميز هذه النسخة بتضمنها كثيرا من الفعاليات المستهدفة مختلف الفئات العمرية والتي من شأنها إثراء تجربة الزوار، إلى جانب القرية التراثية التي تجسد القلاع والحصون تاريخا تتميز وتفخر به ولايات المحافظة، موروث ولايات الظاهرة الثلاث من حرف تقليدية وفنون شعبية وأنماط للعيش والحياة قديما وحديثا كان محط إعجاب وتقدير من زائري المهرجان مواطنين ومقيمين.

لكن مع كل الثناء لا بد من وقفة لنقد الذات وتقييم الحدث، خصوصا مع نهاية المهرجان الذي انطلق في ميدان الفعاليات بمحافظة الظاهرة خلال الفترة من 2 إلى 31 يناير 2025، مقدما تجربة مميزة تجمع بين الترفيه والثقافة والتراث، وإن كان من ملاحظات تأملتها شخصيا كما سمعتها من آخرين من الزوار فالتوقيت والترويج، إذ أخطأ منظمو المهرجان في اختيار توقيته الذي توافق في أغلبه مع فترة اختبارات المدارس، ولو أنه تأخر لأسبوعين أو أكثر لحقق معدل زيارات أعلى وجدوى ثقافية أكبر مع الجدوى المادية بطبيعة الحال، ثم يأتي الترويج والتسويق لهذا الحدث السنوي، وإنني ما زلت أستغرب ضعف التواصلية بين المؤسسات رغم الشراكات والتعاون( وهي مشكلة عامة في كل سلطنة عمان إذ لا يجد الترويج عناية أو اهتمام غافلين عن أن ثلثي الربح في الترويج) وحين أقول ذلك فإنني أستحضر ما هو ممكن من شراكات واضحة، فلا أقل من استهداف دوائر الإعلام بالمؤسسات التعليمية والثقافية والتربوية بالمحافظة كونها محل منتسبيها الموظفين من غير العمانيين عربا وغير عرب ممن يجدون متنفسا ثقافيا ومتعة روحية في زيارة المهرجان والتعرف على كثير من معطيات الظاهرة ثقافيا وسياحيا، وليس الحديث هنا عن الترويج الشخصي عبر أفراد زاروا المهرجان وأخلصوا للمكان بنقل التجربة لغيرهم، إنما عن الجهد المؤسسي والترويج المستمر واقعيا ورقميا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

رغم اتساع ميدان الفعاليات الذي تميز بتوسعته الجديدة، مع مداخل ومخارج مطورة لتسهيل الحركة وتقليل الازدحام، إلا أن ضعف التسويق واختيار التوقيت لم يخدم تلك الجهود التطويرية التي كان من الممكن معها تفعيل المساحة غير المستغلة من المكان وتمكين أكبر عدد ممكن من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بدلا من العدد المحدود داخل القرية التراثية، وما كثافة الزوار الممكنة والملحوظة خلال المهرجان إلا في نهاية الأسبوع مع الحفلات الفنية التي أحسبها الأعلى حضورا، كما ينبغي التنويه إلى ضرورة مراقبة أسعار الألعاب الموجودة حتى عجز المواطن العادي من تسلية أطفاله رغم زيارته، وإني لأعجب من شركة أو جهة تقبل دفع رسوم التشغيل لهذه الألعاب طوال مدة المهرجان رافعة الأسعار لتبقى تلك الألعاب ميدانا تصفر فيه الريح ويتناهبه البرد وحسب، ولو أن الأسعار خفضت للنصف أو الربع حتى لزاد الإقبال عليها وبارك الله لهم في رزقهم بتيسيرهم على البسطاء!

ختاما: شكرا للقائمين على صنع الاختلاف والسعي للتميز بتأسيس مراكز جذب ودوائر تشغيل في كافة أرجاء بلادنا الغالية، كل ذلك الإخلاص في الجهد لا بد أنه مرآة المواطنة الحقة والانتماء الصادق لوطن جديرٍ بالسعي حريٍّ بالإخلاص، وما ملاحظات التقييم والتطوير إلا بعض إخلاص المتلقي كذلك في صدق النصيحة وصولا للتجويد والإبداع والتكامل، بعيدا عن كمال لا ندّعيه، أو تزلف لا نقبله.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

مقالات مشابهة

  • الداخلية تتخذ الإجراءات القانونية حيال عدد من الشركات السياحية "دون ترخيص"
  • سعر البيتكوين يرتفع 8.8% منذ بداية العام.. خيارات الاستثمار في العملات
  • ملفات ساخنة.. ما خيارات ترامب أمام اليمن وفلسطين
  • الحركة الشعبية: ضعف السياحة الداخلية والمنافسة الحادة يهددان تقدم القطاع السياحي في المغرب
  • خيارات سلام السنية
  • تغطية خاصة للجولة الحاسمة والأخيرة من دوري أبطال أوروبا
  • قيادي بحماس: إذا فشلت خيارات حكم غزة سنتولى مع الشركاء إدارتها
  • حديث عن استعداد الإمارات تسليم عبد الرحمن القرضاوي إلى مصر.. ما خيارات المعارضة؟
  • 3 خيارات بعد عودة اهالي الجنوب
  • مهرجان الظاهرة السياحي خذلان التوقيت وتجويد المحتوى