ذيل الأرنب ومهارات المطاردة
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
حتَّى لو كنت (تطمح بالحصول على ذيله فقط، عَلَيْك أن تطاردَ الأرنب) بمهارة مَن يخوض معركة تستدعي أُفقًا لوجستيًّا على درجة ما من الالتزام بمعايير المطاردة.
يظلُّ هذا الاستدلال سيِّد التوصيات وذاكرة السَّعي الذي لا بُدَّ مِنْه برغم ضالة الكسب الذي تُحقِّقه من خلال الذيل الذي لا نفع حقيقيًّا من امتلاكه.
لا شكَّ أنَّ هذه التوصية تضعنا أمام مسؤوليَّات إعطاء المزيد من الجهد واستخدام أوسع السُّبل لتطوير الإمكانات لكَيْ لا يصيبَك الفشل.
إنَّ مقتضيات الحصول على ذيل الأرنب يتطلب جهدًا عضليًّا معيَّنًا لمطاردة الأرنب مع ضرورة وجود هامش فطنة ذهنيَّة نظرًا لقدرة الأرنب على المراوغة والتخفِّي واستطابة المطاردة. بمعنى مضاف أنَّ أبسط المكاسب التي تأمل الحصول عَلَيْها تحتاج جهدًا وانتباهًا بقدر معيَّن يُتيح لك الإلمام بهذه المُهمَّة وإنجازها على أكمل وَجْه مهما كانت نوعيَّة العمل. أعترف لكُمْ، أنَّني مصدوم حقًّا من متعاطين بقضايا المعرفة يتحرَّكون بمقادير هزيلة من الاستعدادات لإنجاز الأعمال التي يتولَّون تنفيذها. وإذا كان الشَّاعر المتنبِّي يقول (على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ) تظلُّ مُهمَّة توسيع المدارك والانخراط في أيَّةِ مُهمَّة محفوفة المخاطر إذا لَمْ تتوافر لدَيْك قاعدة من المعارف التي تشتغل على نظريَّة الاحتمالات. لقَدْ تمَّت الإطاحة ـ مع الأسف ـ بمفهوم الرصيد المعرفي العامِّ لصالح تكريس الابتعاد عن الاهتمام بالحواشي، أقصد الإلمام بالمحيط الذي تتمُّ فيه المطاردة من أجْلِ صيد الأرنب، وإذا كان أرخميدس قَدْ قال: أعطني مرتكزًا معيَّنًا أستطيع أن أحرِّكَ العالَم.. يظلُّ هذا المفهوم من التركيز يشتغل على فرضيَّة الاحتمالات بشأن إمكان أن يمتلكَ الأرنب منافذ ليس لدَيْك القدرة على الوصول إليها. وإذا كنتَ تستخدم سلاحًا ناريًّا لاصطياده، فإنَّك قَدْ تُخطئ الأرنب إذا لَمْ يسبق لك تعلُّم فنون الرماية، أو ربَّما تُصيبه في ذيله بَيْنَما تريده سالمًا. وفي إشارة لمغزى التخصُّص نُقل عن الدكتور علاء بشير طبيب التجميل المعروف الذي أصدَرَ كتابًا (كنت طبيبًا لصدام حسين) أنَّه لجأَ إلى الرَّسم والنَّحت من الزوايا الجَماليَّة التي يقتضيها عمله. وأشار أندريه مارلو الروائي الفرنسي المعروف كاتب رواية (الوضع البَشَري) وزير الثقافة في عهد الجنرال ديجول إلى أنَّ اهتمامه بالتفرُّعات المُتشعِّبة للشخصيَّات التي يلاحقها في سرده الروائي يَعُودُ إلى تفحُّصه للتماثيل الصغيرة التي كان يحظى بها، ويظلُّ مشغولًا بتفصيلات ملامحها الدقيقة. إنَّ تعدُّد معارف النَّاس غنًى حقيقي، وإنَّ الفطرة لا تعني الجهل بأيِّ حالٍ من الأحوال، وأغْلَبُ الابتكارات والاختراعات جاءت من اهتمامات متفرِّعة بعيِّنةٍ ما. وإذا كان اليابانيون يتفوَّقون سنويًّا في عدد الاختراعات التي يتوصَّلون إليها، فإنَّ هذا الرافد المعرفي المُدهش والمستجدَّ يُتيح لهم فرصةً أوسع من الابتكارات الأخرى على أساس نظريَّة رافعة أرخميدس (الأواني المستطرقة)، وفي كُلِّ ذلك هناك مفارقة تحْكُم هذا المشهد الحياتي الملتبس، ففي الوقت الذي يزخر به العالَم من معلومات ومعارف متاحة يُمكِن أن تكُونَ رصيدًا مُهمًّا لأيِّ متتبِّع يظلُّ الاغتراف مِنْها على أضيق فرصة بسبب ظاهرة الزهد المعرفي الذي ضرب العالَم. الحال أنَّ هذه الظاهرة باتَتْ شائعة، لكنَّ واقعها في الأوساط العربيَّة أكثر حضورًا، وإلَّا ماذا تفسِّر المعدَّلات الضئيلة جدًّا في عدد الاختراعات التي يُمكِن أن تُشكِّلَ روافد مُهمَّة في العطاءات العلميَّة المتنوِّعة. بخلاصة استنتاجيَّة، العبقريَّة تكمن في الجهد المتواصل، ذلك هو المعنى اللوجستي للحياة، أي أن تعيشَها بجدارة، وليس الاستلقاء على أرصفتها بانتظار أن يمنحَك الأرنب ذيله.
عادل سعد
كاتب عراقي
abuthara@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: التی ی
إقرأ أيضاً:
وزارة التعليم تعقد ورش عمل لإعداد البرامج التدريبية للحصول على شهادة الصلاحية للترقي
في ضوء توجيهات محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، وتحت إشراف الدكتور أيمن محمد بهاء نائب الوزير، عقدت الأكاديمية المهنية للمعلمين سلسلة ورش عمل لإعداد مصفوفة البرامج التدريبية اللازمة للحصول على شهادة الصلاحية اللازمة للترقي.
وتضمنت سلسلة ورش العمل، إعداد مصفوفة المعارف والمهارات لشاغلي وظائف المعلمين، حيث اعتمدت منهجية الورش على تحليل المعايير الملزمة للأداء التعليمي الواردة باللائحة التنفيذية للقانون رقم 155 لسنة 2007 والمعدل بالقانون رقم 93 لسنة 2012 الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 428 لسنة 2013، وكذلك تحليل بطاقات الوصف الوظيفي المعتمد بالقرار الوزاري رقم 164 لسنة 2016 للوصول إلى مصفوفة المعارف والمهارات الواجب توافرها لدى شاغلي وظائف المعلمين.
وشارك فى الورش خبراء من جامعات الأزهر، والقاهرة، وعين شمس، وكذلك خبراء من الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد «نقاء»، والمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، والمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، والمجلس الأعلى للأزهر، وقطاع المعاهد الأزهرية، والإدارة المركزية لشئون المعلمين، والإدارة المركزية لأكاديمية التعليم الفني، والإدارة المركزية لتطوير المناهج متمثلة في السادة مستشاري المواد الدراسية الأساسية، بالإضافة إلى مديري الإدارات العامة بالأكاديمية المهنية للمعلمين وأعضاء الإدارة العامة لصلاحية الترقي.
وتمثلت نتائج الورش في الانتهاء من وضع مصفوفة لمعارف ومهارات وظائف المعلمين، ووضع مصفوفة لمعارف ومهارات وظائف الاخصائيين الإجتماعيين والنفسيين، ووضع مصفوفة لمعارف ومهارات وظائف أخصائيي التكنولوجيا، وكذلك وضع مصفوفة لمعارف ومهارات وظائف إخصائيي الصحافة والإعلام، ومصفوفة لمعارف ومهارات وظائف أمناء المكتبات.