هناك دروس كثيرة تستخلص من يوم السَّابع من أكتوبر حين ردَّت المقاومة الفلسطينيَّة على عدوان الاحتلال المستمرِّ بعمليَّات نوعيَّة أفقدت الإسرائيليِّين توازنهم. بغَضِّ النظر عن كُلِّ التحليلات والتعليقات، مختلفة الجوانب والتوجُّهات، هناك ملمح في غاية الأهمِّية ازداد بروزًا جليًّا في الأيَّام الماضية: نظرة الغرب لنَا، وليس للفلسطينيِّين فحسب.
لَمْ يكُنْ مستغربًا أبدًا أن يصفَ وزير الدِّفاع الإسرائيلي يواف جالانت الفلسطينيِّين بأنَّهم «حيوانات بَشَريَّة»، فالإسرائيليون في أغلبهم ينظرون للعرب كُلِّهم وليس الفلسطينيِّين فقط بهذه الطريقة. وبمتابعة تصريحات كبار المسؤولين في الغرب، خصوصًا في أميركا وبريطانيا، نجد لُغة لا تختلف كثيرًا عن تصريح جالانت وإنْ لَمْ تكُنْ بصراحته ـ ربَّما لاعتبارات «الصوابيَّة السِّياسيَّة» وليس عن مبدأ. بالطَّبع، يكُونُ الإعلام متحرِّرًا أكثر من قيود السِّياسيِّين مهما ادَّعى «الموضوعيَّة» و»تحرِّي الدقَّة» وعدم التعميم. صحيح أنَّ الإعلام الغربي، وكثيرًا من العربي الذي يتَّبع خُطاه، يتعامل مع الوضع في «إسرائيل» وفلسطين بشكلٍ منحاز وأحيانًا بطريقة فجَّة حتَّى أنَّه لا يرى ولا يسمع ما يفعله الاحتلال ومستوطنوه المسلَّحون ـ المحميون بالجيش والأمن ـ بالفلسطينيِّين من قتْلٍ وتشريد وطردٍ من بيوتهم وأرضهم وهدم منازلهم وحرق زرعهم. بل يركِّز فقط على مَن يقاوم اغتصاب بَيْته وأرضه وإزهاق روحه ويصفُه بأنَّه «إرهابي» أحيانًا. فتبنِّي الإعلام الغربي للسَّرد الإسرائيلي لِمَا يجري يوميًّا جزء من حقيقة دفينة: الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين كيان غربي في محيط من العرب (الذين هُمْ في خلفيَّة التفكير الغربي همج لا يختلفون كثيرًا عن وصف جالانت بأنَّهم «حيوانات بَشَريَّة»).
الإعلام الغربي الذي يُروِّج للهجوم الأوكراني المضادِّ للوجود الروسي بمناطق في شرق أوكرانيا يرى مقاومة الفلسطينيِّين للاحتلال الإسرائيلي إرهابًا. مع أنَّه لا وَجْه مقارنة بَيْنَ عمليَّة روسيا في أوكرانيا والقتل اليومي للفلسطينيِّين في جنين ونابلس والخليل وغزَّة وغيرها، إمَّا برصاص الجيش أو الأمن أو على يَدِ المستوطنين. هؤلاء الذين جاءوا من روسيا وأميركا وبولندا وأوكرانيا وبريطانيا وغيرها إلى فلسطين على مرِّ العقود. بَيْنَما أصحاب الأرض الأصليون مُشرَّدون لاجئون في بُلدان العالَم أو مكدَّسون في مخيَّمات فيما تبقَّى من أرض فلسطين في غزَّة والضفَّة الغربيَّة. من المنطقي ألَّا يرى إعلام الغرب ذلك، بل ويتعامل معه بما يقارب العنصريَّة. فتلك قناعات قديمة، وإن كانت في خلفيَّة الأذهان ولا تظهر على السَّطح بفجاجة إلَّا في الأزمات الكبرى. فذلك النهج الغربي الذي يَعُودُ إلى القرون الوسطى، الموصوفة في التاريخ الأوروبي بعصور الظلام، لَمْ يختفِ تمامًا. استمرَّ مع الاقِطاع ونظام العبوديَّة وكان أحَد أعمدة الغزو الأوروبي والاحتلال الاستيطاني لِمَا سُمِّي «العالَم الجديد» في أميركا الشماليَّة وأستراليا وغيرها. وتمَّ إبادة السكَّان الأصليِّين من الهنود الحمر والأبورجين وغيرهم، ومَن عاش مِنْهم ظلَّ في «مستوطنات» معزولة حتَّى الآن. ثمَّ التوسُّع في استغلال العبيد من إفريقيا وآسيا لبناء ما ننظر إليه بانبهار الآن على أنَّه «حضارة الغرب» المتفوِّقة. يبدو ذلك التفوُّق قَدْ وصَلَ إلى ذروته، وبدأ إمَّا السَّير في خطٍّ مستقيم أو الاتِّجاه للانحدار. وفي تلك المراحل تظهر القناعات القديمة التي استترت بصعود منحنى التقدُّم والحاجة لاستغلال «الغير» لبناء الذَّات.
ربَّما ليس من الغرابة أن يتزامنَ صعود تيَّارات عنصريَّة، وأقرب للإرهابيَّة، في الغرب ممَّا يوصف ـ مُخفَّفًا في الإعلام ـ باليمين المتشدِّد أو المتطرِّف أو جماعات تفوُّق العنصر الأبيض White Supremacy (والتي اتُّهمت بها النازيَّة والفاشيَّة في القرن الماضي) مع بروز نظرة الغرب الحقيقيَّة للغير، ومِنْهم العرب والأفارقة والآسيويون. بالطبع لا يجوز التعميم، ولكن تلك هي السِّمة الغالبة وهي في انتشار وصعود. ألَمْ يؤيِّد نِصفُ الأميركيِّين ترامب ويزايدون على تصريحاته العنصريَّة التي اقترب بعضها من تصريح جالانت في وصف الفلسطينيِّين! وفي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها يتزايد أتباع النازيِّين الجُدد وغيرهم من المتطرِّفين الذين يعكسون بوضوح ما استتر بالنُّظم والقوانين، لكنَّه لَمْ يمحَ أبدًا من العقل الجمعي للغربي الاستعماري. وكما كان منذ قرون، تجد من بَيْنِ هؤلاء «الغير» مَن يتعامل بعُقَد النَّقص متصوِّرًا أنَّه إذا استمرأ أن يكُونَ «حيوانًا بَشَريًّا» سيقبله الغربي أليفًا مستأنسًا كما يفعل «الخواجات» بقِطَطهم وكلابهم لإشباع حاجات معيَّنة. لكن تبنِّي توجُّه الخواجة لا يجعلك خواجة، ولا حتَّى قريبًا من ذلك. إنَّما الأمْرُ أقرب من التطبيق العملي للمَثل الغربي الذي معناه «إذا كان الاغتصاب حتميًّا، فاسترخِ واستمتع». لكنَّ الأيَّام تُثبت أنَّ الأغلبيَّة من شعوبنا ليست بهذا القدر من الانتهازيَّة حتَّى في التصرُّف بدونيَّة وعُقَد نقص، إنَّما هي تقاوم، بعضها بالمقاومة السلبيَّة، وبعضها بالإيجابيَّة الفاعلة. وفي كُلٍّ خير.
د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الإعلام الإسرائيلي يتناول مصير صفقة التبادل ووعد ترامب الأول
ركزت وسائل إعلام إسرائيلية على مستجدات ملف الأسرى في قطاع غزة، وسط تصاعد الانتقادات لسياسات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وإصراره على استمرار الحرب، كما سلطت الضوء على ما هو متوقع من تعامل الإدارة الأميركية المقبلة بقيادة دونالد ترامب.
ونقل الإعلام الإسرائيلي عن والدي الأسيرين في غزة، حيروت وألون نمرودي، انتقادات حادة لنتنياهو لرفضه المتكرر لقاء عائلات الأسرى، وعلق أحد الإعلاميين "رئيس الحكومة منشغل بأمور أخرى كإقرار قوانين الحاخامات.. لكن العيون الدامعة للآباء لا تجد وقتا لدى الحكومة".
وفي هذا السياق، أشار تقرير لمراسلة القناة 13، نيريا كراوس، إلى لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن بعائلات المخطوفين الأميركيين في غزة، وصرح بايدن قائلا: "تحدثت مع الرئيس المنتخب ترامب بشأن قضية المخطوفين، وسنعمل مع الإدارة الجديدة لإعادتهم إلى بيوتهم".
لكن بايدن ألمح أيضا إلى أن نتنياهو يربط إنهاء الحرب باختفاء حماس بشكل كامل، وهو هدف يعترف قادة الأمن الإسرائيلي بأنه لن يتحقق بسهولة، وذكرت كراوس أن عائلات المخطوفين خرجت من الاجتماع دون تفاؤل، مؤكدة أن استمرار الحرب يفاقم معاناتهم.
من جانب آخر، نقلت القناة 12 وعدا وصفته بالمهم قدمه فريق ترامب لإسرائيل، ووفقا لمحلل الشؤون السياسية عميت سيغال، تعهد الفريق بأنه في اليوم الأول من ولايته، سيتم إلغاء جميع العقبات التي تعترض شحنات الأسلحة والمعدات العسكرية لإسرائيل.
هذا التعهد جاء ضمن حديث عن تغييرات كبيرة متوقعة في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل خلال الفترة الانتقالية، وأكد سيغال أن هذه الخطوة ستمنح حكومة نتنياهو فرصة لإعادة ترتيب أولوياتها.
وعلى القناة 14، تساءل المحلل جدعون يسرائيل عما إذا كانت سنوات ترامب الأربع المقبلة ستشكل فترة راحة لإسرائيل من ضغوط إدارتي بايدن وباراك أوباما (الرئيس الأسبق)، وما إذا كانت حكومة اليمين ستكون قادرة على تحديد أهدافها في الضفة الغربية وغزة ولبنان وإيران.