جريدة الوطن:
2025-02-07@02:05:12 GMT

عوار الغرب

تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT

هناك دروس كثيرة تستخلص من يوم السَّابع من أكتوبر حين ردَّت المقاومة الفلسطينيَّة على عدوان الاحتلال المستمرِّ بعمليَّات نوعيَّة أفقدت الإسرائيليِّين توازنهم. بغَضِّ النظر عن كُلِّ التحليلات والتعليقات، مختلفة الجوانب والتوجُّهات، هناك ملمح في غاية الأهمِّية ازداد بروزًا جليًّا في الأيَّام الماضية: نظرة الغرب لنَا، وليس للفلسطينيِّين فحسب.

لقَدِ اعتدنا في منطقتنا، كما في مناطق أخرى من العالَم على تحيُّز الغرب الفجِّ حتَّى كاد يصبح «أمرًا عاديًّا»، لكن بعض الأحداث السَّاخنة تُظهر عوار الغرب في أبشع صوَره بشكلٍ يكسر ذلك الاعتياد. الأهمُّ هو أنَّ الحرب في فلسطين جاءت بعد نَحْوِ عامٍ من بداية الحرب في أوكرانيا. ولَمْ نكَدْ ننسى بعد ظهور مراسلي القنوات الغربيَّة على الشَّاشات الأميركيَّة والأوروبيَّة، وحتَّى بعض العربيَّة النَّاطقة بالإنجليزيَّة، وهُمْ يتحدثون بعنصريَّة فجَّة واصفين الأوكران «إنَّهم مِثلنا وليسوا من الشرق الأوسط». تلك حقيقة عوار الغرب التي يخفيها في غلاف من الحلويات مِثل الديموقراطيَّة وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من شعارات.
لَمْ يكُنْ مستغربًا أبدًا أن يصفَ وزير الدِّفاع الإسرائيلي يواف جالانت الفلسطينيِّين بأنَّهم «حيوانات بَشَريَّة»، فالإسرائيليون في أغلبهم ينظرون للعرب كُلِّهم وليس الفلسطينيِّين فقط بهذه الطريقة. وبمتابعة تصريحات كبار المسؤولين في الغرب، خصوصًا في أميركا وبريطانيا، نجد لُغة لا تختلف كثيرًا عن تصريح جالانت وإنْ لَمْ تكُنْ بصراحته ـ ربَّما لاعتبارات «الصوابيَّة السِّياسيَّة» وليس عن مبدأ. بالطَّبع، يكُونُ الإعلام متحرِّرًا أكثر من قيود السِّياسيِّين مهما ادَّعى «الموضوعيَّة» و»تحرِّي الدقَّة» وعدم التعميم. صحيح أنَّ الإعلام الغربي، وكثيرًا من العربي الذي يتَّبع خُطاه، يتعامل مع الوضع في «إسرائيل» وفلسطين بشكلٍ منحاز وأحيانًا بطريقة فجَّة حتَّى أنَّه لا يرى ولا يسمع ما يفعله الاحتلال ومستوطنوه المسلَّحون ـ المحميون بالجيش والأمن ـ بالفلسطينيِّين من قتْلٍ وتشريد وطردٍ من بيوتهم وأرضهم وهدم منازلهم وحرق زرعهم. بل يركِّز فقط على مَن يقاوم اغتصاب بَيْته وأرضه وإزهاق روحه ويصفُه بأنَّه «إرهابي» أحيانًا. فتبنِّي الإعلام الغربي للسَّرد الإسرائيلي لِمَا يجري يوميًّا جزء من حقيقة دفينة: الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين كيان غربي في محيط من العرب (الذين هُمْ في خلفيَّة التفكير الغربي همج لا يختلفون كثيرًا عن وصف جالانت بأنَّهم «حيوانات بَشَريَّة»).
الإعلام الغربي الذي يُروِّج للهجوم الأوكراني المضادِّ للوجود الروسي بمناطق في شرق أوكرانيا يرى مقاومة الفلسطينيِّين للاحتلال الإسرائيلي إرهابًا. مع أنَّه لا وَجْه مقارنة بَيْنَ عمليَّة روسيا في أوكرانيا والقتل اليومي للفلسطينيِّين في جنين ونابلس والخليل وغزَّة وغيرها، إمَّا برصاص الجيش أو الأمن أو على يَدِ المستوطنين. هؤلاء الذين جاءوا من روسيا وأميركا وبولندا وأوكرانيا وبريطانيا وغيرها إلى فلسطين على مرِّ العقود. بَيْنَما أصحاب الأرض الأصليون مُشرَّدون لاجئون في بُلدان العالَم أو مكدَّسون في مخيَّمات فيما تبقَّى من أرض فلسطين في غزَّة والضفَّة الغربيَّة. من المنطقي ألَّا يرى إعلام الغرب ذلك، بل ويتعامل معه بما يقارب العنصريَّة. فتلك قناعات قديمة، وإن كانت في خلفيَّة الأذهان ولا تظهر على السَّطح بفجاجة إلَّا في الأزمات الكبرى. فذلك النهج الغربي الذي يَعُودُ إلى القرون الوسطى، الموصوفة في التاريخ الأوروبي بعصور الظلام، لَمْ يختفِ تمامًا. استمرَّ مع الاقِطاع ونظام العبوديَّة وكان أحَد أعمدة الغزو الأوروبي والاحتلال الاستيطاني لِمَا سُمِّي «العالَم الجديد» في أميركا الشماليَّة وأستراليا وغيرها. وتمَّ إبادة السكَّان الأصليِّين من الهنود الحمر والأبورجين وغيرهم، ومَن عاش مِنْهم ظلَّ في «مستوطنات» معزولة حتَّى الآن. ثمَّ التوسُّع في استغلال العبيد من إفريقيا وآسيا لبناء ما ننظر إليه بانبهار الآن على أنَّه «حضارة الغرب» المتفوِّقة. يبدو ذلك التفوُّق قَدْ وصَلَ إلى ذروته، وبدأ إمَّا السَّير في خطٍّ مستقيم أو الاتِّجاه للانحدار. وفي تلك المراحل تظهر القناعات القديمة التي استترت بصعود منحنى التقدُّم والحاجة لاستغلال «الغير» لبناء الذَّات.
ربَّما ليس من الغرابة أن يتزامنَ صعود تيَّارات عنصريَّة، وأقرب للإرهابيَّة، في الغرب ممَّا يوصف ـ مُخفَّفًا في الإعلام ـ باليمين المتشدِّد أو المتطرِّف أو جماعات تفوُّق العنصر الأبيض White Supremacy (والتي اتُّهمت بها النازيَّة والفاشيَّة في القرن الماضي) مع بروز نظرة الغرب الحقيقيَّة للغير، ومِنْهم العرب والأفارقة والآسيويون. بالطبع لا يجوز التعميم، ولكن تلك هي السِّمة الغالبة وهي في انتشار وصعود. ألَمْ يؤيِّد نِصفُ الأميركيِّين ترامب ويزايدون على تصريحاته العنصريَّة التي اقترب بعضها من تصريح جالانت في وصف الفلسطينيِّين! وفي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها يتزايد أتباع النازيِّين الجُدد وغيرهم من المتطرِّفين الذين يعكسون بوضوح ما استتر بالنُّظم والقوانين، لكنَّه لَمْ يمحَ أبدًا من العقل الجمعي للغربي الاستعماري. وكما كان منذ قرون، تجد من بَيْنِ هؤلاء «الغير» مَن يتعامل بعُقَد النَّقص متصوِّرًا أنَّه إذا استمرأ أن يكُونَ «حيوانًا بَشَريًّا» سيقبله الغربي أليفًا مستأنسًا كما يفعل «الخواجات» بقِطَطهم وكلابهم لإشباع حاجات معيَّنة. لكن تبنِّي توجُّه الخواجة لا يجعلك خواجة، ولا حتَّى قريبًا من ذلك. إنَّما الأمْرُ أقرب من التطبيق العملي للمَثل الغربي الذي معناه «إذا كان الاغتصاب حتميًّا، فاسترخِ واستمتع». لكنَّ الأيَّام تُثبت أنَّ الأغلبيَّة من شعوبنا ليست بهذا القدر من الانتهازيَّة حتَّى في التصرُّف بدونيَّة وعُقَد نقص، إنَّما هي تقاوم، بعضها بالمقاومة السلبيَّة، وبعضها بالإيجابيَّة الفاعلة. وفي كُلٍّ خير.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

كاتب صحفي: إيطاليا تدعم حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

قال الكاتب الصحفي محمد يوسف، إن الحكومة الإيطالية تدعم حل الدولتين بكل قوة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، موضحا أن الحكومة تعكس بذلك موقف الشعب الإيطالي الذي يتظاهر بشكل يومي لمساندة حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.

مساندة الشعب الإيطالي لحكومته

وأضاف «يوسف»، خلال مداخلة هاتفية على فضائية «القاهرة الإخبارية»، أن الحكومة الإيطالية تتميز بمساندة غالبية الشعب الإيطالي بسبب مساندتها للشرعية الدولية، كما تقوم الحكومة بتحقيق الوعود الانتخابية التي قدمتها إلى المواطنين على قدر المستطاع، كما ترتبط بعلاقات جيدة مع دول جنوب المتوسط.

وأشار الكاتب الصحفي إلى أن الحكومة الإيطالية تدعم كل المواقف المصرية في إطار حل الدولتين، وهناك زيارات منتظرة من مسؤولي الحكومة الإيطالية إلى مصر خلال الأيام المقبلة لدعم التعاون المشترك، وكذلك دفع عجلة السلام في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • عوار يقود الاتحاد لفوز جديد في دوري روشن
  • كاتب صحفي: إيطاليا تدعم حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
  • الشعب الفلسطيني يدحر العدوان الإسرائيلي برفض مخططات الاستيطان على أرضه
  • محلل سياسي: المشروع الأمريكي الإسرائيلي بشأن غزة صدمة عالمية
  • أستاذ علوم سياسية: الاحتلال الإسرائيلي ماضٍ في جرائمه بحق الشعب الفلسطيني
  • «المصريين الأحرار»: المخطط الأمريكي الإسرائيلي ينتهك حقوق الشعب الفلسطيني
  • من غزة إلى جنين.. صورة واحدة للصمود الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي
  • الإعلام الإسرائيلي يكشف تفاصيل لقاء نتنياهو مع المبعوث الأمريكي
  • عملية تياسير تثير تساؤلات حادة في الإعلام الإسرائيلي: كيف تمكن المنفذ من الوصول إلى الهدف دون رصده؟
  • ماذا قال الإعلام الإسرائيلي قبل اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب؟