يعيش قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 علي وقع أصوات القذائف والقصف الجوي المميت الذي استخدمت فيه قوات الاحتلال الاسرائيلي قنابل ذات قوة تدميرية واسعة، تحظي بقدرة علي تدمير مبان شاهقة مكونة من عدة طوابق، وهو ما كان تأثيره فادحًا علي السكان والبنية التحتية المدنية بما في ذلك المستشفيات والمدارس ودور العبادة وحتي بعض المرافق التابعة للأمم المتحدة، هذا بالإضافة إلي نية إسرائيل لاجتياح بري لقطاع غزة خلال الساعات القادمة، ردًا علي إطلاق فصائل فلسطينية يوم السبت الماضي عملية “طوفان الأقصى” والتي تم من خلالها استهداف إسرائيل بعدة آلاف من الصواريخ من قطاع غزة، كما نفذت الفصائل الفلسطينية عمليات نوعية في العمق الإسرائيلي.

وردا على ذلك، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجماتها المكثفة على القطاع، ووسعت من دائرة استهداف المنازل السكنية، التي تدمرها فوق رؤوس ساكنيها دون تحذير مسبق، وقتلت أسر بأكملها. كما أمرت بقطع التيار الكهربائي والمياه، وشرعت في استهداف المساجد والطواقم الطبية، ما أدى حسب وزارة الصحة الفلسطينية إلى 950 مواطناً وإصابة 5000 أخرين بإصابات مختلفة -حتى الآن-، بالإضافة إلى تدمير مئات الوحدات السكنية، كما تسببت الهجمات في نزوح عشرات آلاف المدنيين من مناطق سكناهم. كما أدي القصف المٌدمر والعشوائي لقوات الاحتلال إلى قتل ثمانية صحفيين في قطاع غزة أثناء ممارسة مهامهم في تغطية الأحداث، وهو انتهاك واضح لخطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين.
كما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنامين نتنياهو الفلسطينيين إلى مغادرة غزة مهددا بتدمير حركة “حماس” وتحويل غزة إلى خراب. ومن جانبه أمر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بضرورة فرض حصار كامل على قطاع غزة قائلا “إنه لن يكون هناك كهرباء ولا غذاء”.
أن التصرفات الإسرائيلية التي تحرم الفلسطينيين في قطاع غزة من وسائل عيشهم، من الغذاء والمياه والكهرباء، تشكل جريمة حرب وإبادة جماعية بحق الفلسطينيين حيث تعرض حياة 2.2 مليون فلسطيني لخطر التجويع، وهي جريمة ضد الإنسانية. فعندما يتحول التجويع إلى وسيلة لإخضاع ساكنة قطاع غزة عبر فرض أحوال معيشية صعبة تؤدي إلى هلاكها جزئيا أو كليا، بواسطة حرمانها من الأساسيات كالغذاء والدواء والكهرباء والمياه، للبقاء على قيد الحياة. مع وجود نية خاصة لتدمير تلك الفئة من السكان المحمية بموجب اتفاقية منع وقمع الإبادة الجماعية للعام 1948، والتي يستدل عليها من تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين من قبيل (سكان غزة حيوانات بشرية على شاكلة التوتسي مجرد صراصير يستحقون الموت كما كان يصفهم اعلام الهوتو برواندا). فإن الامر إذا، يتعلق بمقدمات جريمة الإبادة الجماعية لساكنة القطاع المحاصرة بسجن كبير اسمه غزة (على غرار معتقلات النازية اشويتفز، سوبيبور،…) فحتي اجبار سكان غزة على المغادرة او مواجهة الموت، يعد تطهيرا قوميا لجزء من الشعب الفلسطيني. فإبادة الأرمن مطلع القرن العشرين كانت تطهيراً عرقيا أي مزيجا بين القتل المنظم الواسع والإجبار على المغادرة، أي أن تغادر مجال جغرافي محدد أو ستواجه الموت.
الغريب في الأمر إن كل هذه الجرائم تتم في ظل قبول واسع من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، والتي خرجت لتدين ما فعلته الفصائل الفلسطينية متجاهلة الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين منذ عام 1948، متناسية القرارات الأممية والاتفاقيات الدولية التي تمنح الشعوب الواقعة تحت الاحتلال حق المقاومة حتى تقرير مصيرها، ومنها قرارات الجمعية العامة رقم 1514 لسن 1960 والقرار 3246 لسنة 1974.
كما يتعارض استهداف المدنيين بشكل مميت كما تفعل قوات الاحتلال مع المواد 50 و 51 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977 وهي المواد التي تحظر بشكل واضح الهجوم على المدنيين، وتمثل المادة 50 علي وجه التحديد قاعدة عامة يجب تنفيذها من قبل جميع الحكومات بما في ذلك الدول الأعضاء وغير الأعضاء في البروتوكول وهو ما لم تمتثل اليه قوات الاحتلال. كما إن الاستهداف العشوائي للمدنيين يمثل انتهاك للحق في الحياة وهو اسمي الحقوق الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والذي ينطبق في حالتي الحرب والسلم معًا. حيث تحظر المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انتهاك الحق في الحياة لكن اسرائيل تتنصل من تنفيذ مواد الإعلان، كما يتعارض انتهاك الحق في الحياة مع المادة السادسة من العهد الدولي لحقوق الإنسان والتي صادقت عليه إسرائيل في 3 أكتوبر 1991.
وفي الأخير نؤكد بأنه طالما ظلت إسرائيل محصنة ضد المساءلة والعقاب، لن يسفر ذلك إلا عن استمرار هذه الجرائم والانتهاكات المتصاعدة، وسنشهد مزيدا من القمع وإراقة لدماء المدنيين.
دكتوراه في العلوم السياسية – جامعة القاهرة
للتواصل مع الكاتب: [email protected]

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: قوات الاحتلال قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

رئيس مهرجان السينما الفرنكوفونية: استقبال طلبات التقدم لمسابقة «أفضل سيناريو» لإنتاج فيلم حول حرب الإبادة الجماعية حتى ٣١ يناير

أعلن رئيس مهرجان القاهرة‎ للسينما الفرنكوفونية الناقد السينمائى د. ياسر محب، أن العمل جار للتباحث حول التفاصيل المتعلقة بمسابقة أفضل سيناريو مقدم من صناع الأفلام حول حرب الإبادة الجماعية فى قطاع غزة - والتى أطلقها مهرجان القاهرة‎ للسينما الفرنكوفونية مطلع الشهر الحالى- من أجل إنتاج فيلم عن حرب الإبادة الجماعية وترجمته لعدة لغات.
وأكد «محب» خلال لقائه المستشار الثقافى لسفارة دولة فلسطين بالقاهرة ناجى الناجى، أنه جار متابعة كافة السيناريوهات التى يتوالى استلامها للمشاركة فى مسابقة مهرجان السينما الفرنكوفونية، حيث تم تشكيل لجنة لقراءة السيناريوهات المتقدمة من المتخصصين فى صناعة الأفلام من مصر وفلسطين، لتقييم السيناريو القادر على نقل الرواية الفلسطينية، وأكد أنه تم التوافق على كافة التفاصيل المتعلقة بمسابقة السيناريو وضوابط وشروط وآليات المشاركة بالمسابقة، وأعلن أنه نظرا للاقبال على التقديم فقد تم التوافق على تمديد مدة استقبال السيناريوهات للسادة الراغبين فى التقدم للمسابقة حتى 31 يناير 2025 على أن يتم إرسال أعمالهم فى فئات الفيلم الروائى والوثائقى القصير والديكودراما، على البريد الإلكترونى: [email protected].
ومن ثم تعبئة نموذج الاطلاع على الشروط والضوابط، متمنيًا أن تحقق المبادرة أهدافها بإطلاع الشريحة الأكبر من الجمهور فى العالم على حقيقة ما يتعرض له الشعب الفلسطينى على أرضه.

مقالات مشابهة

  • اليوم العالمي لمنع الإبادة الجماعية .. لا يشمل غزة
  • استشهاد 10 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على بيت حانون والخارجية الفلسطينية تنتقد الصمت الدولي
  • حماس: قوات الاحتلال أحرقت مستشفى كمال عدوان بمن فيه من المرضى والجرحى والنازحين
  • عن إحراق مستشفى كمال عدوان.. الصمت الدولي يُغري الاحتلال لارتكاب حرب الإبادة
  • فعاليات شعبية في مختلف محافظات المملكة تندد بحرب الإبادة الجماعية في غزة
  • رئيس مهرجان السينما الفرنكوفونية: استقبال طلبات التقدم لمسابقة «أفضل سيناريو» لإنتاج فيلم حول حرب الإبادة الجماعية حتى ٣١ يناير
  • فلسطين تطالب المجتمع الدولي بالتعامل الجدي مع تصريحات وزير جيش الاحتلال
  • الخارجية الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي التعامل مع تصريحات وزير جيش الاحتلال الأخيرة
  • علماء المسلمين: الصمت الدولي على حرب الإبادة ضد الفلسطينيين لم يعد مقبولا
  • محاكمة علي كوشيب: بارقة أمل لضحايا الإبادة الجماعية في دارفور