لم يشهد مسرح الأحداث السياسية في السودان، ولا ميدان العمل العسكري، ضابطاً عظيماً من ضباط القوات المسلحة، تكتنفه الحيرة والتردد والغموض، مثلما هو الحال بالنسبة للفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش الذي أوقد نار الحرب داخل عاصمة بلاده، ثم فر هارباً، فلو عدنا بشريط الذكريات للوراء نذكر موقف الفريق أول سوار الدهب، عندما اقتضت إرادة ثوار انتفاضة أبريل إسقاط نظام الرئيس الأسبق المشير جعفر نميري، فامتشق سوار الدهب سيف التغيير، وقاد مجلساً عسكرياً انتقالياً عبر بالبلاد إلى الانتخابات العامة، فتشكلت الجمعية التأسيسية والحكومة التنفيذية ومجلس رأس الدولة، فلم يركن للسدنة، ولم يتآمر، وأوفى بما وعد فلم يجلس على الكرسي غير العام الواحد، ولم يكن مهووساً بأحلام اليقظة المشجعة على حكم البلاد جزافاً، بالرغم من أن (الخلافة) أتته منساقة إليه تجرجر أذيالها، وعلى ذات السياق استجاب الفريق عبود للرغبة الجماهيرية العارمة لثوار أكتوبر، ورفض أن يبقى على سدة الحكم وهو ينظر عبر نافذة القصر نحو الثوار وهم يهتفون برحيله، أما هذا البرهان فقد أتته الفرصة الأنسب لإحداث التغيير، والتي كانت ستتوجه منقذاً وطنياً، لو أنه تضامن مع ثوار ديسمبر، ولو أنه لم يخذل زعيم الحزب الشهير الذي دفع بساعده الأيسر عالياً أمام حشود الديسمبريين بميدان القيادة، لكنه سوء الطوية وإدمان العادة، فليس من الحكمة أن يرجى خيراً من الذي ديدنه شق صفوف الرفاق أوقات ساعات الصفر الحاسمة، فملف شهداء ضباط رمضان ما زال قيد الانتظار.


ما أدلى به قائد الجيش بمعبر أرقين بأنه لو كان يعلم مآلات الحرب المأساوية، لما سمح باندلاعها، يؤكد أنه ومن دفعوه لارتكاب الحماقة هم المبادرون الفعليون لإطلاق الرصاصة الأولى، والأمر الثاني الذي كان من الواجب أن يكون ماثلاً أمام عينيه، هو أن الحرب التي يقودها الجيش ضد نفسه بلا أدنى شك ستكون حرباً خاسرة، خاصة عندما تشن داخل الأسواق والأحياء السكنية، وعلى معسكرات ومقرّات نفس الجيش المنتشرة داخل وحول المدن، فقوات الدعم السريع هي الجيش، فكيف يعقل أن يشن الجيش حرباً على نفسه؟!!، لا أظن أن أي من خبراء العلوم العسكرية لو تمت استشارته، بشأن حرب فلول النظام البائد ضد فصيل صميم من فصائل الجيش، ستكون إجابته (لا تقدموا على فعل المستحيل)، وعندما نلقي بالنظرة الفاحصة على منظري وعرّابي هذه المغامرة من أمثال علي كرتي، نوقن بأن العقل المتطرف والمهووس دينياً لا يعتبر بمخرجات العلم، ولا يخضع لما تقدمه بيوتات الخبرة العسكرية والأمنية على مستوى العالم، فالتنظيم الإرهابي الذي استضاف زعيم القاعدة ثم ابتزه بتسليمه لحكومة موطنه، لا يمكن أن يأتي إلّا بمثل هؤلاء الحمقى، الذين رووا تراب وطنهم بدماء أهاليهم وذويهم، فلا يعقل أن يخرج حزباً سياسياً ثيوقراطياً من دهاليز الحكم الذي استمر ثلاثة عقود بخفي حنين، إلّا إذا اتخذ من الميتافيزيقيا نهجاً وأسلوباً في شئون الحكم والإدارة، وفوق كل هذا وذاك إذا وضع على رأس مؤسسة الجيش وقيادتها أشخاص من أمثال البرهان.
ضعف الإرادة وهوان العزيمة خصيصتان صاحبتا قائد الجيش، منذ أن أطل على ساحة الفعل السياسي والعسكري بعد زوال رأس النظام البائد، ومعه الصف الأول من الفاعلين في الحزب المحلول، فشابت مسيرة الجنرال وعلى مدى أربع سنوات، الضبابية والرمادية والتردد، وأخيراً وبعد أن رتبت الجهات الخارجية لعملية خروجه الآمن من النفق الذي كاد أن ينفق داخله، لم يرعوِ ولم يتعظ فسدر في مسيرة غيٍ جديدة، وما انفك يجاري الجماعة المتطرفة التي ورّطته في هذه المغامرة غير محسوبة العواقب، بينما تقود الشريحة الأخرى من القوات المسلحة تكتيكاً عسكرياً ناجحاً في إحكام السيطرة على المقرّات العسكرية والحاميات واللواءات والفرق، في الوقت الذي يحوم فيه قائد الجيش حول الحمى، ولا يقدر على الدخول إلى موقع واحد من المواقع العسكرية، التي كان يحكم عليها القبضة بنسبة مائة بالمائة، أي حماقة هذه التي ارتكبها هذا الرجل الجالس على سنام المؤسسة العسكرية؟!!، من ذاك الذي غشّه وجماعته التي تأويه؟، فزين لهم سهولة احتواء ثورة الأشقاء بعد اطلاق النار عليهم؟، أم أن الخيال والاتّكال هما العاملان الرئيسيان اللذان ساقا القائد وزمرته المهووسة للدخول في أتون الشرك (أم زرّيدو)، الفخ الذي حسبه الحلمان درباً سالكاً فخر صريعاً، ما هكذا تورد الإبل يا سعادة القائد (العظيم)، فإنّ عظمة المواقف لابد أن يقابلها علو همة القائد، لا ضعف إرادته ولا هوان عزمه، عذراً أيها القائد (الهمام) إنّك لم تكن على قدر عظمة المرحلة، فافسح الطريق!!..

إسماعيل عبدالله
11اكتوبر2023
ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قائد الجیش

إقرأ أيضاً:

لجنة نصرة الأقصى تبارك مضامين خطاب قائد الثورة وتدعو للاحتشاد الجمعة

وأكدت اللجنة تأييدها الكامل لما تضمنه خطاب السيد القائد من مواقف قوية وواضحة فيما يتصل بالدفاع عن حقوق ومصالح الشعب اليمني والتصدي للمؤامرات التي تسعى إلى تجويعه وتشديد الحصار عليه.

وعبرت عن تفويضها المطلق لقائد الثورة في أي خيارات يتخذها لانتزاع الحقوق المشروعة للشعب اليمني ومواجهة العدوان والحصار بما في ذلك مواجهة التصعيد الاقتصادي من قبل النظام السعودي الذي يأتي خدمة لأمريكا وإسرائيل، بعد فشلهما في الحد من العمليات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية المستمرة لنصرة الأشقاء في قطاع غزة.

وأشادت في هذا الشأن بالعمليات العسكرية المستمرة والفاعلة للقوات المسلحة وقواتها البحرية والقوة الصاروخية وسلاح الجو المسير على مدى الفترة الماضية من العدوان الصهيوني على قطاع غزة وحتى الأسبوع الجاري.

وأفادت بأنه لا خيار أمام أبناء شعبنا الحر العزيز وقيادتهم الثورية وهم يشاهدون المجازر اليومية للعدوان الإجرامي الصهيوني الأمريكي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة إلا الاستمرار في تصعيد العمليات العسكرية ضد العدو الصهيوني وداعميه الغربيين وفي المقدمة أمريكا وبريطانيا ومواصلة الحظر البحري على سفنه والسفن الأخرى المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة.

وحيت اللجنة الدور الجهادي للمقاومة الفلسطينية وعملياتها العسكرية التي تكبد العدو الصهيوني وقواته العسكرية الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد.

كما أشادت بما طرحه السيد القائد خلال خطابه التاريخي من إيضاحات حول خطوات التغييرات الجذرية والإصلاحات الشاملة لمؤسسات الدولة والنهج السليم الذي تم اعتماده لإحداث التغيير الإيجابي المنشود في العمل المؤسسي لمختلف مؤسسات الدولة وتحقيق قوة دورها في بناء اليمن الجديد.

واطّلعت اللجنة العليا على تقرير بشأن سير أنشطة التعبئة والاستنفار على المستويين الرسمي والشعبي نصرة لأبناء الشعب الفلسطيني وحجم المشاركة الشعبية الكبيرة في هذا المسار الذي يعزز من قدرات الشعب اليمني واستعداده للتعامل مع أي طارئ.

وأقرت البرنامج التنظيمي للمسيرة الأسبوعية الكبرى التي ستقام عصر يوم الجمعة في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء نصرة لأبناء غزة المظلومين، والمسيرات المباركة التي ستقام بالتزامن في المحافظات والمديريات الحرة تحت شعار "ثابتون مع غزة.. وسنتصدى لأمريكا ومن تورط معها".

ودعت أبناء الشعب اليمني الأحرار إلى المشاركة المليونية في مسيرات يوم الجمعة، تعزيزا لذلك الحضور المليوني في المسيرات الأسبوعية طيلة الأشهر الماضية التي نظر إليه أحرار العالم بكل احترام وتقدير، وكان محل اهتمام وتحليل الإعلام العربي والدولي.

مقالات مشابهة

  • قائد الثورة: العدوان على غزة اختبار للبشرية واعدام 3 مسنين سحقا جريمة بشعة
  • الفريق البرهان بطل قومي! سباحة عكس التيار!
  • لجنة نصرة الأقصى تبارك مضامين خطاب السيد القائد وتدعو للخروج المشرف في مسيرات الجمعة
  • لجنة نصرة الأقصى تبارك مضامين خطاب قائد الثورة وتدعو للاحتشاد الجمعة
  • لجنة نصرة الأقصى تبارك مضامين خطاب قائد الثورة وتدعو للخروج المشرف بعد غد الجمعة
  • نُصح أم تحذير!!
  • لحظات ما قبل الانهيار
  • مصر.. السيسي يعين رئيس الوزراء في منصب جديد
  • خلال ساعات.. زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإثيوبي إلى العاصمة السودانية
  • المجلس السياسي الأعلى يبارك الخطوات التي تحدث عنها السيد القائد فيما يتعلق بالتغيير الجذري والإصلاحات الشاملة