أن العملية التي قامت بها حماس تؤكد؛ أن غلبية استخبارات العالم: و خاصة الأمريكية و الأوروبية و حتى الإسرائيلية صاحبة الشأن ما عادت تهتم بالقضية الفلسطينية، و تم إهمالها بأنها سوف تسقط بالتقادم. و هي الفترة التي استطاعت أن توظفها حماس من أجل أحياء القضية و إعادتها مرة أخرى للمقدمة، و من خلال عمل غير مسبوق و متخيل.
المهم من الذي جرى و يجري في غزة؛ أن العملية سوف تجبر الكل أن يضعوا لها أجندة مغايرة، و أثبتت العملية أن الشعب وحده هو القادر أن يضع قضيته في مقدمة دفتر الأجندات العالمية، و أن العالم الخارجي فقط عليه المساعدة، و دفع الجانبين للوصول لحل مرضي للطرفين. أن تغيير مسار القضية سوف يبدأ من أسرائيل نفسها، و يسمح بعلو عقل الحكماء و ليس المتطرفين. ربما يختلف العالم في الانطباع الأول عن العملية بين مدين لها و متحفظ و داعم لها، و لكنها بالضرورة سوف يكون لها انعكاسات داخل أسرائيل لكي تدفع في اتجاه الحل. و مهما حاول المتطرفون الإسرائيليون الاعتقاد أن شراء ترسانات من الاسلحة المتنوعة في العالم سوف تجعلهم في مأمن من الآخرين، أن التكنولوجية سوف تصنع بدائل تساعد على أختراق هذه الترسانات، فالافضل هو الاعتراف بالحقوق المتبادلة و خلق الدولتين حسب الاتفاقيات السابقة، و التي تحاول إسرائيل التهرب منها.
أن العديد من النخب السودانية تعتقد هناك دور لإسرائيل بالتحالف مع الامارات في الحرب الدائرة في السودان، و أن ميليشيا الدعم تتلقى مساعدات كبيرة من هذا التحالف لاستمرار الحرب بهدف تقسيم السودان لعدة دول، و هذا المخطط إذا كان صحيحا لابد أن يكون مدعوما من قبل البعض داخل السودان. و الدرس المستفاد من حرب غزة يؤكد أن الشعب السوداني وحده هو القادر أن يحل قضاياه من خلال وضع الأجندة الوطنية التي يجب أن تكون في قمة الملفات الحوار السياسي. أن دولة الأمارت أيضا يجب عليها أن تراجع سياساتها تجاه السودان، و الحرب التي اشعلتها و ماتزال تدعم استمرارها، و أن الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط و أيضا الانقلابات التي حدثت في غرب أفريقيا جميعها سوف تحاصر القوى التي تشعل الحروب من خلال انتقال المرتزق بين الدول.
أن مشاركة السودان مع السعودية و الامارات في "عاصفة الصحراء" التي يقال إنها ذهبت لتقاتل مع النظام الشرعي في اليمن ضد الحوثيين، كان أكبر خطأ ارتكبه السودان و خاصة النظام البائد. في ارسال قوات تقدر ب "30 الف" مقاتل جاء ذلك على لسان قائد الميليشيا محمد حمدان دقلو حوال 18 الف يحرسون حدود السعودية مع اليمن و هناك الآلاف الذين يحرسون القواعد الاماراتية في اليمن. فالإمارات بدعمها الميليشيا ليس فقط أن أعينها على ثروات السودان، بل هناك أهم من ذلك؛ أنها في حاجة لمقاتلين مرتزقة يحمون مصالحها داخل اليمن، و أيضا خارج دولة الأمارات، و لا يستبعد إنها تحتاج أيضا لحماية حدودها. أن القوات الاجنبية الوحيدة التي شاركت مع السعودية و الامارات في عاصفة الصحراء هي السودان. لذلك الأمارات تريد تغيير النظام في السودان بهدف إنها تريد وجود قيادات تذعن بالولاء لها و تقدم لها ما تحتاجه. الأمر الذي يجعلها مصرة على استمرار الحرب.
إذا كانت أسرائيل بالفعل هي داعمة للأمارات في استمرار الحرب في السودان، أن عملية حماس سوف تجعلها تفكر بعمق، أن حروب الأذرع الطويلة سوف تجلب لها المتاعب، و عليها أن تفكر جديا أن السلام هو الطريق الأفضل للاستقرار و العلاقات الجيدة بين الدول. و أيضا يجب على الأمارات أن تعيد التفكير بالذي تفعله في السودان، و لا اعتقد أن شعب السودان سوف ينساه، و مادام السودان قد تأذى من موجات المرتزقة القادمين من عدة دول في أفريقيا، يجب عليه أن يوقف إرسال مقاتلين للدول الأخرى، و يسرع بسحب القوات التي كان قد أرسلها إلي اليمن. الدولة التي تريد السلام في المنطقة يجب عليها أن لا يكون لها أذرع عسكرية طويلة تتأذي منها شعوب أخرى. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
زراعة قلب إنجاز طبي.. وأخلاقي أيضا
حين يعود قلب للنبض بعد أن توقف، لا يُولد مريض فحسب، بل تُولد لحظة وعي جديدة لمجتمع بأكمله. هكذا يمكن قراءة الإنجاز الذي حققه الفريق الطبي العُماني بإجراء أول عملية زراعة قلب من متبرّع متوفّى دماغيا لمريض كان يعاني من قصور حاد في عضلة القلب. هذا الحدث ليس فقط مؤشرا على تطور القدرات الجراحية، بل يُعد في أحد أبعاده فعلا متقدما لصناعة الحياة من جديد.
لم تكن العملية، إذن، مغامرة طبية؛ بل ثمرة سنوات من التخطيط والتدريب بل هي ثمرة سنوات من التخطيط والتدريب، ونتيجة طبيعية لاستثمار واع في الكفاءات العمانية، وفي بناء منظومة صحية تؤمن بأن الحياة تُصنع بالعقل كما تُصان بالقلب.. وهي أيضا دليل على نضج المنظومة الأخلاقية والتشريعية التي تنظم مثل هذه العمليات المعقدة. كما تعكس نضج المؤسسات الصحية العمانية، التي باتت قادرة على إجراء أعقد الجراحات بتقنيات وطنية متكاملة.
ثمة أمر في غاية الأهمية أيضا وهو أن العملية جاءت بعد أيام فقط من صدور قانون تنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، فيما يمكن أن يكون مواءمة بين التشريع والممارسة، وهذا يشير إلى وعي عُماني متقدم بأن الطب لا يتقدّم دون أخلاقيات، وأن إنقاذ الأرواح لا يمكن أن يُفهم خارج إطار قانوني يحفظ كرامة المتبرّع، ويضمن الشفافية، ويستند إلى معايير عالمية تُراعي العلم كما تراعي الإنسان.
لكن هذا النجاح يضاعف المسؤولية ليس فقط على المؤسسة الطبية في سلطنة عُمان ولكن أيضا على المجتمع بأسره وذلك لاستيعاب أهمية التبرع بالأعضاء، والانتقال من حالة التردّد إلى القناعة، ومن المجازفة إلى الإيمان بأنها فعل إنساني خالص من شأنه أن يعطي الكثيرين أملا في الحياة وفي البقاء.
وإذا كان قلب المتبرع قد نبض بالحياة في جسد آخر فإن في ذلك رمزية مهمة تتمثل في احترام العلم ومكانته في المجتمع الذي يتحلى بقدر كبير من المسؤولية.
لكن هذا الإنجاز الذي حققته المؤسسة الصحية في سلطنة عمان ليس إنجازا لها وحدها ولكنه إنجاز وطني متكامل تجتمع فيه السياسة بالتشريع، والطب بالأخلاق، والعلم بالضمير.
ولأن الطب، في نهاية الأمر، ليس فقط مختبرا وأجهزة، بل أيضا حكاية إنسان، فإن على هذه الحكاية أن تستمر؛ وأن تجد امتدادها في كل متبرع، وفي كل مريض ينتظر، وفي كل قانون يُسنّ، ليظل القلب نابضًا لا في الجسد وحده، بل في ضمير مجتمع بكامله.