زخة صواريخ المقاومة.. كيف راوغت فيزياء قبة إسرائيل الحديدية؟
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
تخيل أنه تم إلقاء كرة تنس واحدة تجاهك، فسيكون من السهل عليك التقاطها، وإذا ما تم إلقاء 10 كرات، واحدة تلو الأخرى، فيمكنك أيضا التقاطها بنفس الكيفية. لكن إذا تم إلقاء 10 كرات بشكل متزامن، فقد تتمكن من التقاط كرتين -على أقصى تقدير- في حين لن تتمكن من الإمساك بالباقي.
بهذا المثال، يوضح الأستاذ المشارك في بحوث العمليات بجامعة بروك الكندية مايكل أرمسترونغ، كيف تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية بغزة من خداع الفيزياء التي يعتمد عليها نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المعروف باسم "القبة الحديدية".
يقول أرمسترونغ للجزيرة نت، "كما لا يمكنك التقاط سوى كرتين على الأكثر من العشر كرات التي ألقيت في وقت متزامن، فإن الفيزياء التي يعتمد هذا النظام (القبة الحديدية)، فشلت في التعامل مع (زخة الصواريخ) التي انطلقت من غزة باتجاه إسرائيل".
فيزياء نظام القبة الحديدة الدفاعي يعتمد على رادار يقوم بإصدار إشعاع كهرومغناطيسي في اتجاه معين (الفرنسية) ما فيزياء القبة الحديدية؟من جانبه، يشرح يارون غروس من معهد "وايزمان" للعلوم في تقرير نشره قبل عامين، أن "فيزياء هذا النظام الدفاعي تعتمد على رادار يقوم بإصدار إشعاع كهرومغناطيسي في اتجاه معين، وعندما يضرب هذا الإشعاع صاروخا أو أي جسم متحرك آخر في طريقه، فإنه ينعكس إلى جهاز الكشف، ويتيح حساب الفترات الزمنية بين إطلاق الإشعاع وامتصاصه بواسطة الكاشف تحديد مكان وجود الجسم، وفي تلك اللحظة، يتعين على النظام أداء مهمتين، حيث يحتاج إلى تحديد المكان الذي يوشك الصاروخ على الهبوط فيه بسرعة، وحساب المكان الذي يجب إطلاق الصاروخ فيه لاعتراضه على طول مساره".
ورغم ما يبدو من سهولة في هذه المهمة، انطلاقا من أن حركة الصاروخ تعتمد على قوى بسيطة نسبيا، مثل الجاذبية والسحب، مما يجعل من السهل نسبيا حساب مساره والتنبؤ به باستخدام مبادئ فيزيائية بسيطة، فإن هناك عوامل قد تتدخل لتجعل تلك المهمة صعبة للغاية بحسب غروس، وهي غياب معلومات مسبقة عن البنية الديناميكية الهوائية للصاروخ، وتفاصيل محددة عن قوى السحب وعزم الدوران المؤثرة عليه، وبالتالي، فإن التحليل الأمثل لحركة الصاروخ يتطلب تتبعا مستمرا لحساب مساره والتنبؤ به، باستخدام خوارزميات متطورة. ويفخر غروس في تقريره بامتلاك نظام "القبة الحديدية" لهذه الخوارزميات المتطورة.
لكن مايكل أرمسترونغ، وهو صاحب دراسة نشرت في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014 بدورية "أوبيريشن ريسيرش" عن نظام "القبة الحديدية"، يشرح لـ"الجزيرة نت"، كيف نجحت زخة صواريخ المقاومة الفلسطينية في تعطيل هذه الخوارزميات.
يقول أرمسترونغ، "عندما يكتشف الرادار في نظام القبة الحديدية وجود صاروخ في الجو، يقدر الحاسوب المكان الذي سيهبط فيه الصاروخ، ويقوم بتقديم هذه المعلومات إلى الشخص الذي يقوم بتشغيل النظام، حيث يتخذ هذا الشخص قرار إسقاط الصاروخ، ثم يقوم بالضغط على زر الإطلاق، ويطلق الحاسوب صاروخ (تامير) الاعتراضي، ويطير (تامير) باتجاه الصاروخ الهجومي وينفجر، على أمل تدميره، وتحدث هذه الخطوات بسرعة كبيرة ولكن ليس على الفور".
ويعود إلى مثال كرات التنس، موضحا "إذا وصلت الصواريخ، واحدا تلو الآخر، كما في كرات التنس التي تلقيها على شخص واحدة تلو الأخرى، فمن السهل على النظام إطلاق النار عليها جميعا، ولكن إذا وصل عدد كبير جدا من الصواريخ في نفس الوقت، فقد لا يستجيب النظام بالسرعة الكافية لإسقاطها جميعا، وهذا ما حدث في الهجوم الأخير".
هجوم الطلقة
ويطلق على هجوم الصواريخ التي يتم إطلاقها في وقت واحد اسم "الطلقة"، لذلك فإن "هجوم الطلقة"، كما تعرفه دراسة نشرتها الدورية الأميركية "جورنال أوف فرانكلين إنستيتوت"، هو ذلك الذي يتم من خلاله إطلاق وابل من الصواريخ على نفس الهدف في نفس الوقت.
ويقول أرمسترونغ "لذلك، إذا أراد أحد المهاجمين هزيمة نظام (القبة الحديدية)، فيمكنه شن (هجوم الطلقة)، أي إطلاق العديد من الصواريخ على نفس الهدف في نفس الوقت، على أمل ألا يتمكن النظام الدفاعي من إطلاق صواريخ اعتراضية بالسرعة الكافية، وهذا من شأنه أن يسمح لمزيد من الصواريخ بضرب هدفها".
وليس معلوما عدد الصواريخ التي يمكن لنظام "القبة الحديدية" التعامل معها دفعة واحدة، فهذه المعلومات هي سر عسكري، كما يوضح أرمسترونغ، لكنه يؤكد أن إسرائيل من المؤكد أنها ستستفيد مما حدث في هذا الصراع لتحسين تقنية النظام للتعامل مع المزيد من الصواريخ، كما أن فصائل المقاومة، ستطور هي الأخرى من أدائها، مضيفا "يبدو أن حماس قد تعلمت ما الكم من الصواريخ الذي يمكنه مراوغة نظام (القبة الحديدية)".
والحل الذي قد تلجأ له إسرائيل، هو بناء المزيد من القباب الحديدية، ويقول "إذا كان هناك نظامان في نفس الموقع، فيمكنهما التعاون للتعامل مع ضعف عدد الصواريخ، لكن كل نظام مكلف للغاية".
إسرائيل تمتلك 10 بطاريات للقبة الحديدية يمكنها توفير تغطية بحجم مدينة ضد الصواريخ (رويترز) 10 بطاريات للقبة الحديديةوتمتلك إسرائيل 10 بطاريات لـ"القبة الحديدية" يمكنها توفير تغطية بحجم مدينة ضد الصواريخ التي يتراوح مداها بين 4 و70 كيلومترا، وفقا لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وكل بطارية قادرة على الدفاع عن مساحة تصل إلى 155 كيلومترا، ويتم وضعها بشكل إستراتيجي حول المدن والمناطق المأهولة بالسكان، وتشتمل البطارية على 3 إلى 4 قاذفات، ويمكن لكل قاذفة أن تحمل ما يصل إلى 20 صاروخا اعتراضيا.
يقول مدير ومؤسس مركز التحليل الإستراتيجي الأسترالي مايكل شوبريدغ، وهو مركز أبحاث يركز على الدفاع والأمن في تقرير نشره موقع شبكة "إيه بي سي نيوز" الأسترالية، "اعتمادا على عدد الصواريخ التي يتم إطلاقها، يجب أن تكون هناك تغطية متداخلة لبطاريات (القبة الحديدية)، فإذا كنت تدافع ضد ألف صاروخ قادم، فأنت بحاجة إلى ألف صاروخ اعتراضي على الأقل".
ويوضح أن تكلفة كل بطارية حوالي 157 مليون دولار أميركي، وكل صاروخ اعتراضي حوالي 50 ألف دولار أميركي، وللحفاظ على الصواريخ الاعتراضية، يحدد نظام الرادار بسرعة ما إذا كان الصاروخ في طريقه لضرب منطقة مأهولة بالسكان، وإذا لم يكن الأمر كذلك، يتم تجاهل الصاروخ ويسمح له بالهبوط دون ضرر.
يقول مالكولم ديفيس، وهو محلل كبير في إستراتيجية الدفاع بمعهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي، في نفس التقرير الذي نشره موقع شبكة "إيه بي سي نيوز" الأسترالية، إن "تنفيذ أسلوب هجوم الطلقة، فضلا عن أنه يشل قدرة القبة الحديدية، فإن تكلفة الصاروخ الاعتراضي الذي يستخدمه هذا النظام، يجعل هناك خسائر مادية كبيرة، عند تنفيذ هذا الأسلوب".
وتقول كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- إنها أطلقت حوالي 5 آلاف صاروخ على إسرائيل في حوالي 20 دقيقة، في حين قدر جيش الاحتلال الإسرائيلي عددها بـ 2200 صاروخ، لكنه لم يكشف عن عدد الصواريخ التي تم اعتراضها.
وربما تحمل تصريحات أستاذ الهندسة والتكنولوجيا وسياسة الأمن القومي في برنامج العلوم والتكنولوجيا والمجتمع في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بأميركا ثيودور بوستول، تفسيرا لسبب عدم إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي.
يقول بوستول الذي زوّد "الجزيرة نت" بصور تكشف فشل منظومة القبة الحديدية، "توصلت قبل سنوات لاستنتاجات عامة تدور حول فشل أداء القبة الحديدية، ولم تتغير تلك الاستنتاجات بأي حال من الأحوال بناءً على تحديثي المستمر للأدلة على أدائها، فالعديد من الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو من الأحداث الأخيرة، تدعم تماما الاستنتاج القائل إن معدلات اعتراض القبة الحديدية منخفضة جدا، ربما أقل من 4 أو 5% أو حتى أقل". ويضيف "كما ترى في الصور بوضوح الفشل في التعامل مع 3 صواريخ مدفعية بعيدة المدى وصلت إلى تل أبيب".
نظام القبة الحديدية يخلق إحساسا زائفا بالأمن (رويترز) إحساس خادع بالأمانوفي إشارة إلى أن نظام "القبة الحديدية" رغم الفيزياء المتطورة له، لا يوفر الحماية الكاملة، يقول بافل بودفيغ بمركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد الأميركية للجزيرة نت "من المعروف أن أي نظام دفاعي، سواء كان القبة الحديدية أو أي شيء آخر، يمكن التغلب عليه، فهي مجرد مسألة عدد الصواريخ التي يمكن للمهاجم إطلاقها، ولأنه عادة ما يكون الدفاع أكثر تكلفة من الهجوم، لذلك يمكن للجانب المهاجم دائما اختراق الدفاع إذا كانت لديه القدرة على بناء عدد كبير بما فيه الكفاية من الصواريخ".
ولهذه المبررات التي ذكرها الخبراء، يقول تقرير هندسي نشره موقع "إنترستينغ إينجينيرنغ" تعليقا على نجاح صواريخ حماس في اختراق القبة الحديدية، "تم الترحيب بنظام القبة الحديدية باعتباره أعجوبة تكنولوجية ومنقذًا لحياة إسرائيل، لكنه في الحقيقة يخلق إحساسا زائفا بالأمن، وقد كشف هجوم حماس نقاط الضعف فيه، وحقيقة أنه لا يمكن لأي نظام دفاع جوي أن يضمن الحماية الكاملة من الصواريخ".
وقبل سنوات، توقع تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة نبرة بإسبانيا هذا السيناريو الذي حدث في الهجوم الأخير، وقال إنه "بينما توفر القبة الحديدية في الوقت الحالي إحساسا بالأمن، فإنه لا يمكن توقع استمرار الأمر على هذا النحو إلى الأبد، فعلى الرغم من فعالية النظام، فإنها مسألة وقت فقط إلى أن يطور الآخرون تكتيكات أو يكتسبوا التكنولوجيا اللازمة للتغلب عليه".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القبة الحدیدیة من الصواریخ نظام القبة فی نفس
إقرأ أيضاً:
من هو شريك قيصر الذي سرّب صور التعذيب في سوريا؟ (شاهد)
كشف أسامة عثمان، المعروف باسمه المستعار "سامي"، عن هويته كأحد مهربي صور التعذيب من السجون السورية. وشارك عثمان بالتعاون مع "قيصر" في توثيق جرائم التعذيب داخل هذه السجون، ما أسهم في صدور "قانون قيصر" الذي يفرض عقوبات مشددة على رموز النظام السوري المخلوع.
وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط" كشف أسامة عثمان، المعروف بلقبه "سامي" والشاهد الثاني إلى جانب "قيصر"، عن هويته خلال حديث صحفي. وأوضح عثمان، الذي يرأس حاليًا مجلس إدارة منظمة "ملفات قيصر للعدالة"، أنه كان يعمل مهندسًا مدنيًا عندما اندلعت الأحداث في سوريا عام 2011.
كان سامي يعيش في ريف دمشق، في منطقة خاضعة لسيطرة فصائل تنتمي إلى "الجيش الحر"، بينما كان شخص قريب منه، عُرف لاحقًا باسم "قيصر"، يعمل ضمن مناطق سيطرة الجيش السوري.
وكانت مهمته توثيق الوفيات داخل أقسام أجهزة الأمن بالصور، التي كشفت عن بشاعة المشهد: جثث مشوهة بلا أجزاء من الرأس، قتلى بلا عيون، وآخرون يحملون آثار تعذيب وتجويع شديد، جميعهم عراة وموسومون بأرقام.
وتضمنت الصور آلاف الضحايا، نساءً ورجالًا وأطفالًا، حيث اتُهم كثير منهم بجرائم وصفها النظام بـ"الإرهاب". لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن أن تُدرج طفلة ضمن قائمة "الإرهابيين"؟
دفعت بشاعة الجرائم "سامي" و"قيصر" إلى العمل معًا لتوثيق ما يحدث في السجون السورية، وتحديدًا في دمشق حيث كان يعمل "قيصر"، الذي كان يوثق أحيانًا موت ما لا يقل عن 70 شخصًا يوميًا.
وبدأ الرجلان التعاون في جمع وثائق التعذيب في أيار/ مايو 2011. وكان "قيصر" يهرب الصور عبر محرك أقراص محمول "يو أس بي" ويعطيها لسامي في مناطق المعارضة.
تمكن "سامي" و"قيصر" من تهريب عشرات آلاف الصور لجثث ضحايا التعذيب إلى خارج سوريا. وكُشف عن الصور للمرة الأولى في عام 2014 بعدما صارا خارج سوريا.
واليوم، باتت الصور التي هرباها جزءًا من "لائحة الاتهام" ضد الأجهزة الأمنية التي كانت تابعة لرئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد.
حذر سامي السلطات الجديدة في سوريا من تجاهل المحاسبة، ودعا إلى توثيق القضايا الحقوقية المتعلقة وأرشفة البيانات والأدلة التي ستقود إلى مرحلة من المحاسبة والعدالة الانتقالية، وذلك لتحقيق الاستقرار في المجتمع السوري.
وأعرب عن قلقه من استمرار موظفي النظام البائد في العمل، مما يمكنهم من "طمس الملفات في كل فروع وملحقات حزب البعث العربي الاشتراكي التي يعلم جميع السوريين أنها كانت مؤسسات أمنية بامتياز".
ورفض سامي تقديم معلومات عن طريقة مغادرته وقيصر سوريا ووصولهما إلى دول الغرب، واكتفى بالقول، رداً على سؤال: "أنا أسامة عثمان، مهندس مدني من ريف دمشق. كثيرون يعرفونني حتى وإن اختفيت تحت اسم (سامي). كان لا بد من أن اتخذه درعًا يحميني أثناء فترة العمل الشاق على هذا الملف المعقد الذي ساهم في صنعه الكثير من الأبطال المجهولين".
بدأت الولايات المتحدة في 17 حزيران/يونيو 2020 بتطبيق "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، الذي يتضمن فرض عقوبات على 39 شخصية وكيانا على صلة بالسلطات السورية، بما في ذلك رئيس النظام المخلوع بشار الأسد وعقيلته أسماء الأسد.