لندن
نشب حريق ضخم في مطار لوتون بالعاصمة البريطانية لندن، تم على إثره تعليق كافة الرحلات الجوية حتى نهار منتصف اليوم الأربعاء
وأشارت إدارة المطار الواقع شمال العاصمة لندن ويبعد نحو 40 كيلومتراً عن وسطها، إلى أن الحريق أدى لانهيار جزء في أحد المرائب.
و أكدت إدارة المطار على أن سلامة الموظفين والركاب تظل أولوية رئيسية لديها، وبناء على ذلك قررت تعليق كافة الرحلات الجوية حتى الساعة الـ 12 ظهراً.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: بريطانيا حريق لندن مطار لوتون
إقرأ أيضاً:
أدب الرحلات: فهم أعمق للشعوب
أدب الرحلات، ذلك الفن الذي يفتح للقارئ آفاقاً جديدة، تحمله بعيداً عن حدود عالمه المألوف إلى مجاهل لم تطأها قدماه، ويعرض عليه صوراً لم يسبق لخياله أن رسمها. إنه فنٌ يأخذ بيد قارئه، يسير به بين أودية الحضارات وشعاب العادات والتقاليد، لينثر بين يديه حكايات الشعوب وذكريات المسافرين، ويجعله كأنه يعايش تلك العوالم بأبصار قلبه لا بأعينه.
ولقد كان الرحالة، منذ أقدم العصور، يغامرون بأنفسهم ويتحدّون المجهول، يسجلون في دفاترهم ما تبصره أعينهم وما تهمس به لهم أرواح تلك الأماكن. لم تكن تلك الرحلات مجرد سردٍ لوصف مشاهد أو رصد مناظر، بل كانت مرآةً تنعكس فيها حياة شعوبٍ وحكايات أممٍ، يسردها الرحالة بأسلوب المحبّ المتأمل. وكأن كل رحلة كانت جسراً يصل بين قلوب البشر في مختلف أرجاء الأرض، ينقل إليهم عبق تلك الشعوب ونبض أرواحهم، فيشعر القارئ كأنه يجول بين الناس، يتأمل طقوسهم، ويعيش لحظاتهم.
ولا نستطيع ذكر أدب الرحلات دون الوقوف إجلالاً أمام أسماء سطرت تاريخاً خالداً، من بينهم ابن بطوطة، الذي قطع الصحارى والمحيطات، ودوّن رحلته بأسلوب يأخذ بمجامع القلوب، فغدا كتابه زاداً للعشاق والأدباء، أو ماركو بولو الذي شقّ طريقه من الغرب إلى الشرق، وجاء بحكايات لم يسمعها الغرب من قبل، فكانت رحلاته جسراً ثقافياً بين الشرق والغرب، وقصةً تختزن في طياتها مغامرات لا تُنسى.
وفي القرنين التاسع عشر والعشرين، اتجه العديد من الرحالة الغربيين نحو العالم العربي والإسلامي، سعياً للمعرفة واكتشاف الحقيقة وراء الرمال والجبال. فكان منهم محمد أسد، الذي آثر الدخول إلى روح هذا العالم، فاعتنق الإسلام وصار جزءاً من نسيج الثقافة العربية الإسلامية، لم يكن يكتفي بالمراقبة، بل عاش التجربة بعمق، وحاول أن يفهم أسرار تلك القيم الروحية والأخلاقية التي تحكم حياة العرب والمسلمين. وكانت كتاباته نافذةً أطلّ منها القارئ الغربي على عوالم منسية، وتجلت من خلالها أصالة العرب وصفاء روحهم.
وكذلك كان تشارلز داوتي، الذي ترك حياة الرفاه ليعيش بين القبائل العربية في عمق الصحراء، يتعلم لغتهم ويشاركهم حياتهم، وينقل للغرب صورةً ناصعةً عن كرم البدو وعزتهم، حتى أضحى كأنه واحد منهم، يسرد عنهم بعين الحب وصدق الصديق. ثم كانت الليدي آن بلنت، التي أخذها شغفها بالشرق إلى قلب الجزيرة العربية، لم يكن اهتمامها بالصحراء محض مغامرة، بل كانت تبحث عن سر جمال هذا المكان وجلاله، وعن الخيول العربية التي تراها رمزاً لأصالة العرب وشرفهم. لم تكتفِ بوصف الطبيعة والناس، بل أضافت بُعداً إنسانياً وروحياً جعل القارئ يشعر بدفء الحياة العربية ونبض الصحراء.
لقد أضاف هؤلاء الرحالة بكتاباتهم بُعداً ثقافياً يُغني عقول القراء ويفتح لهم أبواباً لفهم الحضارات الأخرى بعمق وإدراك. لم يقتصر دورهم على وصف المناظر الطبيعية فحسب، بل نفذوا إلى أعماق الحياة الاجتماعية، ففسّروا عادات الشعوب وتقاليدهم، وبثوا في كتاباتهم روحاً إنسانيةً تجعل القارئ يشعر وكأنه يعايش تلك التجارب، ويتحسس بروحه جمال تلك الشعوب وسحر ثقافاتهم.
وهكذا يبقى أدب الرحلات فناً خالداً، يحمل في ثناياه عبق الحضارات وحكايات الأمم، يُقرب بين البشر، ويذكرهم بأنهم، على اختلاف ثقافاتهم، يتشاركون ذات الرغبة في المغامرة والاكتشاف، وأن العالم بأسره ما هو إلا بيت كبير، يجمع الناس تحت سقفه ليعرفوا بعضهم، ويؤنسوا وحدتهم، ويكتشفوا أسرار أنفسهم من خلال الآخر مصداقاً لقوله تعالى: "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا".