طوفان الأقصى.. القيادات الدينية المسيحية تتحد من أجل السلام.. قادة الكنائس بفلسطين يطالبون باحترام الأماكن المقدسة.. ومطران الكنيسة الإنجيلية اللوثرية: مصر أكبر داعم للقضية الفلسطينية
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
اتحدت الكنائس حول العالم بمختلف طوائفها، إثر ما يحدث فى الأراضى المقدسة نداء من أجل السلام والعدالة فى ظل العنف المستمر، ورأينا موقف القيادات الدينية فى الأراضى المقدسة الذين أشاروا إلى أن الأراضى المقدسة، مكان مقدس لملايين الناس حول العالم، يعيش حاليا فى ظل عنف ومعاناة بسبب النزاع السياسى المستمر، وانعدام العدالة واحترام حقوق الإنسان.
وأعلن بطاركة ورؤساء الكنائس فى القدس، أنهم ناشدوا مرارا وتكرارا بأهمية احترام الوضع القانونى والتاريخى القائم للأماكن المقدسة، وفى هذه الأوقات الصعبة، نتحد اليوم لنرفع أصواتنا مرددين رسالة السلام والمحبة الإلهية لجميع البشر.
وأكد قادة الكنائس فى فلسطين، أنهم بصفتهم حراسا للإيمان المسيحى المتجذر بعمق فى الأراضى المقدسة، نقف مع شعوب المنطقة، الذين يعانون من عواقب الصراع المستمر إيماننا الذى يستند إلى تعاليم السيد المسيح، يجبرنا على المطالبة بوقف جميع الأنشطة العسكرية والعنيفة التى تجلب الضرر للمدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
كما أدان بطاركة ورؤساء الكنائس فى الأراضى المقدسة بشكل قاطع كل الأعمال التى تستهدف المدنيين بغض النظر عن جنسيتهم أو عرقهم أو ديانتهم، ومثل هذه الأعمال تتعارض مع المبادئ الأساسية للإنسانية وتعاليم السيد المسيح الذى ناشدنا “أن تحب قريبك كما تحب نفسك”.
وتابعوا: “نتمنى ونصلى بحرارة لتستجيب جميع الأطراف المعنية لهذا النداء من أجل وقف فورى للعنف، ونطالب القادة السياسيين والسلطات المعنية لأن تبدأ فى حوار مشترك صادق يبحث عن حل دائما يعزز العدالة والسلام والمصالحة لشعوب هذه الأرض، الذين عانوا من أعباء الصراع لفترة طويلة جدا”.
وقالوا: “بصفتنا قادة روحيين، نمد يد العون إلى جميع الذين يعانون، ونصلى أن يمنح الله الراحة للمعذبين، والقوة للمتعبين، والحكمة لأولئك الذين يشغلون مناصب السلطة، ندعو المجتمع الدولى إلى مضاعفة جهوده للوساطة فى تحقيق سلام عادل ودائم فى الأراضى المقدسة، استنادا إلى حقوق متساوية للجميع وإلى الشرعية الدولية”.
وأردفوا: "دعونا نتذكر كلمات الرسول بولس: “لأن الله ليس إله فوضى بل إله “سلام (1) كورنثوس 14:33). بروح هذه الرسالة الإلهية، ندعو الجميع الى العمل بلا كلل نحو وقف العنف وبناء سلام عادل ودائم يسمح للأرض المقدسة بأن تكون مصبا للأمل والإيمان والمحبة للجميع، ونرجو أن تكون نعمة سيدنا المسيح، محبة الله، وشركة الروح القدس معنا جميعا خلال هذه الأوقات الصعبة”.
وفى سياق متصل، أدان المطران سنى إبراهيم عازر مطران الكنيسة الإنجيلية اللوثرية فى الأردن والأراضى المقدسة كل أعمال القتل والعنف الذى يتعرض له الشعب فى الأراضى المقدسة. قائلا إن الله خلق الانسان للحياة وليس للموت.
وشكر "عازر" جميع الجهود التى تدعو لإنهاء هذه الحرب وإعطاء الإنسان حقه فى الحياة، متابعا: “ندعو حكومة مصر العزيزة والمملكة الأردنية الهاشمية للتدخل وإيجاد طرق لإنهاء هذه المعاناة وإعطاء الحق لأهله”.
وأشار "عازر" إلى أن الحكومة المصرية على مر العصور هى أكبر داعم للقضية الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى اليوم، والحكومة المصرية والشعب الفلسطينى لديهم ارتباط كبير مع بعضهم البعض وحقوق كثيرة حصل عليها الشعب الفلسطينى بجهود ودور ودعم الحكومة المصرية، والحروب التى خاضتها مصر من أجل فلسطين معروفة، ومعروفة أيضا نتائجها على كل الأصعدة.
وأكد أن مصر لها دور ريادى فى رسم خارطة المنطقة العربية بأكملها، ونحن نعلم وجهة نظر مصر بشأن القضية، فلا يوجد حل إلا بحل القضية الفلسطينية ولا يوجد سلام بمنطقة الشرق الأوسط، وهذا التى تسعى له الحكومة المصرية بايجاد حل سلمى للقضية حتى يكون هناك استقرار بالمنطقة.
وفى سياق متصل، قال المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، إن السلام هو ثمرة من ثمار العدل ولكل الذين يتحدثون عن السلام نقول بأن كلمة السلام ليست شعارا ولا يمكن أن يتحقق هذا السلام بدون العدالة وأعنى بذلك إنهاء الاحتلال وتحقيق أمنيات وتطلعات شعبنا الفلسطينى.
وأضاف "حنا" أننا لسنا دعاة حروب وعنف وقتل، ولكننا فى نفس الوقت لسنا حياديين فيما يتعلق بقضية شعبنا الفلسطينى فنحن مع شعبنا المظلوم والمنكوب الذى يحق له أن يعيش بحرية فى وطنه مثل شعوب العالم.
وأكد حنا، أن الفلسطينيين لن يستسلموا للاحتلال والقمع والظلم والحصار ولن يستسلم الفلسطينيون لكل سياسات القهر والابتزازات والضغوطات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية.
وتابع: “شعبنا هو شعب حى يعشق الحياة والحرية والكرامة، ونقول لكتبة البيانات التى تتغنى بشعار السلام بأن شددوا أولا وقبل كل شيء على العدالة ولا يجوز بأى شكل من الأشكال وضع الجلاد والضحية فى نفس الخانة، فشعبنا هو ضحية الاحتلال الذى حتما سوف يزول ونحن كمسيحيين فلسطينيين نقف مع شعبنا، فهذه القضية هى قضيتنا وهذا الشعب هو شعبنا وكان الله فى عون هذا الشعب الذى يتم التآمرعليه من كل حدب وصوب، ولكن الفلسطينيين لن يرفعوا راية الاستسلام، وتحية لأرواح الشهداء وتحية لكل أولئك الذين يرابطون ويدافعون عن هذه الديار وقدسها ومقدساتها”.
واختتم رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس: "تؤلمنا صور الدمار والخراب والدماء ونحن كنا وسنبقى دعاة سلام مبنى على العدالة وليس على الاستسلام، فالسلام شيء والاستسلام شيء آخر، وأعتقد بأن رسالة الفلسطينيين للعالم بأسره بأننا لن نستسلم مهما اعتدى علينا وتم التآمر على قدسنا ومقدساتنا وشعبنا، ونشعر بالحزن والألم على كل قطرة دم تسيل وخاصة المدنيين والأبرياء فنحن لسنا دعاة عنف وقتل بل دعاة حق وعدالة ودفاع عن الشعب الفلسطينى وحقه المشروع فى أن يعيش بحرية وكرامة.
الكنيسة المصرية تدين ما يحدث بالأراضى المقدسة
رفضت الكنائس المصرية بمختلف طوائفها ما يحدث فى القدس، وأعلن قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والدكتور القس أندرية زكى رئيس الطائفة الإنجيلية، والأنبا إبراهيم إسحق بطريرك الكاثوليك، عن رفضهم واستنكارهم للأحداث الجارية حاليا بين الطرفين الفلسطيـنى والإسرائيلى والتى أدت وتؤدى - بكل أسف - إلى إزهـاق مئات الأرواح وإصابة الآلاف، من بينهم كثير من المدنيين الأبرياء.
وأكدت الكنائس المصرية على أن العنف لا يثمر سوى عنف مماثل ومزيد من القتل والدمار، لذا ندعو كل الأطراف إلى الاحتكام للعقل واللجوء إلى لغة الحوار والتفاوض، حقنا للدماء، وحفاظا على حياة الإنسان التى هى أهم وأثمن مما عداها من القيم والأهداف.
وتشيد الكنيسة بجهود التهدئة التى تقوم بها الدولة المصرية بين طرفى النزاع للوصول إلى حل سياسى يحفظ حقوق الشعب الفلسطينى ويحقق السلام المنشود.
وفى سياق متصل أيضا دعا البابا فرنسيس بابا الفاتيكان إلى إنهاء الهجمات والعنف فى إسرائيل وفلسطين، قائلا إن الإرهاب والحرب لن يحلا أى مشكلات بل سيجلبان مزيدا من المعاناة والموت للأبرياء.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: طوفان الأقصى القيادات الدينية السلام الكنائس فلسطين حقوق الإنسان انعدام العدالة الشعب الفلسطینى من أجل
إقرأ أيضاً:
لماذا يترك بعض النيجيريين المسيحية لصالح المعتقدات الأفريقية؟
يلاحظ مراقبون دينيون تزايد عدد الشباب الذين يهجرون الكنائس لصالح المعتقدات الأفريقية التقليدية.
ومنذ طفولته المبكرة، تأرجحت حياة تشيدي نواوهيا بين مسارين روحيين متناقضين: المسيحية، والدين الأفريقي التقليدي.
ويقول هذا الرجل البالغ 59 عامًا، والذي نشأ مسيحيًا متدينًا غير تابع لأي طائفة دينية في بلدة أماتشي نسولو، بالقرب من مدينة آبا جنوب شرق نيجيريا، إن حياته كانت دائمًا محاطة بالغموض، والظواهر غير المألوفة.
فقبل أن يُتمّ عامه الأول فقدته عائلته في ليلة كاملة، قبل أن تعثر عليه صباحا في حفرة كانت قد فتّشتها في وقت سابق أثناء بحثها عنه.
وبعد 3 أيام، أصيب بنوبة مفاجئة، ومرض بشدة، ونقله والداه إلى المستشفى، ولكن عندما لم تتحسن حالته، نقل إلى معالج تقليدي ليساعد في تشخيص حالته.
وأخبرهم الكاهن التقليدي أو "الديبيا" أن مرض الطفل ما هو إلا علامة من الآلهة، وأنه قدر محتوم على نواوهيا أن يقود مجتمعه في سبيل الحفاظ على التقاليد الدينية لشعب الإيغبو.
وأوضح الديبيا أن نواوهيا تجسيد روحاني لجده، وأن عودته إلى الأرض بصفته كاهنًا تقليديًا "عظيمًا" قد تم التنبؤ بها قبل وفاة الجد.
ورغم شيوع مثل هذه المعتقدات بالثقافات الروحية غرب أفريقيا، فإن والدة نواوهيا، المتجذرة في إيمانها المسيحي، شككت في هذه النبوءة وأخفتها عنه.
إعلانوعندما بلغ نواوهيا سن الـ17 من عمره عام 1983، عُمِّد في الكنيسة، لكنه في يوم التعميد تعرّض لحادث قال عنه "أثناء عودتي إلى المنزل على دراجتي النارية مع الرجل الذي عمَّدني، انحرفتُ فجأةً إلى الأدغال وأصبتُ بجروحٍ طفيفة، لكن رفيقي لم يُصَب بأذى".
وقال نواوهيا إنه استنتج لاحقا من ذلك الحادث إنه كان دليلا وعلامة على أنه يسير في الطريق الخطأ.
وفي ذلك الوقت، كان نواوهيا لا يزال يجهل النبوءة، ولكنه عندما بلغ الـ18 من عمره أصبح مدرِّسًا للكتاب المقدس في كنيسة تقع وسط مسقط رأسه في أماتشي.
ويقول نواوهيا إنه عام 1987 تعرّض لحادث آخر في سيّارة سبّب له عرجا دائما في ساقه، ولم يستطع الشّفاء منه رغم سنوات عديدة من العلاج.
واستجابة لنصيحة أحد الأصدقاء، ذهب إلى كاهن يعرض عليه نفسه، فأخبره الديبيا التقليدي أن إصابته ليست صدفة، وإنما هي دليل على أن عليه التفرّغ لعالم الكهنوت في الدين التقليدي الأفريقي.
وحينها، أخبر نواوهيا -الذي كان قد بلغ من العمر 23 سنة- والدته بما قاله الكاهن، فاضطرّت إلى أن تبوحَ له بما تلقّته عن الكهنة قبل سنوات عديدة حول نبوءته، فبدأ يتقبل تدريجيًا دوره الروحي الجديد.
وقال نواوهيا، الذي يعتقد أن إصابة ساقه شُفيت من تلقاء نفسها بعد أن احتضن دعوته "الأشخاص الذين يحدّدون طريقهم الحقيقي ويتبعونه، في حين أن أولئك الذين يضلّون الطريق سوف يواجهون صعوبات حتى يجدوا طريق العودة".
وتمّ تنصيبه رسميًا "ديبيا" عام 1993، في حفلٍ مُعقَّدٍ تضمّن صلواتٍ وطقوسَ تطهيرٍ ورؤية، بالإضافة إلى رقصاتٍ حماسيةٍ وقرعٍ للطبول وتلقينٍ روحيٍّ، قدّم فيه روحانيون آخرون صلواتٍ الإيجبو (الإله الأعلى) وندي إيتشي (الأسلاف) والآلهة والأرواح التي تُسيطر على العالمين المادي والروحي حسب ما يعتقدون، طالبين القبول والهداية والحماية والبركات.
إعلانورغم أن المسيحية هي الديانة الأولى في نيجيريا، التي يزيد عدد سكانها على 200 مليون نسمة، فإن السنوات التي أعقبت تحوّل نواوهيا شهدت ابتعادا متزايدا من الشباب عن الكنيسة واتجهوا نحو معتقدات السكان الأصليين الأفارقة، وفقًا لقادة دينيين ومراقبين تحدثوا إلى الجزيرة.
وأشار مراقبون إلى ندرة البيانات والأبحاث حول هذه القضية، لكنهم بدؤوا يلاحظون هذا التوجه أوائل القرن الـ21.
ويعزو بعض المراقبين أسباب هذه الظاهرة إلى أن تركيز القساوسة على الثروة المادية على حساب الرفاهية الروحية -وهو أمر يتعارض مع تعاليم الكتاب المقدس- يدفع الناس إلى البحث عن خيارات دينية بديلة.
تعايش أم صدام؟دخلت المسيحية نيجيريا لأول مرة عن طريق التجار وتجار الرقيق البرتغاليين في القرن الـ15، ومع ذلك اقتصر انتشارها على المناطق الساحلية من البلاد حيث كان يقيم التجار.
وظلت الديانة المسيحية منحسرة في المناطق الساحلية حتى وصول المستعمرين البريطانيين في القرن الـ19، لتشهد مرحلة جديدة من الانتشار في أنحاء مختلفة من البلاد بفضل جهود المبشرين وبعض العبيد المحررين.
ولكن قبل ظهور المسيحية وغيرها من الديانات التوحيدية مثل الإسلام، كان لدى النيجيريين نظام اعتقاد ديني يركز على الروابط العميقة مع الأجداد، والعالم الروحي، والآلهة الخاصة بالمجتمع.
واليوم، يواجه العديد من المغيّرين لعقائدهم عن المسيحية معارضة في محيطهم الخاص، فقد كانت والدة نواوهيا، على سبيل المثال، غير راضية في البداية عن قرار ابنها بأن يصبح ديبيا، معتبرةً اعتناقه المسيحية إهانةً لمعتقداتها.
وتخشى عائلات المبدّلين لدينهم أيضًا من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالمعتقدات التقليدية، حيث تنظر العديد من المجتمعات إلى الأسلاف، والعرافة، والطقوس الروحية الأخرى بعين الريبة.
إعلانويواجه التقليديون تمييزًا شديدًا، حيث تُوصف معتقداتهم بأنها "وثنية" أو "شيطانية" أو "سحر". ويرى المراقبون أن هذا يعكس تأثير المبشرين الاستعماريين، الذين صوّروا معتقدات السكان الأصليين على أنها عتيقة وخطيرة روحيًا.
ومع ذلك، بالنسبة لأتباع الديانة التقليدية الأفريقية، فإن المعتقدين لها يتعايشون في كثير من الأحيان مع أصحاب الديانات الأخرى، إذ يحضر بعض الناس الكنيسة يوم الأحد ويطلبون النصيحة من أحد المرشدين الروحيين في أوقات أخرى، وكل ذلك أثناء مشاركتهم في الطقوس المسيحية والتقليدية مثل مراسم تسمية الأطفال أو الجنازات.
ويقول أتباع الديانات التقليدية -الذين أجرت الجزيرة مقابلات معهم- إن جميع الآلهة الدينية مُسجَّلة في مجمعهم، بما في ذلك الإله المسيحي، ونتيجةً لذلك يمزج الكثيرون بين الممارسات المسيحية والطقوس التقليدية.
ولقد أصبح هذا النهج تجاه الدين جذاباً في المجتمع حيث تسبب التعصب الديني في الانقسام والعنف، بما في ذلك الصراع والتوتّر بين المسيحيين والمسلمين.
ويروي إيتشيزونا أوبياجباوسوغو، البالغ من العمر 49 عامًا، وهو كاهن كاثوليكي سابق يمارس الآن المسيحية والتقليدية، قصة رجل كان نشطا في الكاثوليكية وصانعًا للخير، حتى أنه خدم في مجلس الرعية حتى وفاته. ومع ذلك اعتنق الدين المحلّي أو التقليدي الأفريقي.
ورغم هذه الأمثلة من التعايش والتناغم، يرى بعض الوعّاظ المتشدّدين الجمع بين الديانتين أمرا غير ممكن.
إن البحث عن قناعة شخصية يُلهم العودة إلى الإيمان الذي يربطه كثير من الأفارقة بجذورهم، جعل أوبياجباوسوغو يتساءل عما إذا كان مساره الروحي متوافقًا حقًا مع قناعاته الداخلية.
وقال "شعرت أن علاقتي الشخصية مع الله ربما تحتاج إلى شيء أكثر مني" وبعد 7 سنوات من الصراع الداخلي وعدم إيجاد أي راحة في المسيحية، اعتنق الدين التقليدي عام 2022.
إعلانوقد واجه أيضًا تحديات مماثلة في المدرسة اللاهوتية التي درس فيها، مما دفعه إلى إنشاء جمعية للثقافة الأفريقية مع زملائه لاستكشاف المفاهيم أو الممارسات الدينية الأفريقية ومكانتها في المسيحية.
ويعتقد أوبياجباوسوغو أن الممارسات الدينية التقليدية والمسيحية تقدم وجهات نظر مختلفة لفهم الروحانيات، حيث يقول "نحن البشر من نبتكر المفاهيم وننصّبها كحقائق، ثم نصبح عبيدًا لها، ولا يحدث شيء عندما نتوقف عن الإيمان بها".
المال السهلإلى جانب الجوانب الروحية، يقول بعض المراقبين إنّ التصوّرات المغلوطة والسعي وراء الثروة السهلة ساهما أيضًا في تنامي توجه الشباب للتحوّل من المسيحية إلى المعتقدات الروحية الأفريقية التقليدية.
ويشير رجال دين إلى أنّ الكثير من الشباب يعتنقون هذه المعتقدات ظنا منهم أنها ستجلب لهم الثراء، فهم يؤمنون بأن الانسجام مع الآلهة والأرواح يمكن أن يمنحهم البركات وانفراجات مالية أو دعمًا غيبيًا في مساعيهم الشخصية والاقتصادية.
ويقول الكاهن الكاثوليكي أنتوني أولوبا "هم مهتمون جدًا بالمال، والديانة الأفريقية التقليدية توفر لهم طريقة سهلة لكسبه" لكن البعض يرى أن تركيز الكنائس المسيحية على الثروة المادية في الواقع هو ما يدفع هؤلاء الشباب إلى الرغبة في ترك المسيحية.
ويوافقه الرأي كينغسلي أكونوافور (31 عامًا) وهو خياط وكاثوليكي سابق، فيقول "إن الطابع التجاري الذي باتت عليه بعض الكنائس المسيحية وتفضيلها للأثرياء يقوّض مصداقية الدين وقد أدّى إلى فتور متزايد تجاه المسيحية".
وأضاف أكونوافور -الذي طلب استخدام اسم مستعار لأنه يمارس معتقداته التقليدية سرًا- أن بعض رجال الدين يطالبون بتقديم تبرعات للحصول على ما يسمونها المعجزات والبركات، مما يُبعد الكنيسة عن مسؤولياتها الأساسية بما فيها الرعاية الروحية لأتباعها.
كما يُتهم بعض رجال الدين أيضًا بالسعي للكسب الشخصي من الكنيسة، إذ يكشف جويل أوغووكي، وهو قس أنجليكاني -للجزيرة- أنه يعرف رجل أعمال فقد ثقته بالكنيسة كمؤسسة بعدما باع لقسٍّ خمسينيٍّ مولّدًا كهربائيًا لاستخدام الكنيسة، حيث طلب منه تضخيم السعر على الفواتير المقدَّمة للكنيسة حتى يتمكّن من الاحتفاظ بالفارق في جيبه دون إثارة الشبهات.
إعلانوتشير قصة أخرى إلى تأثير هذه الممارسات في نفور البعض من الكنيسة: فتشينيدو أوشابا (37 عامًا)، وهو كاثوليكي سابق، اعتنق الدين التقليدي قبل أكثر من عقد بعد أن رأى الكنيسة تولي المال أهمية أكبر من التعاطف، ويروي حادثة عن سيّدة مخلصة تتمتّع بالعضوية حُرمت من جنازة كنسية بسبب عدم دفعها رسومًا مستحقة.
ومع عدم وجود من يُسدّد دينها، تولّت كنيسة أخرى من طائفة مختلفة في نهاية المطاف إقامة جنازتها.
لقد جرّدوها من عضويتها، وبدّدوا بذلك كل سنوات تفانيها وإخلاصها في العمل حسب قول أوشابا.
والجدير بالذكر أن العديد من الكنائس تجمع رسومًا شهرية أو سنوية من أعضائها، بما يشمل إعالة الكهنة والأساقفة وصيانة مباني الكنيسة والمساعدة في دفن الأتباع.
أما في الاعتقاد التقليدي الأفريقي، فإن طقوس الدفن متاحة لجميع الأعضاء بغض النظر عن حالتهم المالية. ويرى أوشابا أن في ذلك ميزة مقارنة بالكنائس المسيحية، حيث يتحمّل ذوو المتوفى تكاليف خدمات الجنازة، بما فيها أجور رجال الدين المشرفين على المراسم ورسوم استخدام مرافق الكنيسة.
وقد لاحظ بعض رجال الدين المسيحيين تزايد توجّه الناس، على ما يبدو، نحو المعتقدات الأفريقية، ويقول قادة دينيون إن هناك إصلاحات جارية وحوارات تدور بين طوائف مسيحية مختلفة حول كيفية جذب المصلّين والحفاظ عليهم.
فعلى سبيل المثال، تستميل جماعة أولوبا الكاثوليكية الناس عن طريق تقديم الدعم في مجال الزراعة من خلال فرص تدريب ومنح مالية. في حين يقول القس الأنجليكاني أوغووكي إنه حريص في منهجه إزاء عقيدة الكنيسة وكيفية تعليمها.
ويضيف أوغووكي للجزيرة "أنا أطبّق ما أعظ به، لأن الرعية يركّزون عليّ أكثر مما يركّزون على ما أعظ به".
قد تُزاح المسيحيةأصبحت المسيحية بارزة في نيجيريا في القرن العشرين من خلال الاستعمار، حيث أُدخلت بسرعة إلى المدارس بالمناطق الجنوبية، وقد اتّسم انتشارها أحيانًا بالعنف الذي أودى بحياة الكثيرين وهجّر من بقي حيًا من السكان الأصليين.
إعلانويقول المؤرخ تشيجيوكي نغوبيلي "إذا خدعت أو أخضعت جيلًا أو جيلين أو ثلاثة من أحد الشعوب، فلا بد أن يأتي من ذريتهم من يتحدّاك بعدما يعرف الحقيقة بنفسه ولأجل نفسه".
والآن، ومع تعزيز وسائل التواصل الاجتماعي لحرية التعبير، بدأ المزيد من الشباب يجهرون بالحديث عن فظائع الحقبة الاستعمارية في نيجيريا، ويقول بعض المراقبين إن ذلك يشكّل تهديدًا لهيمنة المسيحية في البلاد.
ويقول المؤرخ نغوبيلي الذي يعتنق المعتقد التقليدي "ومع احتمال أن يصبح المعتنقون الشباب للديانات التقليدية مثقفي المستقبل وساسته ورجال أعماله وواضعي سياساته، فقد تُزاح المسيحية".
وقد أبلغت بعض الكنائس عن نقص في أعضائها الشباب الذين كانوا عادةً يقودون التراتيل والترانيم أثناء القداسات.
ويقول أولوبا الكاهن الكاثوليكي "توقّفت إحدى الكنائس حتى عن استخدام الآلات الموسيقية لأن شبابها تركوها واعتنقوا الديانات التقليدية".
ومع ابتعاد مزيد من الشباب عن الكنيسة، يخشى أولوبا أن تفقد دورها كمنارة أخلاق وضمير في المجتمع، كما يقول. وفي المقابل، يبدي رجال دين آخرون قلقهم من لجوء الشباب إلى العقيدة التقليدية بهدف اكتساب الثروة والسلطة عن طريق السحر الأسود.
غير أن المؤرخ نغوبيلي يجادل بأن "قوى الظلام" ليست متأصلة في المعتقد التقليدي، بل يُدخلها إليه أشخاص ذوو نوايا سيئة، وقال "إن الأشرار يحملون رذائلهم -مثل الجشع والرغبة في الثراء من دون عمل والإشباع الفوري والنزعة إلى العنف وغيرها- إلى ممارسة المعتقدات التقليدية".
وتابع نغوبيلي أن إساءة استخدام بعض الطقوس القوية هي التي تشوّه صورة المعتقدات التقليدية، مما يؤدي إلى انعدام ثقة المجتمع وتعزيز الصور النمطية السلبية.
العبادة على الطريقة الأفريقيةعند غروب أحد أيام يناير/كانون الثاني، خرج نواوهيا في بلدته أماشي نسولو إلى الساحة المفتوحة أمام مزارِه، متأهبًا لاستحضار الآلهة، وبسبابته رسم خطوطًا بالكاولين الأبيض على طرفي عينيه، قبل أن يتجرّع جرعة كبيرة من مشروب الجن من زجاجة، ثم التقط بضع قطع من جوز الكولا بين أصابعه، ومضى ببطء بين تماثيل مزارِه المتنوعة التي لطّختها دماء الذبائح الحيوانية.
وقال نواوهيا "أسلافنا يأكلون الكولا، والأرواح تشرب" وهو ينثر قطع جوز الكولا وقطرات من مشروب الجن.
إعلانومنذ اعتناق هذا المعتقد، انغمس نوواهيا في ما يرى أنه الإيمان الحقيقي الذي يقرّبه من أرواح أسلافه ونواياهم الخيّرة، ملتزمًا بدقة بقواعد الطقوس التي تعلّمها.
ويتميز الأسلوب الأفريقي في العبادة بإقامة الصلوات في الصباح وعند المغيب، وغالبًا ما تترافق هذه الصلوات بسكب قرابين سائلة من مشروبات خمور قوية، بالإضافة إلى تقديم جوز الكولا ومسحوق الكاولين.
وتُعتبر الحجارة والتماثيل المنحوتة والأشجار مساكن للآلهة، كما يزعمون، وكثيرًا ما تُستخدم كتجسيد لحضورها. وهناك أيضًا مهرجانات سنوية وموسمية للاحتفال بمواسم الحصاد، بالإضافة إلى طقوس يتم التنكّر فيها بالأقنعة.
وتُقدَّم القرابين في المزارات، والتي قد تشمل جوز الكولا وغيرها من الأطعمة أو الذبائح الحيوانية طلبًا للبركة أو الحماية أو الإرشاد.
كما تُقام تضحيات دموية بدجاج أو ماعز لاسترضاء الأرواح أو للاحتفاء بمناسبات خاصّة ومعيّنة.
لكن لا توجد شريعة مكتوبة ترشد الأتباع إلى أفعال محددة، ويؤمن معتنقو هذا المعتقد بأن هناك صلة تربط بين الإنسان والعناصر الطبيعية مثل الأرض والماء والنباتات والحيوانات، وأن بعض الآثام بما فيها القتل والزنا والظلم ليست مجرد إساءة بحق البشر فحسب، بل بحق الطبيعة ككل.
وبدلًا من التجمع في محفل عام كالكنائس، يميل الأتباع في الغالب إلى قضاء أوقات هادئة في التأمل الشخصي والسعي إلى الحقيقة والإنصاف في أفعالهم الخاصة.
لكن هذا الواقع يمثل تحديًا أمام المعتنقين الجدد، ويتمثل في غياب المرشدين، ففي ديانة تقوم على التأمل الفردي، من دون قادة روحيين يوجّهون "المؤمنين" أو يعظونهم ضمن جماعة، قد يتخبّط المتحولون الجدد في حيرة من أمرهم.
وعلاوة على ذلك، فإن الطبيعة المبهمة لبعض الممارسات الطقوسية في هذه العقيدة تجعل هيكل التعلّم وفهم المبادئ الأساسية أقل تنظيمًا.
وغالبًا ما يتحمّل الشباب الذين نشؤوا في بيوت مسيحية العبء الأكبر، إذ إن المعرفة لا تنتقل عبر الأجيال في هذا المعتقد.
إعلانويقول أوشابا الذي كان والده قد اعتنق الديانة الأفريقية التقليدية قبل ولادته "عندما تركت الكنيسة، أنشأ لي والدي مزارًا وعلّمني كل شيء".
ولكن معظم الآخرين لا مرشد لهم، وفي الحالات القصوى يتسبب الشعور بالوصم الاجتماعي في نبذ العائلة والأصدقاء للمتحولين الجدد.
ولذلك السبب، يقول أكونوافور إنه يجد نفسه مضطرًا لحضور قدّاس الكنيسة الكاثوليكية بين حين وآخر لتجنب تهميشه اجتماعيًا من قبل أصدقائه وأقاربه، ومنذ اعتناقه المعتقد التقليدي قبل نحو 5 سنوات يمارس معتقداته سرًا.
ويقول أيضا "يضايقني كثيرًا عجزي عن ممارسة إيماني علنًا بسبب المفاهيم الخاطئة عنه، لكنني آمل أن يمنحني إلهي الثقة في نهاية المطاف".
وعلى المنوال نفسه، لم تكن مرحلة انتقال أوبياجباوسوغو سهلة، إذ يقول للجزيرة "لقد خسرت أصدقاء، ربما لم تكن علاقتي بالآخرين سلسة، لكننا نمضي قدمًا وأنا أبني علاقات جديدة".
ومع ذلك، وفي حالات نادرة، يغيّر الأحباء موقفهم، ففي حالة نواوهيا -ورغم أن والدته كانت مستاءة في البداية- رحّبت العائلة بأكملها في نهاية المطاف بحياته الجديدة ككاهن تقليدي.
وقال نواوهيا "لقد أنعم عليّ إلهي بالرزق، ولم أجد سببًا للبكاء منذ أن أصبحت كاهنًا تقليديًا".