منطقة آسيا وبلدان "الهادي" الأكثر نموا في صناعة السجائر.. وأوروبا تستحوذ على أكبر حصة سوقية
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
أصبحت صناعة التبغ خاصة السجائر ومنتجات الفيبنج من أكثر الصناعات نموا فى العالم وكان احد اهم أسباب هذا النمو المتسارع هو قيام بعض الكيانات الصناعيه الكبيره المنتجه للتبغ سواء فى اوروبا او آسيا او منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بالإستحواذ على العديد من الشركات بالأسواق الناشئه بهدف تنويع محافظ منتجاتهم لتلبية أذواق المستهلكين .
والنمو المتسارع فى صناعة التبغ لا يتوقف فقط على استحواذ بعض الكيانات الكبيره على كيانات صغيره بأسواق ناشئه وإنما يمتد إلى أسباب أخرى منها ، عمليات البحث والتطوير المستمره خاصة بالشركات الأكبر فى ،العالم وهى ،فيليب موريس بسويسرا ، شركة التبغ الصينية بريتش توباكو الأمريكيه ،التريا جروب، Itc limited ،plc
من أسباب النمو المتسارع أيضا والذى من المتوقع الا يقل عن 6% سنويا خلال الخمس سنوات القادمه تزايد إعداد شبكات التوزيع مما يجعل المنتجات سهلة الوصول للمدخن ، واتجاه البيع بالتجزئه عبر الإنترنت لخفض التكاليف مع زيادة هامش الربح ، وتحسين جودة العبوات بشكل مدهش سواء على مستوى ورق الكرتون او أشكال العبوات والرسومات ، أو أشكال المنتجات نفسها ، والتوسع فى العروض التى يقدمها بائعو التجزئه ..يضاف إلى كل ذلك لجوء أعداد كبيره من الشباب البالغين إلى التدخين خاصة التدخين الإلكترونى او التبغ المسخن " الهيتس "لتجنب المخاطر التى يسببها التدخين القائم على حرق التبغ ونجحت إلى حد كبير حملات التوعيه التى نفذتها ولا تزال تنفذها كبرى الشركات المنتجه وهو جزء من مسئولياتها المجتمعيه .
** اللاعبون الكبار فى سوق السجائر
وفقا لتقارير منظمة منظمة الصحه العالميه تستحوذ اوروبا على اكبر حصه سوقيه عالميا فيما تتصدر الصين المركز الأول كأكبر منتج ومستهلك للتبغ فى العالم لدرجة ان أعداد المدخنين قفزت إلى أكثر من 305 مليون مدخن وهو رقم يمثل ثلث أعداد المدخنين حول العالم ولذا تعد منطقة آسيا ومنها الصين ،والهند، وبنجلاديش ،والفلبين من اسرع البلدان نموا فى إنتاج وإستهلاك السجائر على مستوى العالم ، وتليها فى سرعة النمو عددا من الدول المطله على المحيط الهادى ومنها ،روسيا ،تايوان، اليابان ،هونج كونج ،كوريا الجنوبيه ،اما فيما يتعلق بأهم الأسباب التى جعلت دول آسيا ،والمحيط الهادى هى الأسرع نموا فى سوق السجائر على مستوى العالم ومن بينها ، التوسع فى إنتاج سجائر النكهات بعد أن لاحظوا من خلال دراسات على الأسواق أن أعداد كبيره من أجيال الشباب تلجأ الى هذه النوعيه من التدخين وهنا قاموا بالتوسع فى إنشاء منافذ التوزيع والبيع بنظام التجزئه مع الإهتمام بالعملاء ،وتقديم خدمات ما بعد البيع ، وإجراء دراسات مستفيضه تتعلق بأذواق المستهلكين ، مع التنبؤ بالتوجهات المستقبليه للمدخنين سواء على المدى القصير او الطويل ولكل هذه الأسباب أصبحت بلدان آسيا والهادى هى الأسرع نموا فى السوق العالمى للسجائر مع التأكيد على أن الشركات الكبيره فى هذه البلدان لا تكف عن الدخول فى اندماجات ،أو إستحواذات ،أو إتفاقات مع شركات أخرى من شأنها زيادة وتحسين قدراتها الإنتاجيه والبيعيه والتصديريه تماما كما حدث عندما اجرت مجموعة التريا شراكه إستراتيجية مع جابان توباكو بهدف زيادة الحصه السوقيه من لفائف التبغ المسخن فى الولايات المتحده الامريكيه وهى من الأسواق الديناميكيه فى سوق التبغ العالمى .
** تقديرات البنك الدولى لتدخين الفيبنج فى مصر
وفقا لتقديرات البنك الدولى وهو إحدى جهات التمويل الدوليه تعد مصر هى الدوله المسيطره على سوق الفيبنج فى الشرق الأوسط ،وساعدها معرفة المصريين للأعشاب الطبيه ذات النكهات المختلفه منذ آلاف السنين على تجاوب شرائح كبيره من الشباب للتدخين الالكترونى الذى يعتمد على تنوع النكهات مثل النعناع ، والشيوكلاته، والقرنفل ،والكولا ،والعلكه، والخوخ وغيرها .
وبدأت مصر تشهد صناعة السجائر الالكترونيه من خلال شركات تنمو بنسب معقوله منها ،انتيليسيج، وريلاكس .
ولا يزال حجم سوق التدخين الالكترونى فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط ضعيفا مقارنة بنظيره فى اوروبا وامريكا الشماليه ويصل حجم السوق فى اوروبا وامريكا الشماليه إلى ما قيمته 26.67 مليار دولار مع نهايات العام الحالى 2023 ، ومتوقع أن تقفز إلى ما قيمته 50 مليار دولار بحلول عام 2028 ،واكدت تقديرات البنك الدولى ان هذه النوعيه المتقدمه والاكثر امانا يمكنها تجنب وفاة اكثر من 180 مليون حالة وفاه مبكره .أما فيما يتعلق بأكبر الشركات العالميه فوزا بأكبر حصص سوقيه على مستوى العالم فهى شركة فيليب موريس ،وبريتش أمريكان توباكو ،وجوى تك ،وAspir ، vip electronics.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأسواق الناشئة الهادي على مستوى
إقرأ أيضاً:
«العالم بعد غزة».. كتاب جديد عن آثار مأساة أوجعت قلب الإنسانية
كل من إسرائيل و«غزة» بعد السابع من أكتوبر الماضى غيَّر العالم بطريقته.
«غزة» أيقظت ضمير الإنسانية بعد أن أوجعته، صنعت مشاهد القتل والدمار فيها جيلاً جديداً حول العالم، أنضجه الألم قبل الأوان، وقرر أن يتحمل مسئوليته الأخلاقية فى الدفاع عمن لا يملك صوتاً يصل إلى العالم غير صوت الصراخ. هؤلاء الشباب الذين اندفعوا فى مظاهرات حاشدة فى العواصم الكبرى يحاسبون كبارهم من أصحاب الوجوه الجامدة، والقلوب القاسية، والألسنة الملتوية بالكذب والتدليس والتجاهل للفظائع التى ترتكبها إسرائيل.
صارت «غزة» هى لحظة الميلاد التاريخية والحقيقية لضمير هذا الجيل الجديد الذى ولد معظمه بعد بداية القرن الحادى والعشرين. جيل الشباب ومن هم على أعتاب الشباب ممن يحملون فى قلوبهم القوة الحقيقية التى سترسم مصير الإنسانية فى المستقبل. هؤلاء الذين استقبلوا أحداث «غزة» بقلوب ما زالت تتفتح بعد، وضمائر لم يغطها الصدأ بعد، وعزائم لم يصبها الوهن بعد.
أما إسرائيل، فغيّرت العالم بعد السابع من أكتوبر بأن أطلقت أسوأ ما فيه.
تلك الوحشية والبربرية التى تعاملت بها إسرائيل مع هذا القطاع الساحلى الضيق، الذى تلقى ضربات فاقت قوتها وشراستها كل ضربات قوات الحلفاء ضد ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، فتحت المجال أمام كل من يحملون نفس النزعات المتطرفة التى يحملها قادة إسرائيل، هؤلاء الذين يريدون أن يمنحوا لأنفسهم الحق فى محو الآخر دون رادع ولا محاسبة. منهم قادة وتيارات اليمين المتطرف فى أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، الذين أظهروا بلا تردد تأييدهم المطلق للمجازر الإسرائيلية فى «غزة»، ثم ساروا بعدها خطوة أوسع، ليعلن بعضهم بجرأة أكبر، وصراحة أكثر، أنهم يملكون كل الحق فى اللجوء للعنف، وبلا رحمة، كما فعلت إسرائيل، من أجل الحفاظ على جنسهم أو عرقهم أو بلادهم ضد من يعتبرونهم «تهديداً» أو «معتدين محتملين».
حرب «غزة» جاءت إذاً فى وقت تنقسم فيها الإنسانية على نفسها بين طرفى نقيض؛ فى الطرف الأول يقف جيل الشباب، وأصحاب الضمائر والعقول والقلوب التى تئن لآلام غيرها من البشر أياً كان موقعهم حول العالم، ومهما كانت جنسيتهم أو لونهم أو عرقهم، وعلى الطرف الآخر، يقف هؤلاء الذين يعتبرون أن إسرائيل تمثلهم، وتطلق بالنيابة عنهم كل نزعات الشرور فيهم، يساندون أفعالها الوحشية، ويحلمون باليوم الذى تطلق فيه أيديهم بدورهم لضرب غيرهم من البشر، ممن يختلفون عنهم فى جنسيتهم أو لونهم أو عرقهم!.
تلك هى الفكرة الرئيسية التى يدور حولها كتاب جديد، صدر هذا الشهر فى الأسواق الأمريكية والأوروبية، حاملاً عنوان «العالم بعد غزة». صدر الكتاب عن دار نشر «بنجوين راندوم هاوس» البريطانية - الأمريكية، للمؤلف ذى الأصول الهندية «بانكاج ميشرا». حمل الكتاب بين صفحاته محاكمة لضمير الغرب الذى صمت أمام مجازر إسرائيل فى «غزة»، ومحاولة لرسم المستقبل الذى ستصبح دول العالم عليه، بعد أن أظهرت «غزة» هذه الحالة من الفصام الأخلاقى التى تمر بها دول العالم الكبرى، ما بين قيادات سياسية واقتصادية تدعم بلا هوادة آلة الحرب الإسرائيلية التى تطلق مذابحها بلا رحمة، والشعوب التى صارت تنظر إلى مأساة «غزة» بعد السابع من أكتوبر على أنها الحدث الذى سيرسم ملامح القرن الحادى والعشرين، تماماً كما كانت المحرقة التى ارتكبها النازيون فى حق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، هى الحدث الذى أوجع ضمائر الملايين فى الغرب، وأجبر الإنسانية على أن تحاكم نفسها.
إسرائيل مصابة بهوس البقاء.. وتأييد اليمين المتطرف لها فى الولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا اللاتينية يعنى أن مزيداً من الفظائع فى الطريق إليناكلا الحدثين أظهر أسوأ ما فى الإنسانية، وكل منهما أدخلها بعده فى حالة من الشعور بالذنب التاريخى وبعدم قدرة البشر على القيام بمسئوليتهم الطبيعية فى حماية أبناء جنسهم من الفناء.
من أجل ذلك، رأى «ميشرا» فى كتابه أن العالم بعد «غزة» لم يعد أبداً هو نفس العالم الذى كان عليه من قبل.
يقول الكتاب: فى كل مكان حول العالم، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وجدنا أنفسنا نواجه معارك جديدة من أجل الحرية والكرامة والمساواة لجميع البشر، من أجل تشكيل عالم أقل شقاءً وبؤساً. إلا أن «غزة» هى التى أجبرت الكثيرين على أن يجدوا أنفسهم فى مواجهة الشرور العميقة الكامنة فى مجتمعاتهم. كانت «غزة» هى التى فتحت أعينهم على نحو متسارع لكى يدركوا أنهم أصبحوا يعيشون فى عالم متهالك لم يعد يؤمن حتى بنفسه، ولا تحركه سوى غريزة البقاء والحفاظ على الذات. هذا العالم الذى يدهس، بلا رادع، كل الحقوق والمبادئ التى كان يعتبرها يوماً ما مقدسة، مدمراً فى طريقه كل إحساس بالكرامة والشرف، ومعلياً فى الوقت نفسه من شأن العنف والأكاذيب والوحشية والخنوع أمام الأقوى.
«غزة»، من وجهة نظر الكتاب، أحدثت صدمة أخلاقية عميقة بالنسبة لسكان العالم، وشكل ما جرى فيها من فظائع، وصمت أو تجاهل لهذه الفظائع، ضربة موجعة لقلب الإنسانية التى كانت تحلم بعالم أفضل. إلا أنها فى الوقت نفسه، ربما تكون نقطة انطلاق نحو إنسانية جديدة، ترفض تكرار أخطاء الماضى، وترفض أن تتكرر مأساة «غزة» فى أى مكان فى العالم، تماماً كما رفع العالم من قبل شعار «لن يحدث هذا مجدداً أبداً»، فى إشارة لرفضه تكرار حدث المحرقة النازية ضد اليهود.
وستكون نقطة الانطلاق هذه من الشباب.
يقول الكتاب: فى الوقت الذى تسبب فيه أحداث «غزة» لدينا إحساساً بالدوار وبالفوضى والفراغ، صارت «غزة» بالنسبة لكثيرين، لا يحصى عددهم حول العالم، هى النقطة والقاعدة الأساسية التى سيقوم عليها الضمير السياسى والأخلاقى فى القرن الحادى والعشرين، تماماً كما كانت الحرب العالمية الأولى هى النقطة التى صنعت هذا الوعى لدى جيل كامل فى الغرب. إن الجرائم التى جرت فى «غزة»، والتواطؤ والتجاهل المتعمد (الذى أظهره الغرب) لما يحدث فيها، كان لها أبلغ الأثر على أجيال من الشباب فى أواخر المراهقة وبدايات العشرينات. هؤلاء الذين يقفون على حافة الانتقال من الطفولة إلى النضج، والذين تلقوا درساً قاسياً وسريعاً فى الوحشية والبربرية والهمجية، وعرفوا كيف أن الكبار والناضجين الذين يتولون مواقع المسئولية فى بلادهم يسوقون كل أنواع الأعذار لتبريرها.
ويتابع: كانت هذه التجربة غريبة تماماً على وعى هؤلاء الشباب. ففى الوقت الذى كان فيه رجال السياسة والحكومات ورجال الأعمال والصحفيون يكذبون ويخلطون الأوراق، أو يدّعون عدم العلم بما يجرى، وجد طلبة الجامعات الصغار أنفسهم مضطرين للتعامل لحظة بلحظة مع هذه الحالة المثيرة للجنون التى يقضى مؤرخو الإبادة الجماعية أعمارهم فى تحليلها. هى حالة «المجتمع المتفرج»، أو الحالة التى يظل الواحد فيهم «يتفرج» على ما يجرى أمامه بشكل سلبى، ليس فيه إيجابية أو قدرة على التدخل لمساندة ودعم الضحايا، بل على العكس، قد يشعر الواحد منهم أنه يشجع العنف الدائر أمام عينيه بسبب عجزه عن الوقوف فى وجهه وإدانته.
ويواصل الكتاب: اندفع الشباب فى مظاهرات احتجاجية ضد ما يجرى فى «غزة»، لكنهم وجدوا أنفسهم، خاصة فى الولايات المتحدة، فى صدام مباشر مع الكبار من ذوى النفوذ. ظهر ذلك فى إدارات الجامعات التى أطلقت قوات الشرطة ضدهم، والمليارديرات من أصحاب الأعمال الذين قضوا على فرص العمل أمامهم، ومرشح رئاسى وقتها توعد بترحيل المهاجرين من بينهم. ليس من الضرورى أن يؤيد المرء كل الأساليب التى لجأ إليها هؤلاء الشباب، ولا أن يوافق على تصرفات لا يمكن التسامح معها بدرت منهم أحياناً، لكن يكفينا أن نعترف بمدى عمق رفضهم للسلطة التقليدية، وإصرارهم على ألا يكونوا مشاركين فى العنف والظلم الذى يجرى من حولهم على نحو نادر الحدوث.
تلك الحالة التى رسمت ملامح جيل جديد فى العالم كله يختلف تماماً عن وجوه الشيوخ ذات التجاعيد القاسية والقسمات الجامدة التى لم تهتز خلية واحدة منها أمام أنهار الدماء فى «غزة»، يصفها الكتاب قائلاً: لقد ظهر واضحاً من شعور هؤلاء الشباب بعدم الاكتراث بفرص العمل والتقدم الوظيفى (وهى إحدى القيم الأساسية التى تحكم المجتمع الأمريكى والغربى عموماً)، وبوقوفهم فى وجه «المؤسسة» (السياسية أو التعليمية أو الاقتصادية)؛ إما لكى تصحح مسارها أو تقوم بسحقهم، أنهم يتمتعون بنوع من الشجاعة لم نشهد مثله من قبل. لقد رفض هؤلاء الشباب التواطؤ مع المؤسسات الفاسدة، مظهرين إيمانهم الذى نحتاج جميعاً إليه فى القدرة الإنسانية على مقاومة «بلطجة» السلطة، وعلى التعاطف مع الضعفاء والعاجزين فى أى موقف. لقد كانت لديهم الجرأة لكى يتحملوا بعض المخاطر فى سبيل الحرية والديمقراطية والمساواة، الأمر الذى شكل تحدياً أخلاقياً رهيباً بالنسبة لتلك العقلية والنفسية التى تسود الحياة السياسية والمهنية حالياً، ولا يعنيها سوى الاستمرار والبقاء بأى ثمن، والاكتفاء بـ«الفرجة» على ما يجرى.
ويواصل الكتاب: على ما يبدو، فإن هؤلاء الذين عرفوا النضج الأخلاقى المبكر بسبب فاجعة «غزة»، هم وحدهم من يمكن أن يتحملوا أمانة إعادة القوة والكرامة للضمير الإنسانى. من الواضح أنهم يملكون رؤية أكثر وضوحاً من «كبارهم» الذين يحتلون مواقع المسئولية حول العالم، حيث الكلمة العليا للجبن والغباء العنيد. لقد نسى معظمنا مدى هشاشة وجودنا الإنسانى أمام انبهارنا بالسلطة والمال، وطموحنا من أجل التقدم الوظيفى والترقى الاجتماعى، لكن هؤلاء المحتجين يعرفون أنه إذا كان هناك أى درس يمكن أن نستخلصه من المحرقة النازية ضد اليهود بحق، فسيكون شعار «لن يحدث ذلك مجدداً لأى أحد»، وليس لليهود فقط، وهو الشعار الذى صاغه النشطاء الشباب الشجعان الذين شكلوا حركة «الصوت اليهودى من أجل السلام».
من المؤسف أن الشباب قد يخسرون المعركة.. وكفة الميزان لا تميل دائماً لصالح العدالة.. والتاريخ يكتبه الأقوىلكن المستقبل لا يظهر بألوانه الوردية أمام هؤلاء الشباب، وانتفاضتهم ضد ما جرى من فظائع فى «غزة» لا يبدو أنها ستغير الكثير مما يحدث من حولها.
هذا هو ما يشير إليه الكتاب قائلاً: من المحتمل، وربما من الأرجح، أنهم سيخسرون. إن إسرائيل التى ينتابها هوس البقاء صارت تنذر بمستقبل عالم منهك وخرب. وما نراه من حولنا من التأييد المطلق لإسرائيل، الذى يعلنه مخابيل اليمين المتطرف مثل بعض رؤساء أمريكا اللاتينية، والدعم الذى تقدمه لها الدول الغربية التى تسبب أصحاب النزعات القومية المتطرفة داخلها فى تلويث الحياة السياسية فيها، كلها تنبئ بجحيم من الفظائع ما زال فى طريقه إلينا. صارت هناك أعداد متزايدة من البشر الذين يرون أن بلادهم أو عرقهم أو طبقتهم الاجتماعية لن يكتب لها البقاء إلا باستخدام وسائل وأساليب لا ترحم. وفى الوقت الذى تتزايد فيه الأسلاك الشائكة والجدران العازلة بين حدود الدول، صارت الوحشية التى تحدث تحت مسمى «الحفاظ على النفس» تحظى بتأييد واسع، خاصة مع النجاح الذى حققه الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» فى الانتخابات، الأمر الذى قد يشير إلى أن إسرائيل سوف تنجح على الأرجح فى التطهير العرقى لـ«غزة»، وربما للضفة الغربية كذلك.
ليس من الصعب تصور أن تؤدى مذابح إسرائيل لانتصار يعقبه نوع من غسيل السمعة بأيدى المؤرخين والسياسيين المؤيدين لهاويواصل الكتاب رسم تلك الصورة القاتمة التى قد يسببها نجاح إسرائيل فى مخططاتها قائلاً: هناك بالفعل دلائل أكثر من اللازم على أن كفة الميزان لا تميل دائماً نحو العدالة. دائماً ما قام الرجال الذين يملكون النفوذ والقوة بإظهار المذابح التى يرتكبونها كما لو كانت ضرورية ومشروعة، بالتالى، ليس من الصعب إطلاقاً أن نتصور أن تؤدى المذبحة الإسرائيلية لانتصار، يعقبه نوع من غسيل السمعة أو إضفاء القداسة عليه بواسطة المؤرخين والصحفيين ورجال السياسة، هؤلاء الذين يخضعون دائماً فى كل مكان لمن يملك القوة. هذا ما كان يحدث، وسيظل يحدث عبر التاريخ.
لكن هذه النهاية القاتمة، حتى وإن حدثت، فإنها لن تقدر على قتل وعى وضمير أجيال كاملة استيقظت بسبب مشاهد العنف والدمار الجنونى فى «غزة»، ولن يقدر أحد، مهما بلغت قوته، على إخماد نيرانها فى قلوبهم وعقولهم.
يقول الكتاب: ربما كان الخوف من التعرض لهزيمة كارثية يخيم بظلاله على عقول الشباب الذين خرجوا فى مظاهرات احتجاجية ضد ما يحدث فى «غزة»، لكنهم لم يغيروا، ولن يغيروا، من موقفهم ورأيهم أمام هذا المد القاسى الذى يهيمن على الغرب. ربما كان هؤلاء الذين يقاومون أعمال إسرائيل الوحشية، ويقفون ضد الدعاية الغربية التى تساندها إما بالحجب وإما بالتدليس، يخاطرون بأن تظل حياتهم كلها محكومة بالفشل، لكن ربما كان تعبيرهم عن الرفض والغضب، وإظهارهم لتضامنهم مع أهالى «غزة»، أمراً يخفف ولو قليلاً من ذلك الشعور الرهيب بالوحدة الذى يعانى منه الفلسطينيون. وربما لذلك سيظل هؤلاء هم من يحملون مشعل الأمل للعالم من بعد «غزة».
ويتابع: لم تعد إسرائيل قادرة على أن تقدم نفسها للعالم على أنها ضحية تحت رحمة تصرفات الآخرين. لقد كشفت إسرائيل اليوم عن وجهها كعنصر مضطرب على نحو بالغ الخطورة، لا يتحمل الفلسطينيون وحدهم تداعيات فشله الكارثية. بالتالى صارت الدولة اليهودية الأولى تنذر بالشؤم للكل وليس فقط لليهود حول العالم. إنها تجبر الآخرين على أن يحددوا أنفسهم وهويتهم إما بالوقوف معها أو ضدها، كما لو كانت تحمل، بمجرد وجودها، مرآة أمام الشعوب والمجتمعات الأخرى، تجبرها على النظر لأنفسها ولضمائرها الأخلاقية ومحاكمتها.
ويتابع: يوماً ما، سوف تتراجع الحرب على «غزة» لتصبح مجرد حدث من أحداث الماضى، وربما يطوى الزمان تلك الصفحات المتراكمة من الفظائع التى جرت فيها. لكن المأساة ستترك آثارها الغائرة باقية فى قلب «غزة» لعقود قادمة؛ فى الأجساد الجريحة، والأطفال الذين أصبحوا أيتاماً، فى الأحياء التى تهدمت، والأشخاص الذين أصبحوا بلا مأوى، وفى الإحساس الجارف والطاغى بتلك الفجيعة الجماعية التى شاهدها الكل من بعيد وهم يقفون عاجزين أمام قتل وتشويه عشرات الآلاف من الناس فى هذا القطاع الساحلى الضيق، على وقع تصفيق أو تجاهل من يملكون القوة. كل هؤلاء سوف يعيشون حاملين فى قلوبهم جرحاً غائراً، وصدمة قد لا يداويها مرور السنين.
يدرك الكتاب جيداً حالة الانقسام التى يحيا فيها الغرب؛ بين من يمنحون حقاً مطلقاً لإسرائيل فى ارتكاب كل ما تريد من فظائع «لحماية أمنها»، ومن يتعرضون فوراً للاتهام بمعاداة السامية لو حاولوا الدفاع عن حق أبرياء «غزة» فى الحياة. هذا الانقسام الذى أدى إلى حرب «توصيف» لما يجرى فى «غزة» على نحو يستهدف إرباك الضمير الإنسانى أمام فظائع لا يمكن إنكارها. يقول الكتاب: إن الخلاف الدائر حول كيفية وصف العنف الإسرائيلى فى «غزة»، ما إذا كان دفاعاً مشروعاً عن النفس، أو حرباً عادلة فى ظروف مدنية صعبة، أو تطهيراً عرقياً وجرائم ضد الإنسانية، هو خلاف لن تتم تسويته أبداً. لكن ليس من الصعب أن نرى أن انتهاكات إسرائيل القانونية والأخلاقية تمثل البشاعة فى أقصى صورها: هذا التصميم الصريح والمتكرر من قيادات إسرائيل على محو «غزة»، حتى بالرغم من الاتهام الضمنى الذى وجهه الرأى العام لهم ولجيش الدفاع الإسرائيلى بتوقيع عقوبة على «غزة» لا تتناسب مع الجرم الذى تم ارتكابه (بواسطة حركة «حماس»). يضاف إلى ذلك استهدافهم لضحاياهم فى القطاع بكل أشكال الشر، وواقع أن أغلب الضحايا كانوا أبرياء ومعظمهم من النساء والأطفال.
ويواصل: إن حجم التدمير الذى جرى فى قطاع «غزة» هو أكبر بكثير من حجم الدمار الذى أحدثته قوات الحلفاء مجتمعة بقصف ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية، وكان إيقاع القتل المتسارع والرهيب يملأ المقابر الجماعية فى «غزة» بالجثث التى تهاوت باستخدام أدوات تستهدف ضحاياها بشكل عشوائى غير شخصى باستخدام خوارزميات الذكاء الصناعى، وبأساليب استهداف شخصية مثل القناصين الذين كانوا يصيبون الأطفال بطلقة رصاص فى رؤوسهم وأحياناً بطلقتين. امتزج ذلك كله بمشاهد حرمان الأهالى من الغذاء والدواء، وهتك عرض السجناء بقضبان معدنية حامية، وتدمير المدارس والجامعات والمساجد والكنائس وحتى المقابر. وظهر الشر الخالص مجسداً فى جنود قوات جيش الدفاع الإسرائيلى وهم يتراقصون مرتدين الملابس الداخلية لنساء فلسطينيات موتى أو هاربات، وفى شعبية وانتشار هذه المقاطع على منصة «تيك توك» داخل إسرائيل، والتى قابلها القتل والاستهداف الدقيق للصحفيين الموجودين فى «غزة» الذين كانوا يقومون بتوثيق الإبادة التى يتعرض لها شعبهم.
هذه المشاهد جعلت «ميشرا» يرى أن «المحرقة» لم تعد مجرد ذكرى طوتها الإنسانية مع سقوط النازية فى ألمانيا، لكنها حالة امتد ظلها على شعوب أخرى، ولم تعد قاصرة على اليهود وحدهم.
يقول: لقد جعلت «غزة» ظل المحرقة (أو الهولوكوست) يمتد ليشمل العديد من الشعوب الأخرى وليس الشعب اليهودى وحده. أصبح قدر المليارات حول العالم أن تظل مشاهد العنف الوحشى لما جرى فى «غزة» عالقة فى أذهانهم لوقت طويل. هؤلاء الذين رأوا بأعينهم طالب هندسة فلسطينياً لا يزيد عمره على ١٩ عاماً يحترق حياً والمحاليل ما زالت معلقة بأوردته، فى واحد من المستشفيات العديدة التى تعرضت للقصف الإسرائيلى. وبعد عدة شهور متواصلة من شهود هذا القتل الجماعى الوحشى بأيدى أشخاص يحاولون تقديمه للآخرين على أنه ضرورة جماعية ومشروعة، بل وحتى إنسانية، أصبح ملايين الناس من بلاد مختلفة يشعرون أن العالم قد أصبح مكاناً غريباً عليهم. هذا هو تأثير صدمة مشاهدة ذلك الشر الخالص الذى كان ارتكابه من قبل مقصوراً على الأفراد المختلين نفسياً، وأصبح يجرى اليوم على يد قادة وأفراد مجتمعات من المفترض أنها متحضرة. هذا أمر لا يمكن الاستهانة به، ولا التخفيف من حدة الهاوية الأخلاقية التى نجد أنفسنا فى مواجهتها. إن ما نشعر به اليوم هو القشة الأخيرة التى ستقصم ظهر التاريخ الأخلاقى للعالم الحديث الذى كنا نرى أنه وصل إلى حد الانهيار الكامل عام ١٩٤٥، العام الذى شهد المحرقة النازية لليهود، والتى صارت مرجعية عالمية للانهيار الكارثى للضمير الأخلاقى للإنسانية.