أثير- الروائي الأردني جلال برجس
ما عاد غامضًا لماذا هذا الفقر اللافت في حصيلة العرب من جائزة نوبل للآداب، من دون أن تتجاوز تلك السنة التي نالها فيها الروائي العربي الكبير نجيب محفوظ. ولم يقتصر الأمر على الفوز فقط؛ بل حتى طال الفقرُ تلك الفرصة في وصول أي عربي هذه الأيام بالمعنى المُنافس إلى قائمة تلك الأسماء المتداوَلة كل عام، لتكون بالإضافة إلى أنها ترسيخ لهم، فهي تمهيد للمتوَّج بأكثر الجوائز العالمية سمعة، وأثرًا، وتأثيرًا في قطاعات الناشرين، والمترجمين، والقراء، رغم كل ما يثار حولها من لغط يشير إلى اعتبارات الجائزة سياسيًّا، وجغرافيًّا.

لقد كان اهتمام جائزة نوبل بالأدب العربي سابقًا أكثر مما هو عليه في هذه المرحلة؛ إذ رُشح لها عدد من الأدباء العرب المرموقين مثل: توفيق الحكيم، وطه حسين، ويوسف إدريس، وأنيس منصور. كما رشحت في هذه المرحلة نوال السعداوي، والشاعر السوري أدونيس. لكن الجائزة تجاهلت الكثير من الكتاب العرب، ومنهم الروائي السوري الراحل حنا مينه الذي رشحه نجيب محفوظ في إجابة على سؤال صحافي بعد نيله الجائزة: من الروائي الذي ترشحه لنيل الجائزة بعدك؟
في كل عام، وقبل الإعلان عن الجائزة ينشغل كثير من الكتاب، والقراء، والمهتمين العرب بنتيجة هذه الجائزة التي تدير ظهرها لهم منذ 1988 تلك السنة اليتيمة التي توج فيها نجيب محفوظ، ليصبح أول عربي ينالها. لكن هذا الانتظار بات يخفت في السنوات الأخيرة من جهة القراء والكتاب، والمهتمين، إلى أن وصل إلى مستوى باهتًا من الاهتمام، بل حتى صار حدث الفوز يمر من دون ذلك الاحتفاء الذي اعتدنا عليه سابقًا، تمامًا كما جرى هذه السنة مع فوز النرويجي “جون فوسّيه” الذي ركز بيان الجائزة على أعماله المسرحية، ونثره، أكثر من أعماله الروائية، وقد ترجمت منها أكثر من رواية عن دار الكرمة المصرية للنشر والتوزيع.
لقد تبنى الكثير من المتابعين قناعة -على ما أعتقد- في أن بوصلة هذه الجائزة ما عاد يمكن أن تشير إلى جهة الأدب العربي عمومًا. ومن هذا المنطلق بات التفكير بدوافع هذا التجاهل سائدًا؛ فإن كانت ذرائع الجائزة وإدارتها تكمن في مؤشرات التفوق الأدبي غربيًّا، وضعف الكتاب عربيَّا؛ فلماذا هذا التجاهل وبيننا كتّاب ومفكرون، وشعراء كثر يتفوقون على عدد ممن فازوا سابقًا بجائزة نوبل للآداب؟
وإن كان الأمر مرتبطًا بالترجمة؛ ففي السنوات الأخيرة نشطت حركة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، وباتت خيارات القراء تهتم كثيرًا بتلك الترجمات التي ذاعت عبرها أسماء غربية لم تنل تلك الشهرة في بلدانها، بل حتى أن الترجمة إلى العربية باتت مطمع كثير من الكتاب الأجانب. وما هذا إلا تغليب للجانب التجاري عند كثير من دور النشر العربية، على الجانب الثقافي الذي نلمس فيه الآن خللًا واضحًا هذه الأيام. بينما في المقابل –أي في سوق النشر الغربي- فإن الترجمة من العربية محكومة منذ زمن بعناصر غامضة ليس أهمها بالطبع العنصر التجاري. وبالتالي فإن ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى قليل، وإن انتشاره مجرد حالة إعلامية قصيرة ما إن تبدأ حتى تنتهي؛ إلا من أولئك الذين تمترسوا وراء تلك القضايا التي يريد الآخر الحديث عنها، وباللغة التي يريدونها، وضمن المفاهيم الاستشراقية التي أُسس لها منذ أمد بعيد، وما تزال تشكل عائقًا بين قراء اللغات الأخرى والأدب العربي الذي بطبيعة الحال له خصوصياته، ومساراته.
لا يخفى على أحد أن المركزية الغربية الثقافية بكل تجذراتها على الصعيد المؤسساتي والأهلي ما تزال تنظر إلى العربي بشكل عام على أنه كائن خارج السياق الحضاري، بل إنها تدفع بقوة تبدو لي ممنهجة بهذا الاتجاه دومًا، على مختلف الصعد السياسية، والفكرية، والاجتماعية، وإن نيل أديب آخر لجائزة نوبل أمر محكوم بهذه المسألة، وبتفرعاتها. ومن هذا الجانب سعى البعض من الكتاب الذي يضعون بحسبان أمنياتهم نيل جائزة نوبل إلى التوافق مع شروطها غير المعلنة، ومع ذلك لم تلتفت لهم الجائزة، بحيث بدا الأمر كأنه لهاث غير مجد، بل حتى أنه يهشم تاريخهم الأدبي الذي يفترض أن يُحتفى به عربيًا. فهل يصنع العرب مركزيتهم الثقافية رغم صعوبة المرحلة، وبالتالي يُحدثون توازنًا مقابل هذا الإختلال؟
لماذا لا يكون لنا منبرًا موزايًا مثل نوبل، وبالتالي يمكن من خلاله الانطلاق نحو العالمية بالثقافة العربية، بأدوات العصر الجديد، لئلا نبقى أسرى للرؤى النمطية، وللإحباط؛ فبوصلة جائزة نوبل للآداب لا تشير إلى الأدب العربي.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: نوبل للآداب جائزة نوبل من الکتاب کثیر من

إقرأ أيضاً:

ما الذي يمكننا تعلمه من ظاهرة “قمر الدم” النادرة؟

في ليلة 13 مارس وحتى ساعات الصباح الأولى من 14 مارس، سيستمتع عشاق الفلك بحدث فلكي نادر وهو الخسوف الكلي للقمر.

وخلال هذا الحدث، يتحرك القمر إلى داخل ظل الأرض، ما يحول لون سطحه من الأبيض الساطع إلى اللون الأحمر الغريب، وهو ما يعرف باسم “القمر الدموي” أو “قمر الدم”.

ويحدث هذا الخسوف عندما تصطف الشمس والأرض والقمر بشكل مثالي، ما يسمح للأطوال الموجية الطويلة للضوء الأحمر بالمرور عبر الغلاف الجوي للأرض وإضاءة القمر بألوان مذهلة تتراوح بين الأحمر الصدئ والقرمزي.

وستحظى أمريكا الشمالية والجنوبية بمشاهدة واضحة لجميع مراحل هذه الظاهرة الفلكية المذهلة، أما في أوروبا الغربية، فسيغرب القمر وهو ما يزال في مرحلة الكسوف.

وسيتمكن سكان غرب إفريقيا من رؤية الخسوف الكلي مع غروب القمر، وسيتمكن سكان أستراليا ونيوزيلندا من رؤية المراحل الأخيرة من الخسوف مع شروق القمر في 14 مارس.

لكن الخسوف ليس مجرد عرض فلكي ممتع، بل له أيضا أهمية علمية كبيرة. ففي العصور القديمة، ساعدت ظاهرة الخسوف في اكتشافات علمية مهمة. على سبيل المثال، أدرك الفلاسفة اليونانيون أن الأرض كروية بسبب شكل ظل الأرض المنحني على القمر أثناء الخسوف.

 

ما نتعلمه من الخسوف اليوم

 

– الغلاف الجوي للأرض: أثناء الخسوف الكلي، يمر ضوء الشمس عبر الغلاف الجوي للأرض، ما يتسبب في تشتت الألوان ذات الطول الموجي القصير، مثل الأزرق والأخضر، بينما تصل الألوان الحمراء والبرتقالية إلى القمر. وهذا يفسر سبب ظهور القمر باللون الأحمر أثناء الخسوف، وهو نفس السبب وراء الألوان الدافئة التي نراها أثناء شروق الشمس وغروبها.

ويمكن للون القمر أثناء الخسوف أن يخبرنا عن تغيرات في تركيب الغلاف الجوي للأرض. على سبيل المثال، بعد الانفجارات البركانية الكبيرة، قد يظهر القمر بلون بني رمادي داكن بدلا من الأحمر.

– دراسة سطح القمر: تستخدم المركبات الفضائية، مثل المركبة المدارية الاستطلاعية القمرية (LRO) التابعة لناسا لدراسة القمر أثناء الخسوف. ولاحظ العلماء أن سطح القمر لا يبرد بشكل موحد أثناء الخسوف، ما يكشف عن اختلافات في خصائص سطحه، خاصة حول الفوهات الصغيرة.

– تأثير الخسوف على المركبات الفضائية: المركبات الفضائية التي تعمل بالطاقة الشمسية، مثل المركبة المدارية الاستطلاعية القمرية (LRO)، تتأثر بالخسوف لأنها تفقد ضوء الشمس المباشر لساعات. لذلك، يتم إعدادها مسبقا لشحن البطاريات بالكامل قبل الخسوف، وإيقاف الأجهزة مؤقتا لتوفير الطاقة، ثم إعادة تشغيلها بعد انتهاء الخسوف.

– مستقبل دراسة الخسوف: مع استمرار هبوط المزيد من المركبات الفضائية على القمر وبدء عملياتها العلمية، بالإضافة إلى خطط ناسا لإعادة البشر إلى القمر عبر برنامج “أرتميس” (Artemis)، سنتعلم المزيد عن تأثير الخسوف على القمر نفسه.

 

وتقول كريستين شوبلا، مديرة التعليم في معهد الكواكب القمرية: “على عكس كسوف الشمس، الذي يمكن أن يراه فقط الأشخاص الموجودون على مسار ظل القمر، يمكن رؤية خسوف القمر من قبل أي شخص يمكنه رؤية القمر في ذلك الوقت”. وفي هذا الحدث للخسوف، سيتمكن أكثر من مليار شخص من رؤية القمر يتحول إلى اللون الأحمر.

 

مقالات مشابهة

  • بول فون هايس .. لماذا فاز بجائزة نوبل في الأدب؟
  • خطاطو الباحة يطلقون مبادرة “التقويم الرمضاني” بالخط العربي
  • متخطيا رونالدو.. محمد صلاح يتوج “ملك الشهر” في الدوري الإنجليزي
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
  • جيورجيوس سفريس وجائزة نوبل .. بين التقدير العالمي والجدل المحلي
  • هات “الجِفت” يا خليل
  • أمير الباحة يكرّم 36 طالبًا وطالبة تميزوا في الجائزة الوطنية “منافس”
  • ما الذي يمكننا تعلمه من ظاهرة “قمر الدم” النادرة؟
  • “تعليم المدينة” يحقق جائزة البيئة عن مشروع “تنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر”
  • أسماء واشتقاقات الشهور العربيَّة القمريَّة عند العرب