تحليل: ما موقف الكيانات السياسية اليمنية تجاه الحرب في فلسطين.. ولماذا لا نرى موقفا موحدا؟
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
(عدن الغد)خاص:
تقرير تحليلي لتطورات الوضع في غزة وانعكاسها على الوضع اليمني..
هل تتسبب هذه الحرب باشتداد الصراع السعودي الإيراني مرة أخرى؟
ما مدى تأثير تجدد الصراع في فلسطين على ما يحدث في اليمن؟
هل بالفعل سيشارك الحوثيون في معارك فلسطين.. أم أنها مجرد شعارات؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
لم تفت السنون في عضد القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية الأولى في حياة الشعوب العربية والإسلامية وتاريخها المعاصر، فمنذ سبعين عاما، بقيت جذوة المأساة الفلسطينية ماثلة أمام كل الأجيال المتعاقبة، رغم التلاعب الكبير ومحاولات حرف بوصلة الشعوب وإشغالها بقوت يومها، سواء من الغرب أو من الأنظمة العربية نفسها؛ تحت وطأة العمالة وخدمة مصالح الغرب.
حقيقة تتجلى مع كل تجدد للصراع في فلسطين، تعود حمية العرب والمسلمين إلى قبلتهم الأولى ومسجدهم الأقصى الذي اعتقد البعض أنه تلاشى أو أُزيح من صدارة اهتمامات الشعوب العربية والإسلامية، لكن الملمات التي ما فتئت تتكرر على الشعب الفلسطيني تحافظ على أولوية هذه القضية، مهما حاول البعض تحييدها أو فرض نسيانها، أو تهميشها على حساب قضايا محلية ووطنية ذات أبعاد ضيقة للغاية.
تنبع أهمية القضية الفلسطينية في كونها صراعا بتأثيرات وارتباطات متشعبة، فهي تقوم على أسس عقائدية دينية، بالإضافة إلى جوانبها التاريخية والسياسية، وصراعات الأنظمة العالمية الكبرى ومحاولات تسخير طاقات المنطقة العربية أو الاستيلاء عليها، أو في أحسن الأحوال إحباط نهضة المنطقة من خلال إيجاد عنصر دخيل في المنطقة، لا يمت إليها بأية صلة، لا عرقية ولا دينية.
ويدرك المؤرخون وعلماء السياسة أن زرع كيان صهيوني في المنطقة العربية، بأبعاده الدينية العنصرية، من شأنه أن يسهل عملية السيطرة عليها، عبر إشغالها في صراعات متواصلة لا تنتهي، منع هذه الدول من التنمية أو النهوض وفرض عليها حصر تفكيرها وتسخير إمكانياتها في كيفية التخلص من هذا الكيان الدخيل غير المرغوب فيه، أو هكذا كانت تتحدث الأنظمة العربية الحديثة، منذ بداية النكبة العربية في عام 1948 وقيام دولة إسرائيل الصهيونية.
لكن في الواقع، أن العرب انشغلوا بالقضية الفلسطينية -وكان يجب بالفعل أن ينشغلوا بها ويهتموا بها- من أجل تثبيت دعائم الحكام المستبدين، بإيعاز الغرب الذي لا يريد الخير للمنطقة، وذلك على حساب دعم صاحب الحق الأصلي في فلسطين، وهو الشعب الفلسطيني نفسه، الذي اغتصبت أرضه وشرد مواطنوه، دون أن تقوم له دولة.
إلا أن انشغال الأنظمة السياسية العربية بديكتاتوريتها واستغلالها للقضية الفلسطينية لمآرب خاصة في الحكم والسلطة، وتجيير موارد دولها لتسليح جيوش لن تطلق رصاصة واحدة ولم تخضع حروبا إلا للخسارة، لم يشغل الشعب الفلسطيني الذي امتص مأساته عبر الجيل الأول للنكبة 1948، ثم جيل النكسة 1967، وبدأ بالانتفاض في 1987، ثم في 2000، إلى أن وصل اليوم إلى شن حرب مفتوحة يكاد يكون المنتصر فيها أمام ما يصنف بأنه أقوى جيش في المنطقة.
وبينما كانت الأنظمة السياسية العربية تتلاشى بفعل تآكلها من الداخل، وانتهاء مهمتها التي رسمها الغرب لها، لم تمت قضية فلسطين في قلوب الشعوب، ولم يلتهِ الجيل الجديد في فلسطين بكل ما يدور حوله من أزمات عربية مذلة، واشتغل على نفسه في صمت وهدوء خرج جنود من حماس والجهاد الإسلامي استطاعوا إذلال إسرائيل وهزيمة أسطورة "الجيش الذي لا يهزم".
في المقابل، لم تنتهِ أساليب الاستغلال والاستثمار السيئ من قبل الأنظمة السياسية العربية لما يجري في فلسطين، ولعل في مواقف الدول العربية والإسلامية الكثير مما يمكن الوقوف أمامه تجاه ما يحدث اليوم في فلسطين، وتحديدا في غزة، وتأثيراتها على مواقف الدول الكبرى في المنطقة العربية والإقليم، وعلى رأسها ردود الأفعال الإيرانية والسعودية، باعتبارهما الدولتين الأكبر في المنطقة.
> الصراع الإيراني السعودي.. هل يعود؟
أوردت تقارير صحفية عربية ودولية تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن تعليقا على أحداث غزة الأخيرة وهجمات الفلسطينيين داخل العمق الإسرائيلي، قوله إن هذه الأحداث هي "عواقب عدم تطبيع السعودية مع إسرائيل"، وهو ما رآه مراقبون بأنه حديث لا صلة له بما يجري على الأرض، والهجمات الأخيرة التي سببها الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسيين والفلسطينيين في الضفة الغربية.
غير أن المراقبين أرجعوا التصريحات الأمريكية الغريبة إلى رغبة واشنطن في خلط الأوراق السياسية في المنطقة، وحث السعودية على التطبيع، وهو ما أرادته أمريكا منذ وقت مبكر، لكن الرياض كانت أكثر إدراكا لخطورة الوضع، على العكس من أبوظبي التي سارعت إلى مثل هذه الخطوات، ولعل في موقف السعودية الكثير من الرزانة والتقدير للوضع العام المتوتر في المنطقة.
فالولايات المتحدة من مصلحتها إظهار حلفائها في موقف الصداقة مع إسرائيل في ظل وجود ما يُعرف بـ "تيار الممانعة" الذي تتزعمه إيران في المنطقة، ودخول سوريا ولبنان (ممثلا بحزب الله) في هذا التيار، ودعم طهران لحماس بالسلاح وغيره، وبالتالي فإن عودة مثل هذا الصراع بين تيار الممانعة من جهة، والتيار المضاد له والمتمثل في دول الخليج من جهة أخرى قد يُلهي ويصرف نظر المجتمع الدولي إلى ما يجري في غزة خاصة وفلسطين عموما.
وخطوة كهذه، إذا حدثت فإنها ستعيد بالفعل الصراع السعودي الإيراني مرة أخرى إلى الواجهة، بعد أن بدأت المفاوضات بين الجانبين تُثمر عن تقارب قد يعود إلى (تصفير) عداد الأزمات في المنطقة، ولعل على رأسها الأزمة اليمنية، التي تتداخل فيها طهران والرياض بشكل جلي وقوي، وبالتالي فإن أية مواقف تجاه ما يدور في فلسطين خلال الأيام الماضية، قد يلحق ضررا بهذا التقارب وباستقرار المنطقة برمتها.
وبنظرة فاحصة، فإنه من المؤكد أن الأحداث الأخيرة في غزة لا علاقة لها بصراعات طهران والرياض، بقدر ما لها علاقة وثيقة بالانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للمسجد الأقصى وسكان القدس الشرقية، والتي أثارت حفيظة إخوانهم الفلسطينيين في غزة، ودفعتهم إلى هذه الهجمات التي فضحت الجيش الصهيوني الذي لم يعد أسطورةً كما كان.
وهذا لا يمنع أن تظهر العديد من القوى الدولية والإقليمية، وحتى الأطراف اليمنية المحلية، من محاولة ركوب الموجة واستغلال النصر الفلسطيني، وعموما الفلسطيني، للترويج لبطولات زائفة أو النهب وفرض مزيد من الجبايات والإثراء على حساب هذه القضية، كما يفعل الحوثيون، الذين لم يصدقوا أن نافذة للمزايدة فتحت لهم ليمارسوا من خلالها هواياتهم المفضلة.
> تأثير الصراع في فلسطين على اليمن
لا يختلف اثنان على انتهازية الحوثيين، وبحثهم الدائم على انتصارات وبطولات زائفة، وصناعة أعداء من العدم؛ بحثا عن استغلال هذه العدو وتوظيفه في استغلال الشعب والسيطرة عليه وإيجاد مبرر لكل الممارسات والانتهاكات والجبايات المالية التي درجت عليها الجماعة الحوثية منذ انقلابها.
وهو بالفعل ما بدا ظاهرا في حديث زعيم الحوثيين الأخير، عن إمكانية التدخل في فلسطين بالصواريخ والمسيرات إذا تدخلت الولايات المتحدة في الحرب هناك، ومن المؤكد أن هذا التطور سيزيد من تصعيد الصراع في اليمن، خاصة مع الدعم الإيراني للفصائل الفلسطينية ونظام غزة، وتخندقهم في خندق المقاومة والممانعة، حد تعبيرهم.
لكن الحقيقة غير ذلك تماما، فالمعروف عن الحوثيين أنهم دائما يبحثون عن أعداء، حتى لو كانوا خلف البحار وتبعدهم عشرات الآلاف ومئات الآلاف من الكيلومترات، واستغلال هذه العداوات لصالحهم وكسب المزيد من المكاسب المادية والسياسية والعسكرية، وفي الأخير فهذه الجماعة ليست دولة ولا يمكن أن تتحول الى دولة، فهي تفضل شكل المليشيات النزقة التي لا تقيدها أية ضوابط، وترفض التحول إلى دولة نتيجة الالتزامات التي يفرضها هكذا تحول.
بل من المتوقع أن يتحول هذا الاستغلال الحوثي للحرب في فلسطين إلى تهديد للممرات المائية التي تطل عليها اليمن، ووضع الملاحة الدولية على المحك، لا لشيء ولكن لابتزاز العالم ومحالة استرجاع شعبية فقدتها مؤخرا عقب الاحتجاجات المجتمعية ضدها في مناطق سيطرتها، ولا يمكن أن يتوقع أحد تنفيذ الحوثيين أيا من شعاراتهم الجوفاء بضرب إسرائيل أو غيرها، تماما كما هي إيران التي لا تقوَ هي الأخرى على عمل كهذا، رغم تهديداتها المتواصلة منذ عقود ضد الصهاينة والأمريكيين، والتي بقيت مجرد ظاهرة صوتية وشعارات فارغة.
أضف إلى كل ذلك ادعاء الحوثيين إرسال مقاتلين إلى فلسطين للقتال في صفوف حماس والفصائل الفلسطينية، وهو ما فضحته الكثير من مواد كشف التضليل الصحفية التي أكدت أن المقاتلين الذين زعمت مليشيات الحوثي أنهم يمنيون هم مقاتلون فلسطينيون أصلا، ولا علاقة لهم باليمن، وهو تجسيد لصورة من صور الاستغلال الحوثي لما يجري في غزة، خاصة أن الحوثيين ومنذ بداية حربهم ضد اليمنيين في عام 2014 وهم يقولون إنهم بحربهم هذه داخل اليمن يسعون إلى تحرير القدس من اليهود، ولهذا رفعوا شعار الموت لإسرائيل الذي بقي مجرد كلمات ملتصقة بالجدران، فيما الموت يلتهم اليمنيين وحدهم جراء حرب الحوثيين عليهم.
في مقابل الموقف الحوثي الانتهازي للقضية الفلسطينية، ظهرت مواقف الأحزاب السياسية اليمنية والقوى والمكونات الأخرى ضبابية إلى حد كبير، واكتفت أحزاب التحالف السياسي ببيان فضفاض عام وتقليدي، كتلك البيانات المناسباتية التي تصدرها الأنظمة الحاكمة العربية من ثمانينات القرن الماضي، تكتفي بالتنديد وتدعو بوقف الانتهاكات الصهيونية.
وتبقى المقاومة الفلسطينية الطاهرة النقية، وحدها من تستطيع فرض واقع مغاير سأمه الفلسطينيون طيبة سبعة عقود، هي عمر الكيان الصهيوني المزروع غصبا في الأراضي العربية، ويبدو أنه حان أوان رحيله، حتى وإن طال الأمر، فالموضوع مسألة وقت، أكدتها ضربات مقاومة نقية مخلصة آمنت بحقها وبالحق الفلسطيني، وبدأت بأولى خطوات إنهاء الدولة اليهودية وتمريغ أسطورة إسرائيل وجيشها الذي لا يقهر في الوحل.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: فی المنطقة فی فلسطین ما یجری فی غزة
إقرأ أيضاً:
حسين فهمي: مهرجان القاهرة يعلن عن موقفه تجاه القضية الفلسطينية أمام العالم
حرص الفنان حسين فهمي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، على لقاء مجموعة من الصحفيين الدوليين، من بينهم ممثلون عن فارييتي، وسكرين ديلي، وفيلم فيرديكت، وسيني يوروبا، وغيرهم من وسائل الإعلام من جميع أنحاء العالم.
وسلط حسين فهمي الضوء على مكانة المهرجان التي تستند إلى الإرث السينمائي المصري العريق، موضحًا أن صناعة السينما في مصر منذ عقود طويلة كانت دعامة أساسية أثرت على سينما المنطقة بأكملها.
وتحدثت عن دعم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي للقضية الفلسطينية، مبينًا أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لا يكتفي بدعم القضية من خلال الأفلام، بل يعلن موقفه بكل وضوح أمام العالم، مشيرًا إلى أن المهرجانات الكبرى عالميًا تتخذ مواقف سياسية تدعم قضايا محددة، ما يمنح مهرجان القاهرة الحق في أن يكون صوتًا قويًا يدعم القضية الفلسطينية بكل الوسائل المتاحة.
واختتم حسين فهمي حديثه بتأكيد أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي سيظل جسرًا للتواصل الثقافي بين مصر والعالم، ونافذة تعكس أصالة السينما المصرية وتاريخها العريق، كما عبّر عن تطلعه لمواصلة تعزيز مكانة المهرجان كمنصة تدعم الإبداع السينمائي وتساهم في إيصال رسائل إنسانية وفنية تعبر عن قضايا العصر وأحلام الأجيال القادمة.