أحمد ياسر يكتب: الصراع لا مفر منه في غياب الدولة الفلسطينية
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
من السابق لأوانه التساؤل عما ستستنتجه المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية من التطورات الحالية.. ومن المبكر أيضًا أن نتساءل عما قد تتوصل إليه حماس.
فهل تنظر المؤسسات الإسرائيلية إلى التطورات على أنها انتكاسة رهيبة يجب تجاوزها بجعل حماس وغزة تدفعان ثمنًا يساوي الضرر الذي ألحقاه بصورة الجيش الإسرائيلي وقوته الردعية؟ وهل ستشغل نفسها بمعاقبة من تعتبرهم مسؤولين بينما تستعد للحرب المقبلة؟
ويجب على الجميع أن ينتظر نهاية الحرب، التي قد تخرج عن نطاق السيطرة إذا امتدت وشهدت قدرًا من العنف أكبر مما شهدناه حتى الآن.
وماذا عن الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية حيث الجمر يتربص باحتمال توسع الحرب؟ وماذا عن الحدود اللبنانية السورية؟ وهل ستمتد الحرب فيها رغم الوجود الروسي في سوريا؟ وماذا عن المنطقة بأكملها؟ وماذا عن حلفاء الأطراف المتحاربة، أي الولايات المتحدة وإيران؟
*إن ما يحدث أكبر من مجرد حرب بين إسرائيل وقطاع غزة.. إنه مفترق طرق جديد في صراع طويل ومرير بين الإسرائيليين والفلسطينيين.*وليس من المبالغة القول إن الصور الجديدة غير مسبوقة.. ليس من السهل أن تقوم كتائب القسام بمهاجمة إسرائيل برًا وبحرًا وجوًا... ليس من السهل إرباك الجيش الإسرائيلي بهذه الطريقة... ليس من السهل الوصول إلى هذا العدد الكبير من القتلى والتسبب في هذا العدد الكبير من الإصابات وأسر الكثير من الناس.
ليس من السهل الاستعداد لمثل هذه الحرب وأخذ المخابرات الإسرائيلية على حين غفلة... نحن نتحدث هنا عن غزة التي اعتقد الجيش الإسرائيلي أنه يحاصرها ويراقبها عن كثب.
والواقع أن المشاهد غير مسبوقة... ليس بالأمر السهل أن يتمكن مقاتلو حماس من دخول المستوطنات المحيطة بغزة واحتجاز العديد من السكان كرهائن... كما أنه ليس بالأمر السهل أن تقوم كتائب القسام بإمطار إسرائيل بآلاف الصواريخ.
كانت المعركة في اليوم الأول هي معركة البصريات قبل أي شيء آخر... ولم يكن الجيش الإسرائيلي النظامي قادرًا على الرد الفوري ومعالجة الثغرات التي تم استغلالها... واضطر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه إلى الاعتراف بأن إسرائيل في حالة حرب وأنه كان عليه استدعاء جنود الاحتياط.
إن ذكريات شعوب الشرق الأوسط مليئة بالصراعات الطويلة والمريرة... الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في المقدمة...أحد الفصول العديدة لهذا الدرس الطويل هو أن الصراع لا يمكن حله من خلال الحرب، كما أنه لا يمكن حله من خلال التسوية.
حقق الجيش الإسرائيلي مايسميه نصرا عام 1967، حيث حطم الجيوش العربية واحتل المزيد من الأراضي... لكن الحرب لم تجبر المصريين على الاستسلام، وانتقموا بشدة في عام 1973.
صدمة الحرب لم تقنع إسرائيل باختيار السلام كوسيلة لإنهاء الصراع... لقد وافقت فقط على نقاط كافية تؤدي إلى انسحاب مصر من غزة، لقد خدعت إسرائيل عندما اعتقدت أن رحيل مصر سيضع حدًا للحروب وأن القضية الفلسطينية ستُنسى في نهاية المطاف.
وفي السبعينيات، أصبحت بيروت عاصمة القضية الفلسطينية... وكانت الاشتباكات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بمثابة رسائل ساخنة.
وكان الفلسطينيون يؤكدون على مطالبتهم بحقوقهم... وكانت إسرائيل تحاول حرمانهم من هذه الحقوق...وفي عام 1982، خلصت إسرائيل إلى ضرورة اقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية من آخر موطئ قدم لها على خط المواجهة العربي الإسرائيلي.
غزا الجيش الإسرائيلي لبنان وحاصر بيروت، مما أجبر منظمة التحرير الفلسطينية على الانسحاب من البلاد...واعتقدت إسرائيل في ذلك الوقت أن القضية الفلسطينية ستُهزم في المنفى.
ويرى مراقبون محايدون أن إسرائيل أضاعت فرصًا كبيرة لتوجيه الصراع نحو تسوية توقف دوامة الحروب....وأضاعت فرصة مصافحة ياسر عرفات لإسحق رابين في البيت الأبيض.
لقد كانت مصافحة بين محاربين يتمتع كل منهما بالشرعية الكاملة في بيئته الخاصة.... لقد قللت إسرائيل من أهمية شرعية عرفات السياسية والعسكرية، وشرعيته الفلسطينية والعربية والإسلامية...لقد كان آرييل شارون مخدوعًا حين تصور أن "مقاطعة" عرفات من شأنها أن تدمر حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم.
كما أهدرت إسرائيل الفرصة التي قدمتها مبادرة السلام العربية التي تم الإعلان عنها في قمة الجامعة العربية في بيروت عام 2002.
وكانت المبادرة نتاج جهود مضنية لحل الصراع بطريقة تضمن إقامة دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل... وقد وُعد الأخير بإدراجه في المنطقة في حالة قبوله للاقتراح.
إن شعور إسرائيل بالتفوق والقوة دفعها إلى إضاعة المزيد من الفرص...واعتقدت أن عالم ما بعد 11 سبتمبر والغزو الأمريكي للعراق قدم فرصة ذهبية لفرض الوضع الراهن الذي يتجاهل جوهر الصراع الفلسطيني.
لقد سلبت كل أمل من الفلسطينيين، وأضعف سلوكها موقف المعتدلين، الذين كانوا يعولون على التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض... لقد انزلق المجتمع الإسرائيلي أكثر نحو اليمين...وتضم الحكومة الإسرائيلية الحالية شخصيات تقوم باستفزازات بشكل يومي... والنتيجة هي الوضع الذي نعيشه الآن.
ومن الممكن أن يتطاير جمر الحرب في أكثر من اتجاه... لكن اتساع نطاق الدمار والحرب لن يلغي المشاهد غير العادية التي تكشفت في ذلك اليوم الأول، عندما شهدت إسرائيل ما لم يكن متوقعا.
*ولا يمكن حل هذا الصراع إلا من خلال استخلاص بعض الدروس.*الأول هو الاعتراف بحق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولتهم المستقلة، وأي خيار آخر يعني مجرد انتظار الوقت حتى تحصد حرب أخرى أكثر شراسة المزيد من الأرواح، وخاصة بين المدنيين، وتتسبب في خسائر اقتصادية هائلة.
ويبقى السؤال: ماذا سيستنتج المقاتلون عندما يتوقف القتال؟ ولا يمكنهم الخروج من هذا الصراع المزمن دون إجراء مراجعة عميقة واتخاذ قرارات مؤلمة... إن تشكيل الدولة الفلسطينية هو الخطوة الأولى نحو إرساء الاستقرار في المنطقة... ودون ذلك، سنشهد المزيد من الصراعات مثل تلك التي تتكشف الآن.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر فلسطين اخبار فلسطين غزة واشنطن نتنياهو حماس ايران المقاومة الفلسطينية المسجد الأقصى الجیش الإسرائیلی المزید من وماذا عن ماذا عن
إقرأ أيضاً:
صحيفة عبرية: إسرائيل تستغل الصراع بين إيران وتركيا حول النفوذ في سوريا
شددت صحيفة "معاريف" العبرية على أن دولة الاحتلال تستغل الخلاف المتصاعد بين إيران وتركيا لتعزيز عزلتها الإقليمية، مستفيدة من الصراع بين القوتين الإقليميتين حول النفوذ في سوريا بعد انهيار نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن التوتر بين طهران وأنقرة تصاعد بعد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، التي انتقد فيها سياسة إيران الإقليمية، ما دفع طهران إلى توجيه اتهامات لتركيا بتجاهل النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة.
ولفتت الصحيفة إلى أن التصعيد اللفظي الأخير بين البلدين بدأ عندما صرح فيدان في مقابلة مع قناة "الجزيرة" بأن "إيران دفعت ثمنا باهظا للحفاظ على نفوذها في العراق وسوريا، لكن إنجازاتها كانت محدودة مقارنة بالتكلفة"، مضيفا أن "التغيرات الجيوسياسية تتطلب من طهران إعادة تقييم دورها في المنطقة".
في المقابل، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن تركيا "تتجاهل الأيدي الأمريكية والإسرائيلية الخفية وراء التطورات في المنطقة"، مشيرة إلى أن "إسرائيل استغلت سقوط الأسد لتعزيز سيطرتها على الموارد المائية السورية وضرب البنية التحتية العسكرية في البلاد".
وهاجم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، تصريحات فيدان بشدة، ووصفها بأنها "خطأ كبير"، مضيفا: "إذا كان فيدان يدعو إلى إنهاء السيطرة الإقليمية لأي طرف، فماذا عن إسرائيل؟".
واتهم بقائي تركيا بـ"التواطؤ مع إسرائيل عبر تزويد طائراتها الحربية بالوقود الأذري المستخدم في الهجمات على غزة ولبنان واليمن وسوريا"، معتبرا أن "أنقرة تدين إسرائيل في العلن، لكنها تتعامل معها في الخفاء".
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أكد أن "الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، مثل حماس وحزب الله، لا تزال قوية رغم الضغوط الخارجية".
واتهم خامنئي الولايات المتحدة ودولة الاحتلال بـ"تقدير خاطئ لقوة المقاومة"، مشيرا إلى أن "التطورات في غزة ولبنان وسوريا أثبتت أن نفوذ إيران لم يتراجع كما يظن البعض".
وأوضحت الصحيفة العبرية أن صحيفة "طهران تايمز"، المقربة من النظام الإيراني، نشرت مقالا شديد اللهجة وصف تصريحات فيدان بأنها "مليئة بالسخرية"، واتهمت تركيا بـ"الفشل في سلسلة من التحركات السياسية الإقليمية".
واستشهدت الصحيفة الإيرانية بالعلاقات المتوترة بين تركيا ومصر بعد الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي عام 2013، حيث وصفت أنقرة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بـ"الديكتاتور"، ما أدى إلى طرد السفير التركي من القاهرة، قبل أن تعود تركيا مؤخرا إلى تطبيع العلاقات بثمن سياسي واقتصادي مرتفع.
كما أشارت الصحيفة الإيرانية إلى حادثة إسقاط تركيا لقاذفة روسية عام 2015، والتي دفعت موسكو إلى فرض عقوبات اقتصادية قاسية على أنقرة، ما أجبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تقديم اعتذار رسمي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتعهد بعدم تكرار مثل هذه الحوادث.
كما انتقدت الصحيفة الإيرانية دعم أنقرة للمعارضة المسلحة في سوريا، معتبرة أن "سياسات تركيا أدت إلى أزمة اللاجئين التي خلقت ضغطا اقتصاديا واجتماعيا هائلا داخل البلاد، وساهمت في ارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة".
أكدت الصحيفة العبرية أن "الصراع اللفظي بين إيران وتركيا يعكس التحولات الجيوسياسية العميقة التي يشهدها الشرق الأوسط بعد سقوط نظام الأسد"، مشيرة إلى أن "كلا البلدين يسعى إلى تعزيز مكانته الإقليمية على حساب الآخر".
ورأت الصحيفة العبرية أن "إسرائيل تستفيد من هذا الانقسام لتعزيز نفوذها في سوريا، خاصة مع الاتهامات الإيرانية بتمدد إسرائيل في الأراضي السورية والسيطرة على الموارد المائية الاستراتيجية"، مؤكدة أن دولة الاحتلال "تواصل العمل على ضمان مصالحها في المنطقة مستغلة التوترات بين أنقرة وطهران".
كما أشارت "معاريف" إلى أن "الاتهامات الإيرانية ضد تركيا تكشف عن الفجوة بين الخطاب المعادي لإسرائيل الذي تروج له إيران، وبين المصالح الاقتصادية والاستراتيجية التي تدفع تركيا إلى مواصلة التعامل مع تل أبيب رغم التصريحات العدائية العلنية".
وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن "الصراع الحالي بين طهران وأنقرة قد يمنح إسرائيل فرصة إضافية لتعزيز تحركاتها في سوريا، مع استمرارها في تعميق العزلة الدبلوماسية لإيران على المستوى الإقليمي والدولي".