طوفانُ الأقصى: “إسرائيلُ” المهزومةُ بين واقع الفشل والآمال المعلَّقة على الغرب
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
يمانيون – متابعات
دخلت معركةُ “طوفان الأقصى” يومَها الرابع، بمواجهاتٍ مُستمرّةٍ بين المقاومة الفلسطينية والعدوّ الصهيوني في مستوطنات غلاف غزة، التي لا يزال الاحتلالُ عاجزاً عن السيطرة على الأوضاع فيها؛ بسَببِ عجزِه عن إيقافِ توغُّلِ المجاهدين إليها أَو التصدّي للهجمات الصاروخية المُستمرّة عليها، الأمر الذي يحاولُ تعويضَه برفع مستوى الوحشية في استهداف المدنيين ووسائل الإعلام بقطاع غزة، غير أنَّ تلك الوحشيةَ لا تعوض شيئاً، بل تؤكّـدُ واقعَ الهزيمة التي يعيشُها كيانُ الاحتلال عسكريًّا وأمنيًّا ونفسياً، وهو واقعٌ تؤكّـده كُـلّ التقارير والأخبار القادمة من داخل الكيان والتي تتحدث بوضوح عن لجوء غير مسبوق إلى “التجنيد” مع فوضى ونقصٍ في التجهيزات والإعدادات، وسخط متصاعد من جانب المستوطنين تجاه حكومة الاحتلال التي تواصل الكشف عن وجهها العُنصري وتعوِّلُ على عدوانيةِ وبدائية دوافع حلفائها الغربيين في خوض حرب إبادة ضد الفلسطينيين.
محاولةٌ لتعويض الهزيمة العسكرية والأمنية بالوحشية:
خلال الـ48 ساعة الماضية، أطلق جيشُ العدوّ الصهيوني حملةً وحشيةً ضد قطاع غزة، تحت عناوينَ إجراميةٍ عُنصريةٍ معلَنةٍ، منها إبادة الفلسطينيين؛ باعتبَارهم “حيوانات بشرية” ودفعهم لمغادرة القطاع باتّجاه مصر؛ بهَدفِ “تغيير شكل الوضع لسنوات”، وقد أقدم مِن أجلِ ذلك على قطع كُـلّ وسائل الحياة عن القطاع وشَنِّ غارات عنيفة متواصلة أسفرت عن استشهاد المئات وإصابة الآلاف من الأبرياء.
الحملةُ الوحشية بعناوينها الهمجية وما خلَّفته من دمار ودماء، لم تغيِّرْ ميزان المعركة، لكنها كشفت عن إفلاس كبير وتخبط واسع لدى قيادة الكيان الذي استمرت وسائلُ إعلامه بالتأكيد على أنه لم يستطع بعدُ أن يعرفَ كيف يتعاملُ مع استمرار توغل مقاتلي المقاومة في مستوطنات غلاف غزة، وهو ما أكّـد أن لجوءَه إلى الإجرام كان مدفوعاً بالذعر والشلل الذي خلقته عملية “طوفان الأقصى”؛ باعتبَارها أكبرَ وأخطرَ هجوم تعرض له الكيان منذ قيامه.
وفيما بدا أنَّ كيان الاحتلال يحاول الضغط على المقاومة من خلال استهداف المدنيين لإيقاف عملياتها، أظهرت المقاومةُ ثباتاً كَبيراً وحنكةً في التعامل مع وحشية العدوّ، وعكست الضغطَ بتأكيدات على مواصلة استهداف عمق العدوّ، وإنذارات قوية بخصوص سلامة أسراه، مع تلويحٍ بالمخاطر الإقليمية المترتبة على تصعيد الإجرام والاعتداءات.
فوضى وتخبُّطٌ داخلَ صفوف جيش الاحتلال:
الإرهابُ الذي لجأ إليه العدوُّ بالاستهداف الوحشي للمدنيين ووسائل الإعلام في قطاع غزة، لم يفلحْ في تعويض الهزيمة الواسعة والتخبط الكبير الذي يعيشُه على كُـلّ المستويات، وعلى رأسها المستوى العسكري؛ إذ لجأ جيشُ الاحتلال إلى تجنيد 300 ألف ضمن خطة استدعاء قوات الاحتياط، وقد شمل ذلك استدعاءَ أطباء وسائقين وحُرَّاس أمن، وهو ما كشف بوضوح عجزاً واضحًا عن تغطية الجبهات التي فتحتها المقاومةُ داخل المستوطنات.
مع ذلك، نقلت وسائلُ إعلام العدوّ عن الكثير من المجندين الذين تم استدعاؤهم، أنهم فوجئوا عند وصولهم إلى القواعد العسكرية بعدم وجودِ تجهيزات، حَيثُ قال أحدُ المجندين لصحيفة “معاريف” العبرية: إنَّ “الوضع فظيع جِـدًّا وهناك نقصٌ حادّ في المعدّات القتالية الأَسَاسية ولا توجد لأيِّ أحد دروعٌ وخُوَذٌ وسترات واقية ولا أية وسائلَ نحمي بها أنفسنا في خلال القتال”، وَأَضَـافَ أنَّ جيش الاحتلال أوكل إلى من تم استدعاؤهم مهاماً لم يتدربوا عليها، وسخر من قيام بعض الوحدات “بجمع التبرعات” قائلًا: “نحن لسنا بحاجةٍ إلى المال، نحن بحاجة إلى سترات واقية، وليس من المنطقي أنَّ الجيش ليست لديه ستراتٌ كافية لتوفير الحماية لمقاتليه”.
وإلى جانب ذلك، كشفت وسائلُ إعلام العدوّ أنَّ جيشَ الاحتلال يعاني الأمرَّين خلالَ المواجهات المباشِرَة مع المقاومين الفلسطينيين داخل المستوطنات، حَيثُ أوضحت أنه يخوضُ اشتباكاتٍ “عنيفة ومرهقة” ويتكبد فيها خسائرَ، وعند الوصول إلى مصدر النيران، يكتشف أن كان يواجه مقاتلاً واحداً فقط من مقاتلي المقاومة، الأمر الذي يكشفُ عن استمرارِ الفشلِ الاستخباراتي والمعلوماتي التام، كما يفضح عجزاً مخزياً لجنود الاحتلال في قراءة الميدان ومواكبة أساليب المقاومة.
هذا الفشلُ توضحه أَيْـضاً التأكيداتُ المُستمرّةُ للمقاومة بخصوصِ تبديل المجاهدين على جبهات المقاومة وإرسال الدعم لهم عبر مسارات إمدَاد لم يستطع العدوُّ حتى أن يحدّدَها أَو يتعاملَ معها، كما تؤكّـدُه الخسائرُ التي يتم إعلانها باستمرار في صفوف جيش الاحتلال، والتي بلغت حتى الآن أكثر من 124 قتيلاً بين جندي وضابط.
المستوطنون بين الرعب والسخط:
ولا تقتصرُ مشاكلُ العدوّ داخل مستوطنات غلاف غزة على العجز العسكري عن المواجهة؛ إذ تحدثت وسائل إعلام صهيونية عن عمليةِ إخلاء عددٍ من المستوطنات بشكل كامل، وهو تطور كبير يرسل رسالة واضحة للمستوطنين بأن جيش الاحتلال غير قادر على حمايتهم وأن سبيلهم الوحيد إلى النجاة سيكون دائماً المغادرة، وهي رسالة يبدو أنها قد وصلت مبكراً، حَيثُ يزدحم مطار بن غوريون بشكل مُستمرّ بالمستوطنين الذين يحاولون المغادرة.
والحقيقة أنَّ علاقة المستوطنين بحكومة الاحتلال وجيشه قد تزعزعت بصورة كبيرة منذ اليوم الأول، فإلى جانب فشله في حمايتهم من هجمات المقاومة وتوغلاتها، يواجه كيان العدوّ سخطاً كَبيراً فيما يتعلق بعجزه عن التعامل مع ملف المفقودين والأسرى، حَيثُ يرى المستوطنون أنَّ حكومة الاحتلال لا تعير أقاربهم الأسرى والمفقودين أي اهتمام، وهو استنتاج مبني على تصريحات رسمية أظهرت لا مبالاة واضحة بمصيرهم فيما يتعلق بالقصف على غزة.
استنجاد بالغرب وتعويل على الأحقاد الهمجية المشتركة:
عجزُ جيشِ الاحتلال عن التعامل مع الوضع داخل مستوطنات غلاف غزة، بعد مرور أربعة أَيَّـام على بدء المواجهة، يعتبر فضيحة كبرى، تؤكّـدُهُ بوضوح تصريحات قادة الكيان التي تستنجد بشكل مخزٍ على المساندة العسكرية الأمريكية، وتعول على الدوافع الهمجية المشتركة بين الكيان وحلفاءه الغربيين مثل العنصرية ضد العرب.
وفي هذا السياق، واصلت العديد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، التعبير عن اصطفافها العدائي الواضحِ مع الكِيانِ الصهيوني ضد الفلسطينيين، واعتبار جرائمه بحقهم “دفاعاً عن النفس”، وهو ما يأتي بالتوازي مع تضليل واسع تقوده وسائل الإعلام الغربية في السياق نفسه، حَيثُ يتم تجاهل المجازر المروعة التي تُرتكب بحق الأبرياء في قطاع غزة، في مقابل حشد عناوينَ “إنسانية” للتعاطف مع المستوطنين، وإبراز عمليات المقاومة كممارسات “إرهابية”.
ومع ذلك، فَــإنَّ تعويلَ الكيان الصهيوني على دول الغرب يبدو أكبر من حجم المساعدة الفعلية التي يمكن أن تقدمه له، فالولايات المتحدة -وبرغم إعلانها عن إرسال دعم عسكري ضخم- تبدو قلقةً بوضوح من توسُّع رَقعة المعركة ودخول أطراف إضافية من محور المقاومة فيها، خُصُوصاً أنَّ هذا الأخير قد حذَّر بوضوح من أنَّ التدخل الأمريكي المباشر وتصعيد الجرائم ضد الفلسطينيين قد يقودُ إلى انفجارٍ واسع، وهو ما صرّح البيتُ الأبيض بأنه لا يريدُ حدوثَه.
وبالتالي، لا يبدو أن الدعمَ الغربي سيصلُ إلى مستوى تحقيق الأهداف عالية السقف التي أعلنها الكيان الصهيوني، كالقضاءِ على المقاومة ومسح قطاع غزة، وما إلى ذلك من شطحات، بل يبدو أنَّ جزءاً كبيراً من هذا الدعم “معنوي” حتى الآن.
وعلى أية حال، فقد أعلنت المقاومةُ الفلسطينية بوضوح أنها مستعدةٌ لمعركة طويلة وواسعة، وقد بعث حزب الله برسالة عملية على الاستعداد لأية متغيرات من خلال الرد السريع على استشهاد ثلاثة من مجاهديه بقصفٍ صهيوني على الحدود اللبنانية الفلسطينية مساء الاثنين.
وبالإجمال، فَــإنَّ طموحاتِ وآمالَ الكيان الصهيوني لا تبدو واقعيةً، بل متضخِّمَةٌ؛ بفعل الذعر والشعور غير المسبوق بالهزيمة والتهديد، ولا تزال الحقيقةُ الثابتةُ على الأرض حتى الآن هي عجزه وفشله عن السيطرة على الأوضاع أَو التعامل معها، واستمراره بتكبد خسائرَ غيرِ مسبوقة.
المسيرة
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: مستوطنات غلاف غزة جیش الاحتلال التعامل مع قطاع غزة وهو ما م ستمر
إقرأ أيضاً:
رعب الجبهة اليمنية يتواصل .. “الكيان” ينهار بين مخرجات “الهدنة” والتزاماتها وفاتورة تفجيرها
يمانيون../
تأكيداً على استمرارية الرعب الصهيوني من الجبهة اليمنية وتداعياتها التي ما تزال حتى اللحظة تنخر في الكيان الإسرائيلي، أكدت صحيفة عبرية أن عودة الحرب والحصار على قطاع غزة ستعود بضربات اقتصادية قاصمة على العدو، في إشارة إلى المخاوف الكبيرة من عودة العمليات اليمنية التي تأخذ مسارات عدة لضرب الاقتصاد الإسرائيلي بحراً وجواً وبراً في العمق المحتل، خصوصاً وأن وسائل إعلام العدو ما تزال حتى اللحظة تغطي تهديدات القائد ومآلاتها ومخاطر تجاهلها.
ونشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، تقريراً حديثاً، حذرت فيه من مغبة العودة إلى التصعيد في غزة ونكث الاتفاق، مؤكدةً أن ذلك سيؤدي إلى مزيدٍ من الانهيارات الاقتصادية، وتراجع العدو إلى تصنيفات متأخرة على السلم الاقتصادي والائتماني الدولي والعالمي، بالإضافة إلى انهيارات جديدة للاقتصاد في “يافا – تل أبيب” مع أول بدايات التصعيد، ما يؤكد أن تهديدات اليمن بضرب عمق العدو فور معاودة عدوانه على غزة، قد صارت تشكل رادعاً قوياً ورعباً مدوياً للعدو.
ونقلت “يديعوت أحرونوت” تصريحات لمن أسمته “مصدر رفيع المستوى في القطاع الاقتصادي”، قال فيها إنه تحدث مع مسؤولي شركات تصنيف الائتمان الكبرى المعنية بالتصنيف الدولي للقوى الاقتصادية الدولية، وأبلغوه أن “عودة الحرب ستؤدي بلا شك إلى زيادة القلق بشأن خفض التصنيف مجددً، في ظل التوقعات الحالية السلبية بالفعل، ويتعين على إسرائيل التفكير في تبعات ذلك على الاقتصاد والموازنة إذا ما عادت الحرب الآن”.
وأضاف “لم أسمع أنا فقط عن هذا القلق، بل أيضًا كبار المسؤولين في الحكومة وفي القطاع الاقتصادي سمعوا في الأسابيع الأخيرة عن المخاوف المتعلقة بتداعيات تجدد الحرب على تصنيف الائتمان، إذا ما انتهت الهدنة ولم يتم اتخاذ قرار بتمديدها”، في إشارةٍ اليقين التام الذي ينتاب قادة القطاع الاقتصادي الصهيوني بقدرة جبهات المقاومة إلى خلق نتائج كارثية أكثر وطأة على اقتصاد العدو، عكس ما كان في السابق عندما كان يتم التحريض على استمرار الحرب والحصار على غزة وتجاهل تداعياتها؛ ظناً من العدو وأجنحته الداخلية أنهم قادرون على تجاوز التهديدات والتبعات، قبل أن يجدوا نفسهم في مأزق اقتصادي غير مسبوق في تاريخ الكيان الغاصب.
اليمن كـ”تهديد” رئيس وردع يحاصر الإجرام
وتابعت يديعوت أحرونوت نقل تصريحات مصدرها التي قال فيها إن “الجهات الدولية الكبيرة، بما في ذلك شركات تصنيف الائتمان، حذرت بشكل صريح من أن تجدد القتال في غزة سيعيد الصواريخ إلى سماء إسرائيل، سواء من غزة أو اليمن أو ربما من لبنان والعراق وحتى إيران”.
وبالنظر لهذا التصريح فإن المخاوف الكبيرة المذكورة هنا هي من الجبهة اليمنية، حيث وأن جبهة الشمال متوقفة باستمرار اتفاق وقف اطلاق النار بين لبنان وكيان العدو، فيما الجبهة العراقية كانت قد أعلنت خفض التصعيد بجانب الجبهة الإيرانية، ولم يتبق سوى الجبهة اليمنية التي ظلت تضرب حتى فجر الـ19 من يناير الفائت، أي قبل دخول الاتفاق في غزة حيز التنفيذ بساعات قليلة، فضلاً عن تجدد التهديدات اليمنية على لسان السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في خطابه الأخير، والتي أكد فيها أن اليمن سيعود لضرب العدو بشكل مركّز في “يافا” إذا ما أقدم العدو على شن عدوان جديد على غزة، أي أن المخاوف الصهيونية ومخاوف المراقبين من تداعيات عودة الحرب، سببه الرئيس مخاطر الجبهة اليمنية، وما قد تحمله معها من صفعات أكثر إيلاماً على العدو الصهيوني.
وتضيف يديعوت أحرونوت نقلاً عن مصادرها “سيغادر رجال الأعمال وشركات الطيران المنطقة بسرعة، وسيتذكر العالم أننا منطقة حرب، مما يجعل الاستثمار فيها أمرًا محفوفًا بالمخاطر، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تبعات”، وهنا تأكيد جديد على أن المخاوف تتركز بشكل كبير على تداعيات الجبهة اليمينة التي أكدت أنها ستعود بسرعة كبيرة لضرب العدو فور نكث الاتفاق، خصوصا “يافا – تل ابيب”، ولذلك تأتي التحذيرات من أن الإفرازات الكارثية لعودة التصعيد ستبدأ من “يافا” وليس من غلاف غزة أو مغتصبات الشمال، ما يؤكد أن الجبهة اليمنية باتت الهاجس الأكبر والتهديد الأعظم الذي يحيط بالكيان الصهيوني ويحاصر إجرامه.
وتشير هذه التصريحات التي قالها مسؤولو شركات التصنيف الائتماني، إلى وجود قناعة تامة بأن عودة الحرب على غزة يعني تعرض العدو الصهيوني لضربات اقتصادية، غير تلك الناتجة عن الانفاق العسكري الهائل أو العجز المتواصل في الموازنة، حيث يمثل الحصار البحري اليمني والضربات الصاروخية والفرط الصوتية في العمق المحتل طعنات كبيرة لمفاصل العدو الصهيوني الحيوية والاقتصادية.
وقد أثبتت إفرازات المرحلة الراهنة، أن الحصار البحري أدى لتعطل قطاعي الصادرات والواردات بشكل كبير وارتفاع أسعار الشحن البحري إلى كيان العدو، فضلا عن الأزمات التموينية جراء عزوف شركات الشحن عن التعامل مع العدو، وهو ما انعكس سلباً في ارتفاع الأسعار وتعطل إنتاج الشركات العاملة التي تعتمد على مدخلات الإنتاج الخام القادمة من شرق آسيا، وكذلك تضرر قطاع الإنتاج التكنولوجي بشكل كبير، حيث أصبح يعاني شبح التقهقر المتسلسل بعد أن كان يمثل عصب اقتصاد العدو ومصدر ربع عائداته الضخمة.
كما أن العمليات في يافا وحيفا ومختلف المناطق العسكرية الحيوية التي تطالها الصواريخ البالستية والفرط صوتية اليمنية، تقود إلى عزوف جماعي للاستثمار وأصحاب رؤوس الأموال، وكذلك تسفر عن ترنح حركة النقل الجوي، ما يخلق حصاراً مزدوجاً على العدو، خصوصاً وأن الشركات العاملة في التكنولوجيا الفائقة التي كانت تعتمد على النقل البحري لمدخلاتها من الرقائق وغيرها، لجأت للنقل الجوي كحل مبدئي، ما جعل من أزمة النقل الجوي التي رافقت استهداف مطار بن غوريون وتكثيف العمليات على يافا، سداً منيعاً أمام عمل تلك الشركات التي يعتمد عليها العدو الصهيوني بشكل رئيس في رفد اقتصاده.
وفي هذا السياق أيضا، ما تزال أصداء تهديدات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، تتردد في الإعلام الصهيوني، حيث نشرت القناة الـ12 الإسرائيلية الثلاثاء، ما ورد في خطاب القائد الأخير بشأن الاستعداد الكبير لضرب العدو بشكل فوري ولحظي إذا ما عاد لمربع التصعيد، فيما نشر موقع “ماكو” ومجلة “إيبوك” الاسرائيليين تقريرين، اليوم، سلطا الضوء على مآلات تهديدات القائد إذا ما تم اختراق الاتفاق في غزة، وهو الأمر الذي يؤكد أن الردع اليمني بات جامحاً للغطرسة الصهيونية وهاجساً لدى دعاة الحرب.
بين مجريات “التهدئة” وتداعيات إشعالها.. العدو منهار ومحتار
وبالعودة إلى تقرير “يديعوت أحرونوت” فإن هناك قلق كبير من عودة الحرب على غزة، كون ذلك سيؤدي حتماً إلى نتائج سلبية وكارثية على الاقتصاد “الإسرائيلي”.
وقالت الصحيفة في التقرير إن “عودة الحرب في قطاع غزة، تفتح الباب أمام تخفيض آخر لتصنيف الائتمان لإسرائيل، هذا ما خلص إليه كبار المسؤولين في القطاع الاقتصادي الذين تحدثوا في الأيام الأخيرة مع خبراء اقتصاديين في شركات تصنيف الائتمان الدولية”.
ولفتت إلى أن “وقف الحرب قد يساهم في إلغاء التوقعات السلبية بشأن تصنيف إسرائيل، وبالتالي قد يؤدي إلى رفع التصنيف الائتماني في المستقبل، لا سيما مع تحسن المؤشرات الاقتصادية في إسرائيل، مثل العجز في الموازنة ونسبة الدين إلى الناتج المحلي”، في حين أن هذا التحسن الذي تحدثت عنه الصحيفة كان طفيفاً للغاية وناتجاً عن توقف العمليات العسكرية سواء التي تنطلق من الجبهة اليمنية أو التي تنطلق من العمق الفلسطيني في غزة أو الضفة، وقبلها الجبهة اللبنانية التي أنهكت الكيان الغاصب.
يشار إلى أن العدو الصهيوني وقطاعاته الاقتصادية تخشى تصنيفاً ائتمانياً سلبياً جديداً، ذلك لما لهذه التصنيفات من تأثيرات كبيرة تقود لاعتبار الكيان الصهيوني وجهة خاسرة لأي استثمار أو تنمية، خصوصاً وأن المراحل السابقة شهدت قيام كبريات شركات التصنيف الائتماني المعروفة دولياًُ “موديز، ستاندر أند بورز، فيتش”، بوضع تصنيفات العدو الصهيوني في خانات سلبية، وذلك في ثلاث مرات، في حين ما تزال هذه الشركات تعلن – بشكل غير رسمي – أنه ما يزال لديها توقعات سلبية بسبب تدهور المؤشرات الاقتصادية لدى العدو الصهيوني، على الرغم من توقف الجبهات.
وفي هذا السياق ذاته نشرت وسائل إعلام صهيونية أخباراً أكدت أن شركات التصنيف الائتماني قد تتجه إلى إعلان تصنيف ائتماني سلبي جديد، على وقع التدهور الاقتصادي الحاصل في ظل وقف اطلاق النار من جميع الجبهات. أي أن عودة التصعيد من جديد فعلاً ستعود بنتائج كارثية وغير مسبوقة على العدو، خصوصاً وأنه قد بات منهكاً للغاية وغير قادر على احتمال مزيداً من الضربات.
ولفتت إلى أن شركات التصنيف بعثت رسائل طمأنة للمستثمرين بأنه حال الحصول على وقف دائم لإطلاق النار في غزة فإن ذلك سيعود بنتائج اقتصادية إيجابية تدريجياً، في حين أن أي عودة للتصعيد ستحيل العدو إلى بيئة غير صالحة للاستثمار، وهو ما سيفقده المزيد من المراتب الاقتصادية رغم أن تصنيفه الأخير كان متدنياً وجعله متساوياً مع دول ضعيفة كـ “كازاخستان وبيرو”، بعد أن كانت التصنيفات السابقة قبل “الطوفان” تجعله في مصاف القوى الاقتصادية الكبرى فئة “A”.
ووفق هذه المعطيات، بات العدو الصهيوني حائراً وقد دخل في تآكل ذاتي دون القدرة على تجاوز هذه الحالة، فهو ينهار اقتصاديا وسياسيا بشكل متدرج في ظل الهدنة وتوقف عمليات جبهات المقاومة والإسناد، في حين أن تفجير المعركة ليس حلاً مع الترصد والاستعداد المناهض الذي تعد له الجبهتين الفلسطينية واليمنية، والذي يتضمن عمليات مميتة بعد أن أصبح كيان العدو خاوياً ومريضاَ للغاية، وبين هذين الحالين يظل العدو الصهيوني ومفاصله الاقتصادية والحيوية وحتى مفاصله السياسية الداخلية، في تقهقر مستمر، ليكون الخيار الوحيد والأمثل هو شروع العدو في مغادرة غزة بشكل نهائي ودائم، وتفادي ما يقود لأي انفجار في “الضفة” أو “الشمال”، وكل ذلك يتحقق بكامل شروط المقاومة العادلة والمشروعة والمحقّة.
نوح جلّاس. المسيرة