في بعض الأحيان تجد نفسك في زاوية بعيدة عن الجميع حتى وأنت بينهم، تنظر لمن حولك ،فتجد البعض منهم يكبر ويكبر حتى يصبح أضخم منك بكثير، وآخر يصبح متناهٍ في الصغر، تنظر إلى يديك فلا تراهما، وترفع رأسك للسماء ، فترى الفضاء كاملاً حتى لو كنت داخل حجرة سقفها منخفض، ترغب في الضحك وأنت تشعر بالحزن، وتدمع عيناك وأنت سعيد، تتغير الملامح والتعابير وحتى مفهومك لنفسك، فلا تعلم :هل أنت سعيد أم شقي؟ هل أنت ناجح أم فاشل؟ هل لا زلت تعتقد أن السحاب وسائد من القطن الأبيض يمكن الاستلقاء عليها، أم أدركت أنها مجموعة من الغازات تتحول فيزيائياً لماء؟ هل إيمانك بأن “ساحرة سندريلا” هي شخص طيب مستمر، أم أنك تدرك أن السحر حتى لو كانت أهدافه نبيلة فهو أمر سيء؟ هل لازلت تحب “جيري” مع كرهك للفئران فقط لأنه ذكي ولديه حنكة؟ هل ستطالب بإطلاق سراح “روبن هوود” على الرغم من سلبه للأموال وسرقتها بحجة أنه يعطيها للفقراء والمحتاجين؟
ستحاول جاهداً أن تجد تفسيراً لكل تلك التصورات التي تنظر بها للآخرين ، وكيف أصبحتَ داخل دوامة كبيرة لا تعرف كيف ستتمكن من الخروج منها !
دوامة الحقيقة والواقع ، وهي دوامة ليس لها قاعدة محدّدة فلكل واحد منّا تصوراته التي يرى من خلالها الأمور قد يحملها على محمل الجدّ أو يتعامل معها على أنها أضغاث أحلام.
هل تصدق أنني اشتقت كثيراً لتلك الأيام التي كان فيها المقياس الوحيد لكل ما هو حولي، هو مقدار قبولي ومحبتي له، تماماً كما فعلت ( بو ) في الفيلم الكرتوني ( شركة المرعبين المحدودة) عندما سرَها منظر ( شلبي ) ولونه الجميل واستحوذ على محبتها، لم تلتفت لحجمه المهيب ،ولا كونه أفضل المرعبين كفاءة في تخويف الصغار، فهي لم تر سوى الجانب الذي يهمها منه ، وهو قلبه الحنون الذي لم يدفعه للتبليغ عن
وجودها والتخلص منها ،ليتني أستطيع أن أحيا بمنطقها فلا يشغلني القصد من وراء الفعل سواء كان هذا الإستنتاج خاطئاً أو له مبررات عقلانية أخرى تتنافى مع شعوري نحوه.
في النهاية ، “روبن هود” تم القبض عليه لفعلته ، ولم يُنظر للسعادة التي حقّقها لعدد كبير من الفقراء، ولو فكرت أن أسترخي على إحدى السحابات ، قد أقع وقد ألقى حتفي، إلا أنني لن أنسى ابتسامة “روبن هود”، ولا منظر السحاب ،وسيبقى عالقاً في ذهني عندما أشعر برغبة في الخروج من دائرة الواقع ،والعيش في فقاعة خيال تسير بي عالياً لبرهة من الوقت، استرجع من خلالها ،ما فقدته من براءة الطفولة ونقاء النفس.
قد لا أرغب بالرجوع حينها، يجب عليك أن تقنعني بالعودة بأسباب تجعل من رجوعي أمراً مقبولاً، وإلّا احصل لك على فقاعة أخرى والحق بي، فهناك جمالٌ لن تراه وأنت في مكانك.
eman_bajunaid @
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
المدينة التي تبكي بأكملها.! (1)
صادق سريع
“من يُقنع الريح أنَّ بيوتنا تدُمرت لا تستطيع صد هديرها !؟ من يقنع المطر أن خيامنا تبللت وذابت بقطراته كما ذابت أحلامنا !؟ فلا دفئ يرجئ ولا أمان يوجد ، ولا بطون تشبع”.. هكذا يردد أهل غزة.
سُئل نازح في مخيمات النزوح بغزة: “ما شعورك تجاه من يعدْبوك، ويشردوك ويجوعوك!؟”.. أجاب بصوت جَهيرُ مُزج بجهشة البكاء، بعدما اتسعت حدقات عينيه وانهارت بالدموع: “حسابهم على الله”.
وبينما يحتمي العالم بدفء البيوت، يعيش مئات الآلاف في غزة برحمة برد الخيام المهترئة، ووحشة الدمار، وانعدام الطعام والماء والدواء، وتحت أزيز الطائرات، وأصوات الانفجارات، ونيران حمم الصواريخ، وشظايا القذائف، وصرخات الجرحى، ونُواح العزاء.
وتحت رحى طاحونة حرب الإبادة، وقانون فرض الحصار، وسياسة التجويع والتشريد والتهجير، وقهر الاغتصاب، وسجون الاعتقال وبلا حساب، والسحل والتعذيب والقتل، وسفك الدماء وحملات التطهير العِرقي على الطريقة الفاشية والخبرة النازية والنكهة الهولوكوستية.
وبعد اليوم الـ435، يحل ضيف برد الشتاء الثقيل في عامه الثاني، بينما حال أجساد أهل القطاع باردة ,قلوبهم خائفة وعيونهم باكية، وأمعائهم خاوية، ولا يزال مليارا مسلم لم يشعروا ببرد الشتاء وشدته، وألم جوع البطون في مخيمات النزوح؛ وهكذا الحال يستمر طوال العام بين برد الشتاء ولهيب الحرب.
في ليلة باردة، أرسلت من مخيمات النزوح بغزة رسائل للعرب؛ هذه واحدة منها، عنونت بـ “إلى لمن يهمه الأمر”: ” يعيش أطفالنا تحت أعمدة الخيام المهترئة، وألم الجوع وشدة البرد، وينامون جوعى في انتظار رغيف الخبز مرهقون من التعب وقهر العرب”.
في تلك الليلة الباردة، وصلت رسالة أخرى من سكان الخيمة المجاورة، مفادها: “كانت ليلة البارحة أبرد ليلة مرت علينا، تجمَّد أطفالنا من شدة البرد تحت لحاف الخيام المبللة، وبلا جدران تحميها من عواصف الريح، ولا ملابس تدفِئ أجساد الأطفال العارية، ولا طعام يشبع بطونهم الخاوية؛ ولا، ولا، ولا..!”، انتهت الرسالة بتنهيدة..
الخبر السار، الذي ينتظر النازحين وكل أهل غزة، هو إعلان وقف إطلاق النار، لكن متى يُعلن!؟ ومتى يدخل حيز التنفيذ!؟ اللهم أجعله بُشرى عاجلة.. اللهم آمين يا رب العالمين.
للتذكير، بلغت فاتورة الموت في غزة، اليوم الأحد 15 ديسمبر 2024، 45 ألف شهيد و106 ألف و625 جريح وأكثر من 15 ألف مفقود، منذ بدء العدوان الصهيو – أمريكي على غزة في أكتوبر 2023، لليوم الـ435.
اللهم هوِّن برد الخيام على المستضعفين في غزة وأبسط دفء رحمتك عليهم يا رحمن يا رحيم..