هيرست: هكذا قلبت غزة الطاولة على سجانيها.. وهؤلاء يتحملون المسؤولية
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
#سواليف
قال رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، #دافيد_هيرست، إن المسؤولية عما سفك من دماء هذا الأسبوع يتحملها كل أولئك الذين توقفوا منذ زمن طويل عن اعتبار #الفلسطينيين بشراً.
وفي مقاله المنشور على الموقع، قال هيرست إن من يتحمل مسؤولية ما يحصل الآن في #غزة، أولئك الذين توهموا بأن الأجيال المتعاقبة من القادة الإسرائيليين سوف يتمكنون من فعل ما يريدون ويتمكنون من الإفلات من أي محاسبة مهما اقترفوا من أفعال.
وقال إن المسؤولية تقع على عاتق جميع من توقفوا عن التفكير بالشعب الفلسطيني، بما في ذلك معظم الحكام الطغاة في العالم العربي. سوف يُلقن كل واحد منهم درساً أليماً خلال الأسابيع والشهور القادمة.
مقالات ذات صلة سوليفان: حركنا حاملة الطائرات لوقف التصعيد وليس المواجهة 2023/10/10وتاليا المقال كاملا :
حصل تعاكس دراماتيكي في الأدوار خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، بالنسبة لدولة تعودت على فرض هيمنتها على سبعة ملايين فلسطيني.
فخلال ذلك الوقت احتل #المسلحون الفلسطينيون #المستوطنات بدلاً من قيام المستوطنين المسلحين بنشر الرعب في أوساط القرويين الفلسطينيين.
واختبأ سكان سديروت في أقبية منازلهم وهم يتساءلون متى سيأتي جيشهم ليحميهم، بدلاً من سكان حوارة أو نابلس أو جنين، الذين يعانون كل ليلة من #اعتداءات #المستوطنين ومداهمات الجيش الإسرائيلي.
أسر المسلحون الفلسطينيون عشرات الجنود والمدنيين الإسرائيليين، الذين يقبعون الآن داخل أقبية في مختلف أرجاء قطاع غزة.
لا ينبغي لأحد أن يتبجح بشأن ذلك. لقد تعرض مدنيون أبرياء للقتل، وأصيبت أمهات حوامل بالذعر، ومات أطفال. نال الهجوم من كل من صدف تواجده في طريقه، بغض النظر عن السياسة أو الجنس أو العمر.
أنا أعرف امرأة من المعارضين بشدة للتيار القومي الديني المتعالي، وهي في نفس الوقت من المناصرين بحماس لحقوق الإنسان الفلسطيني، ولقد تم سحبها إلى أحد الأقبية داخل غزة.
ولكن المشاهد التي فقد العالم صوته إزاءها ليست تلك المشاهد، وإنما مشاهد الجنود الإسرائيليين وهم يزجون بالفلسطينيين في السجون، حيث يطويهم النسيان مدداً طويلة من الاعتقال الإداري.
بحسب التقارير الأخيرة، قد يصل عدد الأسرى المحتجزين في غزة الآن إلى مائة. لقد تكبد الجيش والشرطة الأفضل عدة وعتاداً في الشرق الأوسط خسارة غير مسبوقة – حيث وصل عدد القتلى في آخر تحديث، بما في ذلك المدنيون، إلى 600 قتيل وما يزيد عن 1500 جريح – حيث أصيبوا في حرب شوارع دارت رحاها داخل القرى والبلدات المحيطة بقطاع غزة.
إخفاق استخباراتي هائل
هذه هي المرة الأولى التي تُرى فيها مثل هذه المشاهد منذ حرب 1948، وهي الحرب التي تمخضت عن النكبة الأولى وعن قيام دولة إسرائيل. وهذه المشاهد أسوأ بكثير، بالنسبة للإسرائيليين، من تلك التي رأوها في حرب عام 1973 بين العرب وإسرائيل، والتي اندلعت قبل خمسين عاماً بالضبط.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال المحلل الإسرائيلي المخضرم ميرون رابوبورت: “في عام 1973 قاتلنا جيشاً مدرباً، أما هنا فنحن نتكلم عن أناس ليس بأيديهم سوى بنادق الكلاشنكوف. إنه أمر لا يتصور. إنه فشل استخباراتي ما من شك في أن إسرائيل سوف تحتاج إلى وقت طويل لتتعافى منه، من حيث ثقتها بذاتها.”
اختراق السياج الأشد منعة والأمتن رقابة على امتداد أي من حدود إسرائيل، واقتحام بهذا الحجم تم خلاله الاستيلاء على مقر القيادة الرئيسية للفصيل العسكري الذي يتحكم بقطاع غزة، يمثل ذلك أسوأ إخفاق تتكبده أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في تاريخها.
لقد حققت حماس عنصر المباغتة التامة. حيث صُدمت تماماً وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الشهيرة التي تعرف بالرقم 8200 –وهي وحدة بإمكانها أن تتنصت على كل مكالمة هاتفية تجري داخل غزة، وكذلك هو حال الشين بيت، جهاز الأمن الداخلي.
يتساءل الإسرائيليون كيف أخطأ جيشهم بهذا الشكل، حيث قام حسبما قيل بنشر ثلاثة وثلاثين كتيبة في أرجاء الضفة الغربية لحماية المستوطنين، بينما ترك الحدود الجنوبية عرضة للهجوم.
كل هذا أطلق موجة صادمة بحجم التسونامي، ما لبثت أن اجتاحت الشعب بأسره الذي تعود أفراده على أن يكونوا هم سادة الأرض. تارة أخرى، هؤلاء هم الذين من المفترض أن يأتوا بالمباغتة وليس من يقبعون تحت هيمنتهم.
العودة بقوة أكبر
فقط قبل أسبوعين اثنين، وقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ملوحاً بخريطة مسحت منها الأراضي الفلسطينية مسحاً تاماً.
حينذاك، قال نتنياهو: “أظن أننا عند نقطة تحول تفضي إلى إنجاز أكبر –ألا وهو السلام التاريخي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وهذا السلام سوف يكون له دور مهم في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.”
لم يخالفه في ذلك المسؤولون الأمريكيون، بل بلغ الأمر بأحد كبار المسؤولين في الإدارة بأن طمأن الناس بأن المنطقة تشهد حالة من الاستقرار لربما لم تشهدها منذ سنين طويلة.
كما لو كانوا أعضاء في جوقة غنائية واحدة، راح المسؤولون في واشنطن وتل أبيب والرياض يتحدثون عن إمكانية توقيع المملكة العربية السعودية لصفقة تطبيع مع إسرائيل، وكأنما ذلك هو السبيل نحو تحقيق السلام.
جميعهم كان لديهم ثقة بإمكانية استبعاد الفلسطينيين تماماً من المعادلة، كما لو أنهم ضمنوا أن كل الناس في فلسطين سوف يلقون بعلمهم وهويتهم السياسية في القمامة وسوف يرضون بممارسة دور العمالة الأجنبية كما لو كانوا يقيمون على أرض تعود لغيرهم.
تم الآن توجيه رسالة في غاية الوضوح، ومفادها أن الفلسطينيين موجودون –وأنهم أبعد ما يكونون عن الخضوع للقهر.
في كل مرة كانوا يتعرضون فيها للسحق كقوة عسكرية – في 1948 وفي 1967 وفي 1973، وفي كل عملية جرت منذ ذلك الوقت – كان جيل جديد من المقاتلين يعودون بقوة أكبر. لن تجد نسخة سابقة من حماس أو حزب الله أقوى من ذلك الذي تجد إسرائيل نفسها في مواجهته اليوم.
أطلقت حماس على هجومها على جنوب إسرائيل اسم “طوفان الأقصى”، وذلك لسبب وجيه جداً، فالهجوم لم يأت من فراغ.
الوضع القائم في الأقصى
بالضبط قبل 33 عاماً، في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1990، حاولت مجموعة من المستوطنين بالاشتراك مع جماعة يمينية متطرفة تدعى Temple Mount Faithful والتي طالبت بالقيام بشعيرة التضحية على جبل الهيكل – وهو عمل يحرمه كبير حاخامات إسرائيل – وضع حجر الأساس للهيكل الثالث داخل المسجد الأقصى.
هب الفلسطينيون الذين يقطنون المدينة القديمة يقاومون ففتح عليهم الجيش الإسرائيلي نيران مدافعه، وخلال دقائق كان أكثر من عشرين فلسطينياً قد قتلوا بينما جرح أو اعتقل المئات.
منذ ذلك الوقت، حُذر القادة الإسرائيليون باستمرار بأن عليهم الحفاظ على الوضع القائم في المسجد كما هو، ولكنهم في كل عام يتجاهلون هذه التحذيرات ويفاقمون من الوضع.
وما يحدث اليوم هو أن المسجد الأقصى يتعرض للاجتياح المرة تلو الأخرى للسماح للمصلين اليهود بالدخول إلى الموقع الإسلامي حيث يُحظر على غير المسلمين أداء الشعائر بموجب اتفاقيات دولية سارية منذ عقود.
كانت تلك الاجتياحات العنيفة من فعل من كانوا ذات يوم يعتبرون جماعات هامشية متطرفة بين اليهود. لم يعد الأمر كذلك. فقد صارت هذه الاجتياحات يقودها إيتامار بن غفير، الذي يمارس اليوم نشاطاته تحت مسمى وزير الأمن الوطني الإسرائيلي.
ويوماً بعد يوم تُرسم سياسة جديدة بدعم من أعضاء البرلمان من حزب الليكود مثل آميت هاليفي بقصد تقسيم المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين كما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل، الذي قسم في تسعينيات القرن الماضي.
لم يسلم حتى النصارى من السياسات الفاشية لبن غفير، الوزير الذي يملك صلاحيات تعيين رئيس الشرطة الإسرائيلية. عندما ألقت الشرطة القبض على خمسة من اليهود الأرثوذكس لقيامهم حسبما زُعم بالبصق على المصلين النصارى في المدينة القديمة في القدس، رد الوزير على ذلك قائلاً: “ما زلت أرى بأن البصق على المسيحيين ليس جريمة. أظن أننا بحاجة لأن نعالج الأمر من خلال التوجيه والتعليم. ليس كل فعل يبرر التوقيف.”
الصمت الدولي
ويستمر التصعيد، سواء في الأقصى أو في عدد الوفيات اليومي بين الفلسطينيين، ومعظمهم من الشباب. ولقد لاحظت منظمة هيومان رايتس ووتش أن هذا العام، حتى شهر أغسطس (آب)، كان يتجه نحو كونه العام الذي شهد أكبر عدد من وفيات الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة منذ خمسة عشر عاماً. في شهر أغسطس (آب) وحده قتل ما لا يقل عن 34 طفلاً.
وكل هذا يواجه من قبل المجتمع الدولي بالصمت، وهو الذي لا يشغله سوى الخط التجاري بين حيفا والبحر الأحمر.
إذا كان هناك من يتحمل المسؤولية عن سفك الدماء وعن المجازر في صفوف المدنيين التي وقعت نهاية هذا الأسبوع، والتي لا مفر – كما أن الليل يتبع النهار – من أن تحدث في غزة حين ينفذ الجيش الإسرائيلي هجومه البري، فإنهم جميع القادة الأجانب الذين يقولون إن إسرائيل تشترك معهم في القيم. كل هؤلاء القادة يسمحون لإسرائيل بإملاء السياسة، رغم أنها وبشكل سافر تنال من سياساتهم هم.
أياً كان الذي سيحدث لغزة خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة – وقد أطلقت إسرائيل عملياتها الانتقامية الوحشية، بغض النظر عن غياب الأهداف العسكرية – لا ريب في أن حماس حققت نصراً مؤزراً.
فقد جلبت معها صحفيين ومصورين وثقوا كل شيء يحدث، ولسوف تتكلم هذه المواد المصورة لكل شاب فلسطيني وعربي يشاهدها.
تظهر المواد المصورة الفلسطينيين وهم يعودون إلى الأرض التي طرد منها آباؤهم. يشكل اللاجئون ما نسبته 67 بالمائة من سكان قطاع غزة، وهم ينحدرون أصلاً من المناطق المحيطة بغزة والتي قامت حماس مؤقتاً بتحريرها.
نهاية هذا الأسبوع، تمكنوا بقوة السلاح من ممارسة حق العودة الذي أزيح عن طاولة المفاوضات قبل 23 عاماً.
سوف تخبر الصور كل الفلسطينيين بأن المقاومة ليست قضية خاسرة في مواجهة عدو قوي ومتمكن. سوف تخبرهم بأن إرادتهم على المقاومة أكبر وأقوى من إرادة من يحتل ديارهم.
تغير المشهد إلى الأبد
ليس لدي أدنى شك بأن المدنيين الفلسطينيين سوف يدفعون الآن ثمناً باهظاً بينما تسعى إسرائيل وراء انتقامها التوراتي. وها هي الكهرباء قد قطعت عما يزيد عن مليوني إنسان داخل القطاع.
ولكن ليس لدي أدنى شك كذلك بأن الأمور بعد تلك الأحداث لن تكون كما كانت عليه في السابق.
بعد أن ظلوا لأجيال متعاقبة ينكرون وجود النكبة، ها هم أعضاء البرلمان الإسرائيلي يتبنون علانية نكبة ثانية. فقد غرد آرييل كولنر قائلاً: “أطفئوا العدو الآن! هذا اليوم بالنسبة لنا هو بيرل هاربر. ولسوف نستمر في تعلم الدروس. أما الآن، فلدينا هدف واحد: إنه النكبة.”
ولا يتخلف عنه نتنياهو كثيراً حين يدعو جميع الفلسطينيين إلى مغادرة بيوتهم، كما لو أنهم يجدون مكاناً آخر يلوذون به.
لو كانت إسرائيل بالفعل ترغب في إشعال فتيل حرب إقليمية، فإن محاولة تكرار 1948 هو أسرع السبل لتحقيق ذلك. لا مصر ولا الأردن سوف يتساهلون مع ذلك، ولا مفر من أن تصبح اتفاقيات السلام التي أبرموها مع إسرائيل باطلة ولاغية.
لو اندلعت حرب إقليمية فإنها ستشمل حركة المقاومة الأفضل تسليحاً في المنطقة. لربما بدا حزب الله، الذي تبادل يوم الأحد رشقات من النيران مع إسرائيل عبر الحدود مع لبنان، متردداً في التورط. ولكنه قد يجر إلى الحرب جراً. لم يزل حزب الله يبعث بإشارات منذ حين مفادها أن الاجتياح البري لغزة بالنسبة لهم خط أحمر.
خلال السنة المنصرمة تردد القادة السياسيون في حركة حماس على بيروت، وهناك عقدوا اجتماعات مع أمين عام حزب الله حسن نصر الله. تقول بعض المصادر إن قراراً ما اتخذ بشأن التعبئة العامة. وبناء على ذلك كله يمكن للمرء أن يفترض أن إصبع حزب الله على الزناد.
كما سوف يتوجب على إسرائيل التعامل مع احتمال أن يبقى عشرات الرهائن في قبضة حماس. لم يعد وارداً تنفيذ ما يعرف باسم “إرشادات هانيبال”، وهو أمر عسكري سري للغاية يتيح لإسرائيل ضرب قواتها بنفسها للحيلولة دون وقوعهم أسرى في أيدي العدو.
كما لم يعد ممكنا الإبقاء على ما يقرب من 2.3 مليون نسمة من سكان غزة رهن الحبس في قفص إلى الأبد.
هذا هو الانفجار الذي طالما حذرت وحذر غيري من أنه لا مفر قادم. وأنا شخصياً قلت إنه ما لم تتراجع إسرائيل عن إجراءاتها وتبدأ مفاوضات جادة للبحث عن حل عادل لهذه الأزمة يمنح للفلسطينيين حقوقاً متساوية لتلك التي يحظى بها اليهود، فلسوف يكون هناك رد. وها هو قد حصل الآن. وعندما ينقشع الغبار، لن يبقى المشهد كما كان عليه.
بينما تعرضت ثلاث عائلات ممتدة بأكملها للإبادة بعد أن وجهت إسرائيل ضربة مباشرة لبيوتهم بقنابلها الدقيقة، قال ريشي سوناك، رئيس وزراء البلد الذي يتحمل من المسؤولية عن الصراع أكثر من أي بلد آخر، إن بريطانيا سوف تقف بشكل لا لبس فيه إلى جانب إسرائيل، وأمر بإضاءة مقر رئاسة الوزراء بنجمة داود. في هذه الأثناء قالت وزيرة الداخلية في حكومته إن كل من يشاهد متظاهراً في الشوارع تضامناً مع فلسطين سوف يلقى القبض عليه. وبذلك تكون بريطانيا قد تخلت عن أي دور مستقبلي يمكن لعبه في سبيل إنهاء هذا الصراع المرير.
يتحمل المسؤولية عما حصل نهاية الأسبوع جميع أولئك الذين توهموا بأن الأجيال المتعاقبة من القادة الإسرائيليين سوف يتمكنون من فعل ما يريدون ويتمكنون من الإفلات من أي محاسبة مهما اقترفوا من أفعال. يتحمل المسؤولية كذلك جميع من توقفوا عن التفكير بالشعب الفلسطيني، بما في ذلك معظم الحكام الطغاة في العالم العربي. سوف يُلقن كل واحد منهم درساً أليماً خلال الأسابيع والشهور القادمة.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الفلسطينيين غزة المسلحون المستوطنات اعتداءات المستوطنين حزب الله فی ذلک کما لو
إقرأ أيضاً:
لبنان بعد الحرب.. هل يقلب القادة الجدد الطاولة على حزب الله؟
مع انتخاب رئيس للبنان وتعيين رئيس للحكومة، كان الفريق الجديد محل ترحيب داخلي وخارجي، باعتباره استراحة من الوضع الراهن، وبداية نهاية «الكابوس الوطني الطويل» الذي يعيشه لبنان.
وفي 13 يناير/كانون الثاني، عُيِّن الأكاديمي والدبلوماسي والحقوقي السابق نواف سلام رئيسًا للوزراء في لبنان، ليحل محل الملياردير الحالي نجيب ميقاتي الذي تولى المنصب ثلاث مرات. وقبلها، اختار البرلمان قائد القوات المسلحة اللبنانية جوزيف عون رئيسًا، ليشغل المنصب الشاغر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022.
ويقول معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تقرير له، إن عون وسلام يمثلان بالفعل انحرافاً عن العمل المعتاد، ومع ذلك فإن التحديات التي تواجه لبنان تظل كبيرة، وسوف يكون الاختبار الحقيقي لكلا الزعيمين هو ترجمة الحماس الحالي إلى إصلاحات عملية ودائمة.
سر التحول
وأشار إلى أنه لم يكن بوسع عون أن يفوز بالمنصب لولا سلسلة النكسات العسكرية التي ألحقتها إسرائيل بحزب الله، والتي تركت الجماعة بلا نفوذ محلي كافٍ لمواصلة احتكار اختيار الرئيس.
ويشكل انتخابه تطوراً إيجابياً نظراً للدعم الشعبي الذي يحظى به في الداخل وتوجهه المؤيد لأمريكا، وهو ما يشكل تناقضاً حاداً مع الولاءات السياسية الإشكالية والشخصية لبعض المرشحين الآخرين.
ومع ذلك، لا يستطيع عون وحده أن يغير قواعد اللعبة؛ ففي لبنان، لا يتولى الرئيس السلطة التنفيذية وله دور محدود (وإن كان لا يزال مهماً) في تشكيل الحكومة وتعيين كبار المسؤولين.
وبحسب معهد واشطن، فإن الاختبار الأكثر أهمية لعون سيكون استعداده للاستفادة من هزيمة حزب الله في ساحة المعركة وفرض احتكار الدولة لحيازة واستخدام الأسلحة العسكرية.
ومنذ انتخابه رئيساً للجمهورية، أصبح عون أكثر ميلاً إلى المبادرة في التعامل مع قضية حزب الله. ففي خطاب تنصيبه، قال إنه سينفذ واجباته قائدا أعلى للقوات المسلحة من خلال «العمل على ضمان حق الدولة في احتكار الأسلحة»، وهو رد قوي على حزب الله والتزام بحكم الأمر الواقع بتنفيذ قراري مجلس الأمن 1701 و1559 (اللذين نصا على نزع سلاح حزب الله في بقية أنحاء لبنان).
كما تعهد بتأمين حدود لبنان، بما يتفق مع اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين حزب الله وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تعهد عون بشكل لا لبس فيه بالإصلاح على نطاق واسع، ووعد بالدفع نحو استقلال القضاء، وإعطاء الأولوية «للكفاءة على المحسوبية» في التعيينات الإدارية، ومنع الاحتكارات في القطاع الخاص، وتعزيز الشفافية.
ماذا عن سلام؟
وعلى النقيض من عون -الذي ظل اسمه مطروحاً على طاولة الانتخابات الرئاسية لمدة عامين على الأقل- فإن ترشيح نواف سلام لمنصب رئيس الوزراء كان تطوراً حديثاً. فقد عارض العديد من أعضاء البرلمان تولي ميقاتي لفترة ولاية أخرى، وعدوه مرشحاً للوضع الراهن لا يخدم أجندة جديدة تركز على الإصلاح الاقتصادي ونزع سلاح المليشيات.
وكان رجل الأعمال البيروتي فؤاد مخزومي هو المرشح الأوفر حظاً بين هؤلاء المنتقدين، لكنه لم يتمكن من حشد الأصوات السنية الكافية، (وفقاً للتقاليد، يحتفظ لبنان بمنصب رئيس الوزراء للمرشحين السُـنّة).
وتخرج سلام في معهد الدراسات السياسية وكلية الحقوق بجامعة هارفارد، وعمل محاضرًا في جامعة السوربون والجامعة الأمريكية في بيروت، وشغل سابقًا منصب ممثل لبنان لدى الأمم المتحدة (2007-2017).
وبعد مغادرته الأمم المتحدة، اختير سلام عام 2018 لشغل منصب قاض في محكمة العدل الدولية. وفي عام 2024، انتُخب رئيسًا لتلك الهيئة، حيث ترأس الدعوى القضائية المتعددة الجنسيات التي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.
ويُنظر إلى سلام على نطاق واسع باعتباره ناقدًا هادئًا لجماعة حزب الله ومؤيدًا خاليًا من الفساد للإصلاح. وقد دعم المحكمة الخاصة بلبنان عندما كُلفت بالتحقيق في اغتيال حزب الله لرئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005.
ومن الجدير بالذكر أن كتاباته الواسعة النطاق لصالح الإصلاح تشمل كتابًا صدر عام 2023 بعنوان «لبنان بين الماضي والمستقبل»، الذي ناقش الآثار الضارة للطائفية في «المؤسسات العامة وفي المجتمع ككل»، مدعيًا بشكل صحيح أنها «تجعل لبنان عرضة للغاية للتدخل الأجنبي». كما دعا إلى إصلاح النظام الانتخابي، ومراجعة الدستور، وتنفيذ الأحكام غير المنفذة من اتفاق الطائف لعام 1989.
عقبات أمام الفريق الجديد
ويقول معهد واشنطن، إن فريق عون وسلام قد يكون قادرًا على التعاطي مع الأحداث البارزة التي شهدتها الأشهر الأخيرة -من قطع رأس حزب الله على يد إسرائيل مرورا بالانهيار السريع لنظام الأسد- وإضعاف معسكر الوضع الراهن في بيروت إلى فتح الفرصة لنزع سلاح المليشيات، وعكس الانهيار الاقتصادي الذي فرضته الدولة على نفسها، واستئصال الفساد، وإعادة بناء دولة فعّال.
لكن «من الخطأ أن نتجاهل العقبات الكبيرة التي يواجهونها، بما في ذلك التهديد المستمر (وإن كان متضائلاً) المتمثل في عنف حزب الله والمصالح الراسخة التي لا تزال تسيطر على قدر كبير من النظام السياسي والاقتصادي في لبنان».
وعلى سبيل المثال، كان عون يحتاج إلى أغلبية الثلثين في البرلمان للفوز بالرئاسة، وهي العتبة التي لم يكن بوسعه أن يصل إليها لولا أصوات حزب الله وحركة أمل، أو ما يسمى «الثنائي الشيعي».
ونظراً لهذا الاعتماد، فهل يكون قادراً على تعزيز نزع سلاح المليشيات والإصلاح الاقتصادي، وهي السياسات التي تهدد مصالح هذا الثنائي بشكل مباشر؟ وما هي الوعود، إن وجدت، التي كان عليه أن يقدمها للفوز بأصواتهما؟
وبحسب معهد واشنطن، فإن سلام سيواجه مشكلات مختلفة؛ فهو لم يكن يحتاج سوى إلى أغلبية بسيطة للفوز بمنصبه، وبالتالي سيكون أقل خضوعا لحزب الله في البرلمان.
لكن هذا يفترض أنه قادر على الخروج من عملية تشكيل الحكومة الشاقة بحكومة مستقلة إلى حد كاف، ولم يشغل سلام منصبا إداريا تنفيذيا بهذا الحجم من قبل، ما يعني أن أجندته الإصلاحية ستواجه معارضة شديدة وربما عنيفة في بعض الأوساط، خاصة إذا أيد نزع سلاح المليشيات.
وتوقع معهد واشنطن أن يواجه سلام صعوبات مع الكونغرس الأمريكي وإدارة ترامب القادمة بسبب سجله الطويل من التصويت المناهض لإسرائيل.
توصيات
بحسب المعهد الأمريكي، فإنه مع تضاؤل نفوذ حزب الله وتشكيل فريق جديد ذي توجه إصلاحي، أصبحت بيروت في وضع أفضل للاستفادة من حسن النية المتزايد من جانب المجتمع الدولي وتأمين المساعدة اللازمة لإعادة بناء وتأهيل مؤسسات الدولة المدمرة.
وبوسع واشنطن أن تتخذ عدة خطوات ملموسة لتشجيع روح الإصلاح لدى القيادة الجديدة، فبمجرد توليها السلطة، يتعين على إدارة ترامب أن تقدم مساعدات إضافية متواضعة للقوات المسلحة اللبنانية لمساعدتها على تنفيذ القرار 1701 في جنوب لبنان، وتسليم هذه الأموال على دفعات مشروطة بالأداء.
وفي وقت لاحق، ينبغي أن تتدفق المزيد من الأموال الأمريكية إذا بدأت بيروت في تنفيذ القرار 1559. وفي الوقت نفسه، ينبغي لواشنطن (وفرنسا) أن تواصلا المسار بشأن خطة الإنقاذ الاقتصادي المحتملة، والاستمرار في ربط حزمة صندوق النقد الدولي بتنفيذ بيروت الناجح للإصلاحات الاقتصادية.
ولمساعدة عون وسلام على التغلب على المقاومة السياسية، ينبغي لإدارة ترامب -أيضا- أن تكون مستعدة لمعاقبة الجهات اللبنانية التي تعرقل عملية الإصلاح بسرعة.
وأكد المعهد الأمريكي، أنه على واشنطن -أيضاً- التحلي بالجرأة، والسعي إلى تحقيق عملية «الدعم والتحقق» التدريجية، ومساعدة عون وسلام في تنفيذ أجندتهما الطموحة للتغيير.