علي المهدى: تكريمي من مهرجان المونودراما له طعم خاص ومصر مركزا للإشعاع الثقافى
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
أعرب السفير والفنان السوداني علي المهدي، أمين عام الهيئة الدولية للمسرح، ورئيس مهرجان البقعة الدولي للمسرح، عن سعادته بتكريمه من مهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما.
وقال المهدي لـ"البوابة نيوز": "عندما يقول لك شخص شكرا بهذا التقدير وسط هذه المجموعة الطيبة من المبدعين والإعلاميين فهذا أكثر من تكريم، وذلك لأن مصر مركز الإشعاع الثقافي العربي، والإقليمي، والدولي، فالتكريم منها له طعم خاص ومغاير، ثم أن هذا التكريم يأتي في إطاره واحد من أهم المهرجانات المونودراما على مستوى العالم العربي والإفريقي والعالمي، وهو في دورته السادسة يؤكد في كل خطوة يخطوها أنه يسير في مساره الصحيح التي خطط لها منذ البداية، ثم أن يتم تكريمك وسط حشد كبير من المبدعين من مختلف بلدان العالم، فهذا شيء عظيم".
ووجه الشكر لإدارة المهرجان برئاسة الدكتور أسامة رؤوف، والدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة على هذا العمل الجيد، والبداية تنطلق وتبشر من خلال حفل الافتتاح.
وعن اختيار السودان ضيف شرف المهرجان هذا العام، أضاف المهدي، أنها تمثل قيمة كبيرة، وهي أيضا إشارة من الذكاء والوعي السياسي بقيمة الثقافة ودورها في التقريب بين البلدين، فليس هناك ما يُباعد بين الشعبين في وادي النيل، لكن هذا مزيد من القرب والعطاء بينهما.
وأوضح المهدي، أن السودان تشارك في المسابقة الرسمية بالدورة السادسة بالعرض المسرحي "من حذاء مقاس 1 إلى حذاء مقاس 56"، من تأليف وتمثيل السيد عبدالله صوصل، وإخراج زهير عبدالكريم، وهو جديد ضمن سلسلة من الأعمال وكلهم شباب يمثلون المسرح السوداني وهم مقيمون بالقاهرة، والحمد لله يخطون في طريق الإبداع.
وأكد المهدي، أن مهرجان البقعة الدولي للمسرح سيعود، لكن لولا الظروف التي تمر بها السودان الآن، فنحن نفكر في إقامة دورة استثنائية في مدينة بورتسودان أو في واحدة من المدن التي ليس بها نزاع، ولكن نحن نثق في شعب السودان والجيش السوداني على أن تعود السودان لوضعها الطبيعي لما كانت عليه من قبل.
وعن رسالته من أرض مصر إلى شعب السودان، فقال المهدي، إن مصر تظل مركزا للإشعاع الثقافي، وهي تحتفي بأهل السودان، فهناك مبادرة أطلقتها القاهرة لإسناد الشعب السوداني عقب اندلاع الحرب اللعينة التي تجري في السودان الآن، ولذلك نادى أهل الفكر، والسياسة، والثقافة، والاقتصاد، والصناعات المختلفة، بهذه المبادرة لدعم السودان، والتي لاقت قبولا كبيرا، مبينا أنها تعني بالصحة، والتعليم والإعاشة، والسكن، والثقافة والفنون، مؤكدا أن القاهرة تظل في كل الأوقات هي المعبر التي منه تنطلق ليس الفنون فقط بل الإنسان السوداني أيضا، وهذه الشراكة هي التي تقودنا إلى مستقبل أفضل لوادي النيل بإذن الله.
وأقيمت فعاليات الدورة السادسة لمهرجان أيام القاهرة الدولي اامونودراما، برئاسة الدكتور أسامة رؤوف، في الفترة من 1 حتى 5 أكتوبر الجاري، بمشاركة 10 عروض لمختلف الدول العربية والأجنبية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: علي المهدي مهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما السودان الدورة السادسة المسرح السوداني
إقرأ أيضاً:
الموت بالوكالة: كيف صار الشعب السوداني رهينةً لسلطتين قاتلتين؟
في البدء، كان الحلم هشًّا، يتنازعه الواقع والممكن، بين دولة لا يحكمها العقل وجيوش يحكمها الرعب. لم يكن السودان يومًا استثناءً في سياق التراجيديا التاريخية التي صنعتها الجيوشُ العربية منذ أن تحولت من مؤسساتٍ وظيفية إلى كياناتٍ فوق الدولة، تمارس السلطة دون مساءلة، وتحكم دون أن تُحاكم.
لكن في هذا البلد، كان للعسكر وجوهٌ كثيرة، كلٌّ منها أكثر فتكًا من الآخر، حتى أصبح المواطن السوداني، ذاك الكائن المعذَّب، رهينَ طاحونةٍ تدور برؤوسٍ متشابكة، إحداها الجيش الذي خنق الدولة منذ 1956، والأخرى مليشيا خرجت من رحم التوحش وصارت قوة تنازع الطاغية ذاته على سلطانه، في مشهد عبثي تتداخل فيه الأدوار بين الجلاد والضحية، حتى بات الوطن كله رهينةً بين المطرقة والسندان.
بدأت السردية القاتلة منذ أن استيقظ السودان المستقل على حقيقة أنه لم يُخلق ليحكم نفسه، بل ليكون حقلَ تجاربٍ لأوهام الضباطِ الذين قرأوا نصفَ كتبِ القوميةِ العربية، وظنوا أن الشعب صفحةٌ بيضاءُ قابلةٌ لإعادة التشكيل وفق أوامرِ القيادةِ العامة.
الفريق عبود، أول الطغاة، جاء كظلالٍ ممتدة لجيوشِ ما بعد الاستعمار، حيث لم يكن الاستقلالُ سوى قناعٍ رثٍ لاستعمارٍ داخلي أكثر فجاجة. ثم تلاهُ نُميري، العائد من شطحاتِ البعثِ الماركسي إلى خرافاتِ الهوسِ الديني، في مسيرةٍ عكست هشاشةَ السرديات التي حاول العسكرُ تسويقها، والتي انتهت إلى أن الشعب ليس سوى متغيرٍ ثانوي في معادلة الحكم.
لكن اللعبةَ الأكثر فجاجةً كانت في 1989، حين اختُزلت الدولةُ في معادلةٍ وحيدة: الإسلاميون والجيشُ كيانٌ واحد، والحربُ على المواطنِ أصبحت معركةَ استئصالٍ مفتوحة.
هنا، بدأ الجيش في التحول إلى عصبةٍ متآمرة، حيث لم يعد مجردَ قوةٍ تحكم باسم الدولة، بل صار جهازًا أيديولوجيًا يعمل لتصفية أي مشروعٍ خارج ثنائية “الطاغية المخلص” و”العدو الوجودي”. كانت الإنقاذُ لحظةَ التحامِ القمعِ المقدسِ مع السلاحِ الدنيوي، حيث أصبح الوطنُ مجردَ ساحةٍ تُعادُ هندستها وفق أوهامِ البقاءِ الأبدي.
في تلك اللحظة، وُلدت المليشيات.
وجيف الخطى الأولى ظهرت في دارفور، حيث اختُزلت الدولةُ في معسكراتِ الموت، وتحولت الجيوشُ النظاميةُ إلى أشباحٍ تراقبُ المذابح من بعيد. ومن رماد الجنجويد، خرجت قوات الدعم السريع، كظلٍّ كثيفٍ لنظامٍ أفرط في صناعة الوحوش، حتى كادَ يُبتلع بها.
حميدتي، بائع الإبل الذي صعد من ثقافة الغزو البدائي، أصبح رجل الدولة بامتياز، في استعارةٍ فظةٍ لصعود العوامِ المسلحين في الإمبراطورياتِ الآفلة. هنا، لم يكن الصراعُ مجردَ لعبةِ سلطة، بل كان إعادةَ توزيعٍ للقوةِ خارج أطرها التقليدية، حيث أصبح الموتُ رأسمالًا قابلًا للمساومة، وصارت الحربُ استثمارًا مفتوحًا، بمدخلاتِ الذهبِ ومخرجاتِ الخراب.
حين انفجرت الحرب في 15 أبريل 2023، لم تكن سوى لحظةٍ حتمية في سياقٍ بدأ منذ أن تخلّى الجيشُ عن كونهِ مؤسسةً وطنية، وأصبح مجردَ أداةٍ لصناعةِ الطغاة. لكنها كانت أيضًا إعلانًا لانهيارِ النموذجِ نفسه، حيث لم يعد بالإمكان إخفاءُ هشاشةِ الدولةِ خلفَ أستارِ البيروقراطيةِ العسكرية. الجيشُ الذي كان يُراد له أن يكون درعَ الدولة، أصبح شبحًا يتآكل من داخله، والدعمُ السريع، الذي أُنشئ كأداةِ قمع، أصبح دولةً صغيرة داخل الدولة، حتى خرجت الأمور عن نطاق السيطرة.
لا شيء يعبر عن هذه اللحظة أكثر من أصواتِ الخرطومِ المنكوبة، حيث تحوّلت المدينة إلى أطلالٍ تتردد فيها أصداءُ الأسئلة التي لم تجد إجابة: من يحكمُ السودان؟ هل هو الجيشُ الذي صار ظلًّا لنفسه؟ أم المليشياتُ التي خرجت من رحمِ الفوضى وأصبحت القوةَ الوحيدةَ القادرةَ على فرضِ معادلاتها؟ أم أن البلادَ محكومةٌ بمنطقِ الحربِ الدائمة، حيث الدولةُ مجردُ مرحلةٍ عابرة بين معركتين؟
إذا كان ماركس قد تحدث عن “الدولة كأداةٍ للقمع الطبقي”، فإن السودان يقدم نموذجًا أكثر تعقيدًا، حيث الدولةُ لم تعد موجودةً أصلًا، والقمعُ أصبح مُوزّعًا بين عدةِ أقطابٍ، كلٌّ منها يحاولُ أن يؤسسَ روايتهُ الخاصة.
الأمر ليس صراعًا بين سلطةٍ وشعب، بل بين عدةِ سلطاتٍ، كلٌّ منها ترى في الشعب مادةً خامًا لإعادةِ التشكيل.
هذا ما يُفسرُ لماذا تحولت المليشياتُ إلى كياناتٍ اقتصاديةٍ ضخمة، ولماذا أصبح الجيشُ نفسه طرفًا في تجارةِ الحرب، حيث لا أحد يرغبُ في إنهاءِ النزاع، لأن النزاع ذاتهُ أصبح مصدرَ الشرعيةِ الوحيد.
لكن المأساةَ الحقيقية ليست في القتلةِ فحسب، بل في الذين ما زالوا يبحثون عن تبريرٍ أخلاقي لهذه الفوضى. هنا، تأتي السردياتُ التي تحاولُ اختزالَ الأمرِ في “حربٍ بين معسكرين”، وكأن هناك حقًا معسكرًا يمثلُ الشعب. الحقيقةُ أن الشعبَ السوداني، الذي ظلَّ لعقودٍ محاصرًا بين الطغاةِ والجلادين، لم يعد طرفًا في المعادلة. لقد صار مادةً للفرجةِ في مسرحيةٍ دمويةٍ تُعيد إنتاج نفسها بوجوهٍ مختلفة، لكنها تحتفظُ بالحبكةِ ذاتها: الوهمُ، القمع، ثم السقوط.
عبد الخالق محجوب، الذي قُتل لأنه رفض أن يرى في الجيشِ حليفًا، كان يُدركُ أن العسكرَ لا يصنعون الثورات، بل يُجهضونها. غرامشي، الذي تحدث عن “الهيمنة” كأداةٍ لصياغةِ الوعي، كان ليجدَ في السودانِ نموذجًا فريدًا لهيمنةٍ لم تُصنع عبر الأفكار، بل عبر الرصاص. وبين هذا وذاك، يظل المواطنُ السوداني، الذي اعتاد أن يكون مشروعَ شهيد، في انتظارِ أن يسألهُ أحدهم: متى تُريدُ أن تكونَ مواطنًا كاملَ الحقوق؟
لكن لا أحد يسألُ هذا السؤال، لأن في السودان، كما في كل الدول التي سقطت في قبضةِ العسكر، السؤالُ الوحيدُ الذي يُسمعُ دائمًا هو: لمن السلطة؟ وما دامت الإجابةُ تأتي بالسلاح، فإن المواطنَ لن يكونَ سوى صدىً للأقدامِ التي تجوبُ الخرطوم، بحثًا عن غنيمةٍ جديدة.
zoolsaay@yahoo.com