في صبيحة يوم أغر جاءتنا الأخبار السارة من قلب فلسطين، فقد غزت قوات فلسطينية راجلة الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني في المنطقة المحيطة بغزة والمعروفة بغلاف غزة وتوغلت القوات الفلسطينية المدعومة بقوة إيمانية عميقة والمسلحة بسلاح الإرادة المحرم عربيا وهي تهتف فلسطين عربية.. فلسطين لنا والقدس لنا..
كان المشهد غريبا وجديدا، مثيرا للإعجاب من ناحية الثوار والأحرار ومثيرا لاستهجان المنبطحين من ناحية أخرى.
في يوم كيبور (يوم الغفران) جديد، جدد الفلسطينيون الذكريات وما أحلاها من ذكريات فقد أعادوا إلينا ذكريات ساعات النصر الأولى في العاشر من رمضان- السادس من أكتوبر 1973، تلك أيام خلت وفرحة لم تكتمل ونصر سرقه الساسة المتهافتون من العسكريين المخلصين، ذكريات أيام بيض تلتها عقود سود بعد أن تم توقيع اتفاقية استسلام وتلتها اتفاقيات لم نزل نذوق مرارتها في حلوقنا اليوم، حتى حلت عليها لحظة العبور الجديدة في 2023 فأزالت بعض المرار وأذاقتنا بعض الكرامة وأعادت الابتسامة لوجوه لطالما كانت عابسة مقفهرة.
الأخبار تأتيك تترى، ولا تكاد تغمض عينك لتفتحها على صورة أو مشهد لتوغل المقاومين وتجولهم بين المستوطنات التي أقامها الاحتلال في داخل فلسطين المحتلة.
سيطرة على هذا المعبر، وتدمير لتلك المستوطنة، والتوغل لا يزال مستمرا حتى أحكم المقاومون السيطرة على عدة مستوطنات كان يسكنها الصهاينة المحمولون جوا من كل أصقاع الأرض ليسكنوا أرض فلسطين التي منحها لهم من لا يملك وامتلكها من لا يستحق.
أسرى من الجنود يتم جرهم جرا وهم مستسلمون.. ونشرة أخبار يصدرها الاحتلال فيها أسماء قادة عسكريين كبار قضوا في العملية الفلسطينية، وقوائم تضم أعداد القتلى بالمئات والمصابين الذين تخطوا الألفين وهم في زيادة، ولا يزال الاحتلال يحصي قتلاه والبكاء مستمر في القاهرة والمنامة وأبو ظبي وربما على استحياء في عواصم أخرى.
منذ اللحظات الأولى للغزوة الطوفانية كانت الصور تبث والأخبار تنشر والبيانات تأتيك على مدار الساعة من جانب واحد، هو القيادة الفلسطينية الحقيقية -قيادة المقاومة- التي ظلت مسيطرة على الأرض والفضاء الإعلامي لساعات، بينما كبير الإرهابيين نتنياهو كان مثلنا ومثل معظم حكام العرب جالسا مشدوها ومشدودا أمام الشاشة يتابع قناة الجزيرة، ويستمع مثل الجميع للبيانات والتهديدات والوعيد وهو لا يستطيع أن يحرك ساكنا، وأتصور أنه ظل على تلك الحالة لوقت ليس بقصير قبل أن يهمس أحدهم في أذنيه "يا رئيس الوزراء ماذا نفعل؟" أو ماذا سنفعل؟ ساعتها أفاق على هول الصدمة، وكما فعلت جولدا مائير قديما فعل نتنياهو إذ اتصل بالسيد الكبير في البيت الأبيض: الحقونا!!!
اختفى وزير الدفاع ووزير الأمن المتطرف ورئيس الوزراء وكافة وزراء الكيان الصهيوني، وتابع العالم بيانات أبو عبيدة والضيف وهنية، وانتظرنا نحن العرب إطلالة أي مسئول عربي وللأسف طال الغياب العربي ولا يزال القادة مختبئين خلف جدران الصمت منتظرين التعليمات من ساكن البيت الأبيض، وحين جاءتهم كانت التزام الصمت أو إدانة حماس والمقاومة ولا خيارات أخرى، وقد فعلوا وهم صاغرون..
اعترف الاحتلال بالهزيمة ورفض العرب هزيمته وتمنوا أن لو يصمت الصهاينة، فلا يعترفون بجسارة المقاومة ومقاتليها ولا بالفشل الأمني والاستخباراتي لأن بعض قادة العرب يعلمون علم اليقين أن هزيمة الكيان الصهيوني هي هزيمة لحليف لطالما قدم لهم الدعم والإسناد على مدار عقود كي يستمروا في البطش بشعوبهم.
اعترف الاحتلال بالهزيمة ورفض العرب هزيمته وتمنوا أن لو يصمت الصهاينة، فلا يعترفون بجسارة المقاومة ومقاتليها ولا بالفشل الأمني والاستخباراتي لأن بعض قادة العرب يعلمون علم اليقين أن هزيمة الكيان الصهيوني هي هزيمة لحليف لطالما قدم لهم الدعم والإسناد على مدار عقود كي يستمروا في البطش بشعوبهم
ورغم مرور عدة أيام لا يزال الحكام العرب مختبئين رغم ظهور بعضهم على شاشات بلاده محتفيا ومنتشيا بالخيول التي تمر من أمامه أو بالجنود الذين اصطفوا لتحيته من فوق عرباتهم المصفحة؛ التي عادة ما تستخدم لقتل الشعوب.
وغاب أحمد أبو الغيط، وهو القيمة الحقيقية له كوزير سابق وأمين عام لجامعة الدول العربية هي في أنه غائب وهذه نعمة من الله وفضل.
الأخبار السيئة تأتيك من داخل الكيان أن مصر حذرت الكيان من هجوم للمقاومة، ولكن نتنياهو أعمى الله بصيرته، لماذا تحذر مصر الاحتلال؟ سؤال غبي والله، ورغم ذلك فالإجابة: وهل اعتاد العرب غير ذلك في زمن الوهن والانكسار؟
ألم يفعلها ملك الأردن السابق قبيل حرب أكتوبر 1973، وكذلك أشرف مروان صهر الزعيم المفدى ذي الحنجرة الذهبية جمال عبد الناصر والذي نعته الكيان الصهيوني بالملاك ولم تستطع مصر إنكار تسريبه لأدق أسرار المعركة!
ثم ماذا كنت تتوقع من نظام جاء بدعم صهيوني غير مسبوق، وتعهد بحماية حدود الكيان وأعلنها مرارا وتكرارا "لن نسمح بأي عمليات ضد الجيران، أو ليست فلسطين دولة جارة؟".
لماذا نريد إيقاظ هؤلاء أو نحاول إحياء من مات، أوَ ليس الله وحده هو من يبعث من في القبور؟
نهتف ونصرخ منذ عقود: أين العرب وأين الحكام ونحن نعلم أن كلهم أو جلهم إما في حالة سكر أو موت سريري، وأنه لا يستيقظ إلا على اتصال هاتفي من القادة الصهاينة أو الأمريكان: قم فالأمر عاجل ونحتاج إلى تدخلك لوقف قصف الفسطينيين على تل أبيب أو القدس، أو قم فنحن بحاجة إلى جهودك لإقناع الفلسطينيين بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الأسرى ومن يسمون بالرهائن.
يحدثونك ليل نهار عن حرمة التعامل مع النساء والأطفال من الأسرى والمعتقلين، وعندما تعرض عليهم صور إهانة شعب بأكمله عند معبر إيريز كل صباح يقولون لك: ولماذا يذهب الفسلطينيون إلى داخل الكيان؟ لماذا لا يعملون في بلدهم؟ ويذكرني هذا بالمقولة المنقولة والمشهورة عن الأميرة الفرنسية ماري إنطوانيت حين قيل لها أثناء الثورة إن الشعب لا يجد الخبز، فقالت ولماذا لا يأكلون الكيك؟
لن أحدثك عن موقف الإمارات ولا البحرين، فقد أعلنتا عن دعمها ووقوفهما مع الكيان الصهيوني ضد المقاومة!
كنت أود الحديث عن موقف مصر، ولكنك تعلم أن قيادة مصر خانت شعبها وليس بالصعب عليها خيانة ما دون ذلك.
كنت أـتمنى أن أحدثك عن الأردن المجاور لفلسطين المحتلة، ولكن وكما تعلم فالأردن وملكه مشغول بالقدس والدفاع عنها.
كنت أتمنى أن أحدثك عن السعودية، ولكنها تراقب الموقف بحسابات العلاقة الاستراتيجية مع أمريكا وما تقوله أمريكا يمشي على الجميع، لذلك فهي تراوح بين التودد للكيان وخشيتها من إيران ورغبتها الدفينة في دفن القضية الفلسطينية؛ وودّت كما غيرها لو تنشق الأرض وتبتلع غزة والضفة الغربية..
في حسابات القوى والموازين العسكرية سيخرج علينا جنرال أو عدة جنرالات ليقولوا ببراءة إن ميزان القوة مختل وأن المقاومة لا يجب أن تواجه العدو الذي تدعمه أمريكا والعرب العاربة والمستعربة والمستنسخة، يقولون هكذا في كل مرة وتخرج المقاومة منتصرة لأن اسمها حركة مقاومة وظيفتها الأولى والأخيرة هي مقاومة الاحتلال.
في حسابات الدين والشريعة فالمقاومة شرف والمقاوم شهيد محتمل بمجرد قراره أن يقاوم المحتل أو المغتصب، ولكن وفق حسابات مشايخ السلطة ووجهاء "الجامية" فلا قتال إلا بإذن ولي الأمر، ولماذا لا يأمر ولي الأمر وقد احتلت الأرض واغتصبت النساء وأهين الكبار والصغار؟
وفي حسابات بعض المتصهينين يقولون لك: ماذا قدمت المقاومة لشعبها، وينسى هذا المتصهين أو ذاك أن المقاومة محاصرة كما الحال في معظم بلاد العرب وأنها أُخرجت من الضفة، وأن السطة الفلسطينية غير المنتخبة تقتل وتسجن، كما أن المعابر تحاصرها سواء معابر العدو المباشر أو غير المباشر كمعبر الدولة العربية الشقيقة الذي يفتح بحساب وبكلمة سر علمها عند ربي وعند الصهاينة، فماذا كانت عساها أن تفعل المقاومة؟
الساسة سيقولون لك إن هناك ترتيبا إيرانيا لتعطيل مشاريع التحالف بين العرب الخليجيين والكيان الصهيوني، وأن إيران تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة.. وأقول: ولماذا لا تفرضون أنتم كلمتكم ولا ترفعون رايتكم وتنتصرون للقضية، وساعتها ستقف كل الشعوب معكم، وستنزوي إيران وستعود من حيث أتت؟
الساسة سيقولون لك إن هناك ترتيبا إيرانيا لتعطيل مشاريع التحالف بين العرب الخليجيين والكيان الصهيوني، وأن إيران تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة.. وأقول: ولماذا لا تفرضون أنتم كلمتكم ولا ترفعون رايتكم وتنتصرون للقضية، وساعتها ستقف كل الشعوب معكم، وستنزوي إيران وستعود من حيث أتت؟
في حسابات السياسة إيران تكسب والعرب يخسرون كل شيء إلا مناصب حكامهم، وفي حسابات الشعوب فالمقاومة تكسب والعرب يخسرون كرامتهم، وفي دفاتر التاريخ تكسب الشعوب الحية ويخسر الجبناء لأنهم يموتون ألف مرة خصوصا حين يرون الضعفاء يقاومون وينتصرون..
الحرب ليست إلا تفاوضا بطريقة دموية، وحين تكتب عليك الحرب فلا بد أن تدخلها لتنتصر، وحين يرى القوم أنك على بعد خطوات من النصر سيجتمعون عليك ويوحدوا صفوفهم من أجل تعطيل إعلان النصر.
احذر الكاتب البهلواني الذي يتصدر المشهد في الصحف والمواقع يردد كالببغاء تحذيرات أمريكا الجوفاء، وأنها أعلنت الحرب على الفلسطينيين وعلينا أن نجنب أنفسنا ويلات هذه المواجهة.
واحذر اللواءات والقادة العسكريين السابقين الذين يفلسفون الأمور وينتقدون خطط المقاومة العسكرية، والله يعلم أن أحدهم لم يشارك في معركة عسكرية إلا عبر ألعاب الفيديو.
واحذر الساسة المؤدلجين خصوصا القوميين وأدعياء العروبة؛ لأنهم يبدأون أحاديثهم بمدح المقاومة ثم ينقضوّن عليها انقضاض الأسد على فريسته لأنها مقاومة "مؤدلجة" و"عادة ما تخدم أهداف الإخوان المسلمين"!..
سلام على أهلنا في فلسطين المقاومة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين المقاومة إسرائيل فلسطين المقاومة التطبيع طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الصهیونی ولماذا لا فی حسابات لا یزال
إقرأ أيضاً:
إيران وحـماس: من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى.. فَـخْـرُ مسار.. كتاب جديد
صدر في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2024 عن مركز الجزيرة للدراسات كتاب بعنوان "إيران وحماس: من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى"، من تأليف الدكتورة فاطمة الصمادي، الباحثة الأولى في المركز والمتخصصة في الشؤون الإيرانية. يستعرض الكتاب تطور العلاقة بين إيران وحركة حماس منذ نشأتها، مسلطًا الضوء على المحطات الرئيسية والأزمات التي مرت بها، بالإضافة إلى العوامل الإقليمية والدولية المؤثرة فيها، وصولًا إلى الأحداث الراهنة.
يتناول الكتاب المراحل المختلفة للسياسة الإيرانية تجاه فلسطين، بدءًا من أواخر العهد القاجاري، مرورًا بالمرحلة البهلوية، وصولًا إلى ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979. كما يخصص فصلًا لعملية "طوفان الأقصى" والقراءات الإيرانية لها، ومواقف أطراف محور المقاومة، بما في ذلك دور جماعة أنصار الله (الحوثيين)، مع التركيز على مبادئ الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية.
تعتمد المؤلفة في سردها على مراجع مكتوبة وشهادات ومقابلات أجرتها على مدى سنوات، مما يضفي عمقًا على التحليل المقدم. يستعرض الكتاب أيضًا مواقف شخصيات إيرانية بارزة، مثل آية الله كاشاني وآية الله الخميني، من القضية الفلسطينية قبل الثورة الإسلامية، وكيف أثرت هذه المواقف في تحويل القضية الفلسطينية إلى محور في السياسة الخارجية الإيرانية.
بالإضافة إلى ذلك، يناقش الكتاب الأزمات التي واجهت العلاقة بين حماس وإيران، خاصة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، ودور شخصيات مثل قاسم سليماني في إعادة بناء هذه العلاقة. كما يسلط الضوء على موقف بعض الدول العربية من هذه العلاقة، وكيف أدى ذلك إلى توجه حماس نحو إيران لتعزيز موقفها الإقليمي.
يقدم الكتاب تحليلًا معمقًا للخلفيات السياسية والدينية التي شكلت العلاقة بين إيران وحماس، مستعرضًا التحديات والمصالح المشتركة التي أسهمت في تطورها.
أوّل ما شاهدتُ كتاب "إيران وحماس؛ من مرج الزّهور إلى طوفان الأقصى" معروضا على رفّ المكتبة تساءلت: لماذا جعلت الكاتبة مبتدأ بحثها من "مرج الزّهور"، لا بدّ أنّ وراء ذلك سرّا؟ ولأنّ هذا الحدث عزيزٌ إلى قلبي، ولي معه ذكريات حميمية يوم كنتُ تلميذا في الإعدادي لا أزال، ويأبى دفؤها أنّ يخمد إلى حدود السّاعة، بالإضافة إلى أنّني أريد أن أفهم "هذه العلاقة" ـ وأنا في مرحلة النّضج ـ بين حركة مقاومة ودولة يجمعهما الكثير ـ حسب تقديراتي ـ ويفرّق بينهما الأكثر! ومما زاد من تشجيعي معرفتي بالكاتبة فاطمة الصّمادي؛ فقد سبق أن تابعتُ حواراتها وتحليلاتها على شاشة قناة الجزيرة، وعلمي أنّها من الباحثين العرب القليلين المُتخصّصين في الشّأن الإيراني.
قرأته سريعا، فهو "جذّاب وممتع"، الأهم أنّه مفيد جدا سواء للقارئ المتخصّص أو للمتابع العادي، وهو يندرج ضمن ما يُسمّى بـ"التاريخ الرّاهن"، والتأليف في هذا النّوع من الكتابة التاريخية مثير للمشاكل، وهناك مِن المؤرّخين والنّقاد مَن يرفض الاعتراف به ضمن دائرة التّاريخ. ولوعي الباحثة بهذا الإشكال ـ وجوهره هو مسألة الوثيقة ـ فإنّها عملت على سدّ كل المداخل التي يمكن أن يتسلّل المعارضون إلى متنها وتفجيره من الداخل؛ فقد حسمت أمرها منذ البداية، ومن ثمّ فهي لم تتكلم سوى بالوثائق.
الجميل في الكتاب أنّ عموم القُرّاء، ممن هم في سنّ الخمسين فما فوق، سيفرحون به لأنّ الكاتبة استطاعت أن تجمع لهم كلّ ما عاشوه وتابعوه وتهمّموا به، وربّما جمعوا وثائقه ورتّبوها، ووضعته لهم في خطّه الزمني وسياقه السياسي وكشفت لهم عن خلفياته والمؤثرين فيه والكثير مما كان متواريا زمن حدوثه.يوثّق الكتاب بشكل دقيق للعلاقة بين حركة حمـاس وإيران، وكذا لمواقف كل الدول العربية غير الرّاضية عن هذه العلاقة، ويفسّر البدايات والمنعرجات. ويقف مطوّلا عند العُقد والأزمات.
الجميل في الكتاب أنّ عموم القُرّاء، ممن هم في سنّ الخمسين فما فوق، سيفرحون به لأنّ الكاتبة استطاعت أن تجمع لهم كلّ ما عاشوه وتابعوه وتهمّموا به، وربّما جمعوا وثائقه ورتّبوها، ووضعته لهم في خطّه الزمني وسياقه السياسي وكشفت لهم عن خلفياته والمؤثرين فيه والكثير مما كان متواريا زمن حدوثه.
مصادر الكتاب متنوّعة جدا؛ كتب، رسائل، تسجيلات، سجلّات، وثائق شخصية، مقالات، تصريحات،... ولكنّ أحسنها على الإطلاق هي تلك الحوارات الكثيرة التي أجرتها الباحثة مع الفاعلين الأساسيين من الجانبين، خاصة الصّف الأوّل من مسؤولي حركة حماس، والكثير منهم اليوم شهداء عند ربّهم.
الكتاب يثبتُ بالدّلائل، الوقائعية قبل النظرية، أن القرار السياسي عند حماس يتمتّع بمساحة واسعة جدا من الاستقلالية، بل بكلّ الاستقلالية، وسيظهر هذا جليّا في الكثير من العُقد التي انفجرت في وجهها أثناء مسارها سواء مع إيران أو مع سوريا أو مع الكثير من دول الخليج، وحينها كانت دائما تفضّل التواري، أو الصّمت، أو المغادرة، على أن تفقد هذا العنصر المهم الذي يمنحها القوة والمصداقية لدى الجميع، سواء كانوا أصدقاء أو خصوم حتى أعداء.
وقد أهدت الباحثة مجهودها إلى "غزّة العزّة... إلى شهدائها، أطفالها، ونسائها، ورجالها، وشجرها، وحجرها"، مما يؤكّد أنها لا تصدر في بحثها عن انشغال عقلي أكاديمي "موضوعي" فقط، بل تضع نفسها في حَمّارَة ما يجري، عقلا وعاطفة.
يقع الكتاب في 380 صفحة، وهو مقسّم، بالإضافة إلى مقدّمة وخاتمة وملاحق ولائحة بالمصادر والمراجع، إلى ثلاثة أقسام، ينضوي تحتها تسعة فصول:
1 ـ إيران وفلسطين في نهاية العهد القاجاري
2 ـ غيران وفلسطين في العهد البهلوي
3 ـ الجمهورية الإسلامية والقضية الفلسطينية.
4 ـ الجمهورية الإسلامية والمقاومة الفلسطينية؟
5 ـ إيران وحماس: الدولة والحركة.
6 ـ نشأة الحركة وتطوّرها.
7 ـ أزمات تهدد العلاقة.
8 ـ العودة إلى سوريا.
9 ـ طوفان القصى: هل خذل محور المقاومة حركة حماس؟
أما سؤالي الأوّل فقد وجدتُ إجابته هناك وبشكل مقنع، فلم يكن "مرج الزّهور" حدثا عاديا، بل كانت ـ بحق ـ واقعة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية.
بعد انتهائي من قراءة الكتاب خرجتُ ممتلئا حبورا؛ فقد حقّق لي إشباعا كاملا، ولم يعد لي شكّ أبدا بأنّ هذه الأمّة خصبة ولّادة؛ فرجال المقاومة؛ عسكريين وسياسيين، يمتلكون وعيا وقلبا ورؤية وأفقا وقوّة ما يجعلهم نماذج كاملة للتّربية والتكوين والممارسة حاضرا ومستقبلا.
*كاتب من المغرب