في صبيحة يوم أغر جاءتنا الأخبار السارة من قلب فلسطين، فقد غزت قوات فلسطينية راجلة الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني في المنطقة المحيطة بغزة والمعروفة بغلاف غزة وتوغلت القوات الفلسطينية المدعومة بقوة إيمانية عميقة والمسلحة بسلاح الإرادة المحرم عربيا وهي تهتف فلسطين عربية.. فلسطين لنا والقدس لنا..
كان المشهد غريبا وجديدا، مثيرا للإعجاب من ناحية الثوار والأحرار ومثيرا لاستهجان المنبطحين من ناحية أخرى.
في يوم كيبور (يوم الغفران) جديد، جدد الفلسطينيون الذكريات وما أحلاها من ذكريات فقد أعادوا إلينا ذكريات ساعات النصر الأولى في العاشر من رمضان- السادس من أكتوبر 1973، تلك أيام خلت وفرحة لم تكتمل ونصر سرقه الساسة المتهافتون من العسكريين المخلصين، ذكريات أيام بيض تلتها عقود سود بعد أن تم توقيع اتفاقية استسلام وتلتها اتفاقيات لم نزل نذوق مرارتها في حلوقنا اليوم، حتى حلت عليها لحظة العبور الجديدة في 2023 فأزالت بعض المرار وأذاقتنا بعض الكرامة وأعادت الابتسامة لوجوه لطالما كانت عابسة مقفهرة.
الأخبار تأتيك تترى، ولا تكاد تغمض عينك لتفتحها على صورة أو مشهد لتوغل المقاومين وتجولهم بين المستوطنات التي أقامها الاحتلال في داخل فلسطين المحتلة.
سيطرة على هذا المعبر، وتدمير لتلك المستوطنة، والتوغل لا يزال مستمرا حتى أحكم المقاومون السيطرة على عدة مستوطنات كان يسكنها الصهاينة المحمولون جوا من كل أصقاع الأرض ليسكنوا أرض فلسطين التي منحها لهم من لا يملك وامتلكها من لا يستحق.
أسرى من الجنود يتم جرهم جرا وهم مستسلمون.. ونشرة أخبار يصدرها الاحتلال فيها أسماء قادة عسكريين كبار قضوا في العملية الفلسطينية، وقوائم تضم أعداد القتلى بالمئات والمصابين الذين تخطوا الألفين وهم في زيادة، ولا يزال الاحتلال يحصي قتلاه والبكاء مستمر في القاهرة والمنامة وأبو ظبي وربما على استحياء في عواصم أخرى.
منذ اللحظات الأولى للغزوة الطوفانية كانت الصور تبث والأخبار تنشر والبيانات تأتيك على مدار الساعة من جانب واحد، هو القيادة الفلسطينية الحقيقية -قيادة المقاومة- التي ظلت مسيطرة على الأرض والفضاء الإعلامي لساعات، بينما كبير الإرهابيين نتنياهو كان مثلنا ومثل معظم حكام العرب جالسا مشدوها ومشدودا أمام الشاشة يتابع قناة الجزيرة، ويستمع مثل الجميع للبيانات والتهديدات والوعيد وهو لا يستطيع أن يحرك ساكنا، وأتصور أنه ظل على تلك الحالة لوقت ليس بقصير قبل أن يهمس أحدهم في أذنيه "يا رئيس الوزراء ماذا نفعل؟" أو ماذا سنفعل؟ ساعتها أفاق على هول الصدمة، وكما فعلت جولدا مائير قديما فعل نتنياهو إذ اتصل بالسيد الكبير في البيت الأبيض: الحقونا!!!
اختفى وزير الدفاع ووزير الأمن المتطرف ورئيس الوزراء وكافة وزراء الكيان الصهيوني، وتابع العالم بيانات أبو عبيدة والضيف وهنية، وانتظرنا نحن العرب إطلالة أي مسئول عربي وللأسف طال الغياب العربي ولا يزال القادة مختبئين خلف جدران الصمت منتظرين التعليمات من ساكن البيت الأبيض، وحين جاءتهم كانت التزام الصمت أو إدانة حماس والمقاومة ولا خيارات أخرى، وقد فعلوا وهم صاغرون..
اعترف الاحتلال بالهزيمة ورفض العرب هزيمته وتمنوا أن لو يصمت الصهاينة، فلا يعترفون بجسارة المقاومة ومقاتليها ولا بالفشل الأمني والاستخباراتي لأن بعض قادة العرب يعلمون علم اليقين أن هزيمة الكيان الصهيوني هي هزيمة لحليف لطالما قدم لهم الدعم والإسناد على مدار عقود كي يستمروا في البطش بشعوبهم.
اعترف الاحتلال بالهزيمة ورفض العرب هزيمته وتمنوا أن لو يصمت الصهاينة، فلا يعترفون بجسارة المقاومة ومقاتليها ولا بالفشل الأمني والاستخباراتي لأن بعض قادة العرب يعلمون علم اليقين أن هزيمة الكيان الصهيوني هي هزيمة لحليف لطالما قدم لهم الدعم والإسناد على مدار عقود كي يستمروا في البطش بشعوبهم
ورغم مرور عدة أيام لا يزال الحكام العرب مختبئين رغم ظهور بعضهم على شاشات بلاده محتفيا ومنتشيا بالخيول التي تمر من أمامه أو بالجنود الذين اصطفوا لتحيته من فوق عرباتهم المصفحة؛ التي عادة ما تستخدم لقتل الشعوب.
وغاب أحمد أبو الغيط، وهو القيمة الحقيقية له كوزير سابق وأمين عام لجامعة الدول العربية هي في أنه غائب وهذه نعمة من الله وفضل.
الأخبار السيئة تأتيك من داخل الكيان أن مصر حذرت الكيان من هجوم للمقاومة، ولكن نتنياهو أعمى الله بصيرته، لماذا تحذر مصر الاحتلال؟ سؤال غبي والله، ورغم ذلك فالإجابة: وهل اعتاد العرب غير ذلك في زمن الوهن والانكسار؟
ألم يفعلها ملك الأردن السابق قبيل حرب أكتوبر 1973، وكذلك أشرف مروان صهر الزعيم المفدى ذي الحنجرة الذهبية جمال عبد الناصر والذي نعته الكيان الصهيوني بالملاك ولم تستطع مصر إنكار تسريبه لأدق أسرار المعركة!
ثم ماذا كنت تتوقع من نظام جاء بدعم صهيوني غير مسبوق، وتعهد بحماية حدود الكيان وأعلنها مرارا وتكرارا "لن نسمح بأي عمليات ضد الجيران، أو ليست فلسطين دولة جارة؟".
لماذا نريد إيقاظ هؤلاء أو نحاول إحياء من مات، أوَ ليس الله وحده هو من يبعث من في القبور؟
نهتف ونصرخ منذ عقود: أين العرب وأين الحكام ونحن نعلم أن كلهم أو جلهم إما في حالة سكر أو موت سريري، وأنه لا يستيقظ إلا على اتصال هاتفي من القادة الصهاينة أو الأمريكان: قم فالأمر عاجل ونحتاج إلى تدخلك لوقف قصف الفسطينيين على تل أبيب أو القدس، أو قم فنحن بحاجة إلى جهودك لإقناع الفلسطينيين بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الأسرى ومن يسمون بالرهائن.
يحدثونك ليل نهار عن حرمة التعامل مع النساء والأطفال من الأسرى والمعتقلين، وعندما تعرض عليهم صور إهانة شعب بأكمله عند معبر إيريز كل صباح يقولون لك: ولماذا يذهب الفسلطينيون إلى داخل الكيان؟ لماذا لا يعملون في بلدهم؟ ويذكرني هذا بالمقولة المنقولة والمشهورة عن الأميرة الفرنسية ماري إنطوانيت حين قيل لها أثناء الثورة إن الشعب لا يجد الخبز، فقالت ولماذا لا يأكلون الكيك؟
لن أحدثك عن موقف الإمارات ولا البحرين، فقد أعلنتا عن دعمها ووقوفهما مع الكيان الصهيوني ضد المقاومة!
كنت أود الحديث عن موقف مصر، ولكنك تعلم أن قيادة مصر خانت شعبها وليس بالصعب عليها خيانة ما دون ذلك.
كنت أـتمنى أن أحدثك عن الأردن المجاور لفلسطين المحتلة، ولكن وكما تعلم فالأردن وملكه مشغول بالقدس والدفاع عنها.
كنت أتمنى أن أحدثك عن السعودية، ولكنها تراقب الموقف بحسابات العلاقة الاستراتيجية مع أمريكا وما تقوله أمريكا يمشي على الجميع، لذلك فهي تراوح بين التودد للكيان وخشيتها من إيران ورغبتها الدفينة في دفن القضية الفلسطينية؛ وودّت كما غيرها لو تنشق الأرض وتبتلع غزة والضفة الغربية..
في حسابات القوى والموازين العسكرية سيخرج علينا جنرال أو عدة جنرالات ليقولوا ببراءة إن ميزان القوة مختل وأن المقاومة لا يجب أن تواجه العدو الذي تدعمه أمريكا والعرب العاربة والمستعربة والمستنسخة، يقولون هكذا في كل مرة وتخرج المقاومة منتصرة لأن اسمها حركة مقاومة وظيفتها الأولى والأخيرة هي مقاومة الاحتلال.
في حسابات الدين والشريعة فالمقاومة شرف والمقاوم شهيد محتمل بمجرد قراره أن يقاوم المحتل أو المغتصب، ولكن وفق حسابات مشايخ السلطة ووجهاء "الجامية" فلا قتال إلا بإذن ولي الأمر، ولماذا لا يأمر ولي الأمر وقد احتلت الأرض واغتصبت النساء وأهين الكبار والصغار؟
وفي حسابات بعض المتصهينين يقولون لك: ماذا قدمت المقاومة لشعبها، وينسى هذا المتصهين أو ذاك أن المقاومة محاصرة كما الحال في معظم بلاد العرب وأنها أُخرجت من الضفة، وأن السطة الفلسطينية غير المنتخبة تقتل وتسجن، كما أن المعابر تحاصرها سواء معابر العدو المباشر أو غير المباشر كمعبر الدولة العربية الشقيقة الذي يفتح بحساب وبكلمة سر علمها عند ربي وعند الصهاينة، فماذا كانت عساها أن تفعل المقاومة؟
الساسة سيقولون لك إن هناك ترتيبا إيرانيا لتعطيل مشاريع التحالف بين العرب الخليجيين والكيان الصهيوني، وأن إيران تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة.. وأقول: ولماذا لا تفرضون أنتم كلمتكم ولا ترفعون رايتكم وتنتصرون للقضية، وساعتها ستقف كل الشعوب معكم، وستنزوي إيران وستعود من حيث أتت؟
الساسة سيقولون لك إن هناك ترتيبا إيرانيا لتعطيل مشاريع التحالف بين العرب الخليجيين والكيان الصهيوني، وأن إيران تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة.. وأقول: ولماذا لا تفرضون أنتم كلمتكم ولا ترفعون رايتكم وتنتصرون للقضية، وساعتها ستقف كل الشعوب معكم، وستنزوي إيران وستعود من حيث أتت؟
في حسابات السياسة إيران تكسب والعرب يخسرون كل شيء إلا مناصب حكامهم، وفي حسابات الشعوب فالمقاومة تكسب والعرب يخسرون كرامتهم، وفي دفاتر التاريخ تكسب الشعوب الحية ويخسر الجبناء لأنهم يموتون ألف مرة خصوصا حين يرون الضعفاء يقاومون وينتصرون..
الحرب ليست إلا تفاوضا بطريقة دموية، وحين تكتب عليك الحرب فلا بد أن تدخلها لتنتصر، وحين يرى القوم أنك على بعد خطوات من النصر سيجتمعون عليك ويوحدوا صفوفهم من أجل تعطيل إعلان النصر.
احذر الكاتب البهلواني الذي يتصدر المشهد في الصحف والمواقع يردد كالببغاء تحذيرات أمريكا الجوفاء، وأنها أعلنت الحرب على الفلسطينيين وعلينا أن نجنب أنفسنا ويلات هذه المواجهة.
واحذر اللواءات والقادة العسكريين السابقين الذين يفلسفون الأمور وينتقدون خطط المقاومة العسكرية، والله يعلم أن أحدهم لم يشارك في معركة عسكرية إلا عبر ألعاب الفيديو.
واحذر الساسة المؤدلجين خصوصا القوميين وأدعياء العروبة؛ لأنهم يبدأون أحاديثهم بمدح المقاومة ثم ينقضوّن عليها انقضاض الأسد على فريسته لأنها مقاومة "مؤدلجة" و"عادة ما تخدم أهداف الإخوان المسلمين"!..
سلام على أهلنا في فلسطين المقاومة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين المقاومة إسرائيل فلسطين المقاومة التطبيع طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الصهیونی ولماذا لا فی حسابات لا یزال
إقرأ أيضاً:
سلاح المقاومة… درع الكرامة وخط النار الأخير في وجه العدوان الصهيوني
يمانيون../
في مواجهة غطرسة الكيان الصهيوني وتصعيده المستمر في جنوب لبنان، يبرز سلاح حزب الله بوصفه أكثر من مجرد ترسانة عسكرية؛ إنه التعبير العملي عن إرادة شعب، ودرع الأمة الأخير في وجه مشروع توسعي لا يزال يحلم بحدود الدم والنار. بهذا الفهم، يؤكد قادة الحزب مرةً بعد أخرى أن سلاح المقاومة ليس موضع نقاش، بل هو حاجة استراتيجية وضرورة وجودية فرضها العدوان، وثبّتها الصمود، وباركها دم الشهداء.
الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، وجّه رسالة واضحة وقاطعة خلال خطابه الأخير، إذ شدد على أن الحديث المتكرر عن نزع سلاح المقاومة ليس سوى امتداد للضغوط الأمريكية المتزايدة على الحكومة اللبنانية الجديدة، والتي تحاول واشنطن من خلالها استخدام ملف السلاح كأداة ابتزاز سياسي لفرض أجندتها. وأكد قاسم بلهجة حاسمة أن “سلاح المقاومة ليس خاضعًا لأي مساومة أو تفاوض، ولا يمكن أن يُسلّم تحت أي ظرف”.
وأشار قاسم إلى أن الحزب لا يعبأ بتهديدات واشنطن ولا بالحملات الصهيونية والإعلامية التي تُشنّ ضده، مؤكدًا أن بقاء السلاح مرتبط باستمرار الاحتلال، واستمرار العدوان، وأن أي محاولة للمساس به تصب مباشرة في مصلحة الكيان الصهيوني ومشروعه التوسعي في لبنان والمنطقة.
ويؤيد هذا الموقف عدد من القيادات السياسية والدينية في لبنان، ممن يعتبرون أن المقاومة وسلاحها ليسا خيارًا، بل قدرًا فرضته الضرورة، وحقًا شرعيًا كرّسته الوقائع والتضحيات. وفي هذا السياق، صرّح نائب رئيس المجلس السياسي في الحزب، محمود قماطي، بأن “اليد التي ستمتد إلى سلاح المقاومة ستُقطع”، مُستعيدًا عبارة خالدة للشهيد القائد السيد حسن نصر الله، الذي كان أول من وضع معادلة الردع منذ عقود.
أما المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، فقد عبّر عن الموقف بوضوح أكبر حين قال إن “لبنان بلا مقاومة بلد بلا سيادة”، محذرًا من أن مجرد التفكير في نزع سلاح المقاومة هو انتحار سياسي ووطني، ويمثل وصفة جاهزة لتفجير الداخل اللبناني وتمزيقه أمام الأطماع الصهيونية.
وفي تأكيد آخر لصلابة موقف المقاومة، قال مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب، وفيق صفا، إن “الحديث عن نزع سلاح المقاومة ليس إلا جزءًا من حملة نفسية وإعلامية تحريضية، تقودها أطراف مرتبطة بمحاور خارجية، في محاولة فاشلة لتفكيك البنية الصلبة للمقاومة، والضغط على بيئتها الشعبية المتجذرة”. ولفت إلى أن “الاستراتيجية الدفاعية التي تُطرح ليست لتسليم السلاح، بل لحماية لبنان، ولا مجال لأي حوار في هذا الشأن ما لم يُحرر كامل التراب الوطني، وتُكف الاعتداءات الصهيونية”.
من جهته، أكد النائب حسن فضل الله، عضو كتلة الوفاء للمقاومة، أن أي حوار وطني بشأن مستقبل المقاومة واستراتيجيتها الدفاعية يجب أن يتم فقط مع القوى التي تعترف بالعدو الصهيوني كعدو، وتضع السيادة اللبنانية فوق أي ارتباط خارجي، سواء كان أمريكيًا أو صهيونيًا. وقال: “نحن لا نتحاور مع من يهاجم المقاومة، ولا مع من يضلل الرأي العام، بل مع من يشاركنا القناعة بأن سلاح المقاومة هو صمّام الأمان الوحيد في مواجهة تهديدات الكيان الغاصب”.
بين سلاح يشهر للردع وواقع سياسي مأزوم
تتزايد الضغوط الداخلية والخارجية على المقاومة في ظل مساعٍ متكررة لتفكيك عناصر القوة اللبنانية، وتفريغها من محتواها السيادي. هذه الضغوط – سواء أتت من دول غربية أو جهات محلية – تصطدم دوماً بجدار الوعي الذي أسسه حزب الله بين جمهوره، والذي جعل من سلاح المقاومة جزءًا من الهوية الوطنية ومن الذاكرة الجماعية التي نُحتت بالدم.
وإزاء هذا المشهد، يتأكد مجددًا أن معادلة الردع التي فرضها حزب الله لم تكن فقط توازنًا عسكريًا، بل خطابًا سياسيًا أخلاقيًا يعيد تعريف العلاقة مع العدو: لا تفاوض على الكرامة، ولا مساومة على السيادة، ولا انحناء تحت مقصلة الابتزاز الدولي.
من “عناقيد الغضب” إلى “الوعد الصادق”.. سلاح المقاومة يتطوّر في وجه العدوان
لم يكن سلاح حزب الله وليد لحظة عابرة، بل جاء نتاجًا لتجربة نضالية عميقة تشكّلت منذ الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، حين فرض الاحتلال نفسه بقوة الحديد والنار حتى العاصمة بيروت، ليبدأ الحزب رحلة بناء عقيدة مقاومة مسلّحة، تمازجت فيها العقيدة الإيمانية مع الفعل العسكري المنظم.
شهدت التسعينيات محطات فارقة، أبرزها تصدي المقاومة لعدوان “عناقيد الغضب” عام 1996، الذي عرّى وجه الصهاينة أمام العالم بمجزرة قانا، وأرسى قواعد اشتباك جديدة فرضت على الكيان حسابات دقيقة قبل شنّ أي هجوم. لكن المنعطف الأخطر جاء في العام 2000، حين أجبر حزب الله جيش الاحتلال على الانسحاب من جنوب لبنان بلا قيد ولا شرط، وهو أول انسحاب صهيوني من أرض عربية تحت ضغط السلاح المقاوم، دون اتفاق سياسي.
غير أن ذروة تطور سلاح المقاومة تجلّت بوضوح في عدوان تموز 2006، حين فاجأ حزب الله الكيان الصهيوني والعالم بإمكاناته العسكرية المتقدمة، من صواريخ الكاتيوشا إلى صواريخ “خيبر” و”فجر”، وصولًا إلى الطائرات المسيّرة وقدرات الحرب الإلكترونية والتشويش والرصد الدقيق. ولأول مرة، وجد العدو نفسه أمام عدو غير تقليدي يملك القدرة على إحداث شلل في جبهته الداخلية، بل واستهداف عمقه.
ومع توسع الخبرات وتراكم التجربة، لم يعد سلاح الحزب مجرد بنادق ومضادات، بل أصبح منظومة متكاملة تملك قدرات دقيقة في الرصد، والتوجيه، وتحديد بنك الأهداف، الأمر الذي حوّل “الردع” من شعار إلى واقع ميداني أجبر الصهاينة على التراجع والارتباك مرارًا.
اليوم، وفي ظل التصعيد الجاري، يعود سلاح المقاومة ليتصدر الواجهة، لا بوصفه أداة مواجهة آنية، بل كقوة استراتيجية إقليمية باتت تحسب لها تل أبيب ألف حساب، وسط قناعة متزايدة لدى جمهور المقاومة بأن هذا السلاح ليس فقط لحماية لبنان، بل لحماية مستقبل المنطقة من المشروع الصهيوني بكل تجلياته.
من بعد 2006 إلى عتبة 2024: سلاح حزب الله في مسار تصاعدي نحو الردع الإقليمي
2006 – “الوعد الصادق” يرسم بداية جديدة:
شكّل انتصار المقاومة في حرب تموز 2006 نقطة تحوّل نوعية في الوعي العسكري الصهيوني، إذ كشفت الحرب أن حزب الله بات يمتلك منظومة صاروخية قادرة على إصابة العمق الصهيوني، من حيفا إلى ما بعد ما يسمى “غوش دان”، وهو ما أدّى إلى تغيّر العقيدة الأمنية الصهيونية من الهجوم إلى الاحتواء والردع المتبادل.
2008 – بعد اغتيال القائد عماد مغنية:
كان اغتيال الحاج عماد مغنية (رضوان) بمثابة إعلان من المقاومة للدخول في مرحلة الرد الطويل الأمد، حيث بدأت العمل على تطوير سلاحها النوعي، لاسيما تقنيات التخفي، ونقل الخبرات، وإعادة تشكيل وحدات النخبة (الرضوان) بأساليب متقدمة في القتال غير المتماثل.
2011–2017 – الحرب السورية ومراكمة الخبرات:
انخراط حزب الله في الحرب السورية، رغم كل ما أثاره من جدل، وفّر له فرصة استراتيجية لاختبار أسلحته في بيئة حرب حقيقية متعددة الجبهات، واكتساب خبرات غير مسبوقة في العمل البرّي والتكتيك العسكري، ما عزّز قدرته على القتال في التضاريس المفتوحة والمدن على السواء.
2018 – الكشف عن الأنفاق الهجومية:
أعلنت “إسرائيل” عن عملية “درع الشمال” لاكتشاف أنفاق يمتلكها حزب الله على الحدود، وهو ما أكد تطور قدرة الحزب الهندسية والتخطيط الاستراتيجي، حيث كشفت العملية عن مدى اقتراب الحزب من تحويل الحرب القادمة إلى حرب هجومية داخل الأراضي المحتلة.
2020 – تكنولوجيا الطائرات المسيّرة تتصدر المشهد:
بدأ حزب الله باستخدام المسيّرات بشكل أكثر علنية، سواء في عمليات رصد أو في توجيه رسائل ردع، وقد اعترف العدو بسقوط طائرات مسيّرة داخل أراضيه وتحليق أخرى في عمق مناطقه، في إشارة إلى أن المقاومة باتت تستخدم الذكاء الاصطناعي والمراقبة الجوية ضمن منظومة قتالية متكاملة.
2022 – “سيف القدس” وتكامل الجبهات:
في ظل المواجهات في فلسطين المحتلة، أعلن حزب الله أكثر من مرة جاهزيته للدخول في أي مواجهة شاملة، مما شكّل تطورًا نوعيًا في تكتيك “وحدة الجبهات” ضمن محور المقاومة، حيث تم التلويح بإمكانية ضربات متزامنة من لبنان وغزة واليمن والعراق وسوريا، لتشتيت القدرة الصهيونية على إدارة حرب متعددة الاتجاهات.
2023 – صواريخ “دقيقة” وخارقة للردع الصهيوني:
أكدت تقارير استخباراتية أن حزب الله بات يمتلك مئات الصواريخ الدقيقة القادرة على إصابة أهداف حيوية، من المرافئ العسكرية إلى منشآت الطاقة، ومن مطار بن غوريون إلى مباني الكنيست. وقد أقر قادة العدو علنًا أن “أي مواجهة مقبلة مع الحزب ستكون تدميرية وغير قابلة للحصر”.
2024 – “توازن الرعب” يتحول إلى توازن الردع المحسوم:
مع تزايد التصعيد في جنوب لبنان، وارتباط حزب الله استراتيجيًا بالمواجهة الكبرى في غزة، أصبحت أي عملية عسكرية ضد لبنان محفوفة بثمن باهظ على الكيان الصهيوني. وقد تحوّل سلاح المقاومة إلى “صندوق أسود” لا يعرف العدو محتوياته كاملة، لكنه يدرك تمامًا أنه كفيل بتغيير قواعد اللعبة.