القدس المحتلة– خلف أبواب غرف المرضى الموصدة قصص ألم يعجز أصحابها عن وصفها بالكلمات وتدور في خلدهم أسئلة كثيرة ذات إجابات مجهولة أو مأساوية.

إلى مستشفى أوغستا فكتوريا (المُطّلع)، اتجهت الجزيرة نت للقاء مرافقين ومرضى غزيين يتعالجون من مرض السرطان، ولن يغادروا المستشفى حتى تضع الحرب أوزارها.

من كافة الفئات العمرية، يرقد أطفال يتعالجون من أورام مختلفة، وبينهم من يدرك ما يجري في مسقط رأسه وآخرون رُضّع ترافقهم أمهاتهم وجداتهم اللواتي أنهكت الحروب المتتالية على غزة ملامح وجوههن وجففت دموع بعضهن.

حنان أبو كلوب (57 عاما) ترافق حفيدتها الرضيعة التي أكملت عامها الأول في مستشفيات القدس بعد تشخيصها مؤخرا بمرض سرطان الدم (اللوكيميا).

44 مريضا بالسرطان لم يتمكنوا هذا الأسبوع من الوصول إلى مستشفى المطلع بالقدس (الجزيرة) قصف دون تحذير

تعيش هذه المسنة مع عائلتها الممتدة في مخيم الشاطئ بغزة الذي ناله نصيب من القصف في العدوان الأخير، وتقول إن "أصعب ما في هذه الحرب هو القصف دون تحذير، الأمر الذي يضع السكان في خطر شديد".

وتضيف للجزيرة نت "بمجرد تحليق الطائرات في المكان تبدأ بعض العائلات بإخلاء منازلها خوفا من أن تكون الهدف المقبل للطائرات، وهكذا فعلت عائلتي التي تعيش الآن حالة من التشتت والرعب، وما يؤلمني هو صعوبة التواصل معهم في ظل الحرب".

تقطع الجدّة حنان حديثها مع الجزيرة نت كلّما بدأت حفيدتها سما بالبكاء، فتهدئها برفق في حضنها تارة وتمسح شعرها وتداعبها تارة أخرى.

"قلبي موجوع على سما وعلى أسرتي هناك"، تقول هذه الكلمات بينما تذرف دموعها وتشرح عن ساعات عصيبة قضتها يوم الاثنين وهي تنتظر معرفة مصير أحد أبنائها الذي فُقد بُعيد قصف أحد المساجد وانقطع الاتصال به لساعات قبل عودته سالما.

ليس بعيدا عن غرفة سما، يرقد الطفل علي جنينة (8 أعوام) وبجواره تجلس والدته مي تاركة خلفها زوجها و3 أطفال يتجرعون ويلات الحرب في حي الرمال وتتجرع هي مرارة البعد عنهم وحسرتها على عليّ في آن واحد.

مي جنينة مع طفلها علي وخلفها زوجها و3 أطفال في حي الرمال المدمر (الجزيرة) "قلبي مفطور"

"أعز الحبايب تركت في غزة، قلبي مفطور على طفلي ذي العامين الذي حمله والده وركض به من شارع إلى آخر هربا من الموت، لم أعد أصدق أن أحدا لم يمت منهم في هذه الحرب، أطلب رؤيتهم بمكالمة فيديو لأصدق أنهم أحياء من هول المشاهد"، تقول مي للجزيرة نت.

وعند سؤالها عمّا يعنيه أن تكون فلسطينية تنحدر من غزّة، أجابت "يعني أن أعيش الألم وأصبر، الأم الغزية هي جبل المحامل".

طمأنها زوجها أنهم جميعا بخير رغم تضرر المنزل بالشظايا المتطايرة من قصف المنازل المجاورة، لكنه أخبرها في الوقت ذاته أنها "لن تتعرف على الحي عند عودتها لأنه نُسف وتغيرت ملامحه، بل إن ملامحه اختفت كليّا".

يسمع عليّ حديث أمه ويقول إن "أمنيته الوحيدة احتضان والده الذي لم يحظ برؤيته منذ شهر في ظل منعه من الخروج من غزة لمرافقة طفله في رحلته العلاجية".

يهوى عليّ لعب كرة القدم وكان يمارس هوايته في ناد قريب من منزله، لكنه لا يعلم أن النادي قُصف ودُمّر حلمه بارتداء قميص "رونالدو" والتوجه إليه مجددا.

الطفلة أميرة العشي مع والدتها إيمان تتابعان أخبار العائلة عبر الهاتف (الجزيرة) محاربة

غادرنا غرفة هذا الطفل الذي يعالج أيضا من مرض "اللوكيميا" بينما كان يردد على مسامع والدته سورة "النصر"، وتعززه الأخيرة وتشجعه على الاستمرار في محاربة المرض لأنه أقوى وأكبر منه.

في الغرفة المقابلة كانت ترقد أميرة (11 عاما) وبمجرد الوصول إلى سريرها انفجرت باكية وقالت لأمها "هيّو (ها هو) الحيط واقع"، بعدما استرقت النظر إلى هاتف أمها ووجدت أن منزل جدّها قد هُدم جزئيا بفعل القصف.

لم تهدأ أميرة منذ صباح السبت الماضي، وببكائها المستمر تعبر عن حاجتها للعودة إلى قطاع غزة لتكون مع والدها وأختها الصغيرة حتى وإن كانت تحت القصف.

تعيش والدتها إيمان العشي ساعات عصيبة بين محاولة تهدئة روع طفلتها المريضة بسرطان الدماغ، وبين بقية أسرتها الراضخة تحت القصف العشوائي.

"نعيش في حي الرمال الذي استهدفه القصف لساعات، قلبي هوى عندما سمعت أن القصف بدأ في هذا المكان، وما يعقّد الأمور أن أميرة لا تتقبل العلاج ولا تريد سوى العودة إلى غزة"، تقول الأم للجزيرة نت.

عبثا حاولنا تهدئة أميرة التي جلب صوت بكائها الممرضين في القسم ووعدوها بأن تغادر إلى غزة عندما تُفتح الطرق باتجاهها.

الأطرش: لدينا حاليا 47 مريضا من غزة يتلقون العلاج ونوفر المبيت لمن يحتاجونه (الجزيرة) إجراءات استثنائية

على أسرّة المرض يمكث الآن 47 مريضا غزيّا مع مرافقيهم في مستشفى المطّلع، وفقا للمدير التنفيذي للمستشفى الطبيب فادي الأطرش، الذي قال للجزيرة نت إن المستشفى اتخذت إجراءات استثنائية منذ اندلاع الحرب يوم السبت الماضي.

وشُكّلت غرفة طوارئ لضمان استمرار العمل في المستشفى عبر ضمان وصول الطواقم الطبية من الضفة الغربية في ظل حالة الإغلاق، ومحاولة تسهيل وصول مرضى الضفة بتوفير حافلات تقلهم باتجاه المستشفى، إضافة إلى متابعة المرضى الغزيين ممن يتعالجون في المستشفى وتقديم كافة ما يلزم لدعمهم نفسيا وتوفير احتياجاتهم ومرافقيهم على كافة الأصعدة، بما في ذلك المبيت في الفنادق.

ووفقا للأطرش، فإن المرضى الغزيين يشكلون ما نسبته 30% إلى 40% من المرضى في المستشفى على مدار العام، وإن 44 مريضا غزيّا كان يجب أن يصلوا لتلقي العلاج الكيميائي هذا الأسبوع لكن تعذر ذلك مع اندلاع الحرب، إلى جانب 64 مريضا للعلاج الكيميائي و28 للعلاج الإشعاعي الأسبوع القادم، وتشير المعطيات على الأرض أن أيّا من هؤلاء لن يتمكن من الوصول.

ويؤثر ذلك على استقرار حالة المريض ونتائج علاجه وفقا للمدير التنفيذي، كما ستؤثر عليه الكوارث البيئية التي قد تحل في القطاع مع استمرار قطع الماء والكهرباء عنه بأوامر احتلالية.

وأكد الأطرش "ما يجري في غزة سيؤدي إلى كارثة إنسانية، لذلك عقدت شبكة مستشفيات القدس الشرقية اجتماعا وضعت فيه خطة طوارئ تتكاتف فيها الجهود في حال وصل جرحى من الحرب إلى المستشفيات".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

هآرتس: بصمت و”تذكرة باتجاه واحد”.. ألا يرى العرب أن خطة ترامب لترحيل الغزيين قد بدأت؟

#سواليف

ربما يجدان أنفسهما في مواجهة سياسية مباشرة مع رئيس غير متوقع. هذا عقب تصريحات #ترامب استيعاب الدولتين #لاجئين_فلسطينيين من قطاع #غزة، والإعلان بأنهما “ستفعلان ذلك”. إن القول بأن الولايات المتحدة تساعد #القاهرة و #عمان، ولذلك “يجب عليهما”، قول يمس نقطة حساسة جداً.

بشكل رسمي، رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله وحكومتاهما، المبادرة كلياً، وأعلنا معارضتهما فكرة الترانسفير أو #تهجير سكان القطاع. السبت، حصلا على دعم لموقفهما من السعودية وقطر والإمارات، بنشر بيان مشترك مع السلطة الفلسطينية، رفضوا فيه هذه الخطة.

باستثناء ذلك، تحذر مصر من تداعيات تحقيق هذه الخطة على الأمن القومي في الدولة، وضمن ذلك شبه جزيرة سيناء، وأن هذه الخطة ستحتاج إلى إعادة استعداد الجيش المصري – القضية التي ستضطر إسرائيل أيضاً إلى تقديم إجابات عليها. أما الأردن فسيضع قضية الأمن القومي على رأس اهتماماته، وسيوضح للرئيس الأمريكي بأن تدفق مئات آلاف الفلسطينيين إلى المملكة سيقوض استقرارها، خصوصاً في ظل العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة. مع ذلك، عدم تنازل ترامب عن الفكرة وعدم استعداده للموافقة على رد سلبي، تحتاج إلى استعداد من ناحيتهم.

مقالات ذات صلة الثلاثاء .. جبهة هوائية دافئة في مُقدمة مُنخفض جوي 2025/02/04

القاهرة وعمان لا تخفيان خوفهما، وتوضحان أن التوقيت الحساس الذي قيل فيه إعلان ترامب، وعلنيته، لا تبقي أمام الزعيمين أي هامش للمناورة. من جهة، الرأي العام في الدولتين يعارض هذه المبادرة بشدة، لكن من جهة أخرى، العقوبات أو أي تقليصات للمساعدات قد تهدد منظومات حيوية في الأردن ومصر.

حسب دبلوماسيين وجهات سياسية تحدثت لـ “هآرتس” في الدولتين، وفي السلطة الفلسطينية أيضاً، فإن للولايات المتحدة أدوات وروافع ضغط على القاهرة وعمان، خصوصاً في المجال العسكري والمالي. لن تحتمل الدولتان عبء أي أضرار اقتصادية شديدة أو نقص في التزويد المتعلق بمنظومات عسكرية ما لم تجدا شبكة أمان اقتصادية من دول أخرى. “مع كل الاحترام للبيان المشترك مع السعودية، فإن هذا الموقف بحاجة إلى شبكة أمان اقتصادية واسعة لتمكين السيسي وعبد الله من الوقوف أمام ترامب”، قال مصدر مصري مقرب من متخذي القرارات في القاهرة. وحسب قول هذا المصدر، فإن دولة مثل مصر تعتمد على مساعدات واشنطن، وهي بحاجة إلى البنك الدولي الذي تمتلك فيه الولايات المتحدة قوة كبيرة. “ما لم توجد خطة بديلة، ستجد مصر صعوبة في مواجهة ضغط الإدارة الأمريكية إذا صمم ترامب على تطبيق خطته”، قال المصدر.

استمرار الانقسام الداخلي سيصعب على الفلسطينيين معارضة خطة ترامب. حسب أقوال مصادر فلسطينية، فإن حماس والسلطة الفلسطينية عبرتا عن معارضتهما الحازمة للفكرة، لكنهما لا تنجحان في التوافق فيما بينهما على طريقة عملية لإدارة القطاع، ما قد يفشل أي محاولة للمضي بخطة بديلة. “المفارقة أن إعلان ترامب فاجأ حكومة إسرائيل أيضاً”، كتب الكاتب والصحافي الفلسطيني داود كتاب، الذي يعيش في الأردن. وحسب قوله، من غير الواضح إذا كان تصريح ترامب نتيجة تخطيط استراتيجي أم مجرد زلة لسان نبعت من محادثات وصلت إلى أذنه في مارلاغو.

حسب أقوال كتاب، فإن عدم مصادقة مجلس الشيوخ بعد على تعيين مستشار ترامب للأمن القومي، يدل على أن هذا التصريح ليس جزءاً من خطة مبلورة. القاهرة وعمان تتوقعان أن نتنياهو لو كان معنياً بالتنسيق معهما والحفاظ على علاقات عمل سليمة مع الدولتين، حتى لو لم تكن علنية، فعليه ألا يعلن تأييد هذه العملية. “قد يرمي ترامب من واشنطن أفكاراً إزاء غزة من وجهة نظر رجل العقارات، لكن الواقع على الأرض وتأثيرات ذلك على المنطقة أكبر من خطة الإخلاء – بناء للرئيس الأمريكي”، قال دبلوماسي عربي للصحيفة.

يخشى سكان قطاع غزة من أنه مع غياب الخطة البديلة، سيجعل الولايات المتحدة وإسرائيل تحولان الإخلاء الإنساني أو الأمني إلى تذكرة باتجاه واحد، وعملياً سيشكل ترانسفير صامتاً. “وهذا بدأ بالأسرى، ويستمر الآن بالجرحى والمرضى، وربما لاحقاً بفئات أخرى مثل التعليم ولم شمل العائلات في الخارج، ومن يخرج لن يعود”، قال ناشط في مجال المساعدات الإنسانية في القطاع. وحسب قوله، فإن على القيادة الفلسطينية بكل فصائلها والدول العربية التوحد أمام ترامب واقتراح بدائل لإعادة إعمار القطاع وإدارته بدون ترانسفير، وإلا فسيستمر بالتسلي بالفلسطينيين كلعبة.

مقالات مشابهة

  • ناشطون بعد تصريحات ترامب عن تهجير الغزيين: أحلام عنصري لن تتحقق
  • جامعة إقليم سبأ تحتضن ندوة توعوية بمناسبة اليوم العالمي للسرطان.
  • معاناة كبيرة تواجه مرضى السرطان في محافظة درعا
  • بحث تقديم أفضل الخدمات الصحية لأطفال مرضى السرطان في سوريا ‏خلال اجتماع بوزارة الصحة ‏
  • المتحدث باسم وزارة الأوقاف أحمد الحلاق لـ سانا: منذ اليوم الأول للتحرير عملنا في وزارة الأوقاف على تشكيل لجان لإحصاء المساجد والمنشآت التعليمية الشرعية المهدمة جراء القصف الهمجي الذي شنه النظام البائد على المدن والأرياف، حيث لم تسلم أي محافظة من المحافظات
  • لغة الجسد تفضح كانييه ويست وزوجته بعد تعرّيها في حفل Grammys!
  • هآرتس: بصمت و”تذكرة باتجاه واحد”.. ألا يرى العرب أن خطة ترامب لترحيل الغزيين قد بدأت؟
  • ما الذي ورط الجمهوريون أنفسهم فيه؟!
  • شفاء الأورمان تنظم قافلة طبية مجانية لعلاج الرمد للأطفال مرضى السرطان
  • الجزيرة ترصد أوضاع مدارس الطوارئ بمخيمات النازحين في السودان