المترجمة العمانية ريم داوود: علينا التحلي بأمانة النقل لنفهم دوافع أحداث العالم والهويات الثقافية المتنوعة
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
لستُ من أنصار الهوامش الكثيرة في القصص القصيرة والروايات -
كنتُ أستبعد أن يهدّد التقدّم التكنولوجي مهنة الترجمة.. والآن لم أعد متأكّدة من ذلك!
هناك مترجمون أخلصوا للمجال وقدّموا أعمالا تشعرك بأنها النَصّ الأصلي -
الرقابة من كل الجهات من التحدّيات المستمرة التي نواجهها -
قرأتُ كتبًا لمترجمين كبار بها أخطاء في فهم المعنى الفعلي -
الترجمة عبر لغة وسيطة لا تقلل من قيمة العمل -
في الأعماق التي يغمرها صدى الكلمة وأصداء اللغات، يستيقظ عالم الترجمة بكل تفاصيله وتعقيداته.
تبدأ رحلتها الأدبية بترجمة رواية «دكان الساري» لروبا باجوا، لكن سرعان ما توسعت رؤيتها لتشمل مجموعة واسعة من الأعمال الأدبية المتنوعة والغنية، حيث ترجمت «القناص» لبلايز مينفسكي، ومجموعة «سبع ليال في حدائق الورد» ليي ماي، و«التطهير» لصوفيا أوكسانين، و«حديقة الكلاب» لصوفيا أوكسانين، و«الموت في بابل.. الحب في إسطنبول» لإسكندر بالا، و«سحر» لصلاح الدين دميرتاش، و«التعساء» لديمتري فيرهولست، و«فندق الغرباء» لديمتري فيرهولست، و«اسمي نور» لإلسا أوسوريو، و«زيارة لمكتبات العالم» لخورخي كاريون، و«لا صديق سوى الجبال» لبهروز بوتشاني، و«أمي عميلة سرية» لأوندراش فورجاتش، و«أحزان هندية» لعبدالله خان، و«سفر دانيال» لإي إل دوكترو.
في هذا الحوار تقدم ريم داوود وجهة نظرها حول التوازن المطلوب بين الدقة اللغوية والولاء للثقافة الأصلية، وفي زمن تقني نشهد فيه طفرة في الترجمة الآلية، تتحدث عن مكانة الإنسان في هذا المجال.. ونستكشف جوانب فن الترجمة ومواجهة التحديات التي تقابل المترجمين في عصرنا الراهن.
في أعماق فن الترجمة الثقافية، يواجه المترجمون تحديا معقدا، حيث يتعين عليهم التلاعب ببراعة بين الإلمام اللغوي المطلق واحترام السياق والخلفية الثقافية للنص. بصفتك مترجمة، بأي طريقة تمزجين بين هذين الجانبين الحيويين في عمليات الترجمة التي تقومين بها؟ وعندما تصطدم بالتحديات المتعلقة بذلك، ما القضايا التي تظهر أمامك وكيف توجهين جهودك لتجاوزها بكفاءة؟
الفكرة هي أن تنقل النَصّ، بكلّ مضامينه، التي تعكس ثقافة أخرى، مختلفة تمام الاختلاف عن ثقافة القارئ، في الأغلب، بأسلوب سلِس ولغة رشيقة، تجذب القارئ وتدفعه لمواصلة القراءة دون ضجر. لستُ من أنصار الترجمة الحرفية، وخاصّة عندما يستخدم المؤلف عبارات اصطلاحية تخصّ لغته. ترجمتُها كما هي تجعل النصّ العربي غريبًا وغير مفهوم، في معظم الأحيان، ويمكن حلّ ذلك بكتابة المعنى، دون الالتزام بترجمة كل كلمة في العبارة. نقل المعنى للقارئ، هو الأهمّ في رأيي، وخاصّة في الأعمال الأدبية.
كذلك، لستُ من أنصار الهوامش الكثيرة في القصص القصيرة والروايات، لشرح ما يقصده المؤلف. يمكن تجنّب ذلك عن طريق كتابة المعنى، والابتعاد عن ترجمة النَصّ حرفيًا. يحافظ ذلك على متعة القراءة.
الترجمة الأدبية هي إعادة صياغة للنَصّ الأصلي، بصورةٍ مقبولة وبعبارات مفهومة. لكي تنجح في ذلك عليك أن تمتلك لغة عربية سليمة، وأن تعرف اللغة التي تترجم عنها معرفة جيّدة، وأن تكون مُلِمًّا بثقافة المجتمع الذي يكتب عنه المؤلّف. يمكن تحقيق كل ذلك عن طريق القراءة باللغتين، إذ لا كتابة ولا ترجمة دون قراءة. الأخيرة هي الأساس لأعمالٍ أدبية حقيقية. على المترجم ألّا يكتفي بقراءة الكتب وحدها، وأن يسعى لزيادة حصيلة لغته ومفرداته ومعلوماته عبر مصادر الثقافة المختلفة، المتاحة له.
عادةً، لا تواجهني مشكلات من هذا النوع، إلّا إذا تناول العمل الأصلي موضوعات أنا غير مُلمّة بجوانبها على نحوٍ تامّ، كالحركات السياسية والأحزاب، على سبيل المثال. حدث ذلك عند ترجمتي لرواية «اسمي نور»، للكاتبة «إلسا أوسوريو»، وتكرّر ثانيةً عند ترجمة رواية «سِفر دانيال» للكاتب «إي إل دوكتورو». في المرّتين، اعتمدت على البحث والقراءة لاستكمال ما ينقصني من معلومات.
هناك مجالات لا أفهمها بتاتًا، مثل الاقتصاد. قبل سنوات قليلة، عُرضت عليّ ترجمة كتاب عن الاقتصاد، فاعتذرت عن عدم قدرتي على ذلك، حتى قبل الاطّلاع عليه؛ لإدراكي أن غيري سيخرجه بشكلٍ أفضل منّي بمراحل، وإنني لو ترجمته فسوف أسيء لنفسي وللمؤلّف والقارئ معًا.
بالنظر إلى التقدم التكنولوجي وتطور أدوات الترجمة الآلية، هل تعتقدين أن هناك تهديدًا لمستقبل مهنة الترجمة البشرية؟ وكيف يمكن للمترجمين البشريين البقاء ضروريين وملائمين في هذا السياق المتغير؟
الواقع أنني كنتُ أستبعد أن يهدّد التقدّم التكنولوجي مهنة الترجمة، لكنني لم أعد متأكّدة من ذلك الآن، حيث باتت كلّ المهن والوظائف والحِرَف مهدَّدة، كما أعتقد، لكنني، مع ذلك، أظن أن لا شيء يضاهي الحِسّ البشري في الأعمال الإبداعية، مهما تطوّرت الأدوات المستخدمة، قد يسهل الاعتماد على الترجمة الآلية في مجالات مثل الترجمة الطبّية والقانونية والاقتصادية، على سبيل المثال، لاعتمادها على قوالب وعبارات وصِيَغ محدّدة، ومتكررة؛ بينما تحتمل عبارات النصوص الإبداعية صياغتها بطرقٍ مختلفة عند ترجمتها.
.. لكن مع تزايد التواصل العالمي والتحولات السريعة في العالم الرقمي، هل تعتقدين أن الترجمة اللغوية تؤدي دورًا مهمًّا في تعزيز التفاهم الثقافي ومقارنة الثقافات وأن يؤدي الأدب العالمي دورًا مؤثرًا في تعريف هويات الثقافات المختلفة؟ وهل يمكن أن تسهم الترجمة في تجاوز الصعوبات والتحديات التي يمكن أن تنشأ من التفاعل الثقافي بين مختلف الثقافات في هذا الزمن الحديث؟
هذا بالضبط ما تفعله الترجمة، في رأيي، إنها تُخرج الإنسان من عزلته، واكتفائه بما يعرف، لعوالم أكثر اتساعًا ورحابة. تنقل القارئ إلى مجتمعات أخرى، وتعرّفه إلى بشر آخرين، وشخصيات وحكايات، وهو ما يُسهم في تقليص المساحات التي تفصله عن أفكار غيره من المجتمعات، وتجعله أكثر فهمًا وتقبّلًا لها. أقول دائمًا: إننا بحاجةٍ ماسّةٍ لفهم غيرنا من المجتمعات، وتقبّل عادات الناس وتقاليدهم ومعتقداتهم، دون رفضها أو الاستهانة بها. تؤدي الترجمة هذا الدور بنجاح، وتقدّم لنا ثقافات الشعوب المختلفة، في هيئة كتب تمتعنا وتحثّنا على التفكير.
في عالم الترجمة، يُلاحظ أن هناك تركيزًا كبيرًا على ترجمة الأعمال من الإنجليزية إلى لغات أخرى، بينما تكون نسبة ترجمة الأعمال من لغات أصولها أقل بشكل ملحوظ. ما الأسباب التي ترتبط بهذا التركيز؟ وما الآثار المحتملة لهذا الاتجاه على التنوع الثقافي والأدبي؟ وكيف يمكن ضمان أن الترجمة من لغات أصول النصوص تظل ممثلة دقيقة للأصل ولا تفقد من جودتها أو تعبيرها في الترجمة النهائية؟.. ما دور المترجمين في نقل التفكير الفلسفي والأدبي بدقة وإبداع؟
يعكس الأدب العالمي، الكلاسيكي والمعاصر، طبيعة المجتمع الذي ينتمي إليه المؤلّف، ولسنوات طوال، انحصر اهتمام دور النشر في ترجمة الأعمال المكتوبة باللغتين الإنجليزية والفرنسية، إلى جانب بعض الأعمال الروسية المهمّة. قليلًا ما كنّا نجد أعمالًا مترجمة عن لغات أخرى. يعجبني حرص دور النشر المختلفة اليوم على ترجمة أعمال من شتى أنحاء العالم، حيث ساهم ذلك في تعريفنا بثقافات أوروبية وآسيوية وإفريقية.. صرنا نقرأ مؤلَّفات من فنلندا والنرويج ونيجيريا والمكسيك والبرازيل والهند والصين وكوريا والبرتغال وغيرها.. بعض هذه الأعمال مترجم من لغة الكتابة الأصلية، وبعضها الآخر مترجم من لغة وسيطة، هي الإنجليزية في معظم الأحيان. لدينا اليوم مترجمون متميزون، يجيدون الصينية والألمانية والإسبانية، ويترجمون منها مباشرةً أعمالًا رائعة، لكن لغة كالفنلندية -على سبيل المثال- تعاني من نقصٍ في المترجمين. من يجيدونها، تحدّثًا وكتابةً، لا يعملون في مجال الترجمة، أو يفتقرون إلى موهبة الترجمة، ونتيجةً لذلك تضطر دُور النشر للجوء إلى ترجمة النسخة الإنجليزية من الأعمال المكتوبة بالفنلندية، هذا ما حدث معي عندما ترجمتُ روايتيّ «التطهير» و«حديقة الكلاب» للكاتبة «صوفي أوكسانين».
لا أعتقد أن الترجمة عبر لغة وسيطة تقلّل من قيمة النَصّ الأصلي، فعادةً ما تهتمّ دور النشر الأجنبية بمراجعة وتصحيح الترجمات، قبل إصدارها؛ وعادةً كذلك ما تكون النسخ الإنجليزية مكتوبة بلغةٍ رفيعة. في حالة الشكّ في صحّة المعنى المقصود، بوسعي دومًا كمترجمة مراسلة دار النشر الأجنبية، أو من يمثّل المؤلّف، أو حتّى المؤّلف شخصيًّا -في بعض الأحيان- للتأكّد من المعنى.
تمتلئ الأعمال المعاصرة بمشاهد ومواقف تعكس التحرّر الديني والاجتماعي في المجتمعات غير العربية، فكيف تتعامل بعض دور النشر مع ذلك؟ تسارع بالتدخّل وحذف المقاطع التي تزعجها بالكامل، أو تحاول اختيار كلمات ومفردات بعينها. يزعجني ذلك -بصفةٍ شخصيةٍ- كمترجمة وكقارئة في آن. ما معنى وما جدوى الحذف، وتخفيف الكلمات والعبارات ونحن نعيش في زمنٍ صار بوسعك فيه الاطّلاع على كل ما تريد معرفته وقراءته ورؤيته وسماعه، بضغطةٍ خفيفةٍ على أزرار هاتفك؟!
تشكّل الرقابة التي يفرضها بعض الناشرين، بالإضافة إلى جهات أخرى، جانبًا من التحدّيات المستمرة التي يواجهها المترجم، وعلينا أن نتحلّى بأمانة النقل، كي يتسنّى لنا كقرّاء فهم الهويات الثقافية المتنوعة، وفهم دوافع أحداث العالم، التي تمسّنا وتؤثّر على حيواتنا بطريقةٍ أو بأخرى.
عند عملية تحرير الترجمات، هناك توجهان مختلفان: هناك من يرون التحرير ضروريًّا لتحسين جودة الترجمة وضمان تناسق الأسلوب، بينما يعتبر البعض الآخر أن تحرير الترجمة يمكن أن يشوش على صوت وأسلوب المترجم. في ضوء هذا التحدي الثنائي، كيف يمكن تحقيق التوازن المثالي بين دور المترجم ودور المحرر؟ وما المبادئ التوجيهية التي يمكن أن تساعد في تحديد نقاط البداية والانتهاء لكلٍ منهما؟
أحترم المحرّرين وأقدّر دورهم، وأقوم بتحرير عدد من كتابات أصدقائي، عندما يطلبون منّي ذلك، وأنا مع إخضاع النصوص لعملية تحرير، لتخرج بشكلٍ لائقٍ، في صورتها النهائية. شريطة أن يكون تدخّل المحرّر محدودًا، وأن يتمّ عقب مراجعة المترجم، وبالتنسيق معه، وأن يستمع كل طرف لوجهة نظر الآخر، قبل التعديل. قرأتُ كتبًا لمترجمين كبار، بها أخطاء في فهم المعنى الفعلي، وخاصّة عند ترجمة كلمة أو مصطلح تحتمل أكثر من معنى، وبها عيوب في الصياغة كذلك، وهي أمور كان يمكن تلافيها لو أن النصّ مرّ على محرّر يفهم طبيعة عمله؛ لكن بعض دور النشر تكتفي بشهرة المترجم، ولا تهتم بمراجعة الكتب قبل إصدارها.
جانب كبير من عملية الترجمة يعتمد على الموهبة؛ فالمترجم في حقيقته كاتب. إذا انتفت لديه هذه الصفة، خرجت ترجمته ركيكة، وآلية، لا روح فيها. المحرّر يضبط كتابة المترجم، لكنه سيفشل في هذه المهمّة لو كانت كتابة المترجم رديئة من الأساس.
يظل البعض من المترجمين غير الظاهرين أو المجهولين في مواقعهم بينما ينجح آخرون في إضفاء بصمة شخصية فريدة على ترجماتهم. ما العوامل التي تمكن بعض المترجمين من تحقيق هذه الهوية الفردية المميزة في ترجماتهم؟ وهل يمكن تقديم أمثلة على مترجمين نجحوا في بناء هذه البصمة الشخصية؟ وكيف أثر ذلك على تقدير القراء والمستفيدين من ترجماتهم؟
هناك أسماء أخلصت للترجمة، وقدّمت أعمالًا تشعر وأنت تقرأها بأنها النَصّ الأصلي الذي لم يخضع لإعادة كتابة أو إعادة صياغة. بوسعي ذِكر أسماء كثيرين، لكنني سأكتفي بذكر اسم الدكتور أبو بكر يوسف، أستاذ الأدب الروسي، الذي قرأتُ بفضله أعمال كبار المؤلفين الروس، باستمتاع شديد، وخاصّة أعمال أنطون تشيخوف. ولكن هل أضاف لجمالها جمالًا؟ لا أدري، حقيقةً؛ لأنني لم أقرأها بالروسية، لجهلي باللغة، بطبيعة الحال، لكنني قرأتُ لاحقًا نصوصًا منها بالإنجليزية، فلم تجذبني بالدرجة التي جذبتني بها النسخة العربية التي قام أبو بكر يوسف -رحمه الله- بترجمتها، في السلسلة القديمة الصادرة عن دار نشر «رادوغا».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دور النشر أعمال ا یمکن أن فی هذا وخاص ة
إقرأ أيضاً:
الانتخابات الأمريكية.. البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الأعظم
الكاتبان: د. بلال الخليفة وحسنين تحسين
تستحوذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 على اهتمام عالمي واسع؛ حيث ان اليوم هو موعد الانتخابات الامريكية وانظار العالم اجمع نحو صندوق الانتخابات وما سيفرزه من نتيجة حول فوز من؟ هل سيكون الفائز هو ترامب او هاريس؟، حيث نشر في صحيفة لوموند إن الصين تتابع الحملة الانتخابية الأميركية بأقصى درجات الاهتمام، وهي لا تتساءل عن المرشح الأفضل لمصالحها، لأنها مقتنعة أنه لا وجود له، لكنها تبحث عن "أفضل السيئيْن".
والسبب في ذلك هو لما للولايات المتحدة الامريكية من تأثير كبير في العالم كقوة عسكرية وسياسية واقتصادية، والذي يعنينا الان هو ما للولايات المتحدة الامريكية من قوة اقتصادية كبية، لقد تطور الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير بسبب معدلات الإنتاج الضخمة والتكنولوجيا الرائدة، والهيكل الإداري الكامل، واحتلت منذ فترة طويلة المرتبة الأولى في العالم اقتصاديا، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 50000 دولار أمريكي.
تحتل أمريكا المرتبة الثانية عالميًا في إجمالي الصادرات، وتعد أكبر مُصدر للخدمات في العالم، حيث تمثل الخدمات ثلث إجمالي صادراتها بشكل عام، وأبرز ما تصدر هو: البترول المتكرر، البترول الخام، السيارات، قطع غيار المركبات والدوائر المتكاملة.
بالعموم، ان الاقتصاد والانتخابات مرتبطان فيما بينهما، الأول يتحكم بالثاني والعكس صحيح، خصوصا، فالوضع الاقتصادي يفرض على المرشحين ان يتناغموا مع متطلبات المواطن وبالتالي تحكم الاقتصاد بالانتخابات، اما العكس فيكون البرنامج الاقتصادي للمرشح سيرسم الخارطة الاقتصادية للبلد وفي حال أمريكا سيؤثر في اقتصاد العالم.
كما أن الاقتصاد يمكن أن يكون عاملًا محوريًا في نجاح أو فشل الرؤساء المرشحين، على سبيل المثال؛ كان للأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 تأثيرًا كبيرًا على نتائج انتخابات 2008، حيث ساهمت في فوز باراك أوباما على جون ماكين، لذلك يركز المرشحين على اهم الأمور التي تكزن مهمه في راي الناخب.
مثلا، ترامب أوضح توجهاته على الصعيد الاقتصادي من خلال طرح الأجندة وتتضمن تعزيز الحمائية التجارية من خلال فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، وتعريفة بنسبة 60% على الواردات من الصين، بالإضافة إلى خفض تكلفة استهلاك الطاقة والكهرباء.
اما هاريس، فقد ركزت على بناء النظام الضريبي، ورفع معدل ضريبة الدخل على الشركات الأمريكية إلى 28%.
هذا فيما يخص الداخل ، اما المهم بالنسبة لبقية العالم هو سياسة المرشح الخارجية، بالحقيقة ان نتائج الانتخابات ستكون بثلاث سيناريوات
الأول: فوز ترامب
1 - وهذا له رؤية خاصة بالمنطقة وصرح عنها عند لقاءه بالأمريكان المسلمين وهي ضرورة انهاء الحرب بالمنطقة .
2 - اما فيما يخص الصين او القوى الشرقية فله قول (قال دونالد ترامب إنه إذا عاد إلى البيت الأبيض فإن الصين لن تجرؤ على استفزازه لأن الرئيس شي جين بينغ يعرف أنه "مجنون"، وأوضح ترامب: "أود أن أقول إنه إذا ذهبت إلى تايوان، فأنا آسف لفعل هذا، سأفرض عليك ضريبة بنسبة 150 في المئة، إلى 200 في المئة)". ومثلما قلنا أعلاه انه سيفرض رسوماً جمركية على الصين وخصوصا إذا سعت إلى حصار تايوان.
ومع العرض ان تايوان هي واحدة من اهم نقاط الخلاف لانها تحتوي على اهم المصانع في العالم تصنع المعالجات الرقمية وصناعة اشباه الموصلات التي تستخدم في الصناعة الالكترونية ونحن نعلم ان المعارك الان تدار الكترونيا وتكنلوجيا وبالتالي ان الخطوة الواحدة التي ستشعل الحرب العالمية الثالثة هي تايوان وخصوصا ان بوادرها موجودة وهي حرب اوكرانيا وغزة ولبنان.
3 - اما فيما يخص روسيا فلترامب قول في الرئيس بوتين وهو "لقد كنت على وفاق معه بشكل رائع". وبالتالي انه سيعمل على انهاء الحرب ومحاولة استمالة روسيا بدل استعدائها.
4- فيما يخص الشرق الأوسط فان ترامب واضح بعدم العودة للاتفاق النووي السابق مع ايران و لهذا ترغب دول الخليج العربي بفوزه كونه اشد وضوحًا و مراعاة لحقوق طرف الاتفاق، و يصر ترامب على انه سيحقق صفقة كبيرة مع ايران تُنهي الأزمات معها.
الثاني: فوز هاريس:
1 - ان هاريس صرحت مؤخرا انها مع السلام وانتهاء الحرب أيضا في غزة ولبنان (تفاصيل ذلك توضح لاحقا) .
2 - اما فيما يخص الصين ، انها قد تواصل الخط الدبلوماسي لبايدن، الذي حث حلفاء الولايات المتحدة على رص الصفوف ضد الصين وحاول دفع حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى إدراج التهديد الصيني على جدول أعماله. كما ان اختيارها لفيليب جوردون كمستشار للأمن القومي يشير إلى تحول محتمل في السياسة الأمريكية تجاه الصين، حيث قد يختلف نهج جوردون البراجماتي عن الموقف الأكثر مواجهة لإدارة بايدن.
3 – فيما يخص روسيا: حيث صرحت هاريس أنها لن تلتقي حال فوزها، الرئيس فلاديمير بوتين لبحث الحرب في أوكرانيا، من دون حضور ممثل عن كييف، ان موقفها اكثر تشددا وقالت أيضا قالت المرشحة الديمقراطية "نحن ندعم قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي غير المبرّر".
4- فيما يخص الشرق الأوسط تميل هآريس كما يميل الديمقراطيون إلى عدم كسر ايران و السعي للعودة للاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني و هو ما لا يفضله عرب الخليج كون ان أمريكا هنا لا تراعي مصالحهم.
ثالثا: هو الحرب الاهلية او الفوضى في أمريكا
حتى وان كان الامر مستبعد لكنه محتمل خصوصا ان ترامب صرح عدة مرات بانه سيفوز حتما وغير ذلك يعني تزوير وهذا تصريح برفض نتيجة الخسارة نهائيا، مع العلم بوجود استطلاعات الرأي تشير إلى قلق 27% من الأمريكيين من هذا السيناريو، مما يعكس الانقسام العميق في المجتمع الأمريكي، وكما قال السيناتور الجمهوري جورج لانغ إن "الحرب الأهلية قد تكون ضرورية إذا خسر الجمهوريون الانتخابات الرئاسية في نوفمبر"
خلاصة الامر فيما يخص المنطقة هي ان الحرب ستنتهي بعد الانتخابات لان إسرائيل لا تستطيع ان تتحمل الحرب اكثر ، لكن تؤجل توقف الحراب وتماطل بالمفاوضات كي يكون وقف الحرب هدية للرئيس المقبل بانها نزلت بالسلام لرغبة الرئيس وهو بالتالي قد اوفى بوعوده الانتخابية
وان انتهاء الحرب يعني عودة الاستقرار النسبي لاهم منطقة في العالم من حيث الإنتاج والامتلاك للثروة الهيدروكاربونية وهي اللاعب الأول في الاقتصاد العالمي وكما ان الهدوء سيعم أيضا مضيق باب المندب الذي يؤثر أيضا على خط مهم جدا للتجارة العالمية.
اما المواجهة الاقتصادية مع روسيا والصين فالأمر لن ينتهي وخصوا ان سر قوة أمريكا في عولمة الدولار (او دولرة الاقتصاد العالمي) وان الجبهة الشرقية وبعدما أسست تجمع بريكس وطرحهم لفكرة عملة جديدة للتعامل بينهم (بريكس) فهذا يعني مزيد من التوتر الاقتصادي.