البوابة نيوز:
2025-03-31@21:39:45 GMT

مجتمعات تذبح الإناث

تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT

ليس بعيدًا صوت عميد الأدب العربي طه حسين حين وصف على لسان «آمنة» بطلة روايته «دعاء الكروان» مصرع شقيقتها «هنادي» على يد خالها: «إنما هى صيحة منكرة مروعة تنبعث في الجو، وجسم ثقيل متهالك يسقط على الأرض، وإذا أختي قد صُرِعَت، وإذا خالنا هو الذي صرعها لأنه أغمد خنجره في صدرها. ونحن عاكفتان [أنا وأمي] على هذا الجسم الصريع يضطرب ويتخبط ويتفجر منه الدم في قوة، كما يتفجر الماء من الينبوع.

ونحن عاكفتان في ذهول وغفلة وبله، لم نفهم شيئًا ولم نقدر شيئًا ولم ننتظر شيئًا، وإنما أُخِذَّنا على غُرة أخذًا، واُختطفت هنادي من بيننا اختطافًا، وجسمها يضطرب ويتخبط ودمها يتفجر ولسانها يضطرب ببعض الحديث في فمها، ثم يهدأ الجسم المضطرب، ويسكن اللسان المتحرك، ويخف تفجر الدم، ويمتلئ الجو حولنا بهذا السكون الأليم سكون الموت» (طه حسين، دعاء الكروان، دار المعارف، الطبعة الخامسة عشرة، القاهرة 1976، ص ص 64 – 65).

ألا يُذَّكِرك – عزيزي القارئ – هذا الوصف لوقائع هذه الجريمة البشعة بوقائع مثيلتها التي لا تقل عنها بشاعة وراحت ضحيتها منذ فترة فتاة المنصورة «نيرة أشرف» التي ذُبِحَت في وضح النهار على يد صديق لها؟!.. وهل غاب عن بالنا لحظة وأد البنات في العصر الجاهلي؟ وإذا كان الإسلام استنكر تلك العادات والتقاليد الجاهلية وحرَّمها؛ إلا أن الفكر الديني المتحجر الذي مازال يروج له رجال الدين الكسبة قد رسخ مقولة: «النساء ناقصات عقل ودين»، كما راج في مجتمعاتنا التي يسودها الفكر المعتم النظر إلى المرأة لا بوصفها إنسانًا مثلها مثل الرجل؛ بل بوصفها مصدرًا للغواية والفتنة، وأنها هى التي أخرجت آدم من الجنة بغوايته الأكل من الشجرة الحرام.

    إن المرأة في رأى «عباس محمود العقاد» مثلًا ما هى إلا «حيوان» مثير لغرائز الرجل (هذا أعظم ما تمتلكه المرأة في نظره من مواهب وملكات) مثلها مثل أنثى أى قط أو كلب. إذا نزلت أنثى الكلب الشارع التف حولها عدد كبير من ذكور الكلاب يرغب كل واحد منهم في مضاجعتها، ويفوز بها الكلب الأقوى والأشرس. منظر مألوف نشاهده في شوارعنا وحاراتنا!! لكن المرأة ليست حيوانًا أيها الكاتب الكبير!!.. . إن كراهية «العقاد» للمرأة تفوق الوصف. ولو أن هذه الكراهية جاءت من رجل من عامة الناس لهان الأمر إلى حد ما. أما أن تأتى هذه الكراهية وتلك الاتهامات للمرأة من جانب شخصية بحجم «العقاد»، فإن الأمر يستأهل أن نقف عنده متأملين فاحصين وناقدين أيضًا. إن «العقاد» ليس نكرة بين الناس، بل هو «الكاتب الإسلامى الكبير»، صاحب القلم الحر، إنه مؤلف «العبقريات»، وصاحب كتاب «التفكير فريضة إسلامية». المرأة ليست حيوانًا يا سادة!! المرأة ليست كتلة من الجنس مثيرة لشهوة الرجل، وبالتالى؛ فإن مرضى العقول أولئك الذين لا يرون في المرأة سوى أنها كتلة من الجنس مثيرة لشهوة الرجل، ينادون ليل نهار بضرورة إخفاء كل معالم جسد المرأة وتحويلها إلى شبح أو مجرد مسخ. ولا بأس من ذبحها إذا خرجت عن الدور المرسوم لها!!  إن تصور المرأة على هذا النحو لا ينطوى على إهانة لها وحدها، بل يحمل هذا التصور إهانة للرجل واحتقارًا له بوصفه حيوانًا يثار لمجرد رؤية المرأة، دون رادع من عقل أو قيم أو مبادئ يلجم شهوته!!

إن مَنْ ينادى بأنَّ «البيت» هو المكان الذى خُلِقَت من أجله المرأة، إنما يطالب بأن يقتصر دور المرأة في هذه الحياة على الدور البيولوجى الشهوي، ويصبح محور حياتها علاقتها بجسمها من حيث هو موضوع رغبة الرجل، في الوقت الذى يصبح محور حياة الرجل علاقته بعمله، وبالتالى يتحول اهتمامه بجسمه إلى النظر إليه من حيث هو وسيلته للقيام بدور إنتاجي، لذلك لا يتسم جسم الرجل بذلك القدر من الشهوية الذى يتسم به جسم المرأة، بعبارة أخرى يحقق الرجل شعوره بذاته من خلال عمله، وتحقق المرأة شعورها بذاتها من خلال جسدها، وبخاصةٍ مفاتن هذا الجسد. وفى واقع الأمر، يرجع هذا الفارق إلى عزلة المرأة عن مجال العمل طوال حقب تاريخية كاملة. حرص أصحاب الفكر الديني على ترسيخ الدور القديم للمرأة من حيث هى دمية تتزين لتأسر الرجل وتخلب عقله بمفاتنها الجسمية.

  نحن من جانبنا نرفض النظر إلى المرأة بوصفها مجرد جسد أو دمية، تتزين لإرضاء الرجل، وإشباع غرائزه. فالمرأة إنسان- مثلها مثل الرجل- لها كلُّ الاحترام، لها عقلٌ وفكرٌ ومشاعر، لها مقدرة وإرادة، يجب أن نحترم فيها هذه السمات والخصال كما نحترمها ونقدرها في الرجل. إنَّ المرأة ليست مجرد كائن جنسي، بل هى كائن إنسانى كامل له مطالبه الإنسانية الاجتماعية والذهنية، بجانب مطالبه الجنسية المشروعة، إنَّ المجتمعات السليمة تضع الجنس في موضعه الصحيح من حياة المرأة، بحيث لا يطغى على بقية جوانب حياتها، ودون أن يبتلع حياتها كلها. ولا بدَّ من أنْ نشير إلى حرص أصحاب التيار الدينى على استغلال ظاهرة تحجب المرأة استغلالًا سياسيًا، بوصف هذه الظاهرة معيارًا لقوة هذا التيار وتغلغله في المجتمع، ومن ثمَّ حرص أصحاب هذا التيار على استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتضخيم هذه الظاهرة، والعمل على استفحالها في المجتمع.

نعتقد أنَّه إذا كانت المجتمعات المنغلقة والمتخلفة التى تتسربل برداء الدين - والدين منها براء - تجرد المرأة من إنسانيتها، وتردها إلى مستوى بيولوجى بدائي، مستخدمة في تحقيق ذلك مختلف أشكال القهر والتخويف والوعيد والتهديد بحيث يستقر في وجدان المرأة أنها مجرد جسد يجب إحكام الرقابة وفرض القيود عليه.

بقى أن نقول إننا في حاجة إلى نشر الثقافة الجنسية بين أبنائنا (ذكورًا وإناثًا)، على أن يبدأ هذا التثقيف من عمر مبكر وقبل بلوغ سن العاشرة، فالملاحظ أن الأطفال اليوم يدخلون مرحلة البلوغ الجسدى منذ عمر مبكر، ولكن هذا البلوغ لا يصاحبه بلوغ عاطفي. إن التوعية الجنسية يجب أن تبدأ على يد العائلة والمدرسة، من خلال حديث صريح وعلمى مع الأطفال عن أمور تتعلق بالجنس، وتنبيههم إلى ظاهرة الاعتداء الجنسي. الأهم من ذلك كله يجب على الأب والأم ومؤسسات المجتمع كافة مساندة الطفل والوقوف بجانبه دون تردد حال تعرضه لأى اعتداء جنسي.

إن الحرية المفرطة مثلها مثل الكبت الشديد، كلاهما يؤدى إلى شرور كثيرة، أبرزها اضطراب الإنسان وشذوذ مسلكه. الوسطية والاعتدال هما السبيل الأقوم.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: هنادي المرأة لیست

إقرأ أيضاً:

المفتي: التدبُّر في آيات القرآن واجبة والقراءة فقط ليست كافية

أكد الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- في حديثه الرمضاني، أن القرآن الكريم ليس مجرد كتاب يتلى في المناسبات والأفراح والمآتم، بل هو منهج حياة شامل، وروح تُبعث في القلوب، وهداية تضيء دروب الإنسان في كل خطوة من خطوات حياته.

نور علي تور.. حفل تكريم حفظة القرآن الكريم من أبناء قرية دهتورة بزفتيشارك فيها 500 متسابق .. تكريم الفائزين فى مسابقة حفظ القرآن الكريم بقرية مشتهر بطوخ

وأوضح مفتي الجمهورية، أن شهر رمضان المبارك هو شهر القرآن، شهر التفكر والتدبر في آيات الله، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم ليس مجرد نصوص محفوظة، بل هو رسالة حياة تنير القلوب وتوجهها نحو الطمأنينة والسكينة.

وأضاف قائلاً: "لنلاحظ قول الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52]، فكأن القرآن هو الحياة الحقيقية، فمن اتصل به شعر بالنور في قلبه، ومن ابتعد عنه عانى من القلق والاضطراب".

وأكد الدكتور نظير عياد أن القرآن الكريم ليس للعبادة فقط، بل هو هداية شاملة تمتد إلى الأخلاق والمعاملات والعلاقات الدولية وكافة مناحي الحياة، مستشهدًا بقوله تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].

كما أشار إلى أن كثيرًا من الناس يعانون من الضيق والاكتئاب ويبحثون عن العلاج في أماكن متعددة، والواقع أن العلاج الحقيقي موجود في القرآن الكريم، إذ يقول الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].

ودعا مفتي الجمهورية إلى ضرورة التدبر في آيات القرآن وعدم الاكتفاء بمجرد التلاوة، موضحًا أن تدبُّر القرآن يعني أن يسأل الإنسان نفسه: ماذا يريد الله تبارك وتعالى منا في هذه الآية؟ وكيف يمكن توظيفها في حياتنا؟ وكيف نعيش معاني الرحمة والصبر والتقوى التي يدعونا إليها القرآن الكريم؟

وأشار إلى أهمية تحويل آيات القرآن إلى أفعال عملية وواقع تطبيقي في الحياة اليومية، مؤكدًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، كما ورد في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها عندما قالت: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ"، مما يوضح أن القرآن ليس مجرد نظرية بل دستور عملي ينبغي اتباعه.

وأوضح مفتي الجمهورية أنَّ العاقل هو من يجعل القرآن منهجًا لحياته ويحرص على تدبره بدلًا من القراءة السريعة دون تفكُّر. مستشهدًا بقول الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].

وشدَّد على أهمية ربط الأبناء بالقرآن الكريم منذ الصغر، ليصبح جزءًا رئيسيًّا من حياتهم؛ مما يسهم في تنشئة جيل يحمل في قلبه نور القرآن وروحه. ودعا الجميع إلى استثمار أوقاتهم في قراءة القرآن وتدبره، موضحًا أن ذلك من أعظم أبواب الرضوان وحسن الإيمان.

وختم مفتي الجمهورية حديثه داعيًا المسلمين إلى أن يكون لهم وقت ثابت مع القرآن يوميًّا، ولو لبضع دقائق، لإحياء القلوب وتوطيد العلاقة مع كتاب الله، معتبرًا أن ذلك يعكس توقيرًا واحترامًا لكلام الله عز وجل.

مقالات مشابهة

  • ليست عضة زومبي.. لاعب بولونيا يوضح سبب العلامة الغريبة على رقبته
  • فيلم وولف مان.. الذئاب تبكي أحيانا
  • سحرة حميدتي
  • احذر .. خطأ شائع في صلاة العيد يبطلها ويضيع ثوابها
  • ترامب يربك أوروبا.. أوكرانيا ليست الحالة الوحيدة
  • المفتي: التدبُّر في آيات القرآن واجبة والقراءة فقط ليست كافية
  • البرغوثي: المشكلة ليست في حماس بل بـالصهيونية (شاهد)
  • رداً على ادعاءات فانس عن غرينلاند..الدنمارك: ليست طريقة عادلة
  • أبو كلل: القضية الفلسطينية ليست شيعية فقط،.. و لا للقرارات الارتجالية في قضايا الحرب
  • أم “زومبي” تذبح طفلها بعد رحلة مُثيرة إلى ديزني لاند