د. محمود البلوشي

بحلته الجديدة ظهر حصن الخابورة الشهير الشامخ وانتعشت الحياة فيه من جديد بعد أن تم استثماره من قبل أحد رجال الأعمال بالولاية، وابتهج بذلك أبناء الخابورة رجالا ونساء كهولا وشبابا وبدت الخابورة كأنها تعيش حقبة حضارية جديدة لأقدم معلم في الولاية الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن التاسع عشر الميلادي.

واستُخدم حصن الخابورة قديمًا للحكم وإدارة شؤون الولاية نظرا لموقعه الاستراتيجي ويتكون حصن الخابورة من عدة غرف منها غرف الجلوس وغرف للزوار وغرف لتخزين المواد الغذائية والأسلحة وغرف لسكن حراس الوالي (عسكر الوالي) إضافة إلى السكن الخاص بالوالي وأسرته، والحصن مبني من الطوب الطيني وتم ترميمه من قبل وزارة التراث والثقافة عام 1994م ويوجد بالحصن أيضاً برجان الأول دائري الشكل والثاني مستطيل الشكل ويبلغ طول الحصن 53 مترا وعرضه 24 مترا ويطل بإطلالة مهيبة على بحر عمان، ويوجد بالحصن مكان يسمى البرزة مخصص للاجتماعات بين الوالي وشيوخ وأعيان ورشداء الولاية وأيضًا تستخدم البرزة للوقوف والفصل في النزاعات الدائرة بين أبناء الولاية وسجنا للمخالفين. وفي تلك البرزة اجتمع السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- مع شيوخ الولاية عام 1971، ومن بعد الاجتماع بالشيوخ والرشداء توجه السلطان لتناول وجبة الغداء ببيت الشيخ سلطان بن سيف الحوسني- رحمه الله- بالهجاري ومن ثم تابع السلطان الراحل رحلته إلى ولاية عبري عبر طريق وادي الحواسنة.

ومن المعالم البارزة والمجاورة للحصن من جهة الغرب مدرسة الحواري بن مالك، وهي أول مدرسة في الولاية ومن أقدم مديريها الحاج خميس بن محمود والأستاذ حمد بن خليفة والأستاذ راشد العدواني، والفرضة وهي مطلة على البحر مباشرة وتستخدم لتحصيل الجمارك سابقاً للسفن القادمة من الهند ومن أفريقيا وإيران ويديرها الحاج سعيد محمود البلوشي رحمة الله عليه والمعروف بين أبناء الولاية (راعي الفرضة).

أما من جهة الشرق فتوجد محكمة الخابورة القديمة وعلى البحر مباشرة يطل مستشفى الخابورة ونادي الخابورة الذي يُدار من شيوخ الولاية وهم أبناء الشيخ المرحوم سلطان بن سيف الحوسني وأولاده، ويوجد أيضا في نفس المنطقة سوق الخابورة القديم الشهير والذي يعد من أقدم الأسواق في السلطنة ويرتاده الناس إلى اليوم ومن أشهر تجاره أولاد الحاج حيدر وفي مقابل الحصن يوجد محل صغير بقالة لشخصية يعرفها أبناء الخابورة إلى اليوم بدكان "حياة يتوم".

ويوجد في ولاية الخابورة سبع قلاع وواحد وعشرون حصنًا، أشهرها حصن الخابورة، ومنها: (حصن الهجاري والقصبية والبديعة والعقلي وسور قطيط وسور الدواحنة وفلج بني ربيعة والخبت وخزام وسهيلة)، وبها أبراج شهيرة مثل: (برج القصف وبرج البديعة وبرج المثار وبرج البومة). وكانت تقام أمام مبنى الحصن مباشرة احتفالات السلطنة بالأعياد الوطنية، ويتم أيضًا من الحصن إطلاق المدفع أيام الأعياد وأيام شهر رمضان؛ حيث يوجد أمام مبنى الحصن مدفعان باتجاه بحر عمان، ويعد حصن الخابورة واجهة أمنية عسكرية لحماية الولاية من أي هجوم بحري وتسترشد به السفن القادمة إلى فرضة الخابورة لتنزيل وتحميل السلع.

واليوم والحمد لله وبناء على أوامر القيادة الرشيدة السامية بتشجيع الاستثمار ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- على الاستفادة من المعالم الأثرية وتحويلها إلى معالم سياحية وحث أصحاب السعادة محافظي المحافظات على ذلك، يصبح حصن الخابورة اليوم وجهة سياحية تراثية جميلة وستبدأ الفعاليات والسمرات والندوات في ذلك الحصن الشامخ.

في الختام.. نتقدم الشكر الجزيل لمعالي وزير التراث والسياحة والشكر موصول إلى سعادة محافظ الباطنة شمال وسعادة والي الخابورة وكافة شيوخ ورشداء وأعيان الولاية، ونتمنى أن نرى قريبًا كافة الحصون والقلاع في السلطنة قد تحولت إلى وجهات سياحية ونزل تراثية يتم التسويق لها عالميًا.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ما حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية؟.. الإفتاء: جائز شرعًا ويظهر التعايش أبناء الوطن الواحد

أوضحت دار الإفتاء المصرية مع قرب قدوم بداية العام الجديد 2025، حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية، وذلك تزامناً مع تساؤل الكثير من الأشخاص عن شرعية مظاهر الاحتفال مثل تعليق الزينة وغيرها.

الاحتفال برأس السنة الميلادية

وكشفت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية الإلكترونية أن الاحتفال ببداية السنة الميلادية المؤرخ بيوم ميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام بما يتضمنه من مظاهر الاحتفال والفرح جائزٌ شرعًا، ولا حرمة فيه، فهو من جملة التذكير بأيام الله، وصار مناسبة اجتماعية ومشاركة وطنية، وما دامَ أنَّ ذلك لا يُلزِم المسلمين بطقوسٍ دينيةٍ أو ممارسات تخالف عقائد الإسلام أو يشتمل على شيء محرم فليس هناك ما يمنعه من جهة الشرع.

حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية

وأكدت دار الإفتاء أن الاحتفال برأس السنة الميلادية مناسبة تتناولها مقاصد اجتماعية، دينية، ووطنية، فإنَّ الناس يودِّعون عامًا ماضيًا ويستقبلون عامًا آتيًا حسب التقويم الميلادي الـمُؤَرَّخ بميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، والاختلاف في تحديد مولده عليه السلام لا يُنَافي صحَّة الاحتفال به، فإنَّ المقصودَ إظهار الفرح بمضي عام وحلول عام، وإحياء ذكرى المولد المعجز لسيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، مع ما في ذلك من إظهار التعايش والمواطنة وحسن المعاملة بين المسلمين وغيرهم من أبناء الوطن الواحد، ومن هنا كان للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة عدة مقاصد، وكلُّها غيرُ بعيد عن قوانين الشريعة وأحكامها.

مقاصد الاحتفال برأس السنة الميلادية

كما أوضحت دار الإفتاء مقاصد الاحتفال برأس السنة الميلادية، وهي كالآتي:

- بيان المقصد الاجتماعي من الاحتفال برأس السنة الميلادية

أما المقصد الاجتماعي: فهو استشعار نعمة الله في تداول الأيام والسنين، ذلك أنَّ تجدُّد الأيام وتداولها على الناس هو من النعم التي تستلزم الشكر عليها، فإن الحياة نعمة من نعم الله تعالى على البشر، ومرور الأعوام وتجددها شاهد على هذه النعمة، وذلك مما يشترك فيه المجتمع الإنساني ككلّ، فكان ذلك داعيًا لإبراز معاني التهنئة والسرور بين الناس، ولا يخفى أن التهنئة إنما تكون بما هو محلّ للسرور، وقد نص الفقهاء على استحباب التهنئة بقدوم الأعوام والشهور، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 283، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال القمولي: لم أر لأحد من أصحابنا كلامًا في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك: بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه: أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة. انتهى] اهـ.

- بيان المقصد الديني من الاحتفال برأس السنة الميلادية

أما المقصد الديني: فهو يوافق مولد نبي من أنبياء الله تعالى وهو سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، ولمولده منزلة وقدسية خاصة في الإسلام، فإنه المولد المعجز الذي لا مثيل له في البشر، حيث خُلِقَ من أم بلا أب، قال تعالى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]، وقد صاحب مولدَه من الآيات الكونية والمعجزات الإلهية ما لم يتكرر في غيره، حتى ذكروا أن الله تعالى أجرى النهر في المحراب للسيدة البتول مريم عليها السلام، وأوجد لها التمر في الحال من جذعٍ يابس في الشتاء في غير وقت بدوِّ ثمره، كي يطمئن قلبها وتطيب نفسها وتَقَرَّ عينها، بعد ما ألجأها ألم الولادة والطلق إلى جذع النخلة تستند إليه وتستتر به، وبهذا يُرَدُّ على منكري الاحتفال بمولد سيدنا عيسى عليه السلام متعلِّلين بأنه في غير وقته، لأن بدوَّ التمر إنما يكون في الصيف وهو وقت تأبير النخل، لا في الشتاء، متناسين أن الإعجاز الإلهي قد احتف بهذا المولد المبارك المجيد في زمانه وأوانه، كما حف به في ملابساته وأحواله.

والفرح بيوم مولده المعجز هو أمر مندوب إليه، فإن القرآن الكريم قد خلّد ذِكْرَه بتفاصيله في سورة مريم، وأمر حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم بتذكُّرِه فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 16-33]، والمسلمون يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، وهم كما يفرحون بمولد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يفرحون بأيام ولادة الأنبياء والرسل أجمعين، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورًا ورحمة، فإنهم أكبر نِعم الله تعالى على البشر، والأيام التي وُلِدَ فيها الأنبياء والرسل أيامُ سلام وبركة على العالمين، وقد نص الله تعالى على ذلك، فقال عن سيدنا يحيى عليه السلام: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 15]، وقال على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33].

كما أن في الاحتفال به امتثالًا للأمر القرآني بالتذكير بأيام الله تعالى وما فيها من نعم وعبر وآيات، قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5].

- بيان المقصد الوطني من الاحتفال برأس السنة الميلادية

أما المقصد الوطني: فهو عيدٌ لشركاء الوطن من غير المسلمين، وقد أقرّ الإسلام أصحاب الديانات السماوية على أعيادهم، كما جاء في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا اليَوْمُ».

والشركة في الوطن تستلزم التلاحم والتشارك بين أفراده حتى لو اختلفت أديانهم ومعتقداتهم، وقد جاء الشرع بعوامل استقرار الأوطان، فإن الوطنية معنًى كليٌّ جامع يحوي العديد من حلقات الترابط الإنساني، كالجوار، والصحبة، والأخوة، والمعاملة، ولكل رابطة حقٌّ تصب مراعاتُه في صالح استقرار الأوطان والتلاحم بين أهل الأديان، وقد حثت الشريعة على كل حق منفردًا، وكلما زادت الروابط والعلاقات كلما تأكدت الحقوق والواجبات، فإذا اجتمعت هذه الروابط كلها في المواطنة كانت حقوقها آكد وتبعاتها أوجب.

اقرأ أيضاًحصاد دار الإفتاء 2024.. 50 إصدارا متنوعا بين الدراسات الموسعة والخطط الاستراتيجية

مفتي الجمهورية يوجِّه بوضع توصيات الندوة الدولية الأولى لدار الإفتاء حيِّز التنفيذ

بهدف إحياء تراثه.. دار الإفتاء تطلق مركز الإمام الليث بن سعد لفتاوى التعايش

مقالات مشابهة

  • مجاهدي سيناء: أفراح بالشيخ زويد بعد قرار الرئيس السيسي بالإفراج عن 54 من أبناء المحافظة
  • برلماني: العفو الرئاسي عن 54 مسجونا خطوة أفسدت إدعاءات الجماعة الإرهابية
  • ما حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية؟.. الإفتاء: جائز شرعًا ويظهر التعايش أبناء الوطن الواحد
  • الزمالك ضد طلائع الجيش.. جروس يبحث عن الفوز الأول في الولاية الثانية
  • والي شمال كردفان: الولاية الأولى في استقبال النازحين والفارين من الحرب
  • منطقة النرجس في التجمع الخامس.. وجهة سكنية متميزة
  • دبا الحصن.. مشاريع بنية تحتية لخدمة السكان وتحسين حياتهم
  • متنزه الحبشي في الباحة.. وجهة سياحية تجمع جمال الطبيعة ووسائل الترفيه
  • الولاية القضائية العالمية وعدم الافلات من العقاب
  • المزروعي: الإمارات وجهة مثالية لتأسيس المشاريع المبتكرة