لا يزال من المستحيل استيعاب هذه الأيام الحالكة، شديدة الحلكة، التي بدأت بصافرات إنذار تقتلعنا من نومنا في صباح يوم السبت، اليوم الذي يبدو ألا نهاية له، وليس من المحتمل أن ينتهي قبل أيام كثيرة قادمة. لم يزل يؤلمني تصور أولئك المخطوفين وهم في قطاع غزة، وكلما أفكر فيهم تنضاف طبقة من الرعب على جلدي، ولم تزل صور وأخبار الجثث المتناثرة في كل مكان، والأسر المحتجزة المتخذة دروعا بشرية في بيوتها على أيدي مقاتلي حماس، تسيطر على عقلي وتوقف قلبي عن النبض.

لقد اتخذت الصدمة الهائلة الناجمة عن هجوم حماس على البلدات الجنوبية أشكالا عديدة مع مرور الساعات: من خوف إلى قلة حيلة إلى غضب، وفوق ذلك كله إحساس عميق بالفوضى. فالإخفاقات الهائلة لحكومة بنيامين نتانياهو والجهاز الأمني تتلاقى في إحساس بانهيار كامل. ونظام الاستخبارات ـ الذي يراقب كل كبيرة وصغيرة في حياة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ـ لم تكن لديه معرفة سابقة بالهجوم، فبقي المدنيون بلا حماية طوال ساعات كثيرة أمام مقاتلي حماس الذين حبسوهم في بيوتهم وذبحوهم بلا تدخل عسكري من الجيش المكلف بحماية كل مستوطن في الضفة الغربية في أي لحظة.

نحن مصدومون من الافتقار إلى معلومات يعتمد عليها خلال ساعات طوال بحث فيها الناس في يأس عن أقارب وأصحاب مفقودين، وغرقت شبكات التواصل الاجتماعي في طوفان من الصور لأحباء اختفوا. ونشهد الآن غياب الإمدادات الكافية والغذاء لقوات الاحتياط التي بعثت على عجل إلى خطوط المواجهة مع حماس، تاركين للمدنيين في كل مدينة وبلدة مهمة تنظيم المواد التي يحتاجون إليها.

في يوم الأحد، أعلن نتانياهو الحرب رسميا، والآن في هذه اللحظة، إسرائيل كلها في حرب. فالصواريخ التي أسقطت في قلب تل أبيب والقصف الذي تعرضت له بلدات شمالية أحالت البلد كله إلى ساحة قتال، ولو في التصور العام.

وهنا في القدس نحاول أن نتشبث بالأمل في أن حماس لن تطلق صواريخ إلى المدينة بسبب قرب المسجد الأقصى، لكن القلق العام لم يزل يعترينا. أغلقت المدارس، شأن كل الأنشطة، ولا يظهر في الشوارع غير قليل جدا من الناس. وكل من لا يرغمه شيء على غير البقاء في منزله فهو باقٍ فيه. في ليلة السبت، بعد ساعات من التحديق القلق في التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، أصاب الذعر ابنتي خوفا من أن يشق مقاتلو حماس، المسلحون الذين لا يزالون داخل المناطق الإسرائيلية، طريقهم إلى القدس ويهاجموننا في بيتنا. ولم تهدأ قليلا إلا بعد جولة شاملة في الملاجئ العامة في الحي فتمكنت من النوم.

في غمار الفوضى التامة، خاطب نتانياهو المواطنين في وقت متأخر من يوم السبت، فلم يقل غير كلام أجوف وشعارات من قبيل «سوف ننتصر» و«سوف نرد لهم الضربة». وهو رجل كثير الشعارات. يتعهد بأن إسرائيل سوف «تنتقم بقوة»، وبأن «العدو سوف يدفع ثمنا لم يسبق له مثيل»، وسوف يتعرض «لنيران ذات حجم لم يعرفه العدو من قبل».

هذه اللغة مقصودة. ففي حين أن الشعب الإسرائيلي المصدوم ليس مؤهلا بعد للتأمل السياسي والأخلاقي العميق الذي تستوجبه هذه الكارثة، لكن الغضب المنصب على نتانياهو محسوس فعليا. فقد قام رئيس الوزراء المتورط في إجراءات قانونية بتعيين أناس ملائمين لاحتياجاته السياسية وما هم غير صقور متطرفين، فضلا عن افتقارهم البالغ إلى الحرفية، وكلفهم بمهمة الأمن. ويعدّ نتانياهو الآن عن حق مسؤولا مسؤولية شخصية. وهو يسعى إلى الإفلات سياسيا بجلده، وذلك مرة أخرى من خلال حث الكينيست على تشكيل حكومة وحدة طارئة، شبيهة بالتي شكلها قبل ثلاث سنوات مع زعيم حزب الوحدة الوطنية بيني جانتز بذريعة الاستجابة لفيروس كورونا. لكن حتى دونما تشكيل حكومة وحدة طارئة، تدعم المعارضة اليهودية في الكينيست دعما كاملا هجمة الحكومة المميتة على غزة. وليست المعارضة وحدها في ذلك، فكثير من الإسرائيليين يريدون أن يروا قطاع غزة كاملا يدفع ثمنا غير مشهود من قبل.

وهذه الرغبة الشعبية في الانتقام مفهومة ومرعبة في آن واحد، لكن محو أي خط أحمر يبقى دائما أمرا مخيفا.

من المهم أن نقلل أو نجتنب الأفعال التي قامت بها حماس، لكن من المهم أيضا أن نذكّر أنفسنا بأن كل ما يقع علينا الآن إنما كنا نوقعه بالفلسطينيين على مدار سنين، من إطلاق النار العشوائي، حتى على الأطفال وكبار السن، واقتحام البيوت وإحراقها واتخاذ رهائن لا من المقاتلين وحدهم وإنما من المدنيين الأطفال وكبار السن. وإنني أذكِّر نفسي دائما بأن تجاهل هذا السياق إنما هو تخلٍّ عن بعض إنسانيتي. لأن العنف دونما أي سياق لا يفضي إلا إلى رد فعل واحد هو الانتقام. وأنا لا أريد الانتقام من أحد. لأن الانتقام نقيض الأمن، ونقيض السلام، وهو أيضا نقيض العدل. وما هو غير مزيد من العنف.

وأؤكد أن هناك جرائم وفرة وجرائم جوع، ونحن لم ندفع غزة فقط إلى شفا المجاعة، بل لقد وصلنا بها إلى حالة الانهيار. وذلك دائما باسم الأمن. فكم من الأمن لقينا من جراء ذلك؟ وإلى أين تمضي بنا جولة جديدة من الانتقام؟

لقد اقترفت جرائم رهيبة بحق الإسرائيليين يوم السبت الماضي، جرائم لا يمكن أن يستوعبها العقل، وهذا الوقت وقت حزن، ولكني أتشبث في شيء واحد لم يبق لي ما أستند إليه غيره: إنسانيتي. إيماني المطلق بأن الجحيم غير مقدور، لا علينا ولا عليهم.

أورلي نوي كاتبة وصحفية من القدس المحتلة

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

د.رضا مراد لـ " الوفد" : الكوتة النسائية هي الحل الأمثل في المجتمعات النامية

في خضم النقاشات حول حقوق المرأة وتمكينها من العمل ووصولها إلى أعلى المناصب ، سلطت دكتورة رضا مراد، عضو لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان، اهتمام الدول العربية بتمكين المرأة والشباب في جميع المجالات، موضحة أن المرأة المصرية واللبنانية لها باع طويل في العمل العام والدبلوماسي ، وأن النساء في عمان لهم النسبة الأكبر في الأبحاث العلمية والبعثات التعليمية .

وعن رأيها حول فعالية الكوتة النسائية لتعزيز حقوق المرأة ، قالت د. مراد  لـ"الوفد" : " أنها تعتبر جيدة للمجتمعات النامية، لكنها ليست الحل الأمثل. حيث قالت: "في المجتمعات النامية، الكوتة قد تكون ضرورية، ولكن مع تقدم المجتمع،  تُمنح المرأة الفرصة الكاملة لتحقيق حقوقها بشكل متساوٍ مع الرجل ولا تحتاج لنظام الكوتة ، رغم انها اشارت إلى وجود بعض العنصرية في المجتمعات الغربية ولكنها غير ظاهرة  بوضوح مثل المجتمعات العربية. وهذا يعكس رؤية عميقة حول أهمية التوازن بين توفير الدعم للمرأة وتمكينها لتكون قادرة على المنافسة على قدم المساواة.

 الحقوق والتحديات

رغم التقدم الملحوظ، اعترفت د. مراد بوجود تحديات تواجه تمكين المرأة في بعض المجتمعات العربية، موضحة أن تطبيق القوانين الإسلامية التي تضمن حقوق المرأة لم يتم بشكل كامل في العديد من الدول العربية. وأشارت إلى أن "النظام الإسلامي أعطى المرأة حقوقًا وامتيازات عالية، لكن هذه الحقوق تحتاج إلى تطبيق فعّال في العالم العربي."

جاءت تصريحاتها لـ" الوفد "على هامش  اجتماع لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان برئاسة المستشار جابر المري  لمناقشة التقرير الأول الذي قدمته سلطنة عمان عن حقوق الانسان، واستعرضت  د. رضا جهود سلطنة  عمان في تعزيز حقوق المرأة ، مشيرة إلى أن عمان تُعدّ نموذجًا يحتذى به في العالم العربي. وقالت : " رغم التحديات التي تواجهها النساء في المنطقة، فإن التجربة العمانية تبرز نجاحات ملحوظة في مجالات التعليم والتمكين الاقتصادي، مما يفتح حوارًا أوسع حول دور السياسات الحكومية في تحقيق العدالة الاجتماعية.

 المرأة العمانية 

وأوضحت دكتورة مراد التزام عمان بتعزيز حقوق المرأة وذوي الإعاقة، مع التركيز على الإنجازات التعليمية والاجتماعية. كما تشير إلى ضرورة إدراك المجتمع العربي لحقوق المرأة وفقًا للمعايير الإسلامية، مما يعكس الفجوة بين القوانين المقررة والواقع العملي. تسلط هذه المناقشات الضوء على أهمية تبني سياسات فعّالة تضمن حقوق المرأة على جميع الأصعدة، مما يستدعي من الدول العربية النظر في تجارب مثل التجربة العمانية كمصدر إلهام للتغيير الإيجابي.

وتحدثت د. مراد عن المميزات العديدة التي تتمتع بها النساء العمانيات، من بينها توفير رواتب عادلة، خصومات، ومبادرات إدماج في المجتمع. وأكدت أن هذه السياسات تشمل أيضًا التعليم والبحث العلمي، حيث حققت النساء العمانيات نسبة 53% في مجالات البعثات التعليمية وهذا جاء نتيجة النسب المرتفعة من  مشاركة المرأة في الأبحاث للعلمية،  واعتبرت أن هذه النسب تعكس التزام عمان بتعليم المرأة وتمكينها ، مشيرة إلى أن ما يميز التجربة العمانية هو الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة للمواطن العماني والذي يأتي في المرتبة الأولي

 

مقالات مشابهة

  • أمام الكنيست..نتانياهو: بعض التقدم في المفاوضات للإفراج عن الرهائن في غزة
  • إفيه يكتبه روبير الفارس: "المنتقم السعيد"
  • "حمض الأزيلايك" الحل السحري للرؤوس السوداء وحب الشباب
  • فيديوهات الانتقام تغضب السوريين.. مصادر لـبغداد اليوم: الوية الجولاني تستشعر الخطر في 19 بلدة
  • ميقاتي من الخيام: نشعر بألم كبير جراء الدمار الحاصل وإسرائيل تماطل بتطبيق الـ1701
  • د.رضا مراد لـ " الوفد" : الكوتة النسائية هي الحل الأمثل في المجتمعات النامية
  • غانتس يتهم نتانياهو بتدمير صفقة الرهائن
  • مضيفة سابقة في طيران الإمارات تكشف الحيلة النفسية لتهدئة الركاب
  • شرط قديم جديد..نتانياهو: لن أوقف الحرب في غزة قبل القضاء على حماس
  • إذا سافر إلى بولندا..وارسو: سنعتقل نتانياهو